يتم التحميل...

المقاومة الإسلامية وزمن الانتصارات

التشيُّع والمقاومة

لأوّل مرّة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي تلجأ إسرائيل إلى الأمم المتّحدة لتوفير غطاء لها للانسحاب، متذرّعة بتطبيق القرار1 425 الذي ينصّ على هذا الانسحاب منذ العام 1978م. وحاولت إسرائيل الضغط على سوريا ولبنان،

عدد الزوار: 328

المقاومة الإسلامية وزمن الانتصارات - الانتصار الكبير عام 2000م - انتصار الوعد الصادق عام 2006م
 
 المناورات التي سبقت الانسحاب "الهزيمة"


لأوّل مرّة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي تلجأ إسرائيل إلى الأمم المتّحدة لتوفير غطاء لها للانسحاب، متذرّعة بتطبيق القرار1 425 الذي ينصّ على هذا الانسحاب منذ العام 1978م. وحاولت إسرائيل الضغط على سوريا ولبنان، لكنّهما صمدا، لأنّ الاحتلال كان يترنّح ولا بدّ من الإجهاز عليه سريعاً. وكانت إسرائيل قد استنفدت على مدى اثنين وعشرين عاماً كلّ وسائلها العدوانية: السياسية والعسكرية والاقتصادية بمساندة الولايات المتّحدة من أجل إدخال لبنان إلى "بيت الطاعة" ووقف المقاومة وإنهائها.

المواقف الصلبة تختصر الزمن

استطاع لبنان بفضل قيادته الوطنية الحكيمة المتمثّلة بالرئيس أميل لحود ورئيس الحكومة سليم الحص أن يجهض كلّ المخططات الرامية إلى وقف المقاومة وجدولة الانسحاب الإسرائيلي والضمانات والاتّفاقات لحماية عملائها وإدخالهم في الجيش اللبناني والتدخّل بالشؤون الداخليه للبنان. وأمام الموقف المقاوم الصَّلب كانت خيارات الصهاينة تتقلّص شيئاً فشيئاً، وبدأت إسرائيل تعدّ العدّة للرحيل محاولة انتزاع قرار العفو عن العملاء اللحديين، ومحاولة إدخال تعديلات على مهمّات قوات الطوارئ الدولية، بهدف جعلها سياجاً أمنياً إسرائيلياً، وبما أنّ الوضع كان متفجّراً ولا يحتمل التأجيل انفرط عقد الوجود الصهيوني في لبنان، وبدأ الجيش الإسرائيلي بالتقهقر.
 
عودة المنطقة المحتلّة إلى حضن الوطن

راحت المقاومة تطارد الجنود الصهاينة من موقع إلى آخر، ومن قرية إلى قرية، إلى أن اندحروا كلّياً خارج الحدود، تاركين وراءهم بعض العملاء الذين تحصّنوا داخل المواقع، لكنّ الرعب سرعان ما دبّ في نفوسهم عندما رأوا الجموع البشرية تزحف نحو القرى والبلدات التي كانت تخضع لسيطرتهم، فمنهم من فرّ نحو فلسطين المحتلّة، ومنهم من استسلم للمقاومين. وراحت المواقع التي أرعبت الناس وقصفت القرى وزرعت الدمار والقتل تتهاوى من عرمتى إلى البيّاضة إلى القُصير فعلمان، فدير سريان، وفُتحت الطريق أمام المواطنين للتدفّق دون خوف إلى داخل الشريط المحتلّ، لإعادته إلى حضن الوطن من جديد.

كيف بدأت الانطلاقة الأولى للتحرير؟

صبيحة الحادي والعشرين من شهر أيار عام 2000م شهدت الانطلاقة الأولى للتحرير، فانطلق أهالي القنطرة وجمع كبير من أهالي المنطقة المجاورة من بوّابة التحرير الأولى عندما كانوا يحتفلون بمناسة في بلدة الغندورية، تواكبهم سيّارات المقاومة، وقد حاولت قوّات الطوارئ الدولية إقفال البوابة الحديدية في وجوههم لمنعهم من المضيّ في زحفهم لكنّ جرأة المواطنين دفعتهم إلى اقتحام البوابة وفتحها فوصل الأهالي إلى بلدتهم القنطرة وسط صيحات "الله أكبر" وأقيمت صلاة الشكر لله.
 
وكان لسقوط القنطرة أثر معنويّ كبير لدى سكّان بقية القرى، فراح المواطنون يتهافتون من كلّ مكان عبر الطرق المتعرّجة والجبال والأودية غير عابئين بالعواقب. وبدأت القرى تتهاوى من الطيبة إلى دير سريان إلى غيرهما، فأصيب العدوّ بالإرباك، فاستغلّت المقاومة الإسلامية هذا الإرباك ودفعت بعشرات المقاتلين إلى الخطوط الأمامية، ما شجّع أهالي القرى الأخرى إلى التحرّك نحو قراهم، وسارعت المقاومة إلى اقتحام مواقع الميليشيات اللحديّة، وجمع الوثائق والملفّات والأسلحة واعتقال العملاء والسيطرة على مخازن الذخيرة.
 
تحرير القطاع الأوسط

في اليوم التالي 22 أيار عام 2000م وضعت المقاومة خطّة لضرب الفوج السبعين التابع للعملاء اللحديين، وطلبت من أهالي قرى: حولا، ومركبا، وطلوسة الساكنين في المناطق المحرّرة الانتقال فجراً إلى بلدة شقرا، ومنها الانطلاق لتحرير جميع قرى القطاع الأوسط، وهذا ما أثار حفيظة الإسرائيليين، فبدأت الطائرات والمدفعية الإسرائيلية بقصف القرى والأودية لمنع المسيرة الشعبية من المضيّ. ولمّا لاحظ الإسرائيليون واللحديون هذا الإصرار الغريب على مواصلة الزحف ازداد فرار العملاء، واستُكمل الزحف الشعبي بهجمات نيفة للمقاومة على مواقع الإسرائيليين.

حرب تموز عام 2006م (الوعد الصّادق)

تداعيات انتصار العام 2000:
كان للانتصار الذي حقّقته المقاومة عام 2000م تداعيات كبيرة على إسرائيل، لأنّه لم يسبق لأحد من العرب أن حقّق انتصاراً على الكيان الإسرائيلي منذ تأسيسها عام 1948م. وسقطت هيبة "الجيش الذي لا يُقهر" وأدّى هذا الانتصار إلى ردّات فعل سلبيّة على المجتمع الإسرائيلي: سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
 
وماذا على الصعيد اللبناني؟
ما بعد التحرير عام 2000م قامت المقاومة الإسلامية ببناء التحصينات والمتاريس وتعزيز قدراتها القتالية وترسانتها المسلّحة بصمت وسريّة مطلقة. أمّا على الصعيد الرّسمي اللبناني فإنّ الدولة اللبنانية بشخص رئيسها العماد أميل لحود، أيّدت المقاومة واعتبرتها شرعيّة ومحرّرة لجزء كبير من الوطن. لكنّ اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005م أوجد صدعاً كبيراً في الجبهة الداخلية، خصوصاً إبّان رئاسة فؤاد السنيورة، وانقسم لبنان بين ما سُمّي: المعارضة والموالاة. وأثّر ذلك على داعمة المقاومة الأولى في المنطقة سوريا، واستُصدر قرار دوليّ أدّى إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان.
 
دور الرئيس إميل لحود
قام الرئيس أميل لحود خلال ولايته بدعم المقاومة، ورفض التدخّلات الأجنبية في شؤون لبنان الداخلية. وعندما كان قائداً للجيش اللبناني قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية عام 1998م، كان مؤيّداً للمقاومة ومتعاطفاً معها، حتّى أنّ الجيش في عهده كان يسهّل تحرّكات المقاومين، كما حدث في أماكن عديدة خصوصاً إبّان المعركة التي استشهد فيها ابن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، حيث تصدّى الجيش اللبناني في إقليم التفاح للطائرات والقصف الإسرائيلي، وارتفع للجيش شهداء وسقط جرحى.
 
لقد وقف الرئيس لحود مع شعبه اللبناني في الجنوب أثناء العدوان الإسرائيلي عام 2006م، وكان في غمار وذروة العدوان يؤكّد على حتميّة الانتصار، ويناهض رئيس وزرائه فؤاد السنيورة الذي ساند مؤامرات الأعداء ومؤتمراتهم ضدّ المقاومين الذين كانوا يخوضون غمار أشرس حرب تمرّ فيها المنطقة حتى تاريخه. ولم تزد هذه المواقف المزرية، الرئيس لحود إلّا اتّزاناً وصلابة.
 
كيف بدأت حرب تموز عام 2006م؟
صبيحة الثاني عشر من تموز عام 2006م، قامت مجموعة من قوّات النخبة في المقاومة الإسلامية بعملية عسكرية جريئة وخاطفة قرب بلدة عيتا الشعب الحدودية، فقتلت ثمانية جنود صهاينة ودَمّرت آليّتين وأَسرت جنديّين، وفي اليوم نفسه أطلّ السيد حسن نصر الله على شاشة التلفزيون مهدّداً بالتصعيد إذا أقدمت إسرائيل على أيّ عدوان، مطالباً بإجراء مفاوضات عبر طرف ثالث لتبادل الأسرى. وفي الجانب الآخر اعتبرت إسرائيل أنّ الحرب قد بدأت، وقامت طائراتها بإسقاط المنشورات من الجوّ تطالب سكّان الجنوب اللبناني بالرحيل، ورافق ذلك حصار بحريّ وجوّيّ وبرّيّ للبنان، وسمّت إسرائيل العملية العسكرية "الجزاء المناسب" وتحوّلت الحرب إلى حرب تدميرية شبيهة بالحرب العالمية الثانية، وكادت الحرب أن تتحوّل إلى بداية لحرب عالمية ثالثة.
 
بدء العمليات العسكريّة
بدأت إسرائيل تقصف الجسور، وهدّدت بإعادة لبنان عشرين عاماً إلى الوراء. وبدأت بقصف القرى الجنوبية والمنشآت الحيوية كمحطّات الكهرباء "والأوتوسترادات" والمراكز المدنية والمنازل والبنايات. ولدى الإسرائيليين عقيدة خاصّة بالقتال يعلّمونها لرجالهم، وهي: "أنّ إسرائيل لا تتحمّل خسارة حرب واحدة، لأنّ هزيمتها تعني زوالها من الوجود" لذلك فهي تعتمد بالدرجة الأولى على سلاح الجوّ لسرعة طاقته التدميرية الهائلة. وعلى هذا الأساس راحت طائراتها تشنّ الغارات الجويّة المكثّفة على جميع الأراضي اللبنانية من أقصى شمالها وبقاعها حتى جنوبها، مروراً بالعاصمة بيروت وضاحيتها الجنوبية. وفي المقابل، فإنّ حزب الله اعتمد عقيدة قتالية غير معلنة، تمزج حرب العصابات والحرب النظاميّة بالاعتماد الأكبر على طاقة الصواريخ التدميريّة إضافة إلى الكمائن، تتوّجها العقيدة الإيمانية الدينية الصلبة.
 
سير المعارك
بعد عملية الأسر بدأت الدّبابات بالتقدّم نحو جميع القرى المحاذية للحدود مدّعمة بآلالاف الجنود على كلّ المحاور، فتصدّى المقاومون باستبسال منقطع النظير، ولم يتمكّن العدو من التقدّم، فزجّت إسرائيل بقوّات النخبة من جيشها، وبعد قتال مرير وعنيف وصلت القوّات المعادية إلى مارون الراس فاصطدمت قوات النُخبة بكمائن المقاومة. وفي صبيحة 26 تموز حاول لواء الغولاني التقدّم إلى عيناثا وبنت جبيل، فدارت المعارك الضارية، وسقط فيها عدد كبير من جيش العدوّ قتلى. وبينما كانت المعارك تدور على هذا المحور كانت القوّات المعادية تحاول التضييق على مدينة بنت جبيل من الجهة الغربية بالقرب من "صف الهوا". وفي صباح 27 تموز اشتدّ أُوارُ المعارك حول بنت جبيل وعيناثا والطيري وكونين وأطراف عيترون، وبدأت كمائن المقاومة تُفاجىء قوّات النخبة التي تكبّدت خسائر كبيرة. وفي خِضمّ الارتباك الصَّهيوني كانت المعارك الضَّارية في بنت جبيل على أشدّها، وكانت الخسائر الإسرائيلية جسيمة، ولم يتمكّن العدوّ من إحراز أيّ نصر أو تحقيق أيّ هدف. وكانت المعارك تدور أيضاً في عيتا الشعب التي دُمِّرت معظم بيوتها، ولم يتمكن العدوّ من احتلالها.

لبنان كلُّه يقاوم
من الشمال في عكار وطرابلس إلى البقاع كلّه وبعلبك والهرمل إلى جبل لبنان وضاحية بيروت الجنوبية إلى صيدا والخيام والنبطية ومرجعيون وصور، القصف المعادي مستمرّ بلا هوادة، والمقاومة تردّ باستبسال، وصواريخها تدكّ ما بعد حيفا والعمق الصهيوني، ولأوّل مرّة يشعر الإسرائيليون بالهلع فيغادر أكثر من أربعمئة ألف يهودي المستعمرات الشمالية نحو الداخل، فيما فاجأت المقاومة العالم بتدمير بارجة حربية صهيونية، وتدمير عدد كبير من دبّابات الميركافا المتطوّرة جدّاً.
 
الصمود المذهل
ثلاثة وثلاثون يوماً من الحرب المستمرّة، والمقاومة كانت ما تزال صادمة حيث بدأت تظهر المفاجآت المذهلة، ففي ليل 12 آب وقبل وقف إطلاق النار بيومين كانت القوّات الصهيونية قد أنزلت قوّات محمولة جوّاً في الأحراش الكثيفة غربي بلدة ياطر تمهيداً لاحتلالها، لكنّ رجال المقاومة فاجؤوا العدوّ بإسقاط طائرة مروحية محمّلة بالجنود والعتاد غربي البلدة، وكان قد سبق ذلك إنزال جويّ فاشل على طريق صور العباسية، صدّته المقاومة ورجال الجيش اللبناني دون أن يحقّق أهدافه.
 
الوعد الصادق
كان رجال المقاومة في المحاور الملتهبة قد أرسلوا برسالة إلى قائدهم السيد حسن نصر الله يعاهدونه على الاستبسال والقتال حتّى الاستشهاد، فردّ السيد برسالة تاريخية، يَعِدُهم بالنّصر، ويسمّيهم: "الوعد الصّادق".
 
وعد السيد ووفى! وانتصرت المقاومة بعد قتال مشرِّف لمدّة 33 يوماً! واندحر العدو خاسراً خاسئاً، وبدأت جبهته الداخلية بالتّداعي والانفراط.

* كتاب منار الهدى، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- القرار 425: في أعقاب العملية الفدائية الفلسطينية بقيادة دلال المغربي يوم 11 مارس 1978م على حافلتين إسرائيليتين قرب تل أبيب ما أسفر عن مقتل 37 إسرائيلياً وجرح 76، دخلت القوّات الإسرائيلية إلى جنوب لبنان بحجّة إزالة قواعد منظمة التحرير الفلسطينية ومناطق انطلاقها جنوب نهر الليطاني. وعندما بدأت عملية الليطاني، شرعت الولايات المتّحدة بالبحث عن صيغة لإرسال قوّة حفظ سلام تابعة للأمم المتّحدة إلى المنطقة التي استولت عليها إسرائيل، وذلك لإحداث انسحاب إسرائيلي وإقامة منطقة عازلة خالية من الفدائيين في جنوب لبنان. ونتيجة لهذه الجهود، اجتمع مجلس الأمن الدولي وقرّر تبنّي القرار رقم 425 الذي دعا إسرائيل إلى الانسحاب، وإلى إقامة قوّة مؤقّتة تابعة للأمم المتّحدة في لبنان (يونيفل).
نص القرار: إنّ مجلس الأمن، بعد أن اطّلع على رسالتي مندوب لبنان الدائم (س/12600 وس/12606) وعلى رسالة مندوب إسرائيل الدائم (س/ 12607)، وبعد أن استمع إلى بياني المندوبين الدائمين للبنان ولإسرائيل، وجرّاء قلقه الشديد من تدهور الوضع في الشرق الأوسط، وممّا قد يكون لذلك من عواقب على الحفاظ على السلام الدولي، ولاقتناعه بأنّ الوضع الراهن يعرقل إحراز سلام عادل في الشرق الأوسط،
1- يدعو إلى الاحترام التام لسلامة لبنان الإقليمية وسيادته واستقلاله السياسي ضمن حدوده المعترف بها دوليا.
2- ويناشد إسرائيل أن توقف فوراً عملها العسكري ضدّ السلامة الإقليمية للبنان، وأن تسحب على الفور قواتها من جميع الأراضي اللبنانية.
3- ويقرّر، في ضوء طلب الحكومة اللبنانية، تشكيل قوّة مؤقّتة تابعة للأمم المتّحدة في الحال، تخضع لسيطرتها, لتعمل في جنوب لبنان بقصد التحقّق من انسحاب القوّات الإسرائيلية، وإعادة السلام والأمن الدوليين، ومساعدة حكومة لبنان على تأمين عودة سلطتها الفاعلة إلى المنطقة، على أن يتمّ تشكيل القوّة الدولية من أفراد من دول أعضاء في الأمم المتحدة.
4- ويطلب المجلس من السكرتير العام أن يقدّم تقريراً إلى المجلس خلال 24 ساعة حول تطبيق هذا القرار.

2014-09-16