الحسد
الأخلاق والثقافة الإسلامية
هذه الرِّواية تشير إلى أنَّ الحاسد لا يصل إلى حالة الغنى الرُّوحيّ والنَّفسيّ والعقليّ والسُّلوكيّ والأخلاقيّ، مما يشير إلى خطورة صفة الحسد في النَّفس الإنسانيَّة، ومانعيتها عن الكمال الإنسانيّ.
عدد الزوار: 111
تعريف الحسد
عن أبي عبد الله عليه السلام: "ليس لحاقن رأي، ولا لملول صديق، ولا لحسود غنى..."1.
هذه الرِّواية تشير إلى أنَّ الحاسد لا يصل إلى حالة الغنى الرُّوحيّ والنَّفسيّ
والعقليّ والسُّلوكيّ والأخلاقيّ، مما يشير إلى خطورة صفة الحسد في النَّفس
الإنسانيَّة، ومانعيتها عن الكمال الإنسانيّ.
الحسد حالة نفسيَّة يتمنّى صاحبها سلب الكمال والنعمة الَّتي يتصوَّرهما عند
الآخرين، سواء أكان يملكها أم لا، وسواء أرادها لنفسه أم لم يردها.
وأمَّا قولنا: "النِّعمة الَّتي يتصوَّرها عند الآخرين" فنعني به: أنَّ تلك
النَّعمة قد لا تكون بذاتها نعمة حقيقيَّة، مثلاً هناك بين النَّاس، أشخاص يحسبون
الفتك بالغير وسفك الدِّماء، موهبة عظيمة، فإذا شاهدوا من هو كذلك حسدوه.
أو قد يحسبون سلاطة اللِّسان وبذاءته من الكمالات، فيحسدون صاحبها.
ويفترق الحسد عن الغبطة، في أنَّ صاحب الغبطة يريد النِّعمة الَّتي توجد لدى الغير،
أن تكون لنفسه، من دون أن يتمنَّى زوالها عن الغير.
درجات وأنواع الحسد
للحسد درجات وأنواع حسب حال المحسود، وحسب حال الحاسد، وحسب حال الحسد ذاته.
- أمَّا من حيث حال المحسود: فمثل أن يحسد
شخصاً لما له من كمالات عقليَّة، أو أخلاق وخصال حميدة، أو لما يتمتَّع به من
الأعمال الصَّالحة والعباديَّة، أو لأمور خارجيَّة أخرى، مثل: امتلاكه المال والجاه
والعظمة والاحتشام وما إلى ذلك، أو أن يحسد على ما يقابل هذه الحالات من حيث كونها
من الكمال الموهوم.
- أمَّا من حيث حال الحاسد، فقد ينشأ الحسد
أحياناً من العداوة، أو التَّكبُّر أو الخوف وغير ذلك من الأسباب والعوامل الَّتي
سيرد ذكرها فيما بعد.
- أمَّا من حيث حال الحسد نفسه، فله درجات
وأنواع حسب اختلاف أسبابه وآثاره وسيأتي البيان.
أسباب الحسد
وقد حصر بعضهم كالعلاّمة المجلسيّ (رضوان الله تعالى عليه)2
أسباب الحسد في سبعة أمور:
الأوَّل: العداوة.
الثَّاني: التَّعزُّز، بحيث لا يطيق احتمال
تكبُّر وتفاخر المحسود لعزّة نفس الحاسد.
الثَّالث: الكبْر، أن يكون في طبعه أن يتكبَّر
على المحسود.
الرَّابع: التَّعجُّب، أن تكون النِّعمة عظيمة
والمنصب كبيراً، فيتعجَّب من فوز مثله بمثل تلك النِّعمة، كما أخبر الله عن الأمم
الماضية: ﴿مَا
أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا﴾3.
الخامس: الخوف، أن يخاف من فوات مقاصده،
ومزاحمته في أغراضه.
السَّادس: حبّ الرِّئاسة، بحيث لا يحبُّ لغيره
أن يصل إلى مركز ما.
السّابع: خبث الطِّينة.
والإمام الخمينيّ قدس سره بدوره يقول: "إن كلَّ هذه الأسباب، في الحقيقة، ترجع
إلى رؤية ذلِّ النَّفس... ويُمكن القول: إنَّ الحسد: هو ذلك الانقباض والذُّلُّ
النَّفسيّ اللَّذان تكون نتيجتهما الرَّغبة في زوال النِّعمة والكمال عن الآخرين"4.
آثار الحسد
1- ما ذكر في بداية حديثنا من أن الحاسد لا
يصل إلى الغنى المعنويّ والكمال الإنسانيّ: "... ولا لحسود غنى"5.
2- الحسد ربما يقضي على أساس الدِّين، قال أبو
عبد الله عليه السلام: "آفة الدِّين الحسد والعُجب والفخر"6. وعن
أبي جعفر عليه السلام: "إنَّ الرَّجل ليأتي بأيِّ بادرة فَيَكْفُر*، وإن الحسد
ليأكل الإيمان كما تأكل النَّار الحطب"7.
3- من المفاسد الكبيرة الَّتي لا تنفكُّ عن
الحسد، سخط الحسود على الخالق ووليِّ نعمته وإعراضه عن تقديراته تعالى.
4- ربما يصل الحاسد إلى مرحلة، يؤذي فيها
المحسود إلى حدِّ القتل، وقصَّة حسد إبليس لآدم، وحسد قابيل لهابيل، وحسد إخوة يوسف
له معروفة.
5- ويذكر الإمام الخمينيّ قدس سره مفسدة
أخرويّة حيث يقول: "ومن مفاسد هذا الخلق الذَّميم، كما يقول العلماء، ضيق القبر
وظلمته... وعلى أيِّ حال إنَّ* صاحب هذا الخلق يعيش في الدُّنيا معذباً مبتلىً،
ويكون له في القبر ضيق وظلمة، ويحشر في الآخرة مسكيناً متألِّماً"8.
علاج الحسد
لعلاج الحسد هناك طريقان، طريق علميّ وآخر عمليّ.
1- الطَّريق العلميّ:
بأن يتأمَّل الإنسان جيّداً في أمرين:
الأوَّل: في النَّتائج السَّلبيَّة والعواقب الضَّارّة للحسد على المستوى
الرُّوحي والبدنيّ. إذ من المهم أن يعلم الحسود أنَّ هذا المرض الأخلاقيّ سوف
يؤدِّي إلى هلاكه في الدُّنيا والآخرة كما أخبر بذلك أمير المؤمنين عليه السلام:
"ثمرة الحسد شقاء الدُّنيا والآخرة"9. وسيحول دون إشراق نور الإيمان
في قلبه، ويسلب منه الرَّاحة والنَّوم وسيحول حياته إلى حزن وغمٍّ دائمين.
الثَّاني: أن يتأمَّل في جذور ودوافع حصول هذه الحالة في النَّفس. فإذا كان
السَّبب ضعف الإيمان وعدم المعرفة الصَّحيحة بالله، فعليه أن يعمِّق أسس المعرفة
والتَّوحيد والإيمان بالله في قلبه. يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "وليعلم من
يحسد النَّاس ويتمنَّى زوال النِّعمة عن الآخرين، ويحقد في قلبه على أصحاب النِّعم،
أنَّه لا إيمان له بأنَّ الله عزَّ وجلّ، من باب معرفة الصَّالح أسبغ نعمه على
أولئك، وأنَّ ادراكنا لذلك قاصر. وليعلم أيضاً أنَّه لا يؤمن بعدل الله تعالى ولا
يرى التَّقسيم عادلاً. إنَّك في أصول العقائد تقول*: إنَّ الله عادل، وما هذا إلَّا
مجرَّد لفظة على لسانك..."10.
أمّا إذا كان السَّبب الشُّعور بعقدة الحقارة والدُّونية فعليه أن يعالجها في ظل
الثِّقة بالله وحسنُ الظنّ به، ومن خلال الإدراك بأنَّ الكمال الحقيقيَّ هو في
التَّحلِّي بمكارم الأخلاق والقرب من الله وهو ميسر لكلِّ إنسان.
2- الطَّريق العمليّ:
وهو أن يتكلف الحاسد بداية في إظهار المحبَّة للمحسود. فإذا كانت نفسه
تدعوه لإيذائه، واعتباره عدُوّاً، وتدفعه إلى هتك حرمته، وكشف عيوبه للآخرين، فعليه
أن يعمل خلاف ما تريده نفسه، فيثني عليه مثلا ويذكر صفاته الايجابيّة، ويحسن إليه
ويدعو له بالخير ويقدمه أمامه. ومع تكرار مثل هذه الأعمال تزول آثار الحسد من
النَّفس شيئاً فشيئا، ويعيش الإنسان حالة من الرِّضا والصَّفاء والسَّلام الرُّوحي
مع نفسه ومع الآخرين. يقول الإمام الخمينيّ قدس سره في كيفيَّة هذا الطَّريق العمليَّ:
"وذلك بأن تتكلَّف إظهار المحبَّة للمحسود، وترتِّب الأمور، بحيث يكون هدفك هو
معالجة مرضك الباطنيّ. إنَّ نفسك تدعوك لإيذائه واعتباره عدُوّاً... ولكن عليك أن
تعمل خلافاً لما تريده النَّفس، وأن تترحَّم عليه وتحترمه وتجلَّه. واحمل لسانك على
أن يذكر محاسنه... وتذكّر صفاته الجميلة. صحيح إن هذا سوف يكون متكلَّفاً في بادىء
الأمر...ولكن بما أن الهدف هو إصلاح النَّفس... فسوف تقترب في النِّهاية من الحقيقة،
ويخف تكلُّفك شيئاً فشيئاً"11.
* كتاب منار الهدى، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- الشيخ الطوسي، الأمالي، ص
301.
2- بحار الأنوار، ج 70، ص 270.
3- سورة يس، الآية 15.
4- الإمام الخميني، الأربعون حديثاً، ص108.
5- الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص 301.
6- الكافي، ج 2، ص 307.
(*) (أو يُكَفرَّ، والبادرة: هي ما يسبق من الإنسان في قول أو فعل في حالة الغضب،
فإذا أرخى للنّفس عِنان الغضب صدر منه، غالباً ـ، ما يصدر من الكفّار من قول
كالسَّبّ لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، (والعياذ بالله) أو فعل
كالدَّوْس على القرآن أو إلقائه في القاذورات)، فيكون قد كفر عملياً وهذا يناسب
قراءة "يكفر" أو حكم بكفره عمليّاً (بالكفر العمليّ) وهذا يناسب قراءة "يكفّر".
7- الكافي، م. ن، ص 306.
(*) كذا في المصدر، ولعلَّ الصّحيح، هكذا: وعلى أيّ حال فإنّ... إلخ.
8- الإمام الخمينيّ، الأربعون حديثاً، ص111.
9- مستدرك الوسائل، ج 12، ص 23.
10- الإمام الخمينيّ، الأربعون حديثاً، ص114.
(*) كذا في المرجع، ولعلَّ الصّحيح: تقول بأنّ..."، لأنَّ المراد في القول هنا
الرأي.
11- الإمام الخمينيّ، الأربعون حديثاً، ص 114-115.