الموت وحقيقته
مفاهيم قرآنية
الموت حقيقة لا مفرَّ منها: إن الموت هو حقيقة لا مفرَّ منها ولا مهرب وكل إنسان يُذعن بأن مصيره إلى التراب في اخر المطاف ولكن كثيراً من الناس يتعاملون مع الموت معاملة الشك مع أنهم لا يرتابون فيه...
عدد الزوار: 72
الموت حقيقة لا مفرَّ منها
إن الموت هو حقيقة لا مفرَّ منها ولا مهرب وكل إنسان يُذعن بأن مصيره إلى التراب في اخر المطاف ولكن كثيراً من الناس يتعاملون مع الموت معاملة الشك مع أنهم لا يرتابون فيه، يقول الإمام الصادق عليه السلام: "ما خلق اللَّه عزَّ وجلَّ يقيناً لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت"1وتضافرت الايات الكريمة التي تتحدث عن حتمية الموت وأن اللَّه تعالى هو الواحد الباقي يقول تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْت﴾(العنكبوت:57).
﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾(الرحمن:26-27). ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُون﴾(الزمر:30).
لا ملجأ من أمر اللَّه
لكل أمة ونفس جعل اللَّه سبحانه وتعالى أجلاً وإذا جاء الأجل لا يمكن الهروب منه يقول تعالى: ﴿وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيد﴾(ق:19).
ويقول تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾(الأعراف:34).
ويحدثنا القران الكريم عن أولئك الذين يفرُّون من الموت ماذا أصابهم يقول تعالى: ﴿ألَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ﴾(البقرة:243).
ويقول تعالى: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَة﴾(النساء:78).
ويقول تعالى في سورة الجمعة: ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ﴾(الجمعة:8).
حقيقة الموت
الموت ليس زوالاً وانعداماً للإنسان بل هو الحياة الحقيقية لأن الإنسان خلق في هذه الدنيا ليبقى ويتكامل لا لينعدم ويزول يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ما خلقتم للفناء بل خلقتم للبقاء وإنما تنقلون من دار إلى دار"2.
إنما هي الأرواح باقية حية في عالم اخر وفي دار غير هذه الدار وإن كل ما حصل بالموت هو أن الأرواح فارقت الأبدان، يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾(ال عمران:169).
وقد سُئل الإمام الحسن عليه السلام ما الموت الذي جهلوه؟ فقال عليه السلام: أعظم سرور على المؤمنين إذا نقلوا عن دار النكد إلى نعيم الأبد، وأعظم ثبور يرد على الكافرين إذا نقلوا عن جنتهم إلى نار لا تبيد ولا تنفد"3.
ويقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر والموت جسر هؤلاء إلى جنانهم وجسر هؤلاء إلى جحيمهم"4.
من يقبض الأرواح
إن الآيات الواردة في هذا المجال على ثلاثة أقسام
الأول: أن اللَّه تعالى هو الذي يقبض الأرواح، يقول تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِها﴾(الزمر:42).
الثاني: أن الذي يتولى ذلك الملائكة لقوله تعالى: ﴿حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ﴾(الأنعام:61)
ويقول تعالى: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ﴾(النحل:32).
الثالث: أن الذي يتولى ذلك ملك الموت: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾(السجدة:11).
ويشرح الإمام الصادق عليه السلام هذه الايات المباركة، عندما سُئِل عنها قال عليه السلام: "إن اللَّه تبارك وتعالى جعل لملك الموت أعواناً من الملائكة يقبضون الأرواح، بمنزلة صاحب الشرطة له أعوان من الأنس يبعثهم في حوائجه، فتتوفاهم الملائكة ويتوفاهم ملك الموت منهم مع ما يقبض هو ويتوفاها اللَّه عزَّ وجلَّ من ملك الموت"5.
لماذا الخوف من الموت
إن للموت صورة مريعة عند عامة الناس، وإن لهذا الخوف منشأ ولم يأتِ من فراغ وبلا سبب. ويمكن تلخيص أسباب
الخوف بالأمور التالية
1- الجهل بحقيقة الموت وما ينتظر الإنسان بعد الموت، فلو عرف الإنسان حقيقة الموت وأنه ليس انعداماً وإنما هو قنطرة تعبر بنا من عالم إلى عالم وأن الحياة الحقيقية هي في الاخرة، لو علم الإنسان ذلك وكان من المؤمنين المطيعين فبالطبع سيزول عنده الخوف من الموت، لأن الموت هو مخلوق من قبل اللَّه تعالى كما أن الحياة مخلوقة كما عبّر اللَّه تعالى عنه وهذا التعبير يعني الايجاد وليس الانعدام يقول تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾(الملك:2).
2- ارتكاب الذنوب في عالم الدنيا: فإن الإنسان إذا قصَّر في واجباته وارتكب الذنوب والاثام ولم يطهِّر نفسه فإنه حتماً سيكره الموت ويخاف منه لأنه يخاف أن ينتقل من نعيم إلى جحيم يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾(النحل:28).
أما عن حال المؤمنين يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾(النحل:32).
3- عمران الدنيا ونسيان الاخرة والتكاثر والتفاخر بالمال والبنين، يقول تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾(الأنفال:28) ويقول تعالى: ﴿ألهكم التكاثر * حتى زرتم المقابر﴾(التكاثر:1-2).
- وروي أن رجلاً جاء إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول اللَّه ما لي لا أحب الموت، فقال: ألك مال قال: نعم، قال صلى الله عليه وآله وسلم: قد قدَّمته، قال: لا، قالا: فمن ثم لا تحب الموت6.
وقيل لأبي ذر رضوان الله عليه: ما بالنا نكره الموت، فقال: لأنكم عمرتم الدنيا وخربتم الاخرة فتكرهون أن تنتقلوا عن عمران إلى خراب7.
حال المؤمنين والظالمين عند سكرات الموت
إن حال المؤمنين لا يشبه حال الظالمين عند حلول الموت وسكراته لأن نتائج أعمالهم واعتقاداتهم سوف تظهر تدريجياً في هذه اللحظة وتبدأ الحسرة والندامة أو الفرح والسرور.
حال الظالمين
يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِين﴾(النحل:28-29).
توضح هذه الآية المباركة حال الظالمين كيف أنهم حتى عند الموت لم يكونوا خاضعين للَّه تعالى وكذبوا ونفوا أنهم كانوا يعملون السوء لذا أتى في ذيل الآية الكريمة ﴿بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ﴾ ثم أمر بهم إلى النار.
ويقول تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾(محمد:27).
فالآية تبيِّن حالهم عند الموت بأن الملائكة تستقبلهم بالضرب على وجوههم وأدبارهم.
حال المؤمنين
في قبال حال الظالمين يأتي المشهد الاخر وهو حال المؤمنين الذين يستقبلون الموت بكل اطمئنان يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾(النحل:32) وعندئذٍ ينادي منادٍ من قبل رب العزة من بطنان العرش يقول: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * إرْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾(الفجر:27-30)8.
* عقائد قرآنية, إعداد ونشر جمعية المعارف الثقافيه, ط1, كانون الثاني 2006م, ص 99- 106.
1- من لا يحضره الفقيه، ج1، ص195.
2- شرح أصول الكافي، ج6، ص70.
3- حق اليقين، ج2، ص89.
4- نفس المصدر السابق.
5-الذكرى (الشهيد الأول)، ص37.
6- حق اليقين، ج2، ص89.
7- نفس المصدر.
8- حق اليقين، ج2، ص95.