يتم التحميل...

الدُّعاء وأثره التربوي

الأخلاق والثقافة الإسلامية

الدُّعاء عبادة يُمارسها الإنسان في جميع حالاته. وهو عبارة عن كلام المخلوق مع خالقه، ويُترجم عمق الصِّلة بين العبد وربّه، ويعكس حالة الافتقار المتأصِّلة في ذات الإنسان إلى الله سبحانه، والإحساس العميق بالحاجة إليه والرغبة فيما عنده.

عدد الزوار: 121

الدُّعاء وأهميـّته

يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ1.

الدُّعاء عبادة يُمارسها الإنسان في جميع حالاته. وهو عبارة عن كلام المخلوق مع خالقه، ويُترجم عمق الصِّلة بين العبد وربّه، ويعكس حالة الافتقار المتأصِّلة في ذات الإنسان إلى الله سبحانه، والإحساس العميق بالحاجة إليه والرغبة فيما عنده.

فالدُّعاء مفتاح الحاجات ووسيلة الرَّغبات، وهو الباب الَّذي خوَّله تعالى لعباده، كي يلجوا إلى ذخائر رحمته وخزائن مغفرته، وهو الشِّفاء من الدَّاء، والسِّلاح في مواجهة الأعداء، ومن أقوى الأسباب الَّتي يُستدفع به البلاء ويُردُّ به القضاء، ولذلك، فإنّنا نجد الدُّعاء من أبرز القيم الرَّفيعة عند الأنبياء والأوصياء والصّالحين عليهم السلام، ومن أهمّ السُّنن المأثورة عنهم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا أدلّكم على سلاح يُنجيكم من أعدائكم ويدرُّ أرزاقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال صلى الله عليه وآله وسلم: تدعون ربّكم باللَّيل والنَّهار، فإنَّ سلاح المؤمن الدُّعاء"2.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "الدُّعاء مخُّ العبادة، ولا يهلك مع الدُّعاء أحد"3.

وفي الحديث القدسيّ: "يا موسى، سلني كلَّ ما تحتاج إليه، حتَّى علف شاتك، وملح عجينك"4.

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: "الدُّعاء ترس المؤمن، ومتى تُكثر قرع الباب يُفتح لك"5.

وعن الإمام الرِّضا عليه السلام أنَّه كان يقول لأصحابه: "عليكم بسلاح الأنبياء، فقيل: وما سلاح الأنبياء؟ قال: الدُّعاء"6.

آداب الدُّعاء

من المعلوم أنّ لكلّ أمر عباديّ آدابه وشروطه، والدُّعاء واحد من أهمّ العبادات في حياة الإنسان، لا سيّما الإنسان المؤمن، فله آدابه الظَّاهريّة والباطنيّة، ومنها: تقديم المدحة لله والثَّناء عليه والصَّلاة على محمَّد وآل محمَّد قبل المسألة. فقد روى الحارث بن المغيرة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "إيّاكم إذا أراد أن يسأل أحدكم ربّه شيئاً من حوائج الدُّنيا حتَّى يبدأ بالثَّناء على الله عزَّ وجلَّ والمدحة له، والصَّلاة على النَّبيّ (وآله)، ثمَّ يسأل الله حوائجه"7.

وعنه عليه السلام أيضاً أنَّه قال: "إيّاكم إذا أراد أحدكم أن يسأل من ربّه شيئاً من حوائج الدّنيا والآخرة حتّى يبدأ بالثّناء على الله عزّ وجلّ والمدح له والصّلاة على النَّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ يسأل الله حوائجه"8.

السِّرُّ في عدم استجابة الدُّعاء

لكن مع رعاية الكثير من الآداب الظَّاهريَّة والباطنيَّة، والإلحاح بالدُّعاء، نجد أنَّ الله سبحانه وتعالى لا يستجيب دعاءنا، ولا تتحقّق آمالنا، فما السرُّ في ذلك؟ هناك أسباب عديدة منها ما روي عن الإمام الصَّادق عليه السلام أنَّه قال: "أربعة لا تُستجاب لهم دعوة:
1- رجل جالس في بيته يقول: اللهم ارزقني. فيُقال له: ألم آمرك في الطَّلب؟
2- ورجل كانت له امرأة فاجرة، فدعا عليها. فيقال له: ألم أجعل أمرها إليك؟
3- ورجل كان له مال فأفسده، فيقول: اللهمّ ارزقني. فيقال له: ألم آمرك بالاقتصاد، ألم آمرك بالإصلاح. ثمّ قال: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامً9.
4- ورجل كان له مال فأدانه بغير بيِّنة. فيقال له: ألم آمرك بالشَّهادة؟"10.

وهناك عوامل وأسباب أخرى نذكر منها:

1- الدُّعاء بقلب قاسٍ أو لاهٍ:
وهي من أعظم المصائب الَّتي يُبتلى بها الإنسان المؤمن، بحيث يُسلب منه لذيذ مناجاة الله سبحانه، فهو يدعو بلسانه، وقلبُه معلّق بالدُّنيا ومشاغلها، فكيف يتوقّع استجابة دعائه وهو لا يلتفت لما يدعو ومن يدعو؟! بل عليه أن يلتفت بكلِّه لمسبِّب الأسباب، ويتوجَّه بقلبه إلى ربِّ الأرباب، حتَّى يتوقَّع الإجابة.

روى سليمان بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "إنّ الله لا يستجيب دعاء بظهر قلبٍ ساهٍ، فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثمّ استيقن بالإجابة"11.

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إنّ الله، عزَّ وجلَّ، لا يستجيب دعاءً بظهر قلبٍ قاسٍ"12.

2 - الدُّعاء عند وقوع البلاء فقط:
كثيرٌ من النَّاس لا يعرف الدُّعاء إلّا بعد حلول البلاء عليه، وبعد نزول المصائب، فأين كان أيّام الدَّعة والرَّخاء؟! ولِمَ لم تكن الملائكة تسمع صوته عندما كان معافى وغنيّاً وآمناً؟! فإذا أراد الإنسان أن يُستجاب دعاؤه عند نزول الشَّدائد والمصائب والابتلاءات، - وهذه هي حال الدُّنيا -، فعليه أن يدعوَ الله سبحانه على كلّ حال، ويستعجل بالدُّعاء وهو في أمن وأمان، وصحّة وسلام، وغنى وإنعام، فليس الدُّعاء لدفع الضَّرر فقط، وإنّما هو لاستدرار الخير أيضاً، وعلى الإنسان أن يلتفت إلى أنّ الشُّرور والمصائب الّتي يدفعها الله عنه كثيرة جدّاً، ونِعَم الله عليه لا تُحصى. فحريّ به أنْ يدعوه ويشكره على كلِّ حال.

روى هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "من تقدّم في الدُّعاء استُجيب له إذا نزل به البلاء، وقيل: صوت معروف ولم يُحجب عن السَّماء، ومن لم يتقدَّم في الدُّعاء، لم يُستجب له إذا نزل به البلاء وقالت الملائكة: إنّ ذا الصَّوت لا نعرفه"13.

3- الإصرار على المعاصي:
كيف يتوقّع الدَّاعي أنْ يستجيب الله له وهو مصرّ على معصيته؟! وكيف يتوقّع الخير وهو لا ينفكّ عن فعل الشَّرّ؟! روي عن أبي ذرّ، عن النَّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، في وصيّته له قال: "يا أبا ذرّ، يكفي من الدُّعاء مع البرّ ما يكفي الطَّعام من الملح، يا أبا ذرّ، مثل الّذي يدعو بغير عمل كمثل الّذي يرمي بغير وتر. يا أبا ذرّ إنّ الله يُصلح بصلاح العبد ولدَه وولدَ ولدِه، ويحفظه في دويرته والدُّور حوله ما دام فيهم"14.

وعن الإمام الصَّادق عليه السلام: "كان رجل من بني إسرائيل يدعو الله تعالى، أنْ يرزقه غلاماً، ثلاث سنين، فلمّا رأى أنّ الله لا يُجيبه قال: يا ربّ، أبعيد أنا منك فلا تسمعني، أم قريب فلا تُجيبني؟ فأتاه آتٍ في منامه قال: إنّك تدعو الله منذ ثلاث سنين بلسانٍ بذيء وقلبٍ عاتٍ غير نقيّ، ونيّة غير صافية (صادقة)، فأقلع عن بذائك، وليتّق الله قلبُك، ولتحسِّن نيّتك، ففعل الرَّجل ذلك عاماً فولد له غلام"15.

وروى عليّ بن أسباط عن أبي عبد الله عليه السلام: "مَن سرّه أنْ تُستجابَ دعوته فليطيّب مكسبه"16.

وفيما وعظ الله به عيسى عليه السلام:

"يا عيسى، قل لظَلَمة بني إسرائيل: غسلتم وجوهكم ودنّستم قلوبكم، أبي تغترّون، أم عليَّ تجترئون؟ تتطيّبون بالطِّيب لأهل الدُّنيا وأجوافكم عندي بمنزلة الجيف المنتنة، كأنّكم أقوام ميّتون.

يا عيسى، قل لهم: قلّموا أظفاركم من كسب الحرام، وأصمّوا أسماعكم عن ذكر الخنا (الفحشاء)، وأقبلوا عليَّ بقلوبكم، فإنّي لست أريد صوركم.

يا عيسى قل لظلَمة بني إسرائيل: لا تدعوني والسُّحت تحت أقدامكم، والأصنام في بيوتكم، فإنّي آليت (أقسمت) أن أُجيب من دعاني، وإنّ إجابتي إيّاهم لعناً لهم حتّى يتفرَّقوا"17.

4- ظُلم النَّاس:
كيف يتأمَّل الإنسان أن يستجيب له ربُّه وهو يظلم أحداً من عباده، أخوته، أو زوجته، أو أولاده، أو موظَّفيه، أو جيرانه أو أحداً من أهل ملّته ومذهبه وهم ليس لهم ناصرٌ ولا معين غير الله؟ هيهات! فإنَّ الظُّلم حاجب عن الخيرات مانع للبركات، وعدم استجابة الدُّعاء واحدة آثار ظلم الإنسان لعيال الله وخلقه.

عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ18 قال: "قنطرة على الصِّراط لا يجوزها عبد بمظلمة"19.

عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: "لما حضر عليّ بن الحسين عليهما السلام الوفاة ضمّني إلى صدره، ثمّ قال: يا بُنيّ أوصيك بما أوصاني به أبي عليه السلام حين حضرته الوفاة وبما ذكر أنّ أباه أوصاه به. قال: يا بُنيّ إيّاك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلّا الله"20.

من لا يردّ دعاؤه

عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "كان أبي عليه السلام يقول: خمس دعوات لا تحجبن عن الرَّبّ تبارك وتعالى:
1- دعوة الإمام المقسط (العادل).
2- ودعوة المظلوم، يقول الله (عزَّ وجلَّ): لأنتقمنّ لك ولو بعد حين.
3- ودعوة الولد الصَّالح لوالديه.
4- ودعوة الوالد الصَّالح لولده.
5- ودعوة المؤمن لأخيه بظهر الغيب، فيقول: ولك مثله
"21.

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إيّاكم ودعوة المظلوم، فإنَّها تُرفع فوق السَّحاب حتّى ينظر الله عزَّ وجلَّ إليها فيقول: ارفعوها حتّى أستجيب له، وإيّاكم ودعوة الوالد، فإنَّها أحدُّ من السَّيف"22.

عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "من قدّم أربعين من المؤمنين ثمّ دعا استُجيب له"23.

وعن عبد الله بن طلحة النَّهديّ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أربعة لا تُردُّ لهم دعوة حتّى تُفتح لهم أبواب السَّماء وتصير إلى العرش:
1- الوالد لولده.
2- والمظلوم على من ظلمه.
3- والمعتمر حتّى يرجع.
4- والصَّائم حتّى يُفطر
"
24.

* كتاب منار الهدى، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- سورة غافر، الآية: 60.
2- الكافي، ج2، ص 468.
3- بحار الأنوار، ج 90، ص 300 (تحقيق: البهبوديّ).
4- ابن فهد الحلّي، عدّة الداعي، تحقيق: الموحّديّ القمّيّ، لا. ط، قم، مكتبة وجداني، لا. ت، ص 123.
5- عدّة الداعي، ص 12.
6- الكافي، ج 2، ص 468.
7- بحار الأنوار، ج 90، ص 314.
8- الكافي، ج2، ص 484.
9- سورة الفرقان، الآية 67.
10- الكافي، ج2، ص 511.
11- الكافي، ج 2، ص 483.
12- م. ن، ص 474.
13- الكافي، ص 472.
14- وسائل الشيعة، ج 7، ص 84-85.
15- الكافي، ج 2، ص 324-325.
16- وسائل الشيعة، ج 7، ص 84.
17- الكافي، ج 8، ص 138.
18- سورة الفجر، الآية 14.
19- الكافي، ج 2، ص 331.
20- م. ن.
21- الكافي، م. ن، ص 509.
22- م. ن.
23- م. ن.
24- م. ن.

2014-10-16