التَّقوى وآثارها الاجتماعية والفردية
الأخلاق والثقافة الإسلامية
عن الإمام الصَّادق عليه السلام: "من أخرجه الله من ذلّ المعاصي إلى عزِّ التَّقوى، أغناه الله بلا مال، وأعزَّه بلا عشيرة، وآنسهُ بلا بشر".
عدد الزوار: 120
عن الإمام الصَّادق عليه السلام: "من أخرجه الله من ذلّ المعاصي إلى عزِّ
التَّقوى، أغناه الله بلا مال، وأعزَّه بلا عشيرة، وآنسهُ بلا بشر"1.
وعن الإمام الباقر عليه السلام: "إنَّ أهل التَّقوى هم الأغنياء، أغناهم القليل
من الدُّنيا فمؤونتهم يسيرة"2.
التَّقوى لغة وشرعاً
توقَّى واتَّقى بمعنى (واحد). وقد توقَّيت واتَّقيت الشَّيء وتَقَيْته أتَّقيه
وأَتْقِيه تُقًى وَتقِيَّه وتِقاء: حَذِرْتُه، والاسم التَّقوى. قوله تعالى: "﴿هُوَ
أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ﴾3، أي: هو أهل أن يُتَّقَى عقابه، وأهل
أن يعمل بما يؤدِّي إلى مغفرته"4.
فالتَّقوى لغة تعني: الحذر، فتقوى الله تعني: الحذر والخوف من الله، والحذر من الله
يعني: اتِّباع ما يرضيه واجتناب ما يسخطه، وهذه هي التَّقوى حسب المرتكزات
الشرعيَّة.
منزلة التَّقوى
التَّقوى هي روح الإسلام، وأساس الإيمان، وأحد الأهداف الكبرى لبعثة سيِّد الأنام
صلى الله عليه وآله وسلم، فلا عجب أن تحوز هذه الخصلة اهتماماً بالغاً في النُّصوص
الشرعيَّة، فالتَّقوى هي:
1- ميزان التَّفاضل:
لم يعترف الإسلام بالمبدأ العرقيّ أو السُّلطة أو الجاه أو المال كمعيار وأساس
للتَّفاضل بين البشر، بل جعل معيار التَّفاضل التَّقوى: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا
وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾5.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خطبة الوداع: "ألا لا فضل لعربيّ على
عجميّ، ولا لعجميّ على عربيّ، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر، إلَّا
بالتَّقوى, إن أكرمكم عند الله أتقاكم"6.
2- غاية العبادة:
جعل الله تعالى العبادة غايةً للخلق: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا
لِيَعْبُدُونِ﴾7.
وجعل التَّقوى غايةً للعبادة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾8.
3- شرط القبول:
قال تعالى في مقام اشتراط قبول الأعمال:﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ
الْمُتَّقِينَ﴾9.
وكلّ عبادة أو عمل غير مؤسَّس على التَّقوى فهو هباء منثور, لقوله عز وجل:
﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم
مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ
جَهَنَّمَ﴾10.
مراتب التَّقوى
للتَّقوى مراتب، أدناها يبدأ من:
1- ترك الحرام:
وهذه المرتبة هي الَّتي أرادها الإمام الصَّادق عليه السلام لما سئل عن التَّقوى
فقال: "لا يفقدك الله حيث أمرك، ولا يراك حيث نهاك"11. وهناك مرتبة أعلى
للتَّقوى، هي:
2- ترك غير الحرام حذراً:
وقد أشار إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم بقوله): "لا يبلغ العبد حقيقة
التَّقوى حتَّى يدع ما لا بأس حذراً مما به البأس"12.
ومن جميل ما ورد في الاحتياط في أمور الدِّين ما ذكره بعض العابدين حينما سئل عن
التَّقوى فقال: هل دخلتم أرضاً فيها شوك؟ فقيل نعم، فقال: كيف تعمل وما تصنع؟ قيل:
نتوقَّى ونتحرَّز، فقال: اصنعوا في طريق الدِّين كذلك، فتوقَّوا عن المعاصي، كما
يتوقَّى الماشي رجله من الشَّوك.
موانع التَّقوى
للتَّقوى موانع عديدة منها:
1- اتِّباع الهوى: فعن الإمام عليّ عليه السلام:
"لا يفسد التَّقوى إلَّا غلبة
الشَّهوة"13.
2- العدُوّاة والخصومة: مع النَّاس وبالخصوص المؤمنين منهم. عن الإمام عليّ عليه
السلام قال: "لا يستطيع أن يتَّقي الله من خاصم"14.
آثار التَّقوى
ذكرت للتَّقوى آثار كثيرة وبركات جمَّة تكاد تفوق حدَّ الإحصاء، نذكر منها ما يلي:
1- باب الفرج:
قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ
حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾15.
وعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "لو أن السَّموات والأرض كانتا رتقا على عبد
ثمَّ اتَّقى الله لجعل الله له منهما فرجاً ومخرجاً"16.
ومن وصيَّة الإمام الصَّادق عليه السلام إلى رجل من أصحابه: "فإنِّي أوصيك بتقوى
الله عزَّ وجلَّ، فإنَّ الله قد ضمن لمن اتَّقاه أن يحوِّله عما يكره إلى ما يحب،
ويرزقه من حيث لا يحتسب".
2- أصل كلِّ خير وصلاح:
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا
سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾17.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "أوصيكم بتقوى الله الَّذي ابتدأ خلقكم وإليه يكون
معادكم.. فإنَّ تقوى الله دواء داء قلوبكم، وبصر عمى أفئدتكم، وشفاء مرض أجسادكم،
وصلاح فساد صدوركم، وطهور دنس أنفسكم وجلاء غشاء أبصاركم، وأمن فزع جأشكم، وضياء
سواد ظلمتكم"18.
3- الغنى الحقيقيّ:
عن الإمام الصَّادق عليه السلام قال: "من أخرجه الله من ذلِّ المعصية إلى عزِّ
التَّقوى أغناه الله بلا مال، وأعزَّه بلا عشيرة، وآنسه بلا بشر، ومن خاف الله عزّ
وجلّ أخاف الله منه كلَّ شيء، ومن لم يخف الله عزّ وجلّ أخافه الله من كلِّ شيء"19.
4- الحفظ من الأعداء:
قال تعالى: ﴿وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئً﴾20.
5- غفران الذُّنوب:
قال تعالى: ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُم
مِّن ذُنُوبِكُمْ﴾21.
6- الفوز بالجنَّة:
قال الله تعالى:﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي
مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا
عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ﴾22.
وعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أكثر ما يدخل به الجنَّة تقوى الله
وحسن الخلق"23.
كيف تتحقّق التَّقوى؟
التَّقوى لله تحصل من خلال أمرين أساسيَّين:
الأوّل: الإتيان بما يصلح الإنسان من خلال الالتزام بأوامر الله سبحانه وتعالى.
الثَّاني: الامتناع عما يضرّ الإنسان من خلال الانتهاء عن نواهي الله.
وكلاهما يساعدان على بعضهما البعض، فكلَّما أطاع الإنسان الله من حيث الأوامر،
كلَّما ساعده ذلك على الانتهاء عن النَّواهي، والعكس صحيح24.
والتَّقوى (خوف الله والحذر منه) فرع الإيمان بالله وبالآخرة (حيث العقاب والثَّواب)،
فكلَّما كان إيمان الإنسان أقوى، كلَّما كان خوفه من الله والحذر منه أقوى، ما
ينعكس على سلوك الإنسان، فيصبح مستقيماً صالحاً.
فالمطلوب لكي تتحقَّق صفة التَّقوى في الإنسان، أن يؤكِّد صفة الإيمان بالله
وبالآخرة في قلبه.
وهذا المعنى، أي: ترتب التَّقوى على الإيمان بالله وبالآخرة نراه في الآية
الكريمة:﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ *
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ
يُنفِقُونَ * والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن
قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾25.
ومن الشُّروط الأساسيَّة لتحصيل التَّقوى وتمكينها في النَّفس أيضاً تزكية النَّفس
ومحاسبتها. ففي وصيَّته لأبي ذرّ يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يكون
الرَّجل من المتَّقين حتَّى يحاسب نفسه أشدَّ من محاسبة الشَّريك لشريكه، فيعلم من
أين مطعمه، ومن أين مشربه، ومن أين ملبسه، أمن حِلٍّ ذلك، أم من حرام"26.
ومن العوامل المؤثِّرة في ترسيخ ملكة التَّقوى في النَّفس, طلب العلم وصون اللِّسان
عن اللغو في الكلام والفاضل منه, فعن الإمام عليّ عليه السلام: "رأس العلم
التَّواضع، ومن ثمراته التَّقوى، واجتناب الهوى، واتِّباع الحقِّ، ومجانبة الذُّنوب..."27.
* كتاب منار الهدى، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- الكافي، ج 2، ص 76.
2- بحار الأنوار، ج 75، ص 166.
3- سورة المدّثر، الآية 56.
4- لسان العرب، ابن منظور، ج15، ص402.
5- سورة الحجرات، الآية 13.
6- مورد الحكمة، ج4، ص29 - 36.
7- سورة الذّاريات، الآية 56.
8- سورة البقرة، الآية 21.
9- سورة المائدة، الآية 27.
10- سورة التّوبة، الآية 109.
11- بحار الأنوار، ج 67، (تحقيق: البهبوديّ) ص 285.
12- نهج السّعادة، الشيخ المحموديّ، ح 7، ط 1، النجف الأشرف، النُّعمان (مطبعة)،
1385هـ.ق 1965م. ص 58.
13- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 11، ص 345.
14- نهج البلاغة، الخطبة 176، الحكمة 298.
15- سورة الطلاق، الآيات 2 - 3.
16- نهج البلاغة، الخطبة 130.
17- سورة الأحزاب، الآيتين: 70 - 71.
18- نهج البلاغة، تحقيق: الصَّالح، ص 312, الخطبة 198.
19- بحار الأنوار، ج 67، ص 289. (تحقيق: الميانجيّ البهبوديّ).
20- سورة آل عمران، الآية 120.
21- سورة نوح، الآيتان 3 - 4.
22- سورة آل عمران، الآية 198.
23- الخصال، الشيخ الصدوق، ص 78.
24- يقول الإمام الخمينيّ: ومن المعلوم أنّ ضرر المحرّمات أكثر تأثيراً في النَّفس
من أي شيء آخر، ولهذا كانت محرّمة، كما أن الواجبات لها أكبر الأثر في مصلحة
الأمور ولهذا كانت واجبة، وأفضل من أي شيء، ومقدَّمة على كلِّ هدف، وممهِّدة
للتَّطوُّر إلى ما هو أحسن. إنّ الطَّريق الوحيد إلى المقامات والمدارج الإنسانيَّة
يمر عبر هاتين المرحلتين (الإتيان بالواجبات، الانتهاء عن المحرمات)، بحيث إنَّ من
يواظب عليهما يكون من السُّعداء، وأهمُّهما هي التَّقوى من المحرّمات، وإن أهل
السُّلوك يحسبون هذه المرحلة مقدَّمة على المرحلة الأولى" الأربعون حديثاً، الإمام
الخميني، ص202.
25- سورة البقرة، الآيات: 1 - 4.
26- المتقي الهندي، كنز العمّال، ج 3، ص 699، باب التقوى، ح 8501.
27- بحار الأنوار، ج 75، ص 6. (تحقيق: الغفَّاريّ).