يتم التحميل...

اتِّباع الهوى

الأخلاق والثقافة الإسلامية

الهوى: هو ميل النَّفس الأمَّارة بالسُّوء إلى مقتضى طباعها، من اللّذات الدُّنيويَّة على أنواعها حتَّى تخرج من الحدود الشَّرعية، وتدخل في مراتع القوة السَّبعيَّة والبهيميَّة.

عدد الزوار: 134

معنى الهوى

الهوى: هو ميل النَّفس الأمَّارة بالسُّوء إلى مقتضى طباعها، من اللّذات الدُّنيويَّة على أنواعها حتَّى تخرج من الحدود الشَّرعية، وتدخل في مراتع القوة السَّبعيَّة والبهيميَّة1.

مما لا شكّ فيه، أنَّ للنَّفس الإنسانيَّة شهوات ورغبات وغرائز وميولاً مختلفة، كلُّ واحد منها له دور وهدف وغاية محدّدة. فالشَّهوة على سبيل المثال وسيلة مهمَّة للمحافظة على الوجود، وضمان لاستمرار النَّسل، وفرصة للتَّكامل نحو الأفضل والأصلح دائماً، ومن دونها لا يمكن أن تستمرَّ الحياة على الأرض. ولكن هذه الغرائز يمكن أن تطغى، وأن تخرج عن المسار الطبيعيّ الَّذي خلقت من أجله، من هنا مسّت الحاجة والضَّرورة إلى إعادتها إلى مسارها الصَّحيح، وهذا يحتاج إلى قوَّة إرادة وشجاعة، لذا ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: "أشجع النَّاس من غلب هواه"2. وعلى الإنسان أن يحذر من هواه كما يحذر عدُوّه، لأنّ الهوى من أعدى أعداء الإنسان، ولكن الإنسان مع الأسف لا يعلم. عن الإمام الصَّادق عليه السلام: "احذروا أهواءكم كما تحذرون أعداءكم، فليس شيء أعدى للرِّجال من اتِّباع أهوائهم، وحصائد ألسنتهم"3.

الهوى في القرآن والسُّنّة

إنَّ الهدف التكامليَّ يتحقَّق بأن لا تتجاوز الغرائز والحاجات حدّها، وتخرج عن التَّوازن والحدِّ الوسط إلى الإفراط أو التَّفريط، وذلك بالتَّمرّد على الشَّرع والعقل، وبذلك تكون سائرة مع الهوى المذموم وتابعة له.

فالحاجة الشَّهوانيَّة إذا خرجت عن التَّوازن إلى التَّفريط بأن لا يتزوَّج، أو إلى الإفراط بأن يلبي حاجته هذه بأيِّ شيء دون رقيب أو حسيب من دين أو عقل، بأن يزني مثلاً، والعياذ بالله، فهذا وذاك اتِّباع للهوى.

والحاجة إلى جمع المال إذا أبطلها الإنسان وزهد فيها زهداً سلبيّاً، أو انكب على الجمع من أيّ طريق وبأيّة وسيلة، ولو كانت من حرام كالسّرقة والغصب والاحتيال والرّبا، فهذا وذاك من اتّباع الهوى.

وحبُّ الاحترام والعزَّة بين النَّاس إذا أعدمه الإنسان وأذلّ نفسه، أو إذا طلب الجاه بطرق منحرفة، فكلا الحالتين من اتِّباع الهوى.

وحبّ الحريّة إذا أبطله الإنسان وأصبح يألف العبوديَّة للاستعمار مثلاً، أو أرخى لنفسه العنان دون ضابط، فكلاهما من اتِّباع الهوى.

وهكذا كلُّ حاجات الإنسان إذا خرجت عن الاعتدال فهي تتبَّع الهوى، والهوى يصدُّ عن الحقِّ، كما قال الإمام علي عليه السلام: "أيّها النّاس: إنّ أخوف ما أخاف عليكم اثنتان: اتّباع الهوى و طول الأمل، فأمّا اتِّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ، وأمّا طول الأمل فينسي الآخرة"4.

وقد حذَّرنا الله تعالى، من اتِّباع الهوى في كثير من آيات القرآن، منها: قوله،ـ سبحانه: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ5. وقوله عز وجل: ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ6.

والرّوايات في ذمّه كثيرة منها: ما ورد عن الإمام عليّ عليه السلام: "والشّقيّ من انخدع لهواه وغروره.... ومجالسة أهل الهوى منساة للإيمان، ومحضرة للشَّيطان..."7.

وقوله عليه السلام: "عباد الله لا تركنوا إلى جهالتكم، ولا تنقادوا لأهوائكم، فإنّ النازل بهذا المنزل نازل بشفا جرف هار، ينقل الرّدى على ظهره من موضع إلى موضع"8.

معالجة الهوى

مشكلة الهوى أنَّ اتِّباعه لا يعرف الشَّبع ولا يقف عند حدٍّ، كما يقول يقول الإمام الخمينيُّ قدس سره: "اعلم أيها العزيز، أنَّ رغبات النَّفس وآمالها لا تنتهي ولا تصل إلى حدٍّ أو غاية. فإذا اتَّبعها الإنسان ولو بخطوة واحدة، فسوف يضطرُّ إلى أن يُتْبِع تلك الخطوة خطوات، وإذا رضي بهوى واحد من أهوائها، أجبر على الرِّضا بالكثير منها. ولئن فتحت باباً واحداً لهوى نفسك، فإنّ عليك أن تفتح أبواباً عديدة له.

إنَّك بمتابعتك هوى واحداً من أهواء النَّفس توقعها في عدد من المفاسد، ومن ثمَّ سوف تبتلى بآلاف المهالك، حتّى تنغلق، لا سمح الله، جميع طرق الحقّ بوجهك في آخر لحظات حياتك، كما أخبر الله بذلك في نص كتابه الكريم، وكان هذا هو أخشى ما يخشاه أمير المؤمنين وولي الأمر، والمولى، والمرشد والكفيل للهداية والموجِّه للعائلة البشريَّة عليه السلام"
9.

ويبقى أنَّ الحلّ في مواجهة الهوى هو في الامتناع عن موارد الحرام، ونهي النَّفس عن الاقتراب من دائرة المحرَّمات والشَّبهات على القاعدة القرآنيَّة: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى10. مرَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوم يتشايلون حجرا، فقال: "ما هذا؟ فقالوا: نختبر أشدَّنا وأقوانا، فقال ألا أخبركم بأشدِّكم وأقواكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: أشدَّكم وأقواكم الَّذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل، وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحقّ، وإذا ملك لم يتعاط ما ليس له بحقّ"11.

فمجانبة الهوى هو الطَّريق الصَّحيح، وعلى الإنسان أن يبدأ بالمعالجة من اللَّحظة الأولى لاكتشاف المشكلة.

وهذا يعني أنَّ على الإنسان أن يقطع الطَّريق على الهوى من بداية الطّريق، حتّى لا يسقط في الهاوية السحيقة، لأنَّ الإنسان في البدايات هو أقدر على السَّيطرة على الأمور من المراحل المتقدِّمة فضلاً عن النِّهايات.

أمثلة على ذلك

1- إن قطع الطَّريق على الشَّهوة المحرّمة ينبغي أن يكون من أوَّل الطَّريق فلا ينبغي للإنسان أن يتَّبع هواه في أن ينظر النَّظر المحرَّم سواء النَّظر المباشر أو عبر الإعلام، أو يختلي بامرأة لا تحلّ له، أو يمازح امرأة لا يجوز له ممازحتها، أو يختلط مع النِّساء بشكل لا ضابط فيه، فإنَّ كلَّ ذلك مقدمات إن لم يقطعها الإنسان من أوَّل الطَّريق يخشى عليه أن يقع في الهاوية السَّحيقة.

2- وهذا مثال طبعاً لا يقع في المجتمع المؤمن ولكن نأخذه كمثال، فالذَّي كان يشعر بالنَّشوة بمقدار معين مِن المخدِّرات، لا يكفيه نفس المقدار في اليوم التَّالي لبلوغ نفس درجة النَّشوة، بل عليه زيادة الكميّة بالتَّدريج، فهذا الَّذي سقط في هاوية المخدِّرات كان يستطيع من أوَّل الطَّريق أن لا يبدأ في هذه الموبقة ولكن سقوطه الأوَّل أرداه في الهاوية تلو الهاوية.

3- الشَّخص الَّذي كان يكفيه في السَّابق شقَّة أو سيَّارة بمواصفات عاديَّة، يصبح إِحساسه بهذه الشَّقَّة عاديّاً، فينشد الزِّيادة، والخشية أن يطلب الزِّيادة عن طريق الحرام. وهكذا في جميع مصاديق الهوى والشَّهوة، حيث إنّها دائماً تنشد الزِّيادة، حتّى تهلك الإِنسان نفسه.

فإنَّ هوى النَّفس كنار جهنَّم لسان حالها على الدَّوام "هل من مزيد"، وعلى الإنسان أن يَقطع عليها طمعها في المزيد بالقناعة والرِّضا ومواساة المستضعفين.

وقد حذر الإمام عليّ عليه السلام من أوَّل الهوى وبداياته: "إيّاكم وتمكُّن الهوى منكم، فإنَّ أوله فتنة وآخره محنة"12. وعنه عليه السلام: "أوَّل الشَّهوات طرب، وآخرها عطب"13.

وعنه عليه السلام: "كم من شهوة ساعة أورثت حزنا طويلا"14.

* كتاب منار الهدى، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- شرح أصول الكافي، ج2، ص 141.
2- مستدرك الوسائل، ج12، ص111.
3- الكافي، ج2، ص335.
4- نهج البلاغة، ج 1، ص 93.
5- سورة الجاثية، الآية 23.
6- سورة ص، الآية 26.
7- نهج البلاغة، ص 150، الخطبة 86.
8- م.ن، ص 201-202، الخطبة 105.
9- الأربعون حديثاً، ج1، ص166.
10- سورة النازعات، الآيتين 40-41.
11- وسائل الشيعة، ج 15، ص 361.
12- غرر الحكم، ص 212، الحديث 7030.
13- مستدرك الوسائل، ج11، ص 343.
14- الكافي، ج2، ص451.

2014-09-08