النِّظام العام
الأخلاق والثقافة الإسلامية
إن الإسلام ينظِّم الحياة البشريَّة في مختلف ميادينها الاقتصاديَّة والسِّياسيَّة والثَّقافيَّة والاجتماعيَّة، وقد بُنِي ديننا كلُّه على النِّظام، فالنِّظام هو محور حياة المسلم، بل الكون كلُّه يسير في نظام: البشر... الكائنات... اللَّيل والنَّهار... السَّماء... الفلَك.
عدد الزوار: 107
الإسلام دين النّظام
إن الإسلام ينظِّم الحياة البشريَّة في مختلف ميادينها الاقتصاديَّة والسِّياسيَّة
والثَّقافيَّة والاجتماعيَّة، وقد بُنِي ديننا كلُّه على النِّظام، فالنِّظام هو
محور حياة المسلم، بل الكون كلُّه يسير في نظام: البشر... الكائنات... اللَّيل
والنَّهار... السَّماء... الفلَك.
فخلق الله عزّ وجلّ هذا الكون على أساس منظّم، فوضع كلَّ شيء في موضعه وجعل له
مهمّة عليه أن يؤدّيها في هذه الدُّنيا، قال الله تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ
نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي
لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ
قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ
يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ
فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾1، وقوله تعالى ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ
لِّلْعَالِمِينَ * وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ *
وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء
مَاء فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ
لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾2.
وكذلك نظرة الإسلام للنظام في تعاملات البشر واضحة، فالاستئذان شرط، ومن لا يؤذَن
له لا يدخل: "إذا استأذن أحدكم فلم يؤذن له - ثلاثا - فليرجع". وللأكل آدابٌ
منظَّمة: "سمِّ الله، وكل بيمنيك، وكل ممَّا يليك"، والالتزام بالعهود والعقود شرط:
"المؤمنون عند شروطهم"3، وفي السفر: "إذا خرج ثلاثةٌ في سفرٍ فليؤمِّروا أحدهم"4 ووصل النظام إلى ضرورة اختيار اسمٍ صالحٍ للأولاد بمجرَّد ولادتهم، ثمَّ حسن
تربيتهم: "إنَّكم تُدعَون يوم القيامة بأسمائكم، فأحسنوا أسماءكم"5.
ووضع الإسلام كذلك قواعد في آداب التحيَّة والسلام: فيسلِّم الصغير على الكبير،
والقليل على الكثير، والراكب على الماشي، والمارُّ على الجالس.
و في الصلاة: "أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسوُّوا الخلل، ولينوا بأيدي
إخوانكم، ولا تذروا فرجاتٍ للشيطان"6.
وفي الجهاد: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا
كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾7.
وحتى في بعض الكفَّارات ككفَّارة الظهار: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن
نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن
يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَن
لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا
فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا
بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ
أَلِيمٌ﴾8.
هذا هو الإسلام، نظامٌ في كلِّ شيء، منذ الولادة وحتى الموت، في التعامل الشخصيّ
ومع الآخرين ومع الكون كلِّه.
النظام قرين التقوى والإيمان
أوصى الإسلام بنظم الأمور في مختلف جوانب الحياة الإنسانية، بأبعادها الفردية
والاجتماعية بهدف الوصول إلى حياة أفضل وتحقيق امتثال التكليف الإلهي، ويتجلى
الالتزام بالنظام والانضباط بالتربية والالتزام بتعاليم الدين الحنيف التي جاءت
لتنظيم الحياة الإنسانية وتأمين السعادة للمجتمع البشري كله، وهو ما أشار إليه
الإمام علي عليه السلام في وصيته لولديه حيث قرن التقوى - التي تعبّر عن أعلى مراتب
الإيمان والالتزام العملي بأحكام الشريعة وقوانينها - بالوصية بنظم الأمر، لأنه لا
يمكن أن يكون الإنسان مؤمناً يتحلى بالتقوى والإيمان دون أن يربّي نفسه على النظام،
والالتزام بالحقوق والواجبات تجاه الله والناس، وإلا لابتلي بالنفاق والكذب ما يؤدي
إلى ضعف الإيمان والتدين، ولا يبقى عندها أي قيمة للتقوى والإيمان. قال الإمام علي
عليه السلام في وصيته لولديه الحسن والحسين "أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه
كتابي بتقوى الله ونظم أمركم"9.
الأمر بالعروف والنهي عن المنكر
فاعتبر الدين الإسلامي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من "أسمى الفرائض وأشرفها،
وبهما تقام الفرائض، ووجوبهما من ضروريات الدين، ومنكره مع الالتفات بلازمه
والالتزام به من الكافرين"10.
فيجب الأمر والنهي على كل من تتوفِر فيه الشرائط من العلماء وغيرهم من الرجال
والنساء، قال الله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ
وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ﴾11.. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"لا تزال أمتي بخير
ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت
منهم البركات، وسلط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء"12.
وعن الإمام الرضا عليه السلام قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
إذا أمتي تواكلت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليأذنوا بوقاع من الله"، وما
المعروف إلا كل فعل حسن أوجبَتْه الشريعة المقدّسة أو ندبت إليه، فإن كان واجباً
كان الأمر به واجباً، وإن كان مستحباً كان الأمر به مستحباً، وما المنكر إلا كل فعل
كرهته الشريعة فحرّمت فعله أو حثّت على التنزّه عنه وتركه، فإن كان المنكر حراماً
كان النهي عنه واجباً، وإن كان مكروهاً كان النهي عنه مستحباً وراجحاً13.
ومن الواضح أن الدعوة إلى الفعل الحسن وعمل الخير، والنهي عن القبائح والمفاسد
يعزّز النظام والأمن والسلام والطمأنينة بين الناس في المجتمع. ولهذا يمكن للمكلّف
مع توّفر الشرائط مهما كان موقعه في المجتمع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر،
ويواجه العصاة والمنحرفين والمتمرّدين الذين يعتدون على حقوق الآخرين، بأساليب
ثلاثة على نحو الترتيب، بمعنى أنه لا يجوز التعدي عن مرتبة إلى الأخرى مع إمكانية
حصول المطلوب من المرتبة الدانية مع احتمال حصوله. و لما كانت الدعوة والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر عملاً إنسانياً يهدف إلى إصلاح الآخرين، فلا عجب أن
يختلف الأسلوب باختلاف الأشخاص والوقائع وأنواع الانحرافات.
وجوب مراعاة النظام في الفقه الإسلامي
أفتى الفقهاء المسلمون بوجوب الالتزام بمقررات نظام المجتمع، ولو كانت من دولة غير
إسلامية، تجب مراعاتها على كل حال14 وليس لأي أحد أن يضع في الشوارع والطرقات
العامة ما يضر بالمارة ونحوهم، ولا بد من منع ذلك بأية وسيلة ممكنة ولو بتسجيل
عقوبة مادية عليه لحفظ المصالح العامة وكذا الحال في وضع القذارات فيها، ولا ينبغي
لأحد مخالفة النظام ولاسيما مع لزوم الإضرار بالجار15. ومن الطبيعي أن المحافظة على
أنظمة وقوانين مثل: شبكات الكهرباء والماء والهاتف العامة، وعلى أنظمة السير
والبناء والضمان الصحي والبيئة، وغيرها مما له جنبة مصلحة وفائدة اجتماعية عامة، من
المصاديق الطبيعية التي تندرج تحت النظام العام الذي أوجب الفقهاء الالتزام به
ومراعاته.
الإسلام ووجوب مراعاة الآداب العامة
جعل الإسلام كل مسلم مسؤولاً في بيئته الاجتماعية، يمارس دوره الاجتماعي من موقعه،
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"16، ودعا
صلى الله عليه وآله وسلم إلى الاهتمام بأمور المسلمين ومشاركتهم في آمالهم وآلامهم،
فقال: "من أصبح لا يهتم بأُمور المسلمين فليس بمسلم"17.
وقد أولى الآداب العامة - التي ترتبط بالمجتمع وتمسّ حياة الناس وحقوقهم - أهمية
قصوى، تبرز في مختلف في مختلف مرافق الحياة منها:
1- النظافة العامة والشخصية:
مما أمر به الإسلام رعاية النظافة العامة والشخصية لما في ذلك من مظهر حضاري ومدني
له العديد من الأبعاد التربوية بين الناس، عن النبيّ: "إن الله طيّب يحبُّ الطيب،
نظيف يحبُّ النظافة"18. وفي كلام آخر له صلى الله عليه وآله وسلم:
"تنظَّفوا بكلِّ
ما استطعتم فان الله تعالى بنى الإسلام على النظافة ولن يدخل الجنة إلا كلّ
نظيف"19. وعن الإمام الرضا عليه السلام: "من أخلاق الأنبياء التنظف"20.
وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كلما أراد الخروج إلى المسجد أو إلى لقاء
أصحابه ينظر في المرآة ويرتَّب شعره ويتعطَّر وكان يقول: "إن الله يحبُّ من عبده
إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيَّأ لهم ويتجمَّل"21.
2- تنظيم الوقت:
إن الاستفادة الصحيحة من الوقت هي من أهمِّ الأمور التي توجب نجاح الإنسان في أموره
الاجتماعية ونجاح علاقاته مع الآخرين، ويتمّ ذلك عبر قيام الإنسان بتنظيم برنامج
شخصي له
للعمل، وللثقافة وللزيارات، وإن عدم وجود نظام يسير عليه الإنسان يوجب ضياع الفرص
وعدم الاستفادة السليمة من طاقة الإنسان واستثمار نتائج عمله. ورد عن الإمام الكاظم
عليه السلام: "اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات:
- ساعة لمناجاة الله.
- ساعة لأمر المعاش.
- ساعة لمعاشرة الإخوان والثقات الذين يعرفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن.
- ساعة تختلون فيها للذاتكم في غير محرم"22.
3- إفشاء التحية والسلام:
وضع الإسلام كذلك قواعد في آداب التحيَّة والسلام: فيسلِّم الصغير على الكبير،
والقليل على الكثير، والراكب على الماشي، والمارُّ على الجالس.
4- الامتناع عن كل ما يزعج الآخرين:
وذلك من خلال وضع حدود للحرية، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"المسلم
من سلم المسلمون من لسانه ويده"23.
5- تنظيم العبادة:
في العبادة أيضاً لا بدَّ من مراعاة النظم والإنضباط، وذلك بأداء كل عبادة في أوَّل
وقتها، الصلاة جماعة، صيام شهر رمضان، وقضاء ما فاته من الصوم في نفس السنة التي
فات فيها، أداء الخمس والزكاة في وقتهما، والحذر من الإفراط أو التفريط في العبادة.
6- الانضباط في المصروف:
لا بدّ للمسلم من رعاية الوسطيّة في اللباس والطعام وسائر مستلزمات الحياة وفي
الاستفادة من بيت المال والأموال العامة فلا يقع في الإفراط ولا في التفريط بما
يوجب الشحّ والبخل.
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ
الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورً﴾24.
وقد وضع الإمام الصَّادق عليه السلام مجموعة من القواعد في باب الاقتصاد، ومن هذه
الكلمات قوله عليه السلام: "لا تكسل في معيشتك فتكون كلا على غيرك"25. ووقوله عليه
السلام "ضمنت لمن اقتصد أن لا يفتقر"26.
* كتاب منار الهدى، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة يس، الآيات 37-40.
2- سورة الروم، الآيات 22-24.
3- الشيخ الطوسي، الخلاف،ج2، ص9.
4- سنن أبي داوود،ج2، ص34،باب الجهاد.
5- كنز العمال، ج16، ص418.
6- سنن أبي داوود،ج1، ص157.
7- سورة الصف، الآية 4.
8- سورة المجادلة، الآيتان 3-4.
9- نهج البلاغة، الكتاب 49.
10- الإمام الخميني، تحرير الوسيلة، ج1، ص 462.
11- سورة آل عمران، الآية 104.
12- وسائل الشيعة ج16، ص123.
13- م. ن، ص118.
14- الإمام الخامنئي، أجوبة الاستفتاءات،ج2 ص324.
15- السيد الخوئي قدس سره، مجمع المسائل، ج1، ص399، م16.
16- جامع الأخبار، ص327.
17- الكافي، ج 2، ص 163.
18- كنز العمال، ج 15، ص 389.
19- كنز العمال، ج 9، ص77.
20- الكافي، ج 5، ص567.
21- مكارم الأخلاق، ص35.
22- تحف العقول، ص481.
23- الكافي، ج2، ص234.
24- سورة الإسراء، الآية 27.
25- الكافي، ج5، ص86.
26- وسائل الشيعة، ج 17، ص 61.