الاستخفاف بالصَّلاة
الأخلاق والثقافة الإسلامية
عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "الصّلاة عمود الدّين، مثلها كمثل عمود الفُسْطاط إذا ثبت العمود ثبت الأوتاد والأطناب، وإذا مال العمود وانكسر لم يثبت وتد ولا طُنُب".
عدد الزوار: 119
عمود الدِّين
عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "الصّلاة عمود الدّين، مثلها كمثل عمود
الفُسْطاط إذا ثبت العمود ثبت الأوتاد والأطناب، وإذا مال العمود وانكسر لم يثبت
وتد ولا طُنُب"1.
إنَّ الصَّلاة عمود الدِّين، وخير موضوع وحصن من سطوات الشَّيطان، وميزان الإيمان،
ورأس الإسلام، ومرضاة الرَّب، ومنهاج الأنبياء، وسبب الرَّحمة، وقرة عين النَّبيَّ
صلى الله عليه وآله وسلم وقربان كلِّ تقيّ، ومعراج المؤمن، وغير ذلك مما جاء في
الأخبار الشَّريفة.
فلمَّا كانت بهذه الأهميَّة والمكانة، كان من الواجب الحفاظ عليها وعدم تضييعها
والتَّهاون والاستخفاف بشأنها، وقد حذّر الإسلام تحذيراً شديداً من ذلك كما بيّن
الحديث المتقدِّم وغيره، جاء عن الإمام الباقر عليه السلام: "لا تتهاون بصلاتك،
فإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال عند موته: ليس منِّي من استخف بصلاته"2،
وزاد في حديث آخر: "لا يرد عليّ الحوض لا والله"3.
ونجد أئمَّتنا صلوات الله عليهم يؤكِّدون على قبح هذا الأمر، مع الأنفاس القدسيَّة
الأخيرة في أعمارهم الشَّريفة، وما ذلك إلَّا لاعتباره آفة عظمى لا يمكن التَّغاضي
عنها، بل الحثّ على التَّخلُّص منها هو من أولويَّات المهام الدِّينيَّة وأكبرها.
يقول أبو بصير: دخلت على حميدة أعزّيها بأبي عبد الله عليه السلام فبكت ثمَّ قالت:
يا أبا محمَّد لو شهدته حين حضره الموت وقد قبض إحدى عينيه ثمّ قال: ادعوا لي
قرابتي ومن لطف لي، فلمَّا اجتمعوا حوله قال عليه السلام: "إنّ شفاعتنا لن تنال
مستخفّاً بالصَّلاة"4.
الصَّلاة غير المقبولة
اتَّضح ممَّا سبق أنَّ الأتباع الحقيقيِّين لآل البيت عليهم السلام هم المحافظون
على صلواتهم، وليسوا أولئك الَّذين يتهاونون بها، ومن باب أولى ليسوا الَّذين
يُضَيِّعون الصَّلاة، والفرق بين الاستخفاف والتَّضييع، أنَّ الاستخفاف يتحقَّق
بتأخير الصَّلاة عن أوَّل وقتها من دون انشغال بحاجةٍ أو ضرورة حياتيَّة، أو
علميَّة أو غير ذلك، بمعنى أنَّه لا يشغله شيء عن المسارعة والمبادرة إلى أداء
الصَّلاة في أوَّل الوقت، سوى أنّه لا يعيرها أهميَّة، ويؤخّرها بدون داعٍ شرعيّ أو
عقليّ إلى آخر الوقت لكن يصلِّيها بعنوانها الأدائيّ لا القضائيّ، وأمَّا التَّضييع
فيتحقَّق أن يؤخِّر الصَّلاة إلى أن يخرج وقتها الطَّبيعي دون أن يؤدِّيها، وهذا
أعظم جرماً وأقبح وجهاً من الاستخفاف، وإن كان كلاهما قبيحاً ومذموماً في الشَّرع
المقدَّس.
وبعد أن عرفنا أنَّ المستخفَّ بصلاته يبوء بالحرمان من شفاعة الأئمَّة عليهم السلام،
ويا لها من عاقبة وخيمة، نضيف هنا ما روي عن مولانا الصَّادق عليه السلام من كون
صلاته غير مقبولة، وإنَّما تردّ إليه ولا ترفع، يقول عليه السلام: "والله إنَّه
ليأتي على الرَّجل خمسون سنة وما قبل الله منه صلاة واحدة، فأيُّ شيء أشدّ من هذا؟
والله، إنَّكم لتعرفون من جيرانكم وأصحابكم من لو كان يصلِّي لبعضكم ما قبلها منه،
لاستخفافه بها. إن الله لا يقبل إلَّا الحسن، فكيف يقبل ما يستخفُّ به"؟!5.
صلاة المتكاسل
ربما يستيقظ الإنسان لأداء فريضة الصُّبح استيقاظاً ظاهريَّاً وشكليّاً، ويؤدِّيها
غير عارف بما قرأ وكيف وأين، وقد يشكُّ فيما بعد أنَّه أدّاها أو لم يؤدها، بحيث
تختلط عليه الأمور، لأنَّه صلَّى مع الغفلة والتَّثاقل، وبالإمكان أن نقول: إن ذلك
من آثار النُّعاس الغالب عليه الَّذي أفقده معرفة ما يقول، فأيّ صلاة هذه وهو واقف
بين يدي الجبّار سبحانه وتعالى؟!
يقول عزّ من قائل: ﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ
تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ﴾6.
وفي تفسيرها قال الإمام الباقر عليه السلام: "لا تقم إلى الصَّلاة متكاسلاً ولا
متناعساً ولا متثاقل، فإنّها من خلل النِّفاق، وإنَّ الله نهى المؤمنين أن يقوموا
إلى الصَّلاة وهم سكارى، يعني: من النَّوم"7.
وفي حديث آخر: سألته عن قول الله
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ
تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى﴾
قال عليه السلام: "... يعني: سكر النَّوم، يقول: وبكم نعاس يمنعكم أن تعلموا ما
تقولون في ركوعكم وسجودكم وتكبيركم، ليس كما يصف كثير من النَّاس، يزعمون أنَّ
المؤمنين يسكرون من الشَّراب، والمؤمن لا يشرب مسكراً ولا يسكر"8.
فإنَّه عليه السلام يعترض على تفسير الآية بالمسكر الخمريّ لأنّ الله تعالى ابتدأها
مخاطباً المؤمنين.
وفي حديث المعراج: "يا أحمد! عجبت من ثلاثة عبيد: عبد دخل في الصَّلاة وهو يعلم
إلى من يرفع يديه وقدّام من هو، وهو ينعس"9.
جزاء التَّهاون بالصَّلاة
عن السَّيِّدة الزَّهراء عليها السلام أنَّها سألت أباها صلى الله عليه وآله وسلم
فقالت: يا أبتاه ما لمن تهاون بصلاته من الرِّجال والنِّساء؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم: "يا فاطمة: من تهاون بصلاته من الرِّجال والنِّساء،
ابتلاه الله بخمس عشرة خصلة، ست منها في دار الدُّنيا، وثلاث عند موته، وثلاث في
قبره، وثلاث في القيامة إذا خرج من قبره.
فأمّا اللّواتي تصيبه في دار الدُّنيا: فالأولى: يرفع
الله البركة من عمره، ويرفع الله البركة من رزقه، ويمحو الله عزَّ وجلّ، سيماء
الصَّالحين من وجهه، وكلّ عمل يعمله لا يؤجر عليه، ولا يرفع دعاؤه إلى السّماء،
والسّادسة ليس له حظ في دعاء الصَّالحين.
وأمّا اللَّواتي تصيبه عند موته فأولاهن: أنَّه يموت
ذليلاً والثّانية: يموت جائعاً،
والثَّالثة: يموت عطشاناً، فلو سقي من أنهار الدُّنيا لم يرو عطشه.
وأمَّا اللَّواتي تصيبه في قبره فأولاهن: يَوكل*
الله به ملكاً يزعجه في قبره، والثَّانية: يضيِّق
عليه قبره، والثَّالثة: تكون الظُّلمة في قبره.
وأمّا اللَّواتي تصيبه يوم القيامة إذا خرج من قبره، فأولاهن:
أنّه يوكل* الله به ملكاً يسحبه على وجهه والخلائق ينظرون إليه،
والثَّانية: يحاسبُ حساباً شديداً،
والثَّالثة: لا ينظر الله إليه ولا يزكِّيه وله عذاب أليم"10.
هكذا تقام الصلاة
ينبغي لمن أراد أن تُرفع صلاته بالشَّكل اللَّائق أن يراعي عدَّة أمور منها:
1- معرفة
حقّ الصَّلاة: في رسالة الحقوق لمولانا زين العابدين عليه السلام: "وحقّ
الصَّلاة أن تعلم أنَّها وفادة إلى الله عزّ وجلّ، وأنَّك فيها قائم بين يدي الله
عزّ وجلّ، فإذا علمت ذلك، قمت مقام العبد الذَّليل الحقير الرَّاغب الرَّاهب،
الراجي الخائف المستكين المتضرِّع، المعظِّم لمن كان بين يديه بالسُّكون والوقار،
وتقبل عليها بقلبك وتقيمها بحدودها وحقوقها"11.
2- الخشوع: عن أمير المؤمنين عليه السلام:
"يا كميل! ليس الشَّأن أن تصلّي وتصوم وتتصدَّق، إنَّما الشَّأن أن تكون الصَّلاة
فعلت بقلب نقيّ، وعمل عند الله مرضيّ، وخشوع سويّ"12.
3- حضور القلب: عن النَّبيِّ الأكرم صلى الله
عليه وآله وسلم: "لا يقبل الله صلاة عبد لا يحضر قلبه مع بدنه"13،
والخشوع متوقِّف على الحضور.
4- التَّدبُّر: في الحديث:
"صلاة ركعتين بتدبَّر خير من قيام ليلة والقلب ساهٍ"14.
5- الصَّلاة أوَّل الوقت: عن الإمام الصَّادق عليه السلام: "فضَّل
الوقت الأوَّل على الأخير كفضل الآخرة على الدُّنيا"15.
* كتاب منار الهدى، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- وسائل الشيعة، ج 4، ص 27.
2- الكافي، ج3، ص369.
3- الصَّدوق، علل الشرائع، تحيقيق: السيّد محمّد صادق بحر العلوم، ج 2، لا. ط،
النَّجف الأشرف، منشورات المكتبة الحيدريّة، 1966م، ص 356.
4- بحار الأنوار، ج 79، ص 235-236.
5- وسائل الشيعة، ج4، ص24.
6- سورة النساء، الآية 43.
7- العيَّاشيّ، (ابن مسعود)، تفسير العياشي، ج 1، تحقيق: السيّد المحلّاتيّ، لا. ط،
طهران، المكتبة العلميّة الإسلاميّة، لا. ت، ص 242.
8- م. ن.
9- بحار الأنوار، ج 74، ص 22.
10- (*) في المصدر غير مشكَلَة ولعل الصَّحيح: يوَكِّل.
(*) كما مرَّ لعلَّ الصَّحيح: يُوَكِّل... إلخ. ج 3، ص 24.
مستدرك الوسائل، ج 3، ص 24.
11- رسالة الحقوق: حق الصلاة. (راجع: الخصال، ص 566).
12- محمّد بن أبي القاسم الطّبريّ، بشارة المصطفى، تحقيق: جواد الأصفهانيّ، ط 1، قم،
مؤسَّسة النّشر الإسلاميّ 1420هـ، ص 57.
13- أحمد بن محمّد البرقيّ، المحاسن، ج 1، تحقيق: الحسينيّ، لا. ط، طهران، دار
الكتب الإسلاميّة، 1370هـ 1330ش، ص 260 - 261.
14- البحار، ج 81، ص 259. (تحقيق: البهبوديّ)
15- الكافي، الشيخ الكليني، ج3، ص 274.