يتم التحميل...

أَحْداثُ الكُوفَةِ

محطات من محرم الحرام

كانَ الكُوفِيُّونَ يُكاتِبُونَ الإِمامَ الحُسَيْنَ عليه السلام ، بَعْدَ اسْتِشْهادِ الإِمامِ الحَسَنِ عليه السلام ، باذِلِينَ لَهُ الطَّاعَةَ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى القِيامِ وَالنَّهْضَةِ ضِدَّ السُّلْطَةِ، حَتَّى إِذا ما بَلَغَهُمْ تَسَلُّمُ يَزِيدَ، إِمارَةَ المُسْلِمِينَ، كاتَبُوا الإِمامَ عليه السلام وَبايَعُوهُ؛ وَمِنْ رَسائِلِهِمْ:

عدد الزوار: 107

الكُوفَةُ:
كانَ الكُوفِيُّونَ يُكاتِبُونَ الإِمامَ الحُسَيْنَ عليه السلام ، بَعْدَ اسْتِشْهادِ الإِمامِ الحَسَنِ عليه السلام ، باذِلِينَ لَهُ الطَّاعَةَ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى القِيامِ وَالنَّهْضَةِ ضِدَّ السُّلْطَةِ، حَتَّى إِذا ما بَلَغَهُمْ تَسَلُّمُ يَزِيدَ، إِمارَةَ المُسْلِمِينَ، كاتَبُوا الإِمامَ عليه السلام وَبايَعُوهُ؛ وَمِنْ رَسائِلِهِمْ: "إِنَّا قَدْ حَبَسْنا أَنْفُسَنا عَلَيْكَ، وَلَسْنا نَحْضُرُ الصَّلاةَ مَعَ الوُلاةِ، فَأَقْدِمْ عَلَيْنا، فَنَحْنُ في مِئَةِ أَلْفٍ؛ وَقَدْ فَشَى الجَوْرُ، وَعُمِلَ فِينا بِغَيْرِ كِتابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ؛ وَنَرْجُو أَنْ يَجْمَعَنا اللهُ بِكَ عَلَى الحَقِّ، وَيَنْفِيَ عَنَّا بِكَ الظُّلْمَ، فَأَنْتَ أَحَقُّ بِهَذا الأَمْرِ مِنْ يَزِيدَ، الَّذِي غَصَبَ الأُمَّةَ فَيْئَها، وَشَرِبَ الخَمْرَ، وَلَعِبَ بِالقُرُودِ وَالطَّنابِيرِ، وَتَلاعَبَ بِالدِّينِ".

لَكِنَّ الصَّادِقِينَ مِنْهُمْ قَلِيلٌ، إِذْ كانَ الشَّلَلُ النَّفْسِيُّ، وَمَرَضُ ازْدِواجِ الشَّخْصِيَّةِ، وَحُبُّ الدُّنْيا، وَكَراهِيَةُ المَوْتِ، قَدْ تَفَشَّتْ في حَياتِهِمْ؛ إِضافَةً إِلَى رَسائِلِ المُنافِقِينَ، وَالَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، وَالَّتِي أُرْسِلَتْ إِلَى الإِمامِ عليه السلام لِتُبايِعَهُ، مُدَّعِينَ الطَّاعَةَ لَهُ، وَالاسْتِعْدادَ لِنُصْرَتِهِ. فَأَرْسَلَ الإِمامُ الحُسَيْنُ عليه السلام سَفِيرَهُ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ رضي الله عنه ، لِيُهَيِّئَ لَهُ قاعِدَةَ النَّهْضَةِ، حَتَّى إِذا ما لَمَسَ صِدْقَهُمْ، تَوَجَّهَ إِلَيْهِمْ، مُلَبِّيًا دَعْوَتَهُمْ.

مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ رضي الله عنه :
مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طالِبٍ رضي الله عنه ، مِنْ أَصْحابِ الإِمامِ عَلِيٍّ وَالحَسَنَيْنِ عليهم السلام ، وَجُنْدِهِمْ. تَزَوَّجَ مِنْ رُقَيَّةَ بِنْتِ الإِمامِ عَلِيٍّ‏ عليه السلام.

يُذْكَرُ أَنَّ الإِمامَ عَلِيًّا عليه السلام ، قالَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم : "يا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ لَتُحِبُّ عَقِيلًا؟".

فَأَجابَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم : "حُبًّا لَهُ، وَحُبًّا لِحُبِّ أَبِي طالِبٍ لَهُ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مَقْتُولٌ في مَحَبَّةِ وَلَدِكَ...".

وَكانَ مُسْلِمٌ رضي الله عنه مِثالًا سامِيًا في الأَخْلاقِ الإِسْلامِيَّةِ، وَفي الشَّجاعَةِ وَالجُرْأَةِ وَالبَأْسِ خاصَّةً.

وُصُول مُسْلِمٍ رضي الله عنه إِلَى الكُوفَةِ:
وَصَلَ مُسْلِمٌ رضي الله عنه إِلَى الكُوفَةِ، في 5 شَوَّالَ، وَالْتِزامًا بِوَصِيَّةِ الإِمامِ الحُسَيْنِ عليه السلام ، كانَ لا بُدَّ مِنْ نُزُولِهِ "عِنْدَ أَوْثَقِ أَهْلِها"، الَّذِي لا يُمْكِنُ تَحْدِيدُهُ عَلَى وَجْهِ اليَقِينِ، إِلَّا أَنَّ الرَّاجِحَ، أَنَّهُ نَزَلَ في دارِ عَوْسَجَةَ، وَلَعَلَّها هِيَ دارُ الشَّهِيدِ مُسْلِمِ بِنِ عَوْسَجَةَ، أَوْ دارُ والِدِهِ. وَرُوِيَ أَنَّهُ نَزَلَ في دارِ المُخْتارِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ المُرادَ نُزُولُهُ في الدَّارِ، الَّتِي عُرِفَتْ فِي ما بَعْدُ، بِدارِ المُخْتارِ.

النُّعْمانُ بْنُ بَشِيرٍ:
كانَ والِيَ الكُوفَةِ، حِينَ دَخَلَها مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ رضي الله عنه ، النُّعْمانُ بْنُ بَشِيرٍ، وَهُوَ مِنَ (الأَنْصارِ)، وَلَهُ وَلِأَبِيهِ تارِيخٌ أَسْوَدُ في خِدْمَةِ الحُكْمِ الأُمَوِيِّ؛ وَقَدْ ظَلَّ مُناوِئًا لِأَهْلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ عليهم السلام ، حَتَّى ماتَ. وَكانَ النُّعْمانُ يُجاهِرُ بِبُغْضِ الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام ، وَيُسِيءُ القَوْلَ فِيهِ، وَحارَبَهُ، وَقادَ بَعْضَ الحَمَلاتِ الإِرْهابِيَّةِ عَلَى بَعْضِ المَناطِقِ العِراقِيَّةِ، المُوالِيَةِ لِأَهْلِ البَيْتِ عليهم السلام.

وَمِنْ أَسْبابِ تَراخِي مَوْقِفِ النُّعْمانِ، إِثْرَ دُخُولِ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ رضي الله عنه إِلَى الكُوفَةِ، تَبَنِّيهِ لِسِياسَةِ مُعاوِيَةَ، الَّذِي كانَ يَتَحاشَى المُواجَهَةَ العَلَنِيَّةَ مَعَ الإِمامِ الحُسَيْنِ عليه السلام ، وَلَيْسَ ذَلِكَ حُبَّا بِالإِمامِ‏ عليه السلام ، وَإِنَّما لِدَهاءِ مُعاوِيَةَ. لِذا، فَإِنَّ مَوْقِفَ النُّعْمانِ مِنَ الثُّوَّارِ، وَمِنْ بَوادِرِ الثَّوْرَةِ، إِنَّما اتَّسَمَ ظاهِرِيًّا بِاللِّينِ وَالتَّسامُحِ؛ لِأَنَّهُ كانَ يَرَى، إِيمانًا بِنَظْرَةِ مُعاوِيَةَ، أَنَّ المُواجَهَةَ العَلَنِيَّةَ، لَيْسَتْ في صالِحِ الحُكْمِ.

مُسْلِمٌ رضي الله عنه وَالمُجْتَمَعُ الكُوفِيُّ:
أَقْبَلَتِ الشِّيعَةُ إِلَى مُسْلِمٍ رضي الله عنه تَخْتَلِفُ إِلَيْهِ؛ فَكُلَّما اجْتَمَعَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ جَماعَةٌ، قَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتابَ الإِمامِ الحُسَيْنِ عليه السلام ، وَهُمْ يَبْكُونَ: "فَقُومُوا مَعَ ابْنِ عَمِّي، وَبايِعُوهُ، وَانْصُرُوهُ، وَلا تَخْذُلُوهُ".

وَتَتابَعَتِ اجْتِماعاتُ الشِّيعَةِ مَعَ مُسْلِمٍ رضي الله عنه ، فَبايَعَهُ مِنَ النَّاسِ ثَمانِيَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَهُمْ يَبْكُونَ، وَيقُولُونَ: "وَاللهِ، لنَضْرِبَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ بِسُيُوفِنا، حَتَّى نَمُوتَ جَمِيعًا".

وَفي الاجْتِماعِ الأَوَّلِ لِمُسْلِمٍ رضي الله عنه مَعَ المُبايِعِينَ، بَرَزَتْ ظاهِرَةٌ ثابِتَةٌ مِنْ ظَواهِرِ المُجْتَمَعِ الكُوفِيِّ، وَهِيَ ظاهِرَةُ وُجُودِ القِلَّةِ مِنَ المُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ، المُتَحَرِّرِينَ مِنَ الشَّلَلِ النَّفْسِيِّ، وَمَرَضِ الازْدِواجِيَّةِ، وَحُبِّ الدُّنْيا، وَكَراهِيَةِ المَوْتِ؛ فَعَلَى الرُّغْمِ مِنْ كَثْرَةِ المُبايِعِينَ، لَمْ يَقُمْ إِلَّا ثَلاثَةٌ، أَظْهَرُوا لِمُسْلِمٍ رضي الله عنه اسْتِعْدادَهُمُ التَّامَّ، لِلتَّضْحِيَةِ في سَبِيلِ الإِسْلامِ، وَمِنْهُمْ: عابِسُ بْنُ أَبِي شَبِيبٍ، الَّذِي قالَ لِمُسْلِمٍ رضي الله عنه ، بَعْدَ الحَمْدِ للهِ، وَالثَّناءِ عَلَيْهِ: "فَإِنِّي لا أُخْبِرُكَ عَنِ النَّاسِ، وَلا أَعْلَمُ ما في أَنْفُسِهِمْ، وَما أَغَرَّكَ مِنْهُمْ؛ وَاللهِ، أُحَدِّثُكَ عَمَّا أَنا مُوَطِّنٌ نَفْسِي عَلَيْهِ؛ وَاللهِ، لَأُجِيبَنَّكُمْ إِذا دَعَوْتُمْ، وَلَأُقاتِلَنَّ‏َ مَعَكُمْ عَدُوَّكُمْ، وَلَأَضْرِبَنَّ بِسَيْفِي دُونَكُمْ، حَتَّى أَلْقَى اللهَ".

ثُمَّ قامَ حَبِيبُ بْنُ مُظاهِرٍ رضي الله عنه ، فَقالَ: "رَحِمَكَ اللهُ، وَأَنا، وَاللهِ، الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، عَلَى مِثْلِ ما هَذا عَلَيْهِ".

ثُمَّ قالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الحَنَفِيُّ رضي الله عنه ، بِمِثْلِ ما قالَ عابِسٌ وَحَبِيبٌ.

أَمَّا الظَّاهِرَةُ الثَّانِيَةُ، الَّتِي ظَهَرَتْ في هَذا الاجْتِماعِ، وَهِيَ أَكْبَرُ وَأَوْضَحُ ظَواهِرِ المُجْتَمَعِ الكُوفِيِّ، فَهِيَ الفِئَةُ الَّتِي تُحِبُّ الحَقَّ، وَتَكْرَهُ أَنْ تُضَحِّيَ مِنْ أَجْلِهِ.

وَلَمَّا رَأَى مُسْلِمٌ رضي الله عنه مُبايَعَةَ النَّاسِ، كَتَبَ الإِمامُ الحُسَيْنُ‏ عليه السلام ، الَّذِي عَلَّقَ عَزْمَهُ في التَّوَجُّهِ إِلَى الكُوفَةِ، عَلَى تَقْرِيرِ مُسْلِمٍ رضي الله عنه ، وَطَلَبَ إِلَيْهِ القُدُومَ، وَبَعَثَ الكِتابَ مَعَ قَيْسِ بْنِ مُسَهَّرٍ الصّيداوِيِّ، وَأَصْحَبَهُ عابِسَ اْبْنَ أَبِي شَبِيبٍ الشَّاكِرِيَّ، وَشَوْذَبًا مَوْلاهُ.

النَّتائِجُ السِّياسِيَّةُ لِحَرَكَةِ مُسْلِمٍ رضي الله عنه في الكُوفَةِ:
لَمَّا رَأَى النُّعْمانُ بْنُ بَشِيرٍ، اسْتِقْبالَ أَهْلِ الكُوفَةِ الكَبِيرَ، لِمُسْلِمٍ، وَحَفاوَتَهُمْ البالِغَةَ بِهِ، خَطَبَ في النَّاسِ، يُحَذِّرُهُمْ مِنْ إِثارَةِ الفِتْنَةِ وَالفُرْقَةِ، وَشَقِّ عَصا الأُمَّةِ. وَإِزاءَ ذَلِكَ كانَ جَواسِيسُ يَزِيدَ، يَرْفَعُونَ إِلَيْهِ تَقارِيرَهُمْ عَنْ ضُعْف مَوْقِفِ وَالِيها النُّعْمانِ في مُواجَهَةِ التَّحَوُّلاتِ النَّاشِئَةِ عَنْ وُجُودِ مُسْلِمٍ رضي الله عنه فِيها، في وَقْتٍ كانَتِ الكُوفَةُ، ظاهِرِيًّا، قَدْ سَقَطَتْ سِياسِيًّا وَعَسْكَرِيًّا، أَوْ تَكادُ، في يَدِ سَفِيرِ الإِمامِ الحُسَيْنِ عليه السلام ، وَلَمْ يَبْقَ دُونَ أَنْ يَتَحَقَّقَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَأْمُرَ مُسْلِمُ بْنَ عَقِيلٍ رضي الله عنه بِالثَّوْرَةِ وَالتَّغْيِيرِ، لَكِنَّ مُسْلِمًا رضي الله عنه التَزَمَ بِحُدُودِ صَلاحِيَّتِهِ، الَّتِي رَسَمَها لَهُ الإِمامُ الحُسَيْنُ عليه السلام.

لَمْ يَكَدْ يَزِيدُ يَعْرِفُ بِمُجْرَياتِ الكُوفَةِ، حَتَّى انْتابَهُ الذُّعْرُ الشَّدِيدُ، لِما تَحْمِلُهُ هَذِهِ المَدِينَةُ مِنْ تارِيخٍ مُعارِضٍ لِلْحُكْمِ الأُمَوِيِّ؛ فَأَسَرَّ لَهُ سَرْجُونُ الرُّومِيُّ بِما كادَ أَنْ يَفْعَلَهُ مُعاوِيَةُ، قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ المَوْتُ، وَهُوَ عَهْدُ الكُوفَةِ لِعُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيادٍ، الرَّجُلِ الَّذِي يَسْتَطِيعُ بِبَطْشِهِ أَنْ يَلْجُمَ ثَوْرَةَ النَّاسِ الخائِفَةِ أَصْلًا؛ وَبِذَلِكَ الكِتابِ الَّذِي احْتَفَظَ بِهِ سَرْجُونُ مِنْ مُعاوِيَةَ، وَأَبْرَزَهُ لِيَزِيدَ، اسْتَطاعَ يَزِيدُ تَجاوُزَ كُرْهِهِ الشَّدِيدِ لِعُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيادٍ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِعَهْدِ الكُوفَةِ عَلَى عَجَلٍ.

وَإِذا كانَ سَرْجُونُ صادِقًا في نِسْبَةِ الكِتابِ إِلَى مُعاوِيَةَ، فَهُوَ قَرِينَةٌ عَلَى تَخْطِيطِ مُعاوِيَةَ لِقَتْلِ الإِمامِ الحُسَيْنِ عليه السلام ؛ أَمَّا إِنْ كانَ سَرْجُونُ قَدْ وَضَعَ الكِتابَ، وَنَسَبَهُ إِلَى مُعاوِيَةَ، فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى مَدَى تَدَخُّلِ الرُّومِيِّ في مَصِيرِ المُسْلِمِينَ.

عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زِيادٍ:
وُلِدَ في سَنَةِ 20 هـ. أُمُّهُ مَرْجانَةُ المَجُوسِيَّةُ، وَأَبُوهُ زِيادُ بْنُ أَبِيهِ، الَّذِي بَطَشَ أَشَدَّ البَطْشِ، بِأتْباعِ أَهْلِ البَيْتِ عليهم السلام ، بَعْدَ أَنْ كانَ يَتَعاطَفُ مَعَهُمْ، فَانْقَلَبَ ضِدَّهُمْ، إِثْرَ اسْتِلْحاقِ بَنِي سُفْيانَ لَهُ. وَلَّاهُ مُعاوِيَةُ عَلَى خُراسانَ، في سَنَةِ 54 هـ. ثُمَّ عَلَى البَصْرَةِ، في سَنَةِ 55 هـ. كانَ قَبِيحَ السَّرِيرَةِ مِنْ كَثْرَةِ الأَكْلِ، لا يَشْبَعُ، فاسِقًا، ظالِمًا، جَبانًا. تَرَبَّى في ظِلِّ الاعْتِزازِ بِالبَيْتِ السُّفْيانِيِّ، وَأَجَّجَ فِيهِ وَهْمُ هَذا الانْتِسابِ، نِيرانَ حِقْدِهِ الشَّدِيدِ عَلَى أَهْلِ البَيْتِ عليهم السلام.

وَعِنْدَما خَرَجَ الإِمامُ الحُسَيْنُ عليه السلام إِلَى الكُوفَةِ، كَتَبَ يَزِيدُ لِعُبَيْدِ اللهِ: "إِنَّهُ بَلَغَنِي، أَنَّ حُسَيْنًا سارَ إِلَى الكُوفَةِ، وَقَدْ ابْتُلِيَ فِيهِ زَمانُكَ مِنْ بَيْنِ الأَزْمانِ، وَبَلَدُكَ مِنْ بَيْنِ البُلْدانِ، وَابْتُلِيتُ بِهِ مِنْ بَيْنِ العُمَّالِ، وَعِنْدَهُ تُعْتَقُ، أَوْ تَعُودُ عَبْدًا". وَظَلَّ عُبَيْدُ اللهِ يُسَوِّغُ قَتْلَهُ لِلْإِمامِ الحُسَيْنِ عليه السلام ، بِأَنَّ يَزِيدَ هَدَّدَهُ بِسَحْبِ النَّسَبِ مِنْهُ. لَمَّا ماتَ يَزِيدُ، أَغْرَى عُبَيْدُ اللهِ بَعْضَ البَصْرِيِّينَ، أَنْ يُبايِعُوهُ، ثُمَّ جَبُنَ عَنْ مُواجَهَةِ النَّاسِ، فَاسْتَتَرَ، ثُمَّ هَرَبَ إِلَى الشَّامِ. قُتِلَ عَلَى يَدِ إِبْراهِيمَ بْنِ مالِكٍ الأَشْتَرِ، بِضَرْبَةٍ، قَدَّهُ بِها نِصْفَيْنِ في يَوْمِ عاشُوراءَ، في سَنَةِ 67 هـ.

تَوَلِّي عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيادٍ إِمارَةَ الكُوفَةِ:
قُبَيْلَ انْطِلاقِ عُبَيْدِ اللهِ إِلَى الكُوفَةِ، عَرَفَ عُبَيْدُ اللهِ بِأَمْرِ رِسالَةِ الإِمامِ الحُسَيْنِ عليه السلام إِلَى البَصْرِيِّينَ، وَالَّتِي يَدْعُوهُمْ فِيها لِلانْضِمامِ إِلَيْهِ في قِيامِهِ وَتَأْيِيدِهِ؛ فَقَتَلَ رَسُولَ الإِمامِ عليه السلام ، سُلَيْمانَ بْنَ رُزَيْنٍ، ثُمَّ صَعِدَ مِنْبَرَ البَصْرَةِ، وَقَلْبُهُ يَرْتَعِدُ خِيفَةً مِنِ اسْتِجابَةِ أَهْلِها لِنِداءِ الإِمامِ عليه السلام ، فَأَلْقَى خِطابًا مَلِيئًا بِالتَّهْدِيدِ وَالوَعِيدِ، مُحَذِّرًا مِنَ الخِلافِ، مُعْلِنًا أَنَّهُ وَلَّى عَلَيْهِمْ عُثْمانَ أَخَاهُ.

وَأَقْبَلَ إِلَى الكُوفَةِ، وَمَعَهُ جَماعَةٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ في جَيْشٍ، وَدَخَلَ الكُوفَةَ، وَعَلَيْهِ عِمامَةٌ سَوْداءُ، وَهُوَ مُلَثَّمٌ؛ فَكانَ لا يَمُرُّ بِجَماعَةٍ إِلَّا ظَنُّوا أَنَّهُ الإِمامُ الحُسَيْنُ عليه السلام ، فَيَقُومُونَ لَهُ، وَيَدْعُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ: "مَرْحَبًا بِابْنِ رَسُولِ اللهِ، قَدِمْتَ خَيْرَ مَقْدَمٍ"؛ فَما إِنْ دَخَلَ القَصْرَ، حَتَّى عَلِمَ النَّاسُ أَنَّهُ ابْنُ زِيادٍ.

بَعْدَ أَنْ هَدَأَتْ أَنْفاسُ ابْنِ زِيادٍ، أَمَرَ النَّاسَ بِالاجْتِماعِ في المَسْجِدِ، وَقَدْ نُودِيَ لِلصَّلاةِ جَماعَةً. فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ، خَرَجَ إِلَيْهِمْ، فَحَمَدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقالَ: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَصْلَحَهُ اللهُ وَلَّانِي مِصْرَكُمْ وَثَغْرَكُمْ، وَأَمَرَنِي بِإِنْصافِ مَظْلُومِكُمْ، وَإِعْطاءِ مَحْرُومِكُمْ، وَبِالإِحْسانِ إِلَى سامِعِكُمْ وَمُطِيعِكُمْ، وَبِالشِّدَّةِ عَلَى مُرِيبِكُمْ وَعاصِيكُمْ؛ وَأَنا مُتَّبِعٌ فِيكُمْ أَمْرَهُ، وَمُنَفِّذٌ فِيكُمْ عَهْدَهُ؛ فَأَنا لِمُحْسِنِكُمْ وَمُطِيعِكُمْ كَالوالِدِ البَرِّ، وَسَوْطِي وَسَيْفِي عَلَى مَنْ تَرَكَ أَمْرِي، وَخالَفَ عَهْدِي".

وَطَلَبَ إِلَى العُرَفاءِ أَنْ يَكْتُبُوا إِلَيْهِ الغُرَباءَ مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ، وَمَنْ فِيهِمْ مِنْ طَلَبَةِ يَزِيدَ. وَكانَتِ العِرافَةُ مِنْ وَظائِفِ الدَّوْلَةِ المَعْرُوفَةِ، لِمَعْرِفَةِ الرَّعِيَّةِ، وَتَنْظِيمِ عَطائِهِمْ مِنْ بَيْتِ المالِ؛ وَقَدْ كانَ في الكُوفَةِ مائَةُ عَرِيفٍ؛ وَاعْتَمَدَتِ الدَّوْلَةُ عَلَى العُرَفاءِ بِتَنْظِيمِ السِّجِلَّاتِ العامَّةِ، الَّتِي فِيها أَسْماءُ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالأَطْفالِ. وَقَامَ العُرَفاءُ بِدَوْرٍ مُهِمٍّ في دَفْعِ النَّاسِ إِلَى التَّفَرُّقِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ رضي الله عنه ، وَإِشاعَةِ الإِرْهابِ بَيْنَهُمْ، كَما كانُوا السَّبَبَ الفَعَّالَ في زَجِّ النَّاسِ، لِحَرْبِ الإِمامِ الحُسَيْنِ عليه السلام.

مُسْلِمٌ رضي الله عنه وَالدَّعْوَةُ السِّرِّيَّةُ:
بَعْدَ قُدُومِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيادٍ إِلَى الكُوفَةِ، والِيًا عَلَيْها، مِنْ قِبَلِ يَزِيدَ، وَحُصُولِ التَّطَوُّراتِ السَّرِيعَةِ المُتَلاحِقَةِ، الَّتِي أَدَّتْ إِلَى ضَرُورَةِ تَحَوُّلِ عَمَلِ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ رضي الله عنه ، مِنْ حالَةِ العَلانِيَةِ إِلَى السِّرِّ، اضْطُرَّ إِلَى تَغْيِيرِ مَقَرِّهِ؛ فَخَرَجَ مِنَ الدَّارِ الَّتِي كانَ فِيها، حَتَّى انْتَهَى إِلَى دارِ هانِئِ بْنِ عُرْوَةَ المُرادِيِّ.

وَهانِئُ مِنْ أَشْرافِ الكُوفَةِ، وَأَعْيانِ الشِّيعَةِ، وَمِنْ رُؤَسائِها؛ وَهُوَ شَيْخُ مُرادٍ، وَزَعِيمُها. وَقِيلَ: إِنَّهُ أَدْرَكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ، وَتَشَرَّفَ بِصُحْبَتِهِ؛ فَأَخَذَتِ الشِّيعَةُ تَخْتَلِفُ إِلَى مُسْلِمٍ في دارِ هانِئٍ، عَلَى تَسَتُّرٍ مِنْ عُبَيْدِ اللهِ، وَقَدْ تَواصَوْا بِالكِتْمانِ.

وَكانَ هانِئٌ يَجْمَعُ لِمُسْلِمٍ السِّلاحَ وَالرِّجالَ.

حَبْسُ رِجالِ المُعارَضَةِ، وَقَتْلُهُمْ، وَالتَّجَسُّسُ عَلَى مُسْلِمٍ رضي الله عنه :
لَمَّا اطَّلَعَ ابْنُ زِيادٍ عَلَى مُكاتَبَةِ أَهْلِ الكُوفَةِ لِلْإِمامِ الحُسَيْنِ عليه السلام ، وَمُبايَعَتِهِمْ، حَبَسَ العَدِيدَ مِنْ أَصْحابِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عليه السلام ، وَأَبْطالِهِ الَّذِينَ جاهَدُوا مَعَهُ؛ مِنْهُمْ: إِبْراهِيمُ بْنُ مالِكٍ الأَشْتَرُ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الحارِثِ، وَسُلَيْمانُ بْنُ صُرَدَ الخُزاعِيُّ، وَالعَدِيدُ مِنَ الأَعْيانِ وَالأَشْرافِ المُوالِينَ؛ وَأَمَرَ أَنْ يُطْلَبَ المُخْتارُ الثَّقَفِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الحارِثِ، فَأُتِيَ بِهِما، وَحَبَسَهُما؛ وَقَتَلَ مَيْثَمَ التَّمَّارَ، الَّذِي كانَتْ لَهُ مَنْزِلَةٌ خاصَّةٌ عِنْدَ أَهْلِ البَيْتِ عليهم السلام.

وَدَسَّ الجَواسِيسَ في أَزِقَّةِ الكُوفَةِ وَبُيُوتِها ، لِلْبَحْثِ عَنِ ابْنِ عَقِيلٍ؛ وَدَعا مَوْلًى لَهُ، يُقالُ لَهُ: مَعْقِلُ؛ وَأَعْطاهُ ثَلاثَةَ آلافِ دِرْهَمٍ، لِيَطْلُبَ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ رضي الله عنه ، وَيَلْتَمِسَ أَصْحابَهُ، حَتَّى إِذا ظَفِرَ بِواحِدٍ مِنْهُمْ، أَوْ جَماعَةٍ، أَعْطاهُمُ المالَ لِيَسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى حَرْبِ عَدُوِّهِمْ (أَيْ عُبَيْدِ اللهِ).

فَفَعَلَ مَعْقِلُ ما أُمِرَ بِهِ، وَجاءَ إِلَى المَسْجِدِ الأَعْظَمِ، وَجَلَسَ بِالقُرْبِ مِنْ مُسْلِمِ بْنِ عَوْسَجَةَ الأَسَدِيِّ، وَهُوَ يُصَلِّي، بَعْدَ أَنْ سَمِعَ بَعْضَ القَوْمِ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ يُبايِعُ الحُسَيْنَ عليه السلام ؛ فَلَمَّا فَرَغَ ابْنُ عَوْسَجَةَ مِنْ صَلاتِهِ، أَخْبَرَهُ مَعْقِلُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ، وَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِ بِحُبِّ أَهْلِ البَيْتِ عليهم السلام ، وَتَباكَى، ثُمَّ أَعْطاهُ المالَ، قائِلًا: "أَرَدْتُ بِها لِقاءَ رَجُلٍ مِنْ آلِ البَيْتِ عليهم السلام ، بَلَغَنِي أَنَّهُ قَدِمَ الكُوفَةَ يُبايِعُ لِابْنِ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ، فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا يَدُلُّنِي عَلَيْهِ، وَلا أَعْرِفُ مَكانَهُ، وَسَمِعْتُ نَفَرًا مِنَ المُؤْمِنِينَ يُشِيرُونَ إِلَيْكَ، أَنَّكَ عَلَى عَلاقَةٍ بِهِ".

أَنْكَرَ ابْنُ عَوْسَجَةَ ذَلِكَ، بادِئَ الأَمْرِ؛ وَلَمَّا أَبْدَى مَعْقِلُ تَفانِيَهُ في حُبِّ الإِمامِ الحُسَيْنِ عليه السلام ، أَخَذَ مِنْهُ مُسْلِمٌ المَواثِيقَ المُغَلَّظَةَ، وَأَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ سَيَطْلُبُ لَهُ الإِذْنَ مِنِ ابْنِ عَقِيلٍ لِأَخْذِ البَيْعَةِ؛ فَأُذِنَ لَهُ، وَأَمَرَ مُسْلِمٌ بِأَخْذِ الأَمْوالِ لِشِراءِ السِّلاحِ. وَكانَ مَعْقِلُ في مَجْلِسِ مُسْلِمٍ أَوَّلَ الدَّاخِلِينَ، وَآخِرَ الخارِجِينَ، لِنَقْلِ الأَخْبارِ لِابْنِ زِيادٍ شَيْئًا فَشَيْئًا.

ابْنُ زِيادٍ في مَنْزِلِ هانِئِ بْنِ عُرْوَةَ:
في الوَقْتِ الَّذِي كانَ فِيهِ مُسْلِمٌ في بَيْتِ هانِئٍ، مَرِضَ شُرَيْكُ بْنُ الأَعْوَرِ، وَهُوَ مِنْ رِجالِ البَصْرَةِ، شَدِيدُ المُوالاةِ لِأَهْلِ البَيْتِ‏ عليهم السلام ؛ وَقَدْ أَتَى الكُوفَةَ مَعَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيادٍ، فَما مَكَثَ إِلَّا جُمُعَةً حَتَّى مَرِضَ، فَنَزَلَ دارَ هانِئِ بْنِ عُرْوَةَ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ اللهِ أَنَّهُ آتٍ لِعِيادَتِهِ، فَقالَ شُرَيْكٌ لِمُسْلِمٍ: "إِنَّ هَذا الفاجِرَ عائِدِي العَشِيَّةَ، فَإِذا جَلَسَ، فَاخْرُجْ إِلَيْهِ وَاقْتُلْهُ، ثُمَّ اقْعُدْ في القَصْرِ، لَيْسَ أَحَدٌ يَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، فَإِنْ بَرِئْتُ مِنْ وَجَعِي، سِرْتُ إِلَى البَصْرَةِ، حَتَّى أَكْفِيَكَ أَمْرَها".

فَلَمَّا كانَ مِنَ العِشاءِ، أَتاهُ عُبَيْدُ اللهِ، فَقامَ مُسْلِمٌ لِيَدْخُلَ، فَقالَ لِشُرَيْكٍ: لا يَفُوتَنَّكَ إِذا جَلَسَ!

فَقالَ هانِئُ بْنُ عُرْوَةَ: لا أُحِبُّ أَنْ يُقْتَلَ في دارِي!

فَجاءَ عُبَيْدُ اللهِ وَجَلَسَ، فَسَأَلَ شُرَيْكًا عَنْ مَرَضِهِ، فَأَطالَ، فَلَمَّا رَأَى شُرَيْكٌ أَنَّ مُسْلِمًا لا يَخْرُجُ، خَشِيَ أَنْ يَفُوتَهُ، فَأَخَذَ يَقُولُ: ما الانْتِظارُ بِسَلْمَى أَنْ تُحَيُّوها**حَيُّوا سُلَيْمَى، وَحَيُّوا مَنْ يُحَيِّيها

فَقالَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا؛ فَسَأَلَ عُبَيْدُ اللهِ عَنْ شَأْنِهِ، ظانًّا أَنَّهُ يُخَلِّطُ! فَقالَ لَهُ هانِئٌ: نَعَمْ، ما زالَ هَذا دَأْبَهُ، قُبَيْلَ الصُّبْحِ حَتَّى ساعَتِهِ هَذِهِ! فَانْصَرَفَ.

وَقِيلَ: إِنَّ شُرَيْكًا لَمَّا رَدَّدَ الشِّعْرَ، فَطِنَ بِهِ مِهْرانُ، مَوْلَى عُبَيْدِ اللهِ المُقَرَّبُ وَالمُعْتَمَدُ، فَغَمَزَ عُبَيْدَ اللهِ فَوَثَبَ، فَقالَ لَهُ شُرَيْكٌ: أَيُّها الأَمِيرُ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُوصِي إِلَيْكَ؛ فَقالَ عُبَيْدُ اللهِ: أَعُودُ إِلَيْكَ. وَقال لَهُ مِهْرانُ: إِنَّهُ أَرادَ قَتْلَكَ؛ فَقالَ ابْنُ زِيادٍ: وَكَيْفَ مَعَ إِكْرامِي لَهُ, وَفِي بَيْتِ هانِئٍ؟ فَقالَ مِهْرانُ: هُوَ ما قُلْتُ لَكَ.

فَلَمَّا قامَ ابْنُ زِيادٍ، خَرَجَ مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ رضي الله عنه ، فَقالَ لَهُ شُرَيْكٌ: ما مَنَعَكَ مِنْ قَتْلِهِ؟

قالَ مُسْلِمٌ: "لِكَراهِيَةِ هانِئٍ أَنْ يُقْتَلَ في مَنْزِلِهِ".

وَالسَّبَبُ الآخَرُ أَيْضًا، لِعَدَمِ قِيامِ مُسْلِمٍ بِقَتْلِ عُبَيْدِ اللهِ، هُوَ تَمَسُّكُ أَهْلِ البَيْتِ عليهم السلام بِالحَقِّ وَالصِّدْقِ، وَنَبْذِ الغَدْرِ وَالمَكْرِ، حَتَّى عِنْدَ الضَّرُورَةِ. وَلَمْ يَكُنْ يَدُورُ بِبالِ أَيِّ مُراقِبٍ آنَذاكَ، أَنَّ بِالإِمْكانِ طَرْدَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيادٍ مِنَ الكُوفَةِ في أَيِّ لَحْظَةٍ، وَما حَصَلَ كانَ خارِجَ كُلِّ الحِساباتِ، في بَيانٍ يَطُولُ شَرْحُهُ. أَمَّا شُرَيْكٌ فَما لَبِثَ أَنْ تُوُفِّيَ بَعْدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ.

ابْنُ زِيادٍ يَعْتَقِلُ هانِئَ بْنَ عُرْوَةَ رضي الله عنه :
كانَ هانِئُ بْنُ عُرْوَةَ المُرادِيُّ رضي الله عنه ، لِفِطْنَتِهِ السِّياسِيَّةِ وَالاجْتِماعِيَّةِ، يَتَوَقَّعُ ما يَحْذَرُهُ مِنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيادٍ، عَلَى رُغْمِ التَّسَتُّرِ وَالخَفاءِ الَّذِي كانَتْ تَتِمُّ في ظِلِّهمَا اجْتِماعاتُ مُسْلِمٍ رضي الله عنه ، مَعَ مُرِيدِيهِ وَأَتْباعِهِ في بَيْتِهِ، وعَلَى رُغْمِ التَّواصِي بِالكِتْمانِ؛ ذَلِكَ لِأَنَّ هانِئًا كانَ يَعْلَمُ أَنَّ الهَمَّ الأَكْبَرَ لِابْنِ زِيادٍ، هُوَ مَعْرِفَةُ مَكانِ مُسْلِمٍ وَمَقَرِّهِ ؛ فَتَمارَضَ هانِئٌ بَعْدَ وَفاةِ شُرَيْكٍ، وَامْتَنَعَ عَنِ الذَّهابِ إِلَى القَصْرِ؛ فَافْتَقَدَهُ ابْنُ زِيادٍ، وَأَرْسَلَ بِطَلَبِهِ عَمْرَو بْنَ الحَجَّاجِ، وَحَسَّانَ بْنَ خارِجَةَ، وَمُحَمَّدَ بْنَ الأَشْعَثِ، لِعِيادَتِهِ وَجَلْبِهِ؛ فَرافَقَهُمْ هانِئُ عَلَى مَضَضٍ؛ وَقُبَيْلَ الوُصُولِ إِلَى القَصْرِ، أَسَرَّ هانِئٌ لِحَسَّانٍ عَنْ قَلَقِهِ مِنْ هَذا الطَّلَبِ، فَطَمْأَنَهُ حَسَّانُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ لِأَيِّ شَيْءٍ بَعَثَ إِلَيْهِ ابْنُ زِيادٍ.

دَخَلَ هانِئٌ عَلَى عُبَيْدِ اللهِ، وَعِنْدَهُ شُرَيْحٌ القاضِي وَبَعْضُ القَوْمِ، فَطالَبَهُ عُبَيْدُ اللهِ بِأَمْرِ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ، فَأَنْكَرَ هانِئٌ مَعْرِفَتَهُ بِمَكانِ وُجُودِ مُسْلِمٍ، فَدَعا عُبَيْدُ اللهِ بِمَعْقِلٍ، فَجاءَ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَخْبَرَهُ كُلَّ ما رَآهُ في بَيْتِ هانِئٍ. وَجَرَى نِقاشٌ حادٌّ بَيْنَ هانِئٍ وَعُبَيْدِ اللهِ، أَدَّى إِلَى قِيامِ عُبَيْدِ اللهِ بِضَرْبِ هانِئٍ عَلَى وَجْهِهِ.

في هَذا الوَقْتِ، عَرَفَتْ قَبِيلَةُ مَذْحَجَ بِما جَرَى عَلَى سَيِّدِها، فَجاءَتْ فُرْسانُها، وَأَحاطَتْ بِالقَصْرِ، مُطالِبَةً بِالإِفْراجِ عَنْ هانِئٍ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عُمَرُ اْبْنُ الحَجَّاجِ، بَعْدَ مُداوَلَةٍ مَعَ ابْنِ زِيادٍ وَشُرَيْحٍ القاضِي، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ سَيِّدَهُمْ بِخَيْرٍ، وَأَنَّ (الأَمِيرَ) لا يُرِيدُ بِهِ سُوءًا، وَطَلَبَ إِلَيْهِمُ الانْصِرافَ، فَفَعَلُوا.

وَهُنا بَرَزَ الدَّوْرُ الخِيانِيُّ الكَبِيرُ لِعُمَرَ بْنِ الحَجَّاجِ بِهانِئٍ، إِذْ كانَ هُوَ السَّبَبَ الأَساسَ في مَنْعِ إِنْقاذِ هانِئٍ مِنَ الأَسْرِ، وَعَدَمِ تَعَرُّضِهِ لِسُوءٍ، وَبَقِيَ مُوالِيًا لِعُبَيْدِ اللهِ حَتَّى بَعْدَ قَتْلِ هانِئٍ، الَّذِي رَماهُ عُبَيْدُ اللهِ مِنْ أَعْلَى القَصْرِ، بَعْدَ قَطْعِ رَأْسِهِ.

اسْتِشْهادُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَقْطُر رضي الله عنه :
لَمَّا أَحَسَّ مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ بِخِذْلانِ أَهْلِ الكُوفَةِ لَهُ، أَرْسَلَ كِتابًا لِلإِمامِ الحُسَيْنِ عليه السلام مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَقْطُر، يُخْبِرُهُ بِما انْتَهَى إِلَيْهِ الأَمْرُ، مِنْ تَفَرُّقٍ وَخِذْلانٍ؛ وَلَكِنَّ الحُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ أَلْقَى القَبْضَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَخْرُجُ مِنَ الكُوفَةِ، وَجاءَ بِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيادٍ، الَّذِي أَمَرَ بِأَنْ يُلْقَى عَنْ سَطْحِ الإِمارَةِ.

قِيامُ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ رضي الله عنه :
كانَ اعْتِقالُ هانِئٍ في حِساباتِ ابْنِ زِيادٍ، الخُطْوَةَ الثَّانِيَةَ النَّاجِحَةَ، بَعْدَ خُطْوَتِهِ الأُولَى، في اخْتِراقِ الحَرَكَةِ الثَّوْرِيَّةِ مِنْ داخِلِها؛ أَمَّا في حِساباتِ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ رضي الله عنه ، فَقَدْ مَثَّلَ مُنْعَطَفًا حَرِجًا وَخَطِيرًا، اضْطُرَّهُ لِلْخُرُوجِ عَنْ خَطِّ السَّيْرِ المَرْسُومِ في الأَصْلِ، وَأَلْجَأَهُ إِلَى قَرارٍ اسْتِثْنائِيٍّ، إِذْ إِنَّهُ أَصْبَحَ أَمامَ خِيارَيْنِ، لا ثالِثَ لَهُما:

الأَوَّلُ: البَقاءُ في مُواصَلَةِ التَّعْبِئَةِ وَالإِعْدادِ، عَلَى الرُّغْمِ مِنْ عَدَمِ القُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ ابْنَ زِيادٍ قَدِ اعْتَقَلَ هانِئًا، الَّذِي هُوَ مِنْ أَبْرَزِ وَأَقْوَى وَأَمْنَعِ الشَّخْصِيَّاتِ الكُوفِيَّةِ، مِنَ النَّاحِيَةِ القَبَلِيَّةِ، فَضْلًا عَنْ وَجاهَتِهِ الاجْتِماعِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ؛ ما يَعْنِي أَنَّ أَيَّ شَخْصِيَّةٍ أُخْرَى، سَتَحْتَضِنُ ابْنَ عَقِيلٍ، سَيَتِمُّ اعْتِقالُها.

الثَّانِي: التَّحَرُّكُ قَبْلَ اسْتِكْمالِ الشَّرائِطِ، تَحْتَ قَهْرِ الضَّرُورَةِ وَالاضْطِرارِ، لِمُواجَهَةٍ حاسِمَةٍ مَعَ السُّلْطَةِ المَحَلِّيَّةِ.

فَعَقَدَ مُسْلِمٌ لِرُؤُوسِ الأَرْباعِ عَلَى القَبائِلِ: كِنْدَةَ، مَذْحَجَ، تَمِيمٍ، َأَسَدٍ، مُضَرَ، وَهَمَدانَ؛ وَتَداعَى النَّاسُ، وَاجْتَمَعُوا عِنْدَهُ، فَأَقْبَلَ مُسْلِمٌ وَمَنْ مَعَهُ، حَتَّى مَشارِفِ القَصْرِ؛ وَقِيلَ: إِنَّ العَدَدَ كانَ أَرْبَعَةَ آلافٍ، وَلَكِنَّ مَنْ وَصَلَ إلى القَصْرِ مَعَ مُسْلِمٍ ثَلاثُمائَةِ رَجُلٍ، لا غَيْرَ!

حِينَئِذٍ، طَلَبَ ابْنُ زِيادٍ إِغْلاقَ بابِ القَصْرِ عَلَيْهِ، وَعَلَى مَنْ كانَ مَعَهُ، مِنْ أَشْرافِ النَّاسِ وَشُرْطَتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، فَقامُوا عَلَى سُورِ القَصْرِ، يَرْمُونَ مُسْلِمًا وَمَنْ مَعَهُ بِالمَدَرِ وَالنُّشَّابِ.

وَفِيما كانَتْ رَحَى الحَرْبِ دائِرَةً أَمامَ القَصْرِ، بِقِيادَةِ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ رضي الله عنه ، قَبَعَ ابْنُ زِيادٍ في القَصْرِ خائِفًا، يُفَكِّرُ في الحِيلَةِ الَّتِي سَتُنْقِذُهُ مِنْ هَذا المَوْقِفِ. فَسَخَّرَ الأَشْرافَ الَّذِينَ كانُوا مَعَهُ، وَأَمَرَهُمْ بِتَخْذِيلِ النَّاسِ عَنْ نُصْرَةِ مُسْلِمٍ؛ فَنَزَلَ كَثِيْرُ بْنُ شِهابٍ الحارِثِيُّ لِقَبِيلَةِ مَذْحَجَ، يُخَوِّفُهُمْ وَيُحَذِّرُهُمْ عُقُوبَةَ السُّلْطانِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الأَشْعَثِ، لِمَنِ أَطاعَهُ مِنْ قَبِيلَةِ كِنْدَةَ وَحَضْرَمَوْتَ؛ وَرَفَعَ رايَةَ الأَمانِ لِمَنْ جاءَهُ مِنَ النَّاِس، وَتَمَّ اعْتِقالُ بَعْضِ الوُجُوهِ البارِزَةِ، مِثْلِ: عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ يَزِيدَ، وَعُمارَةَ بْنِ صَلْخَبَ، داخِلَ القَصْرِ.

عَلِمَ مُسْلِمٌ رضي الله عنه أَنَّ مَجْمُوعاتِ ابْنِ زِيادٍ، أَخَذَتْ تُخَذِّلُ النَّاسَ عَنْهُ، وَتَعْتَقِلُ المُجاهِدِينَ المُقْبِلِينَ إِلَيْهِ، لِنُصْرَتِهِ في أَزِقَّةِ الكُوفَةِ؛ وَقَدْ دَحَرَتْ قُوَّاتُ مُسْلِمٍ، عَلَى قِلَّتِها، كُلَّ المَجامِيعِ الَّتِي أَخْرَجَها ابْنُ زِيادٍ، لِرَفْعِ راياتِ الأَمانِ، وَلِتَخْذِيلِ النَّاسِ، وَعادُوا جَمِيعُهُمْ إِلَى القَصْرِ عَلَى عَجَلٍ.

وَعَلَى الرُّغْمِ مِنْ أَنَّ مُسْلِمًا رضي الله عنه رَبِحَ المَعْرَكَةَ الأُولَى حَوْلَ القَصْرِ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقْتَحِمْهُ، لِلأَسْبابِ الآتِيَةِ:
1- لِأَنَّ القَصْرَ كانَ مُحَصَّنًا، بِطَرِيقَةٍ تُمَكِّنُهُ مِنَ الصُّمُودِ لِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ جِدًّا، تَتَجاوَزُ عِدَّةَ أَشْهُرٍ، كَما حَصَلَ في أَيَّامِ المُخْتارِ.
2- شُعُورُ مُسْلِمٍ رضي الله عنه بِخِذْلانِ القَوْمِ لَهُ، مِنْ خِلالِ تَفَرُّقِهِمْ عَنْهُ، وَهُوَ يَتَوَجَّهُ إِلَى القَصْرِ، إِذِ انْطَلَقَ بِأَرْبَعَةِ آلافٍ، وَوَصَلَ بِثَلاثِمائَةٍ!
3- عَوْدَةُ قَبِيلَةِ مَذْحَجَ، وَبَقاءُ هانِئٍ رَهِينَةً في القَصْرِ، كانَ لَهُ أَثَرٌ سَيِّئٌ، بَعْدَ أَنِ اجْتَمَعَتِ القَبِيلَةُ لِاسْتِنْقاذِهِ، ثُمَّ تَخَلِّيها عَنْهُ؛ إِذْ رَأَى النَّاسُ أَنَّ أَقْوَى قَبِيلَةٍ في الكُوفَةِ، لَمْ تَسْتَطِعْ فِعْلَ شَيْ‏ٍء، لِإِطْلاقِ سَراحِ سَيِّدِها.
4- عَدَمُ قُدْرَةِ قُوَّاتِ مُسْلِمٍ، المَوْجُودَةِ في أَطْرافِ الكُوفَةِ، على اْلالْتِحاقِ بِهِ، إِلَّا بَعْدَ تَفَرُّقِ النَّاسِ عَنْ مُسْلِمٍ، مِثْلَ اللِّواءِ الَّذِي جاءَ بِهِ المُخْتارُ (قَبْلَ اعْتِقالِهِ)، وَلِواءِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حارِثٍ؛ فَادَّعَى المُخْتارُ حِينَئِذٍ، بِأَنَّهُ جاءَ لِحِمايَةِ ابْنِ حُرَيْثٍ؛ عِنْدَها أَمَرَ ابْنُ زِيادٍ بِاعْتِقالِهِ، وَزَجِّهِ في السِّجْنِ.

وَلَمَّا اطْمَأَنَّ ابْنُ زِيادٍ إِلَى تَفَرُّقِ الجُمُوعِ عَنْ مُسْلِمٍ رضي الله عنه ، إِذْ كانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ، يِأَتِي ابْنَهُ وَأَخاهُ وَابْنَ عَمِّهِ، فَيَقُولُ: "انْصَرِفْ، فَإِنَّ النَّاسَ يَكْفُونَكَ"؛ وَتَجِي‏ءُ المَرْأَةُ إِلَى ابْنِها وَزَوْجِها وَأَخِيها، فَتَتَعَلَّقُ بِهِ حَتَّى يَرْجِعَ؛ وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: "ما نَصْنَعُ بِتَعْجِيلِ الفِتْنَةِ؟ غَدًا تَأْتِينا جُمُوعٌ مِنْ جَيْشِ الشَّامِ، يَنْبَغِي أَنْ نَقْعُدَ في مَنازِلِنا، وَنَدَعَ هَؤُلاءِ القَوْمَ، حَتَّى يُصْلِحَ اللهُ ذاتَ بَيْنِهِمْ". وَكانَ لِكَلِمَةِ (جَيْشِ الشَّامِ)، أَوْ (جُنْدِ الشَّامِ)، أَثَرٌ رَهِيبٌ في رَوْعِ جُلِّ أَهْلِ الكُوفَةِ، لِما ذاقُوهُ مِنْ وَيْلاتٍ وَمَراراتٍ عَلَى يَدِ ذَلِكَ الجَيْشِ.

ثُمَّ خَرَجَ عَبْدُ اللهِ ابْنُ زِيادٍ وَأَصْحابُهُ إِلَى المَسْجِدِ، فَجَلَسُوا قُبَيْلَ العَتْمَةِ، وَنادَى عَمْرُو بْنُ نافِعٍ: "أَلا بَرِئَتِ الذِّمَّةُ مِنْ رَجُلٍ، مِنَ الشُّرْطَةِ وَالعُرَفاءِ وَالمَناكِبِ، أَوِ المُقاتِلَةِ، صَلَّى العَتْمَةَ إِلَّا في المَسْجِدِ". فَلَمْ تَكُنْ إِلَّا ساعَةٌ، حَتَّى امْتَلَأَ المَسْجِدُ مِنَ النَّاسِ، فَأَقامَ عُبَيْدُ اللهِ الصَّلاةَ، ثُمَّ خَطَبَ بِالنَّاسِ، وَهَدَّدَ مَنْ يَجِدُ عِنْدَهُ مُسْلِمًا بِالقَتْلِ، وَمَنْ جاءَ بِهِ بِهَدِيَّةٍ، وَأَمَرَ حُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ بِالبَحْثِ في الدُّورِ حَتَّى يَجِدَهُ.

مُسْلِمٌ رضي الله عنه في الكُوفَةِ وَحِيدًا:
كانَ مِنَ الطَّبِيعِيِّ أَنْ يَتَخَلَّفَ النَّاسُ في الكُوفَةِ عَنْ مُسْلِمٍ رضي الله عنه ، ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلشِّيعَةِ فِيها، وَهُمْ مِنْ قَبائِلَ شَتَّى، خُصُوصًا في فَتْرَةِ ما بَعْدَ الإِمامِ الحَسَنِ عليه السلام ، عَمِيدٌ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ في أُمُورِهِمْ، عَلَى الرُّغْمِ مِنْ وُجُودِ أَشْرافٍ وَوُجَهاءَ مُتَعَدِّدِينَ مِنَ الشِّيعَةِ، وَلَكِنْ كُلٌّ لَهُ تَأْثِيرُهُ في قَبِيلَتِهِ فَقَطْ.

كَما أَنَّ الوَضْعَ الاجْتِماعِيَّ، الَّذِي كانَ يَسُودُ الكُوفَةَ، هُوَ وَلِيدُ الاضْطِهادِ المَرِيرِ الَّذِي تَعَرَّضُوا لَهُ، فَزَرَعَ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى مَدَى تِلْكَ السِّنِينَ، الخَوْفَ الشَّدِيدَ مِنْ سَطْوَةِ السُّلْطانِ، وَضَعْفِ الثِّقَةِ، وَقِلَّةِ الاطْمِئْنانِ فِي ما بَيْنَهُمْ.

أَمْسَى ابْنً عَقِيلٍ رضي الله عنه ، وَصَلَّى المَغْرِبَ، وَما مَعَهُ إِلَّا ثَلاثُونَ نَفَرًا في المَسْجِدِ؛ فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ قَدْ أَمْسَى، وَما مَعَهُ إِلَّا أُولَئِكَ النَّفَرُ الصَّفْوَةُ، خَرَجَ مُتَوَجِّهًا نَحْوَ أَبْوابِ كِنْدَةَ، فَما بَلَغَ الأَبْوابَ، إِلَّا وَمَعَهُ عَشَرَةُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ البابِ، فَإِذا لَيْسَ مَعَهُ إِنْسانٌ، يَدُلُّهُ عَلَى الطَّرِيقِ.

وَلَمْ يَكُنْ تَفَرُّقُ هَذِهِ الصَّفْوَةِ فُرادَى، وَالاخْتِفاءُ، إِلَّا تَرَبُّصًا بِسُنُوحِ الفُرْصَةِ، لِلالْتِحاقِ بِرَكْبِ الإِمامِ الحُسَيْنِ عليه السلام ، القادِمِ إِلَى العِراقِ؛ فَمُسْلِمٌ هُوَ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ، إِذْ إِنَّ هَذِهِ القِلَّةَ مُؤَلَّفَةٌ مِنْ صَفْوَةِ المُؤْمِنِينَ الشُّجْعانِ، الَّذِينَ وُفِّقُوا جَمِيعًا، لِنَيْلِ الشَّهادَةِ بَيْنَ يَدَيِ الإِمامِ الحُسَيْنِ عليه السلام ؛ وَنَذْكُرُ مِنْهُمْ: مُسْلِمَ بْنَ عَوْسَجَةَ، أَبا ثَمامَةَ الصَّائِدِيَّ، عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ الكِنْدِيَّ، عَبَّاسَ بْنَ جَعْدٍ الجَدَلِيَّ، عَبْدَ اللهِ بْنَ حازِمِ البَكْرِيَّ، وَغَيْرَهُمْ...

مُسْلِمٌ رضي الله عنه في دارِ طَوْعَةَ:
مَشَى مُسْلِمٌ حَتَّى وَصَلَ إِلَى دارِ طَوْعَةَ، زَوْجَةِ أُسَيْدٍ الحَضْرَمِيِّ، وَكانَتْ تَنْتَظِرُ وَلَدَها بِلالًا، فَطَلَبَ إِلَيْها مُسْلِمٌ أَنْ تَسْقِيَهُ ماءً، فَجاءَتْ بِالإِناءِ وَأَسْقَتْهُ، ثُمَّ دَخَلَتِ الدَّارَ لِوَضْعِهِ، فَما إِنْ خَرَجَتْ، وَرَأَتْ مُسْلِمًا جالِسًا عَلَى بابِ الدَّارِ، حتّى قالَتْ لَهُ: يا عَبْدَ اللهِ، أَلَمْ تَشْرَبْ؟

قالَ: بَلَى.

قالَتْ: فَاذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ.‏

فَسَكَتَ مُسْلِمٌ، ثُمَّ عادَتْ فَقالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ، فَسَكَتَ!

فَقالَتْ لَهُ: سُبْحانَ اللهِ! يا عَبْدَ اللهِ، فَمُرَّ إِلَى أَهْلِكَ، عافاكَ اللهُ، فَإِنَّهُ لا يَصْلُحُ لَكَ الجُلُوسُ عَلَى بابِي، وَلا أُحِلُّهُ لَكَ!!!

فَقامَ عِنْدَئِذٍ مُسْلِمٌ، وَقالَ: يا أَمَةَ اللهِ، ما لِي في هَذا المِصْرِ مَنْزِلٌ وَلا عَشِيرَةٌ، فَهَلْ لَكِ إِلَى أَجْرٍ وَمَعْرُوفٍ؟ وَلَعَلِّي مُكافِئُكِ بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ؟

فَقالَتْ: يا عَبْدَ اللهِ، وما ذاكَ؟

فَقالَ: أَنا مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ، كَذَّبَنِي هَؤُلاءِ القَوْمُ، وَغَرُّونِي.

فَلَمَّا عَرَفَتْهُ، أَدْخَلَتْهُ بَيْتًا، غَيْرَ البَيْتِ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ، وَفَرَشَتْ لَهُ، وَعَرَضَتْ عَلَيْهِ العَشاءَ، فَلَمْ يَتَعَشَّ. وَلَمَّا جاءَ وَلَدُها، وَرَآها تُكْثِرُ الدُّخُولَ في البَيْتِ، وَالخُرُوجَ مِنْهُ، سَأَلَها عَنِ السَّبَبِ، فَتَحاشَتِ الإِجابَةَ؛ فَلَمَّا أَلَحَّ، طَلَبَتْ إِلَيْهِ أَنْ يَكْتُمَ بِما سَتُخْبِرُهُ، وَأَخَذَتْ عَلَيْهِ الأَيْمانَ، فَحَلَفَ لَها، فَأَخْبَرَتْهُ.

فَلَمَّا أَصْبَحَ بِلالٌ، غَدا إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الأَشْعَثِ، فَأَخْبَرَهُ بِمَكانِ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ رضي الله عنه ؛ وَلَمَّا عَرَفَ ابْنُ زِيادٍ، أَمَرَ ابْنَ حُرَيْثٍ أَنْ يَبْعَثَ مَعَهُ مائَةَ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَرِهَ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ غَيْرَ قُرَيْشٍ، خَوْفًا مِنَ العَصَبِيَّةِ أَنْ تَقَعَ!

اللَّيْلَةُ الأَخِيرَةُ لِمُسْلِمٍ رضي الله عنه :
كانَ مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ قَدْ أَبَى أَنْ يَأْكُلَ شَيْئًا في لَيْلَتِهِ الأَخِيرَةِ، وَحَرِصَ عَلَى أَنْ يُحْيِيها بِالعِبادَةِ وَالذِّكْرِ وَالتِّلاوَةِ؛ فَلَمْ يَزَلْ قائِمًا وَراكِعًا وَساجِدًا، يُصَلِّي وَيَدْعُو رَبَّهُ حَتَّى الصَّباحِ؛ وَلَكِنَّهُ لِشِدَّةِ الإِعْياءِ، أَخَذَتْهُ سِنَةٌ مِنَ النَّوْمِ، فَرَأَى في عالَمِ الرُّؤْيا، عَمَّهُ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَلِيًّا عليه السلام ، وَبَشَّرَهُ بِسُرْعَةِ التِحاقِهِ، بِمَنْ مَضَى مِنْهُمْ في أَعْلَى عِلِّيِّينَ.

وَجاءَتْ طَوْعَةُ لِمُسْلِمٍ بِالماءِ، لِيَتَوَضَّأَ عِنْدَ الفَجْرِ.

قالَتْ: يا مَوْلايَ، ما رَأَيْتُكَ رَقَدْتَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ؟

فَقالَ لَها: اعْلَمِي، أَنِّي رَقَدْتُ رَقْدَةً، فَرَأَيْتُ في مَنامِي، عَمِّيَ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عليه السلام ، وَهُوَ يَقُولُ: "الوَحاءَ، الوَحاءَ؛ العَجَلَ، العَجَلَ! وَما أَظُنُّ إِلَّا أَنَّهُ آخِرُ أَيَّامِي مِنَ الدُّنْيا".

اعْتِقالُ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ رضي الله عنه :
عِنْدَ الصَّباحِ، سَمِعَ مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ رضي الله عنه وَقْعَ حَوافِرِ الخَيْلِ، وَزَعَقاتِ الرِّجالِ، فَعَلِمَ أَنَّهُ قَدْ أُوتِيَ في طَلَبِهِ، فَتَقَلَّدَ سَيْفَهُ، وَالقَوْمُ يَرْمُونَ الدَّارَ بِالحِجارَةِ، وَيُلْهِبُونَ النَّارَ في نَواحِي القَصَبِ.

فَتَبَسَّمَ مُسْلِمٌ، وَقالَ: "يا نَفْسُ، اخْرُجِي إِلَى المَوْتِ الَّذِي لَيْسَ مِنْهُ مَحِيصٌ، وَلا عَنْهُ مَحِيدٌ!".

ثُمَّ قالَ لِطَوْعَةَ: "أَيْ رَحِمَكِ اللهُ وَجَزاكِ عَنِّي خَيْرًا، اعْلَمِي، إِنَّما أُوتِيتُ مِنْ قِبَلِ ابنِكِ".

وَفَتَحَتْ لَهُ البابَ، لِيَخْرُجَ مُسْلِمٌ رضي الله عنه في وُجُوهِ القَوْمِ، كَأَنَّهُ أَسَدٌ مُغْضَبٌ! فَجَعَلَ يُضارِبُهُمْ بِسَيْفِهِ، حَتَّى قَتَلَ مِنْهُمْ جَماعَةً.

وَبَلَغَ ذَلِكَ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ زِيادٍ، فَقالَ لِمُحَمَّدِ بْنِ الأَشْعَثِ: سُبْحانَ اللهِ، يا عَبْدَ اللهِ! بَعَثْناكَ إِلَى رَجُلٍ واحِدٍ تَأْتِينا بِهِ، فَثَلَمَ بِأَصْحابِكَ هَذِهِ الثُّلْمَةَ!

فَرَدَّ مُحَمَّدُ بْنُ الأَشْعَثِ: أَيُّها الأَمِيرُ، أَما تَعْلَمُ أَنَّكَ بَعَثْتَنِي إِلَى أَسَدٍ ضِرْغامٍ، وَسَيْفٍ حُسامٍ؟!

فَطَلَبَ ابْنُ زِيادٍ إِلَى ابْنِ الأَشْعَثِ، بِأَنْ يُعْطِيَ مُسْلِمًا الأَمانَ، ذَلِكَ أَنَّهُ لَنْ يَقْدِرَ عَلَى قِتالِهِ. فَجَعَلَ ابْنُ الأَشْعَثِ يَقُولُ لِمُسْلِمٍ: وَيْحَكَ يا ابْنَ عَقِيلٍ! لا تَقْتُلْ نَفْسَكَ، لَكَ الأَمانُ!

فَرَدَّ مُسْلِمٌ: لا حاجَةَ إِلَى أَمانِ الغَدَرَةِ.

ثُمَّ جَعَلَ يُقاتِلُهُمْ، وَهُوَ يَقُولُ:
أَقْسَمْتُ لا أُقْتَلُ إِلَّا حُرَّا**وَلَوْ وَجَدْتُ المَوْتَ كَأْسًا مُرَّا

فناداهُ ابْنُ الأَشْعَثِ: وَيْحَكَ يا ابْنَ عَقِيلٍ، إِنَّكَ لا تُكْذَبُ، وَلا تُغَرُّ! القَوْمُ لَيْسُوا بِقاتِلِيكَ، فَلا تَقْتُلْ نَفْسَكَ!

فَلَمْ يَلْتَفِتْ مُسْلِمٌ إِلَى كَلامِ ابْنِ الأَشْعَثِ، وَجَعَلَ يُقاتِلُ حَتَّى أُثْخِنَ بِالجِراحِ، وَضَعُفَ عَنِ القِتالِ، وَتَكاثَرُوا عَلَيْهِ، فَجَعَلُوا يَرْمُونَهُ بِالنَّبْلِ وَالحِجارَةِ.

فَقالَ مُسْلِمٌ رضي الله عنه : "وَيْلَكُمْ، ما لَكُمْ تَرْمُونَنِي بِالحِجارَةِ كَما يُرْمَى الكُفَّارُ؟ وَأَنا مِنْ بَيْتِ الأَنْبِياءِ الأَبْرارِ؛ وَيْلَكُمْ، أَما تَرْعَوْنَ حَقَّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ، وَذُرِّيَّتَهُ؟".

وَعادَ لِقِتالِهِمْ عَلَى ضُعْفِهِ، فَفَرَّقَهُمْ؛ فَصاحَ ابْنُ الأَشْعَثِ بِالقَوْمِ: ذَرُوهُ حَتَّى أُكَلِّمَهُ بِما يُرِيدُ. فَدَنا مِنْ مُسْلِمٍ: وَيْلَكَ يا ابْنَ عَقِيلٍ، لا تَقْتُلْ نَفْسَكَ؛ أَنْتَ آمِنٌ، وَدَمُكَ في عُنُقِي.

فَأَجابَ مُسْلِمٌ رضي الله عنه : "أَتَظُنُّ يا ابْنَ الأَشْعَثِ أَنِّي أُعْطِي بِيَدِي، أَبَدًا، وَأَنا أَقْدِرُ عَلَى القِتالِ، لا وَاللهِ، لا كانَ ذَلِكَ أَبَدًا".

ثُمَّ حَمَلَ عَلَيْهِ رضي الله عنه ، فَأَلْحَقَهُ بِأَصْحابِهِ، وَعادَ إِلَى مَكانِهِ قائِلًا: "أَللَّهُمَّ إِنَّ العَطَشَ قَدْ بَلَغَ مِنِّي".

فَلَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ أَنْ يَسْقِيَهُ الماءَ، فَأَقْبَلَ ابْنُ الأَشْعَثِ عَلَى أَصْحابِهِ، وَقالَ: وَيْلَكُمْ، إِنَّ هَذا لَهُوَ العارُ وَالفَشَلُ، أَنْ تَجْزَعُوا مِنْ رَجُلٍ واحِدٍ هَذا الجَزَعَ! احْمِلُوا عَلَيْهِ بِأَجْمَعِكُمْ حَمْلَةً واحِدَةً.

فَحَمَلُوا عَلَيْهِ، وَضَرَبَهُ بَكِيرُ بْنُ حَمْرانَ الأَحْمَرِيُّ، ضَرْبَةً عَلَى شَفَتِهِ العُلْيا، وَرَدَّها مُسْلِمٌ إِلَيْهِ بِضَرْبَةٍ قاتِلَةٍ؛ فَطُعِنَ مُسْلِمٌ رضي الله عنه مِنْ وَرائِهِ، وَسَقَطَ عَلَى الأَرْضِ، فَأُخِذَ مِنْهُ سِلاحُهُ، وَساقُوهُ أَسِيرًا لِعُبَيْدِ اللهِ، فَكَأَنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ آيِسٌ مِنْ نَفْسِهِ، فَدَمَعَتْ عَيْناهُ، فَقالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَكانَ رَجُلًا حِيادِيًّا، لا مَوْقِفَ لَهُ: إِنَّ مَنْ يَطْلُبُ الَّذِي تَطْلُبُ، إِذا نَزَلَ بِهِ مِثْلُ الَّذِي نَزَلَ بِكَ، لَمْ يَبْكِ؟

فَأَجابَهُ مُسْلِمٌ رضي الله عنه : "إِنِّي، وَاللهِ، ما لِنَفْسِي أَبْكِي، وَلا لَها مِنَ القَتْلِ أَرْثِي، وَإِنْ كُنْتُ لَمْ أُحِبَّ لَها طَرْفَةَ عَيْنٍ تَلَفًا، وَلَكِنْ أَبْكِي لِأَهْلِيَ المُقْبِلِينَ إِلَيَّ‏َّّّّ! أَبْكِي لِحُسَيْنٍ وَآلِ الحُسَيْنِ".

اسْتِشْهادُ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ رضي الله عنه :
لَمَّا دَخَلَ مُسْلِمٌ رضي الله عنه عَلَى 2014-10-28