يتم التحميل...

حصانة المسلمين

مفاهيم قرآنية

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ * مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ...

عدد الزوار: 87

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ * مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ(البقرة:104-105) .

قصة الآية
عن الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام: وكانت هذه اللفظة: (راعنا) من ألفاظ المسلمين الذين يخاطبون بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقولون: راعنا، أي إرع أحوالنا، واسمع منا كما نسمع منك . وكان في لغة اليهود معناها: اسمع . لا سمعت . فلما سمع اليهود، المسلمين يخاطبون بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقولون: راعنا ويخاطبون بها، قالوا: إنا كنا نشتم محمداً إلى الآن سراً، فتعالوا الآن نشتمه جهراً . وكانوا يخاطبون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقولون: راعنا، ويريدون شتمه . ففطن لهم سعد بن معاذ الأنصاري، فقال: يا أعداء الله عليكم لعنة الله، أراكم تريدون سب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتوهمونا أنكم تجرون في مخاطبته مجرانا، والله لا سمعتها من أحد منكم إلا ضربت عنقه، ولولا أني أكره أن أقدم عليكم قبل التقدم والاستيذان له ولأخيه ووصيه علي بن أبي طالب عليه السلام القيم بأمور الأمة نائباً عنه فيها، لضربت عنق من قد سمعته منكم يقول هذا . فأنزل الله: يا محمد ﴿مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ... فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً(النساء:46). وأنزل ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا( البقرة:104) يعني فإنها لفظة يتوصل بها أعداؤكم من اليهود إلى شتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشتمكم . وقولوا: (انظرنا)، أي قولوا بهذه اللفظة، لا بلفظة راعنا، فإنه ليس فيها ما في قولكم: راعنا، ولا يمكنهم أن يتوصلوا بها إلى الشتم كما يمكنهم بقولهم راعنا (واسمعوا) إذا قال لكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قولاً وأطيعوا1.

حصانة المسلمين
تتحدث الآيات الكريمة أنّ على المسلمين أن لا يوفروا للأعداء فرصة الطعن بهم، وأن لا يتيحوا لهم بفعل أو قول ذريعة يسيئون بها إلى الجماعة المسلمة . عليهم أن يتجنبوا حتى ترديد عبارة يستغلها العدو لصالحه . الآية تصرح بالنهي عن قول عبارة تمكن الأعداء أن يستثمروا أحد معانيها لتضعيف معنويات المسلمين، وتأمرهم باستعمال كلمة أخرى غير تلك الكلمة القابلة للتحريف ولطعن الأعداء . حين يشدد الإسلام إلى هذا الحد في هذه المسألة البسيطة، فإن تكليف المسلمين في المسائل الكبرى واضح، عليهم في مواقفهم من المسائل العالمية أن يسدوا الطريق أمام طعن الأعداء، وأن لا يفتحوا ثغرة ينفذ منها المفسدون في الداخل او الأعداء من الخارج للإساءة إلى سمعة الإسلام والمسلمين2.

الحذر من الغفلة عن الأعداء
ورد في العديد من الروايات الحث على اليقظة التامة من العدو، وعدم الغفلة عنه، في كل صغيرة وكبيرة، ففي الرواية عن الإمام علي عليه السلام: من نام لم يُنم عنه3. فالعدو دائم الترصد لك، فإن غفلت عنه باغتك ولذا ورد وصف من يقع في ذلك بأنه من عظيم العجز فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: والله إن امرأ يمكن عدوه من نفسه يعرق لحمه، ويهشم عظمه، ويفري جلده، لعظيم عجزه 4.

الصلح لا يمنع الحذر
ولو صالحت عدواً لك، نتيجة ما تفرضه بعض الظروف فإنّ هذا لا يعني إطلاقاً أن تغفل عن هذا العدو أو تأمن جانبه ففي عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر يقول: لا تدفعن صلحاً دعاك إليه عدوك ولله فيه رضى، فإن في الصلح دعةً لجنودك، وراحةً من همومك، وأمناً لبلادك، ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه، فإن العدو ربما قارب ليتغفل، فخذ بالحزم، واتهم في ذلك حسن الظن5 .

الصحيح سوء الظن بالأعداء لا حسن الظن بهم
ورد الحث في الروايات على حسن الظن بالناس، بل ورد النهي عن سوء الظن بهم، إلا في مواطن خاصة، فإن سوء الظن يصبح مطلوباً، وذلك كما في مواطن الاحتراس من العدو فعن الإمام الحسن عليه السلام: الاحتراس من الناس بسوء الظن، هو الحزم6.

وهذا هو القرآن الكريم وعندما يتعرّض بالتعليم لطريقة القتال، ينبّه المؤمنين المجاهدين على ضرورة الحذر من الاعداء مبيناً كيف يتحينون الفرص لمباغتة المسلمين، قال تعالى: ﴿وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً(النساء:102) .

تربية أهل البيت عليهم السلام لشيعتهم
لقد كانت العيون تترصد بشيعة أهل البيت عليهم السلام تريد النيل منهم والنقيصة فيهم، وذلك لانتسابهم للأئمة، حيث لم يجد أعداء أهل البيت عليهم السلام مجالاً للطعن على الأئمة بشيء، فأرادوا الطعن بهم من خلال الطعن بشيعتهم واتباعهم وأنصارهم، ولذا ورد تحذير الأئمةعليهم السلام لشيعتهم من ذلك وتربيتهم على الحذر من ارتكاب بعض ما يكون باباً للتشنيع عليهم وعلى الإئمة ففي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام: يا معشر الشيعة إنكم قد نسبتم إلينا، كونوا لنا زيناً، ولا تكونوا علينا شيناً7.

وفي رواية أخرى عنه عليه السلام: معاشر الشيعة كونوا لنا زيناً، ولا تكونوا علينا شيئاً، قولوا للناس حسناً، احفظوا ألسنتكم، وكفوها عن الفضول وقبيح القول8.

كما بيّنت روايات أخرى إن فائدة هذا هي الاقتراب بالناس من الأئمة عليهم السلام، وجعل قلوب الناس تهوى الأئمة لما ترى من الشيعة من حسن الخلق، والآداب، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام قال: يا عبد الأعلى . . . فاقرأهم السلام ورحمة الله يعني الشيعة وقل: قال لكم: رحم الله عبداً استجرَّ مودة الناس إلى نفسه وإلينا، بأن يظهر لهم ما يعرفون ويكف عنهم ما ينكرون9.

وفي رواية أخرى عنه عليه السلام: رحم الله عبداً حببنا إلى الناس ولم يبغضنا إليهم، أما والله لو يروون محاسن كلامنا لكانوا به أعز، وما استطاع أحد أن يتعلق عليهم بشيء، ولكن أحدهم يسمع الكلمة فيحط إليها عشراً10.

وفي هذه الرواية نجد بوضوح كيف يبيّن الإمام عليه السلام أن ما يجب على الشيعة الحذر منه أن يتعلق أحد عليهم بشيء، أي أن يبدأ بتوجيه أصابع الذم إليهم بفعل من أفعالهم، فالفعل الصغير قد يضخمه الأعداء فيصبح فعلاً عظيماً، وباباً من أبواب الذم، والطعن من قبل الأعداء، ولذا لا بد وأن تكون درجة الحذر أعلى في الموارد التي يكون الإنسان في مرمى نظر الأعداء.

للمطالعة
قال تعالى: ﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا(النساء:102) .

ورد في سبب نزول الآية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزل مع عدد من المسلمين أرض الحديبية وهم في طريقهم إلى مكة فسمعت قريش بذلك فبعثت بخالد بن الوليد على رأس زمرة من مئتي شخص لاعتراض طريق النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين الذين معه ومنعهم من الوصول إلى مكة، فاستقر خالد والذين رافقوه في الجبال القريبة من مكة . ولما كان موعد صلاة الظهر، أذن بلال، فصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمسلمين جماعة، فشاهد خالد بن الوليد صلاة المسلمين ففكر في خطة للهجوم على المسلمين، وأخبر جماعته أن يغتنموا فرصة أداء المسلمين لصلاة العصر التي يعتبرونها أعز عليهم من أعينهم، فيباغتونهم بهجوم خاطف وهم في الصلاة ويقضون عليهم . وفي هذه الأثناء نزلت الآية بحكم صلاة الخوف التي تصون المسلمين من كل هجوم خاطف . وهذه الآية إحدى معاجز القرآن الكريم حيث أخبرت عن وقوع هجوم قبل قيام العدو بتنفيذه وبذلك أفشلت خطة العدو11.

*منازل الآيات، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، نيسان2009، ص71-77.


1- تفسير الإمام العسكري المنسوب إلى الإمام العسكري ص 478 – 479.
2- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ج 1 ص 325.
3- نهج البلاغة، الكتاب رقم 62، كتابه إلى أهل مصر.
4- نهج البلاغة، الخطبة 34 .
5- نهج البلاغة، عهد الإمام لمالك الأشتر .
6- بحار الأنوار العلامة المجلسي ج 75 ص 115 .
7- بحار الأنوار العلامة المجلسي ج 85 ص 119.
8- وسائل الشيعة (آل البيت) الحر العاملي ج 12 ص 194.
9- بحار الأنوار العلامة المجلسي ج 2 ص 77 .
10- الكافي الشيخ الكليني ج 8 ص 229 .
11- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ج 3 ص 424-425.

2011-03-21