يتم التحميل...

كلمة سماحة السيد حسن نصر الله حفظه الله في حفل اطلاق منتدى جبل عامل للثقافة

2014

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا ونبيّنا خاتم النبيين، أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين وأصحابه المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

عدد الزوار: 175

كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في حفل اطلاق منتدى جبل عامل للثقافة والأدب في بلدة عيناثا الجنوبية

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا ونبيّنا خاتم النبيين، أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين وأصحابه المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.


ومن واجبي أيضاً أن أرحب بكم جميعاً في هذا اللقاء الطيب وفي هذه المناسبة العزيزة التي كما أشار الأخوة بشكل أو بآخر، هي مناسبة منتظرة من الصيف الماضي.

إن شاء الله سبحانه وتعالى أن نوفق في هذا اليوم في إفتتاح هذا المنتدى، هذه المؤسسة، هذا الصرح، لينضم إلى هذه المسيرة المباركة المتواصلة والمتفائلة والمنتصرة إن شاء الله وبحسب إختصاصه ودوره وماهيته.

أنا اليوم أود أن أتحدث في جزئين،

الجزء الأول أعود فيه إلى بعض البدايات ومنها أدخل إلى جبل عامل وإلى الشعر والأدب في جبل عامل، ومن الجزء الأول أعبر إلى الجزء الثاني الذي أود أن أتحدث فيه عن بعض المسائل الحاضرة والمسؤوليات المطلوبة إنطلاقاً أيضاً من الجزء الأول.

الجزء الثاني هو الذي سنحكي فيه قليلاً في السياسة، الجزء الأول دعونا نعتبره منسجماً مع المناسبة ومع الوضع القائم.

منذ البداية خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان في أحسن تقويم، جسداً وروحاً، وأعطاه العقل، وأيّ عقل، هذا المخلوق الشريف الذي أعطي الإنسان، لديه قدرات هائلة في اكتساب المعرفة والعلم وفي إنتاج المعرفة والعلم، يعني العقل البشري ليس متلقياً فقط، وإنما هو منتج وصانع أيضاً. ولديه أيضاً قدرة التجوال في الآفاق، في الأرض والسموات، في المُلك والملكوت وفي تجاوز السدود والحدود وخرق الحجب وفي وفي...

ثم أنعم الله تعالى على هذا الإنسان أن أعطاه قدرة البيان وقدرات متعددة لبيان أو لتبيين أو للتعبير عن ما يفكر، عن ما يؤمن، عن ما يعتقد، عن ما يجول في خاطره، عن ما يعيشه من عواطف وأحاسيس وعن ما يختلجه من مشاعر، حتى الخيالات والأوهام عن كل ما يريد. هذا الإنسان زود بهذه القوة، قوة بيان، تبيين، تعبير، نقل هذا المضمون الداخلي إلى الآخر، إلى كل آخر عاقل، يسمع ويفهم، وهذه القدرة على البيان والتبيين هي من أهم أسباب تطور وتقدم الحياة البشرية على جميع الصعد والمستويات، لأن كل الأفكار والمعلومات والإستنتاجات والعبر والدروس والتجارب كانت تنتقل فيما بين الناس في كل جيل، في نفس الجيل - في نفس الزمن، ومن جيل إلى جيل وهكذا إلى قيام الساعة.

ومن خلال وسائل البيان المختلفة والمتنوعة، الله سبحانه وتعالى عندما أعطى الإنسان هذه القدرة لم يحصرها في وسيلة واحدة وإنما أيضاً نوّع وعدّد هذه الوسائل، على سبيل المثال لا الحصر وفي المقدمة وأهمها: اللغة، الكلام - لا أقصد بالكلام التكلم، الكلام، والذي يعبر عنه، هذا الكلام أو هذه اللغة تارة بالنطق وتارة بالكتابة، وعنوان الكتابة إلى ما قبل القلم.

وأعود إلى هذه الوسيلة بعد قليل.

من جملة الوسائل أيضاً الإشارة، الإنسان يستطيع أن يعبر عن ما يجول، عن أفكاره، عن عواطفه، بالإشارة، يإشارة اليد وبحركات الجسد. من جملة هذه الوسائل القدرة على الرسم، وبالتالي الرسم. النحت، الموسيقى أيضاً، الموسيقى أيضاً في بعض جوانبها تعبر عن مكنونات هذا الإنسان، مشاعر هذا الإنسان، فرحه، حزنه، أمله، يأسه، غربته، وحدته، لها تعابير مختلفة. طبعاً، هذه القدرات كانت دائما متاحة ومفعلة منذ القدم إلى العصر الحاضر، لكن في العصر الحاضر ومع التطور العلمي وإستناداً إلى هذه الإمكانات المودعة في الإنسان فتحت آفاقاً هائلة أمام مهمة البيان ومنها ما شاهدناه ونشهده إلى اليوم على مستوى السينما والشاشة والمسرح والإنترنت ووسائل الإتصال المختلفة.

لكن من بين هذه القدرات، أقواها وأهمها وعلى امتداد الزمان وإلى قيام الساعة سيبقى الكلام واللغة. يعني الكلمات والجمل التي تدل على معانٍ يستخدمها الإنسان، يستخدم كلمات وجملاً لتعبر عن معانٍ يقصدها أو يريد إيصالها للآخرين.
إذن الإنسان هنا زوّد بالعقل وزوّد بقدرة البيان، بقوّته العقلية يحدّد المعاني، وبقوّته العقلية يشكل في الذهن الجمل والكلمات التي يريد أن يعبر من خلالها عن معانٍ معيّنة بحنجرته وبلسانه يخرجها صوتاً وبقلمه يكتبها حروفاً.

من آيات الله تعالى في الخلق تنوع وتعدد اللغات والألسنة. منذ بدء البشرية إلى اليوم لدينا آلاف اللغات البشرية، وليس مئات، منها ما انقرض وانتهى ومنها ما زال قائماً ومنها ما يستحدث وقد يستحدث إلى يوم القيامة. ولكل لغة مميزاتها وخصوصياتها ولها جمالياتها، بل إن اللغة، أي لغة - لا أتحدث عن لغة معينة ـ بل إن اللغة هي من جملة الأشياء التي تتجلى فيها آيات الجمال، كما أن آيات الجمال تتجلى في كل وجودات هذا الكون، من جملة وجودات هذا الكون التي تتجلى فيها آيات الجمال هي اللغة البشرية.

واللغات فيما بينها مستويات ودرجات وتتنوع فيها الأساليب من نثر وشعر وغيره، وفي كل لغة يتفاوت أهلها وأصحابها في مقدراتهم الشخصية والذاتية في استخدام هذه اللغة وتوظيف إمكانياتها المتنوعة لإيصال الأفكار والصور المطلوبة.
وهنا تأتي اللغة العربية لتتربع على عرش لغات البشر، لا نقول كذلك لأننا نحن عرب بل غير العرب أيضاً يقرّون بهذه الحقيقة، وهنا تأتي اللغة العربية لتتربع على عرش لغات البشر لما فيها من قوة وغنىً وسعة ومرونة وحلاوة وطلاوة وجمال وقدرة على الاستيعاب والتجدد ويكفي فخراً وشرفاً أن الله تعالى اختار اللغة العربية لينزل بها كتابه السماوي الخالد والخاتم، هذا وحده يكفي. لا يحتاج الأمر إلى الاستدلال، ولانتخاب اللغة العربية لتكون لغة الكتاب السماوي الخاتم حكم بليغة وبالغة لا مجال لذكره الآن.

ما عرف به العرب طوال التاريخ، وحتى من تعرّب فيما بعد، عرفوا بالبلاغة والفصاحة وتفنّنهم بأشكال وفنون الأدب والشعر، بل يمكن القول إن الميّزة الأساسية لتلك الشعوب وإن العنوان الرئيسي لها كان البلاغة والفصاحة، ونخبتها الأولى كانوا هم الشعراء والخطباء وفخر كل قبيلة وعشيرة وقوم كان شاعرها وخطيبها، ومنذ البداية كان الأدب والشعر، كما هو الحال اليوم، بعضه كان سلعة للبيع والشراء، ينظم القصيد لمن يدفع المال ويبذله بسخاء وأحيانا بدون سخاء، وبعضه كان عنواناً للمفاخرة الزائفة والعصبيات الباقية، وبعضه ـ وما يهمني في هذه المناسبة أن أقول والأهم أن بعضه ـ كان طوال التاريخ في خدمة الرسالات والقيم الإنسانية والأخلاقية والحق والعدل ومواجهة الطغاة والدفاع عن كرامة الأمة ووجودها ومقدساتها ومقاومة الغزاة والمحتلين واستنهاض شعوبها واستثارة مشاعرها وحماستها، وهذه هي الوظيفة الأولى والأهم والأعظم والأكثر إنسانية للأدب والشعر الذي يجب أن يكون جزءاً من سلاح الأمة ومقدراتها وشخصيتها وحضارتها وصناع مستقبلها.

وكثيرة هي في التاريخ قصص الشعراء والأدباء الذين ألقي بهم في غياهب السجون أو علقوا على أعواد المشانق أو صلبوا في الساحات بسبب قصيدة شعر هنا أو خطبة بليغة هناك، لما تضمنته من مضمون لا يناسب السجان والجلاد.
هذا النوع من الأدب والشعر كان موجوداً دائماً في جبل عامل وعبر مئات السنين، هذا الجبل معروف بتراثه، بثرائه العلمي والفقهي، ومشهور أيضاً بفقهائه وعلمائه، ومنهم من هو في الصف الأول من فقهاء العالم الإسلامي طوال التاريخ.
ولكن من ميزات هذا الجبل أن فقهائه وعلمائه بالأعم الأغلب، وأقول بالأعم الأغلب على سبيل الإحتياط، كانوا أيضاً شعراء وأدباء، هذه من ميزات فقهاء وعلماء جبل عامل.

في استعراض بسيط لكتاب "أمل الآمل غي علماء جبل عامل" يذكر أسماء العلماء، غالباً ما يقول كان فقيهاً عالماً فاضلاً أديباً شاعراً، وقلّما تجد أنه يتحدث عن عالم أو فقيه دون أن يصفه أنه أديب وشاعر، كما أن الشعر بأشكاله المختلفة، يعني الفصيح والعامي، كان حالة حاضرة بقوة في نخبته الثقافية المتنوعة وفي ناسه العاديين، وعلى المستوى العلمي نجد أن هذه الطاقات الأدبية لدى فقهاء جبل عامل تم توظيفها بشكل رائع حتى في كتابة النصوص العلمية والفقهية والأصولية وتم نظم مسائل هذه العلوم شعراً أيضاً، شعراً جميلاً وجذاباً ويسهل حفظه.

ولذلك أيضاً نجد أن كتب ومؤلفات فقهاء جبل عامل جمعت إلى متانتها العلمية وقوة الاستدلال السلاسة والجمال والحلاوة في التعبير والبيان، ما قدّر لها هذا المستوى من البقاء والخلود والعناية والاهتمام في الحوزات العلمية ومراكز الدراسات والحياة العلمية للمسلمين، وخصوصاً للمسلمين الشيعة.

ولطالما كان الشعر في جبل عامل وكل جهد أدبي ـ نتحدث الآن عن جبل عامل لأن المناسبة إعلان منتدى جبل عامل، مع الاحتفاظ بحق كل الجبال والمناطق أيضا بتراثها وتاريخها ودورها ـ لطالما كان منبراً معبراً عن التزام أهل هذا الجبل وعلمائه وفقهائه ونخبه بقضايا الوطن وقضايا الأمة، أدبياً وثقافياً وسياسياً وجهادياً وعلى كل صعيد.

لو أخذنا من الناحية الزمنية، بدايات القرن الماضي وخصوصاً قبيل وبعد الحرب العالمية الأولى، سنجد هذا الالتزام في أكثر من عنوان، طبعاً لأن الوقت ضيق أنا لن أتحدث عن أسماء ولن أذكر شواهد، إنما أكتفي بالعرض العام.

العنوان الأول : الدفاع عن اللغة العربية. من المهام الكبرى التي ساهم في إنجازها أو أدائها علماء وشعراء وأدباء جبل عامل هو الحفاظ عن اللغة العربية والدفاع عن اللغة العربية، في مرحلة من المراحل في مواجهة التتريك، وبعد الحرب العالمية الأولى في مواجهة التغريب "الفرنسة" وما إلى ذالك. أي لغة بالنسبة لأي شعب، بالنسبة لأي أمة هي جزء من هويتها الحضارية، وضياع هذه اللغة هو ضياع هذه الهوية الحضارية. اللغة العربية هي بالنسبة لنا وبالنسبة لأهل جبل عامل كانت تمثل هذا المعنى وما هو أعمق وأبعد من هذا المعنى لأن هذه اللغة باتت داخلة أيضاً في عقيدتنا وكتابنا المقدس وسنة نبينا (ص) وتاريخنا وقيمنا وأخلاقنا ومصيرنا ومستقبلنا وعلاقاتنا. ولذلك اليوم من جملة المسؤوليات أيها السادة أيها العلماء أيها الكرام هو الحفاظ على هذه اللغة والدفاع عنها.

بعد الآن نحن العرب لم نعد نفهم عربي وبعض مفردات اللغة العربية تحتاج إلى ترجمة وتفسير وإلى شرح، والآن هناك بدعة جديدة في أكثر من مكان في العالم العربي: نصف الحكي عرب ونصفه أجنبي، لن أقول: فرنسي أو انكليزي حتى لا نستهدف لغة محددة. الدفاع عن هذه اللغة والحفاظ عليها من أهم المسؤوليات.

في الماضي علماء جبل عامل حولوا حتى المدارس والحوزات العلمية والبيوت إلى مراكز لتعليم اللغة العربية وعلومها وأدبياتها ليمكّنوا الأجيال من الحفاظ على اللغة في مواجهة الأمية والجهل الذي كان قائماً.

العنوان الآخر : مواجهة الاستعمار الأجنبي وليس في لبنان فقط بل كان لهم موقفهم على امتداد قضايا الامة. اليوم هذه المقاومة، هذه الحالة الموجودة، هي تعبير أصيل وامتداد أصيل لهذا التاريخ ولتلك الأجيال.

اليوم بعض الناس يأتي ويطالبك ويقول إننا نحن اليوم لبنانيون ولدينا في لبنان من المشاكل ما يكفي. نحن ما علاقتنا بأخذ موقف من قضايا المنطقة ومن التهديدات التي تواجه الامة والصراعات الموجودة في المنطقة التي تعنينا بشكل أو بآخر؟

علماء وأدباء وشعراء ونخب وعامة الناس في جبل عامل كما هو في الكثير من المناطق اللبنانية وفي امتداد العالم العربي والاسلامي، ليس فقط في لبنان أو فلسطين أو سوريا أو العراق أو بلاد الشام أو مصر يعني الدول التي تكاد تكون قريبة، حتى في لبيبا عام 1911 عندما غزت إيطاليا ليبيا، أحد فقهاء جبل عامل وهو ابن هذه البلدة الطيبة، ابن بلدة عيناتا، كان فقيهاً وأديباً وشاعراً، أصدر بياناً وألقى كلمات ونظم شعراً في الدعوة لمواجهة الاحتلال الإيطالي لليبيا.

هنا لا نتكلم عن دولة جوار، مواقف فقهاء وعلماء جبل عامل موجودة ومسجلة وإن شاء الله من وظائف هذا المنتدى أن يتمكن من عرض هذا التاريخ وهذه المستندات وهذه الوثائق وأن يضيء على تلك المرحلة التاريخية وما كان فيها من مواقف ومن معاناة

ثالثا : الموقف بالتحديد من فلسطين والواجهة الحاسمة والمبكرة للمشروع الصهيوني والاطماع الاسرائيلية ولقيام دولة غاصبة لهذا المشروع الصهيوني في فلسطين. في مواقفهم، في أشعارهم، في فتاواهم وبياناتهم، في أدبهم، في تحريضهم، في تحريكهم هذا موجود، وياتي الكلام عندما أصل إلى المقاومة، سأعود إلى هذه النقطة.

فيما يعني أيضا بقية قضايا الأمة، الحفاظ على وحدة الأمة، رفض شرذمتها وتقسيمها وتجزئتها، موقف علماء وفقهاء وشعراء جبل عامل أيضا معروف، لكن بعد أن أصبح هناك واقع جديد، وقسّمت بلاد العالم العربي الاسلامي إلى أقطار وكيانات، آمنوا بهذا الوطن وأخلصوا له أيضاً ودافعوا عنه. ويمكن العودة أيضاً إلى أدبياتهم وإلى كلماتهم وإلى أشعارهم التي تتحدث عن لبنان كوطن وعن حب هذا الوطن وعن التعلق بهذا الوطن وعن الاستعداد للدفاع عن هذا الوطن.

موقف هذا الجبل وأهل هذا الجبل ونخب هذا الجبل كانت دائماً إلى جانب الوحدة والتعاون والتكامل ورفض الفتن وتجنب الفتن وتنظيم الأولويات. نحن نرث عن هؤلاء الكبار وعن تلك الأجيال هذه الثقافة والعقلية وهذا الفهم، وإلا لو أن أهل جبل عامل أرادوا أن يحتكموا في مواقفهم تجاه فلسطين أو ما يجري على مستوى الأمة أو في الموقف من عدم تجزئة وتقسيم هذا العالم العربي والاسلامي إلى ما عانوه هم من ظلم وقهر وحرمان ومن ظلامات لحقت بهم من قبل السلطات العثمانية التي كانت تحكم باسم الخلافة الاسلامية في ذلك الوقت لكان عليهم أن يكونوا انعزاليين تقسيميين تجزيئيين منطوين على أنفسهم، تعنيهم سلامتهم وسلامة أهلهم وجبلهم. ولكن هذا الجبل، ومنذ البداية أيضاً، كان مع كل الطلائع الوطنية والقومية ومع كل طلائع هذه الأمة في الدفاع عن المقدسات وفي الدفاع عن فلسطين وفي مواجهة المشروع الصهيوني وفي مواجهة التفتيت والتجزئة والتقسيم، وفي مواجهة الفتن، واليوم عندما ننتمي إلى هذا الفكر ولهذه المقاومة نحن لا ننتمي إلى فكر مستورد. هذا هو الأصيل في وطننا وفي أرضنا وفي بيئتنا وفي مجتمعنا وفي تاريخنا. هذا هو الأصيل إن لم نكن كما كانوا نحن الغرباء لأننا نحاول أن نكون كما كانوا نحن المنتمون بحق إلى هذه الأرض وإلى هذا التاريخ وإلى هذه القيم.

ما نتوقعه ـ قبل الدخول إلى الجزء الثاني ـ من هذا المنتدى، منتدى جبل عامل للثقافة والأدب إن شاء الله أن يحمل هذا الإرث العظيم للآباء والأجداد، أن يحفظه، أن ينمّيه، أن يقدّمه، أن يساهم في تقديمه لأهلنا في الجبل، للأجيال الحاضرة والمستقبلية التي لا تعرف الكثير حتى عن الماضي القريب.

وللأسف الشديد، ليس فقط جيل الشباب لا يعرفون الكثير من النخب السياسية والإعلامية والثقافية في لبنان، ولكن لا يعرفون أيضاً الكثير عن الماضي القريب.

آمل إن شاء الله أن يتمكنوا من مواصلة طريقهم وخصوصاً أننا امام تحديات ثقافية وحضارية وسياسية ووجودية خطيرة جداً. هنا أدخل الى الجزء الثاني

في الجزء الثاني أريد أن أتكلم في عنوانين: الأول يتعلق بلبنان والثاني له علاقة بسورية ومن ثم أختم بلبنان.

دائما هناك تحدٍّ كبير اسمه المشروع الصهيوني، تهديد كبير منذ بدايات القرن الماضي وصولاً لعام 1948م عندما أسس كيان غاصب لهذا المشروع، وهذا التحدي ما زال قائماً.

البعض يحاول أن يتجاهل هذا التهديد، أن يعتبره غير موجود، هذا طبعا ليس خطأ، بل خطيئة كبرى.

الخيار الوحيد الذي كان متاحا وما زال متاحاً أمام شعوب أمتنا ـ ومن جملتها الشعب اللبناني ـ هو المقاومة، المقاومة بكل أبعادها الثقافية والسياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية.

في العمق، في حقيقة المقاومة، أصل المقاومة، عمق المقاومة، هي ثقافة. العمل الجهادي العسكري المباشر أو الصمود، صمود أهل الأرض في الأرض البقاء الصبر على التبعات، بذل التضحيات، هذه كلها تعبير عن هذه الثقافة، تجسيد لهذه الثقافة. لو لم تكن هذه الثقافة موجودة لما كانت كل هذه الوجودات قائمة. كل أشكال المقاومة هي تجلٍّ لثقافة المقاومة. بالعمق المقاومة هي ثقافة، البعض في لبنان يناقش، وفي العالم العربي أيضاً نقاش، دعونا نحكي عن لبنان، البعض يناقش في المقاومة. ليس الآن، السجال حول النقاومة ليس له علاقة بالدخول إلى سورية أو 2006 أو ال1982 يعني اذا رجعنا "القهقرى" أو 1978 أو ببداية السبعينات عندما هاجرت إلينا فصائل المقاومة الفلسطينية. كلا، منذ بداية نشوء الكيان الصهيوني في المنطقة، في فلسطين، هناك جدل حول المقاومة، وهناك خلاف حول فهم العدو، تشخيص العدو، وخيارات مواجهة العدو. وهذا ليس نقاشاً جديداً وهذا لا يرتبط، لا بحزب ولا بحركة ولا بزعيم ولا بشخص ولا بقائد ولا بتنظيم ولا بطائفة ولا بفئة ولا بمنطقة. أبداً، هذا النقاش كان قبل الإمام موسى الصدر، وبعد الإمام موسى الصدر، قبل مقاومة أمل وحزب الله وبعدهما، عندما كانت القوى الوطنية العلمانية العنوان الأساسي في المقاومة كان هذا النقاش والجدل في المقاومة قائماً. إذاً فلا يغالط أحد، ويقول إنه صار نقاش وطني في لبنان بسبب أداء المقاومة الحقيقية. كلا، هذا النقاش موجود منذ البداية، منذ عام 1948م، لذلك أنا كنت دائما أقول لبعض الذين يواجهوننا في السجالات، يقولون لقد خسرت المقاومة الإجماع الوطني حولها، وأنا دائماً أقول: لم يكن هناك إجماع وطني على المقاومة في لبنان في يوم من الأيام، حتى عشية 25 أو 26 أيار 2000، حتى في عز الانتصار، والمقاومة تهدي انتصارها من بنت جبيل إلى كل اللبنانيين، لم يكن هناك إجماع وطني على المقاومة. هذا تضليل، ليس صحيحاً. ولذلك بعض الناس يقول اليوم: لدينا مشكلة مع المقاومة لأن عنوانها إسلامي ولأن المقاومين شيعة، هل كنتم مع المقاومة عندما كان كل المقاومين من كل الطوائف؟ هل كنتم مع المقاومة عندما كان عنوانها احزاب وطنية وعلمانية؟

هذه مغالطة كبيرة موجودة اليوم، ولكن أجيال الشباب التي لم تعاصر ولم تواكب تلك المرحلة قد تخدع بهذا الخطاب، ويصلون إلى نتيجة بأنه بذهابكم إلى سورية أو موقفكم السياسي في عام كذا أو عام كذا أو في القضية الفلانية أسقط وأنهى الإجماع الوطني حول المقاومة.

أنا اليوم أريد أن أؤكد بأن الذين ناقشوا ويناقشون في خيار المقاومة، بعضهم يعرف والآخر لا يعرف. البعض الذي يعرف يتجاهل، أنه ـ حقيقةً ـ المقاومة ليست تنظيماً معيناً، ليست حزباً، ليست حركة، ليست تياراً معيناً، ليس مجموعة معينة أو طائفة معينة، هي هذه الثقافة، هذا الخط الفكري السياسي، الذي يستطيع أن يحتضن وجودات متنوعة، وقد تكون متناقضة عقائدياً وإيديولوجياً، قد تستطيع أن تحتضن مشاعر وطوائف وشعوباً وأمماً، لأن منطلقات المقاومة هي فطرية في الإنسان، وأهداف المقاومة هي مصلحة مشتركة على المستوى الوطني والقومي.

بعض الناس لا يعرفون أنه منذ عام 1948 يوجد مقاومة في لبنان، لا يعرفون ، لانهم لا يعرفون ما معنى المقاومة، البعض يجعل تاريخها بداية السبعينات أو في عام 78 أو 82 أو ما بعد ذلك. المقاومة في لبنان، المقاومة اللبنانية، موجودة في لبنان منذ 1948، منذ اللحظة الأولى لوجود الاحتلال، واكتسبت شرعيتها منذ تلك اللحظة، ومارست حقها منذ تلك اللحظة، ولكن بالإمكانيات المتوفرة. هؤلاء يجهلون أنه منذ 1948 الجنوب كان يُعتدى عليه، لا يعرفون شيئاً عن المجازر التي ارتكبت في العديد من القرى الحدودية، لا يعرفون ماذا لحق بسكان المناطق الحدودية على اختلاف طوائفهم، وهنا أنا لا اتكلم فقط عن الشيعة، لا يعرفون شيئا عما كانت تتعرض له مخافر قوى الأمن في المناطق الحدودية، والأذى الذي كان يلحق بمؤسسات الدولة وقواها الأمنية، لا يعرفون شيئاً عن انتهاك السيادة في الجو والبر والبحر. وفي يوم من الأيام حتى على طاولة الحوار، عندما كنا نجتمع في مجلس النواب، بعض الحضور، وليس واحداً منهم، ليس واحداً فقط، عدد منهم قالوا كلا، قبل أن يأتي الفلسطينيون إلى لبنان لم يكن هناك مشكلة، أصلاً لم يكن هناك مشكلة مع إسرائيل. أنا لا أتجنى على أحد، هذا كلّه مسجل في المجلس النيابي، (قالوا إنه) لم يكن هناك مشكلة، ما قام به الاسرائيلي في لبنان في أواخر الستينات وبداية السبعينات هو رد فعل على المقاومة الفلسطينية والعمل العسكري الفلسطيني. كيف يمكن لشخص أن يأتي ويقول أنا قائد سياسي لبناني وأنا أريد أن أكون حاضراً في صنع حاضر ومستقبل اللبنانيين وهو يجهل تاريخ منطقة أساسية من لبنان، تاريخ قبل سنوات، لا يعرف شيئاً، وأنا أذكر أن أحد الإخوان النواب اضطر أن يغادر الجلسة ليأتي بكتاب وثائقي، وأذكر أن من انتجه هي جريدة السفير، وجاء وقال للجميع إن يتعلموا، وبدأ منذ العام 1948 م، البعض تغيرت وجوههم ومع ذلك قالوا أنه "يمكن يمكن يمكن" !!!! يعني يوجد وثائق تاريخية، يعني ماذا تريدنا أن نفعل لأجلك، أتريد أن نأخذك لتزور المقابر، أن نأتي لك بالذين ما زالوا على قيد الحياة من الختيارية ليشهدوا لك؟

هذه المقاومة كما نؤمن فيها نحن هي بدأت منذ تلك اللحظة طبعاً بالامكانات المتوفرة، أهل هذا الجبل، شكل من أشكال مقاومتهم كان أن يبقوا في الأرض فبقوا في الارض، أن يحرثوا حقولهم فحرثوها، أن يُقتلوا تحت سقف منازلهم ولا يغادروا أرضهم فقُتلوا تحت أسقف المنازل، هذه المقاومة التي كانت متاحة في ذلك الوقت، مقاومة الموقف، مقاومة الرفض ومقاومة الإمام موسى الصدر الذي حرّم أن يشتري مريضنا دواءً من الجدار الذي سمي بالطيب، المقاومة التي فضلت الموت مرضاً عن الصحة والدواء والاستشفاء من إسرائيل، هذه المقاومة كانت قبل أي حركة وأي حزب، هذه مقاومة الناس، المقاومة هي كل بيت في هذه القرى والمناطق الحدودية وكل الجنوب، هي كل مسجد بقي وكل كنسية عامرة، هي كل شجرة زيتون وشتلة تبغ، "وإن كانت عادة شتلات التبغ من اختصاص الرئيس بري ولكن نستعيرها قليلاً الآن"، هي كل شجرة زيتون وشتلة تبغ، هي كل حي في الجنوب ما زال يمشي على قدميه وكل قبر ما زالت آثاره ظاهرة، هي كل قصيدة ونشيدة ودمعة وابتسامة وجرح وقطرة دم وكلمة ورصاصة وآهة وقبضة، هي هذا الصبر وهذا الثبات وهذا العزم، هي في جبل عالٍ كل شيء، هي الهواء والماء والأرض والسماء والتلال والوديان، هي ناسها الذين ما تركوها نهباً للاحتلال ولم يتركوها في يوم من الأيام.

هذه هي المقاومة في لبنان، كل من آمن بها وساندها ودعمها وصبر معها ودفع إلى جانبها دماً كأهلنا في البقاع وفي كل المناطق اللبنانية وما كل أحزاب المقاومة وأجيال المقاومة إلا تعبير ظاهري عن هذه الحقيقة وهذا الجو.

وبالتالي من يخوض اليوم معركة ما، وكل يوم تلاحظون، كل يوم خطاب، رغم أنه تشكلت حكومة ونحن نجلس مع بعضنا ونرى بعضنا وعاد المجلس ليعمل الحمد لله، واللجان النيابية المشتركة واللجان الفرعية ونواب يرون بعضهم ويمزحون مع بعضهم ويضحكون مع بعضهم ويتحدثون مع بعضهم. ومع ذلك وسائل الإعلام في ذلك الفريق وصحفهم، تلفزيوناتهم، خطباؤهم، كأننا ما زلنا في المرحلة السابقة، والتركيز على موضوعات المقاومة. لكَ مشكلة مع الحزب تحدث عن الحزب، لك مشكلة مع الحركة تحدث عن الحركة، لك مشكلة مع تنظيم معين تحدث عن هذا التنظيم.

موضوع المقاومة هو أعلى وأكبر وأقدس وأوسع وأعمق من مشكلة مع حزب أو مشكلة.


طبعاً البعض يعرف هو أين يرمي وأين يريد أن يصيب، لأن في العمق مشكلته مع المقاومة وليس مع هذا الحزب أو تلك الحركة أو ذلك التنظيم، وإنما يستغل هذه الأمور للتصويب. المقاومة هي هذا كله، ولذلك أن كل طعن بالمقاومة أو توصيف مسيء لها هو طعن وإساءة إلى كل من هو وما هو المقاومة وليس لمجموعة محددة. طبعاً هذا التوصيف له منا تبعات، تبعات ستظهر خلال أيام.

في الحديث عن فشل المعادلة الثلاثية، ممكن لبعض الأشخاص أن يطلقوا استنتاجات، ولكن ما هي أدلتكم؟ تحدثوا عن وقائع. أين فشلت المعادلة الثلاثية؟ طبعاً هنا نحن لسنا متمسكين بتعابير وجمل، هذه من إيجابيات اللغة العربية، اللغة العربية أنقذت الحكومة اللبنانية ببيانها الوزاري عندما نتحدث عن قوة ومتانة وترابط اللغة العربية لكن بالعمق وبمعزل عن التعابير والمصطلحات، أين فشلت المعادلة الثلاثية، وأين نجحت المعادلة الثلاثية، واسمحوا لي أن أقول أين نجحتم أنتم الذين تتحدثون عن فشل المعادلة الثلاثية.

المعادلة الثلاثية نجحت في تحرير الأرض حيث فشل العالم كله ومنه الدبلوماسية، والدولة المقاومة نجحت في استعادة الأسرى، المقاومة إلى جانب الجيش والشعب نجحت حتى الآن في حماية لبنان وحماية الجنوب وحماية الحدود وحماية القرى الأمامية.
المعادلة الثلاثية فرضت لبنان حاضراً قوياً في المعادلة الإقليمية. لا يستطيع أحد عندما يفكر بالمنطقة أن يتجاهل لبنان، لأن في لبنان ذهبا قبل النفط والغاز، لأن في لبنان ذهباً. هذا إنجاز ناصع وحاسم للمعادلة الثلاثية ولضلعها ولضلعها الصلب الذي لم ينكسر ولن ينكسر بإذن الله عز وجل. هذه انجازاتها أين إنجازاتكم؟

أين إنجازاتكم؟ سأكتفي فقط بهذا السؤال؟

لأننا في النهاية سندعو للتهدئة، حتى لا نفتح مشكل لكن عندما نتحدث عن بناء الدولة والديون والمشاريع ولما نتحدث ليقولوا لنا أين إنجازاتكم.

في هذا السياق أود أيضا أن أؤكد لكم من خلال هذه المناسبة وأمام كل ما طرح في الأسابيع الأخيرة والأشهر الأخيرة في موضوع المقاومة والموضوع الإسرائيلي والحديث عن حرب ومخاطر واستغلال فرص وما شاكل.

ستبقى هذه المقاومة مقاومة صلبة هي الآن صلبة وستبقى صلبة وشامخة تحمي وطنها وشعبها وأهلها وستحافظ على كل الإنجازات السابقة، ومنها قواعد الاشتباك الناتجة من تفاهم نيسان 1996 إلى مكتسبات حرب تموز وبفضل قوة الردع ستبقى قرانا آمنة وحقولنا تزرع وراياتنا خفاقة. هذا الموضوع أنا أؤكد لكم هو ليس موضع قلق على الإطلاق.

والحسابات الإسرائيلية، إن كان أحد يسعى للتهويل على البلد نتيجة أن هناك قتالاً في سورية وجزء من أهل هذا المحور منشغل بالقتال في سورية وأن هذا قد يفتح الأبواب والآفاق أمام الإسرائيليين لتصفية حساب مع لبنان أو لشن حرب مع لبنان، هذه ليست حسابات صحيحة.

الإسرائيلي عندما يقرر حربا هناك مجموعة حسابات سيأخذها بعين الاعتبار، وكل هذه الحسابات الآن لا توصله إلى خيار الحرب، ومن أهم هذه الحسابات معرفة الإسرائيلي جيداً أن هذه المقاومة قوية وأصبحت أقوى حالاً.

في الظاهر بعض الناس يقول لك هنا سقط لكم شهداء، هنا شهداء، هنا يوجد استنزاف.

دائماً المقاومة كانت هكذا، والمقاومة كانت تقوى مع الوقت، مع التضحيات، مع العطاء. هذا ليس عامل ضعف، في بعض جوانبه هو عامل قوة.

أريد أن أعلن اليوم من بلدة عيناتا، من الشريط الحدودي المحرر، من جوار الحدود مع فلسطين المحتلة العزيزة، أريد أن أؤكد لكم: المقاومة اليوم ليس فقط قوية، المقاومة اليوم نسبة لما كانت عليه في تموز 2006 هي أقوى وأقدر على كل الصعد بشرياً ومادياً وعسكرياً وقدرة مواجهة واستعداداً لصنع الانتصار إن شاء الله.

نحن لا نريد الحرب ولا نبحث عن الحرب وليست استراتيجيتنا كمقاومة هي حرب مفتوحة وهذا معروف، ولكن لو فكر أحد من هؤلاء الصهاينة أن يشن حرباً على لبنان إذا كان في مكان، ما في عقل، ما في قلب، ما في بيت، ما في قرية، ما قلق على المصير، أنا أقول لكم المسألة ليست كذلك والعدو للأسف الشديد أن العدو أعرف من اللبنانيين بمدى تطور قدرة وقوة المقاومة على أكثر من صعيد وهذا يدخل في حساباته.

طيب هذا نؤكد عليه، وقبل أن أنتقل إلى العنوان الأخير اسمحوا لي، لأنني أتحدث للمرة الأولى منذ شهر ونصف أريد أن أقول: سيبقى الذهب ذهباً، سيبقى الذهب ذهباً.

إذا كان هناك ذهب أمامك وهناك واحد غيّر رأيه وقال هذا "تنك"، هل أصبح الذهب "تنك" ؟ قال هذا حديد، صار الذهب حديداً؟ قال هذا خشب صار الذهب خشباً؟

لا. يبقى ذهباً. توصيف الآخرين للأشياء لا يبدل من حقائق الأشياء. هذه قاعدة ثابتة. "بالوجود هيك، بالفلسفة هيك".

بل أكثر من ذلك، الغريب اليوم بسبب الأوضاع الاقتصادية في العالم إذا كان أحد لديه مال يحوله لذهب. الذهب يغلى يوماً بعد يوم. الذهب يرتفع. الآن أي دولة في العالم، قبل أيام إحدى الدول الغنية جداً، دولة نفطية ولديها فائض بالعملة الصعبة ضخم، وربما ليس عليها ديون أو ما شاكل، اشترت بمليارات الدولارات ذهباً.

إذا واحد اليوم يحتاج لضمانة للورق لديه، للنقد، لم تعد الضمانة لا الدولار ولا اليورو ولا أي استناد إلى اي عملة صعبة أخرى. الضمانة الحقيقية اليوم هي الذهب. وفي لبنان هناك ذهب لا يوجد مثيل له في العالم كله.

كيف يسمح بعض الناس لأنفسهم أن يفرّطوا بهذا الذهب؟ أما الخشب فقد صنع اللبنانيون منه توابيت لضباط وجنود الاحتلال الذين دخلوا إلى لبنان عامودياً وعادوا إليه أفقياً "سطيح"، وهذا الخشب سيبقى موجوداً لتوابيت كل غاز وكل محتل لهذه الأرض المقدسة والمباركة.

أبداً نحن ليس لدينا مشكلة مع الخشب، ما عندنا مشكلة مع الخشب، لكل قيمته وقدره ودوره ووظيفته.

الشيء الأخير الذي أود أن أختم به

طبعاً هذا التوصيف بشكل أو بآخر سينعكس على موقفنا من الحضور في طاولة الحوار يوم الإثنين، أنا الآن لا أريد أن أُعلن موقفاً نهائياُ وحاسماً، ولكن بالتأكيد هذا الفهم وهذه الذهنية وهذا الجو سيكون مؤثراً جداً على القرار الذي سيتخذه حزب الله لجهة المشاركة أو عدم المشاركة في طاولة الحوار، ولحلفائنا وأصدقائنا وأحبائنا الآخرين كامل الحرية أن يتخذوا الموقف الذي يرونه مناسباً، يعني موقفنا مهما كان ليس محرجاً ولا ملزماً ومن الطبيعي أن تتفاوت أحياناً المواقف في بعض المسائل بحسب تفاوت المواقع أو الاستهدافات.

الأمر الأخير الذي أريد أن أذكره وأختم به بخاتمة، أنه اليوم كل الهجمة على موضوع المقاومة في لبنان تركز على نقطة أساسية، هي الدخول إلى سوريا، يأتي (أحدهم) ليقول لك: لقد دخلتم إلى سوريا فسقط الإجماع الوطني. "هذه المقولة خلصنا منها"، دخلتم إلى سوريا فتغيرت وظيفة السلاح، هذا لم يعد سلاحاً مقاوماً، هل هذا كان قبل ذلك يعتبر عندك سلاح مقاوم؟!

على كل حال، هذا الآن كله يُقال، ويعتبر هذا الدخول وهذا الموقف هو الآن إشكالية أساسية يتم طرحها بشكل دائم، منذ مدة إلى اليوم وتُطرح في كل يوم، الآن هذا الموضوع لأنه طبعاً شاغل البلد وشاغلنا كلنا معاً، أيضاً أحب أن أعقب عليه قليلا بالمقطع الأخير من كلمتي، منذ البداية أيضاً أنظروا إلى أن المشكلة معنا كانت من قبل الفريق الآخر في لبنان ومن قبل حكومات وأنظمة في العالم العربي والإسلامي، وحكومات وأنظمة في العالم، في مسألة سوريا هو موقفنا السياسي، وليس دخولنا العسكري، نحن دخولنا العسكري جاء متأخراً، وكما يُقال جاء بعد أن تدخل الجميع، وجاء الجميع وقاتل الجميع، نحن جئنا متأخرين كثيراً، المشكلة كانت في موقفنا السياسي، أننا نحن منذ أول يوم قلنا: نحن لسنا مع هذا الصراع في سوريا، ونحن لسنا مع إسقاط النظام ولسنا مع إسقاط الدولة، نحن مع الإصلاحات، ومع الحل السياسي ومع الحوار السياسي، ومع تحقيق وإنجاز المطالب المشروعة التي يُطالب بها الناس، لكن نحن لسنا مع أن يذهب أحد بسوريا إلى كسرها، إلى إسقاطها، وإلى تدميرها وإلى تخريبها، وإلى .. وإلى.. فرض خيارات إستراتيجية كبرى عليها، والموضوع هو هنا، قبل الإصلاح وقبل المطالب، الموضوع هو الخيارات الإستراتيجية الكبرى.

نحن أخذنا هذا الموقف، كان هناك عالم كبير يسير في الموقف الآخر، كان المطلوب منا أن نمشي في ذاك الموقف، أن نكون جزءاً منه. لأننا لم نكن جزءاً منه، أصبحت الحرب علينا أيضاً، إذاً الموضوع في العمق له علاقة أولاً بالموقف السياسي، وليس بالتدخل العسكري، هناك شيء كبير يحدث في المنطقة، (يقولون) تفضل وكُن جزءاً من هذا الشيء الكبير وإلا فهيئ نفسك للإعدام.

هذه هي العاصفة التي كانت آتية إلى المنطقة، كان المطلوب أن نركع لها جميعاً، أو أن ننساق معها جميعاً، أو أن ننحني لها جميعاً، يعني أنه أضعف الإيمان أن تنحني لهذه العاصفة.

نحن لم نصبح جزءاً منها، ولم نماشيها ولن ننحنِ لها، لأننا اعتبرنا أن هذه العاصفة تُشكل تهديدات إستراتيجية ووجودية كبرى، فيما يعني سوريا ولبنان وفلسطين والمنطقة كلها، وهذا شرحناه فيما مضى بما يكفي ولا نُعيد، فأخذنا موقفاً سياسياً.

مع الوقت تدحرج موقفنا، ذهبنا إلى الميدان،وكل اللبنانيين يعرفون ذلك وهذا تكلمنا عنه في الإعلام، والبعض انتقدنا أيضاً بشدة بسبب هذا التفصيل. أول تدخل عسكري محدود، يعني بعشرات الأفراد من حزب الله كان عندما ذهب الأُخوة إلى الغوطة الغربية إلى بلدة السيدة زينب (عليها السلام)، يعني قبل سنة ونصف أو أكثر قليلاً، عندما تم السيطرة على أغلب منطقة الغوطة الغربية من قبل المجموعات المسلحة، ليس كلها بل أغلبها، وأصبحت الجماعات المسلحة على بُعد مئتي متر عن مقام السيدة زينب (عليها السلام)، وكان تشخيصنا هذا المقام أولاً لأهميته الدينية عند المسلمين جميعاً، وثانياً لأن تدمير هذا المقام سيؤسس أو يُشعل فتنة مذهبية في أكثر من مكان من العالم الإسلامي، حسناً لنذهب إلى هناك لنساعد، هناك كان يوجد جيش سوري، ويوجد دفاع وطني، وأهل البلدة وسكانها كانوا يدافعون، نحن أرسلنا عشرات الأفراد ليساعدوا في الدفاع، إلى هذا الحد، حسناً أُنتقد هذا الموقف.

اليوم يوجد دولة عظيمة جداً، تعتبر نفسها عظيمة جداً، دولة بالحلف الأطلسي، تناضل من أجل أن تُصبح جزءاً من الإتحاد الأوروبي، البعض يعتبرها نموذجاً، يعني تركيا، "شو الحرف الأول من أسمها؟ هو تركيا"، اليوم الحكومة التركية تقعد لتناقش أنه يوجد قبر أو ضريح للجد الأكبر لبني عثمان، الذي الآن إذا سألت كل الشعوب الإسلامية ما إسمه؟ أنا والله لا أعرف إسمه، لا أخفيكم قرأته ونسيته ولم أقدر أن أحفظه، ولم أتمكن أن أجيء لكم بالإسم معي، فمن ذاك الذي يعرفه في العالم الإسلامي؟ وماذا يعني بالنسبة للمسلمين؟، وماذا يعني في وجدان المسلمين ومشاعر المسلمين، سواء كانوا شيعة أو سنة؟، ومع ذلك (معلش) تركيا من حقها أن تُفكر أن تتدخل عسكرياً وتخرق سيادة دولة، هي الدولة السورية، وتخطط و.. و.. و..، لأنه هناك إحتمال أن داعش تأتي إلى هذا الضريح وتقوم بنسفه، طيب" لماذا باؤكم تجر"،طالما نحكي أدب وشعر ونحو، "باؤكم تجر وباؤنا لا تجر"، نحن ذهبنا لندافع عن مقام يحترمه كل المسلمين، وعن شخصيةٍ محترمة ومقدسة عند كل المسلمين، لأنها حفيدة نبي الإسلام محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم)، من هو الذي تأتون لتسببوا بحرب إقليمية من أجله أنتم؟

تأتون لتطلقوا حرباً إقليمية، وهناك كان يوجد خطر فعلي وهنا لا يوجد خطر فعلي، وأكثر من ذلك، نحن لم نخرق السيادة السورية، طبعاً هذا ليس جديداً، الرئيس بشار تكلم عن هذا الموضوع منذ مدة، لأن هناك أناس سألوه قال لهم: كلا، المقاومة دخلت إلى سوريا بموافقة الحكومة السورية، الآن يأتي أحد ليقول لي: أنتم خرقتم السيادة اللبنانية، هذا يوجد فيه نقاش، لكن بالحد الأدنى نحن لم نخرق السيادة السورية. حسناً اليوم دولة بالحلف الأطلسي ومرشحة للاتحاد الأوروبي تحضر لحرب وتدخل إقليمي في سوريا مباشر، بحجة أنه يوجد ضريح الجد الأول لبني عثمان أي للدولة العثمانية، مهدد من داعش وربما يمكن هم يطلبون من داعش أن تذهب لهدمه، والله العالم يعني.

حسناً، تدحرجت الأمور إلى القصير وما بعد القصير، وهذا تعرفونه جميعاً، إلى أن وصلنا إلى مرحلة صار واضحاً فيها أن المعركة في سوريا وصلت إلى مرحلة نتيجة حجم التدخل الدولي والإقليمي، والاستنفار الذي جاء بعشرات آلاف المقاتلين من كل أنحاء العالم إلى سوريا. الموضوع لم يعد ـ هذا بكل صراحة وسبق أن قلناه سابقاً وأريد أن أرجع أعيده ـ لم يعد الموضوع هو موضوع مقام السيدة زينب أو اللبنانيين المقيمين على الأراضي السورية، من ذاك الوقت صار الموضوع هو موضوع المقاومة ومحور المقاومة ومستقبل المقاومة والهوية السياسية للمنطقة وإلى أين نحن ذاهبون؟ وهذا كله تكلمنا عنه، لماذا أعيده الآن؟ ليس لتعبئة الوقت، لنقول بالخواتيم وبالنتائج في هذه اللحظة، حسناً الآن أين صرنا؟ وأين أصبحنا؟، منذ البداية نحن قلنا بالحل السياسي، قامت جامعة الدول العربية تريد أن تحسم وأن تُسقط النظام، ولا تقبل بحوار سياسي قبل رحيل الرئيس الأسد ونظامه، حسناً بعد مرور ثلاث سنين رأيتم مقررات القمة العربية الأخيرة، يعني كنتم محتاجين لهذه السنين الثلاث من حرب وقتل وقتال ودمار وخراب وفتن ومحن، ليحكوا العرب الكلام الذي كان ينبغي التكلم به منذ البداية؟! ليمشي العرب بالذي كان يجب أن يمشوا فيه منذ البداية؟

يعني الآن المطلوب عندهم: أذهبوا لتروا كيف يمكن أن نضغط على النظام في سوريا وعلى الرئيس بشار الأسد، نريد أن نعمل حل سياسي، ونريد أن نقيم حواراً سياسياً جدياً، هذه جنيف 2 "مش ماشي الحال الآن"، أنتم منذ الأشهر الأولى عندما أتى (الرئيس الأسد) وقال لكم تفضلوا على الحوار، والقيادة السورية حاضرة لتقدم وتعمل إصلاحات جذرية وأساسية، لم يكن أحد منكم حاضراً أن يُناقش فكرة حل سياسي أو حوار سياسي بسوريا والمنطقة، قلنا لكم الحل السياسي ذهبتم الى الحل العسكري، الآن وصلتم إلى ما كان يقال منذ البداية.

طبعاً هذا الكلام للعرب، للفريق الآخر بلبنان وللدول التي ما زالت تتدخل في هذا الصراع، قلنا في البداية إن ما يجري في سوريا سيعرّض كل المنطقة لخطر الإرهاب والتكفير، وقلتم أنتم: لا، ليس هكذا، القصة في سوريا هي مسألة إصلاحات وتغيير وديمقراطية وحقوق إنسان. الآن ما هو الواقع الذي أنتم تتحدثون عنه؟ أنتم بعد ثلاث سنين تتحدثون عن سوريا الأرض التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة كتهديد لدول الإقليم وكتهديد لدول العالم. الآن بعد ثلاث سنين من تمويلكم وتسليحكم وتحريضكم ودفعكم باتجاه الحلول العسكرية وتعطيلكم للحلول السياسية وحمايتكم للجماعات المسلحة أتيتم لتشكلوا لائحة إرهاب ولتضعوا أغلب هذه الجماعات المسلحة على لائحة الارهاب. ماذا بقي بعد؟

يعني بـمعزل عن موقفنا من هذه اللائحة، لما تأتي وتقول بسوريا إن داعش والنصرة والإخوان المسلمون، تقول هؤلاء إرهابيون، يعني من الذي بقي؟ بكل صراحة ..

حسناً، هل احتاج الأمر إلى 3 سنين ليكتشف الإقليم وليكتشف العالم أن ما يجري في سوريا سيؤدي إلى هذه النتيجة، وطبعاً لغاية الآن هناك بعض اللبنانيين لم يكتشفوا بأن ما يجري في سوريا هو تهديد للبنان. "يا عمي" الامريكان الذين في آخر الدنيا والفرنسيون والأوروبيون وبعض دول الخليج ودول شمال أفريقيا تعتبر سوريا الأرض التي يسيطر عليها الجماعة المسلحة مصدراً للتهديد لدولها ولأمنها، وفعلا هكذا، حتى في ساحات هادئة لم يكن هناك دعوات إلى القتال وإلى الصدام وإلى الجهاد المقدس والآن بدأت، هذه تونس. للأسف هناك أحد في لبنان يقول لا، الذي يجري في سوريا ليس تهديداً للبنان.

قلنا لكم منذ البداية: ما يجري في سوريا هو تجاوز مرحلة مطالب الإصلاح والديمقراطية. إذا سيطر التيار التكفيري المقاتل ـ الذي لا يقبل معه أحداً ـ حتى من داخل التيار التكفيري المقاتل، كما يجري بين داعش والنصرة حيث ينتميان إلى فكر واحد ومذهب واحد ومدرسة واحدة وقيادة واحدة وأمير واحد ومشروع سياسي واحد والخلاف بينهما تنظيمي إداري مثلما يحصل بأي حزب وتنظيم أنه فلان المسؤول أو فلان المسؤول ؟! كل المعركة هي من القائد هو أبو محمد الجولاني أو أبو بكر البغدادي، من دفع الثمن؟ آلاف الضحايا، دمار هائل، معارك قاسية على خلاف إداري تنظيمي، كيف سيتعايش هؤلاء مع كل اللبنانيين، مع بقية اللبنانيين، مع بقية السوريين، مع بقية دول وشعوب الجوار، إذا كان إخوانكم وأحباؤكم وأعزاؤكم وحلفاؤكم "ولا نقول سادتكم"، اكتشفوا الآن أنه هذا هو واقع الحال أنتم لماذا ما زلتم متأخرين.

العناد جيد إن لم يكن على حساب لبنان ومصير لبنان ومستقبل لبنان. دائما كان يقال لنا، منذ سنة ونصف، وكل يوم هذا يقال لنا من بعض الكتل، من بعض الجهات السياسية، دعوة حزب الله إلى الخروج من سوريا. أنا لا أريد أن أدافع، اليوم أنا أريد أن أطالب: تفضلوا، غيّروا موقفكم، أعيدوا النظر في موقفكم، اعملوا مراجعة للموقف، اعملوا قراءة جديدة.

لن أقول لكم: هيا الى القتال معنا في سوريا، لا، لا، ليس مطلوباً، وحقيقة هناك أناس، هناك مجموعات، هناك جماعات لبنانية من طوائف مختلفة ومتعددة عرضت علينا أن يلتحقوا بنا للقتال حيث نحن نقاتل، لكن نحن قلنا لهم "ما فيه داعي"، لا تحملوا هذا العبء السياسي ولا العبء الاجتماعي، "نحنا خلص" حملنا هذا العبء وماضون فيه.

هؤلاء الذين يصرّون في كل يوم، يقولون إن المشكلة في لبنان أن حزب الله ذهب لسوريا. أنا أقول إن المشكلة في لبنان تأخر الذهاب إلى سوريا، وأن المشكلة في لبنان هي أنكم ما زلتم في أماكنكم، ولم تذهبوا إلى سوريا، بل إذا ذهب بعضكم الى المكان الخطأ، الآن لا أقول لكم اذهبوا إلى سوريا ولا قاتلوا معنا ولا شيء، فقط أعيدوا النظر بهذا الموضوع. يوماً بعد يوم تثبت صوابية وصحة وسلامة الخيارات التي اتخذناها، وأيضاً أحب أن أقول، يمكن للمرة الأولى بهذه الصراحة، لو انتصر الإرهاب التكفيري في سوريا، أقول لكل اللبنانيين ولكل التيارات السياسية والأحزاب السياسية 14 و 8 اذار ومن هم في الوسط و"عالشمال وعاليمين"، لو انتصر الإرهاب التكفيري في سوريا سنلغى جميعاً، لا الحزب ولا المقاومة، سنلغى جميعاً، سنشطب جميعا، ألا ترَون ما يجري في حلب وإدلب والرقة ودير الزور وفي الفلوجة وفي الأنبار؟ إسألوا.. ليس العلمانيين.. إسألوا الاسلاميين، إسألوا الاحزاب الاسلامية في تلك المناطق ماذا جرى عليها؟

وأما لو هُزم التيار التكفيري الإرهابي في سوريا، فأنا أقول لكم سنبقى جميعاً. إذا انتصر هذا المحور في سوريا سيحفظ اللبنانيون جميعاً.

هذا المحور لا يبحث عن الانتقام، يبحث عن السلامة، يبحث عن الانسجام، يبحث عن القوة، لا يبحث عن الثأر، هنا لدينا خيارات وطنية كبرى، دعونا نأتي ونختار.

بناءً على كل ما تقدم ، الآن نحن أدلينا بدلونا، كذلك الاخوان طبعاً. نحن خففنا. رأينا مقابلات صحفية وتلفزيونية قليلة نادرة إخواننا ايضا يخطبون في العديد من المناسبات. نرغب أن لا نخوض كثيراً بهذا السجال. اليوم لبنان أمام فرصة، تشكلت هذه الحكومة بمعزل عن ظروف تشكيلها وأوضاع تشكيلها. تكلمنا سابقا، لكن هذه فرصة، نحن ندعو إلى تفعيل العمل الحكومي. سنكون إيجابيين ومتعاونين، ونساهم في تفعيل العمل الحكومي والاهتمام بملفات الناس والوضع الأمني الذي هو أولوية في كل المناطق وخصوصاً في الشمال والبقاع بشكل أساسي.

يجب التعاون لمعالجة المشاكل الأمنية. طبعا لا يكفي العلاج الأمني يجب مقاربة المشاكل الأمنية في العديد من المناطق، وخصوصاً في طرابلس والبقاع الشمالي، مقاربة سياسية واجتماعية وانمائية واقتصادية إضافة إلى المقاربة الأمنية.

تعالوا لنحضر بجد لانجاز الاستحقاق الرئاسي بعيداً عن الاتهامات بأن هذا يريد أن "يعمل فراغ" وذاك يؤيد أن "يعمل فراغ".

كل الأطراف السياسية في لبنان، وهذا من حقها الطبيعي، تحرص على أن تاتي على أن يؤدي الاستحقاق الرئاسي إلى مجيء رئيس من صفوفها ومن حقها أن تمارس اللعبة الديمقراطية القانونية على هذا الأساس، حسناً هذا أيضا يلزمه جهد وعمل.

اليوم هذه الفرصة متاحة، لبنان يستطيع جدياً أن ينأى بنفسه عما يجري في سوريا، الفريق الآخر أصبح غير قادر على أن يفعل شيئاً في سوريا. يعني "ما يعذبوا حالهم"، زمن البطانيات وعلب الحليب وإرسال المقاتلين، هذا لم يعد له أفق، وأنتم ترون التبدل في الوضع الداخلي في سوريا، الوضع الاقليمي والوضع الدولي، إذاً تعالوا على ضوء هذه التبدلات وهذه التحولات وهذه المستجدات نأتي ونقول: نحن وأنتم دعوا سوريا على جنب..

نسأل الله سبحانه وتعالى للجميع العافية في سوريا نسأل الله سبحانه وتعالى حقن الدماء بسوريا ووقف النزيف في سوريا ودفع سوريا باتجاه الحل السياسي. وتعالوا نحن لنخفف من الخطابات القاسية والشديدة والتحريض والصراخ أو نلغيها و"نروح نشبك أيدينا بأيدي بعضنا".

نحن ما كنا مع إلغاء أحد أبداً. حتى بحكومة نجيب ميقاتي هناك فريق هو أراد ان يغيب، نحن لم نكن نرغب أن يغيب، بل كنا راغبين أن يحضر.

لا أحد يقدر أن يلغي أحداً في لبنان، و"ما حدا يقدر أن يشطب أحداً بلبنان".

بالحد الادنى ما أعرفه عن فريقنا أنه ليس لديه أهداف أو نوايا إقصائية أو إلغائية، نحن نعترف بالآخر ونريد مشاركة الآخر.

نعم قد نختلف على موضوعات تتعلق بمصير البلد وهذا أمر طبيعي. هذه فرصة الآن متاحة أمام اللبنانيين أن يهدأوا و"أن ياخذوا نفس ويعملوا قصيدة شعر شوي محترمة ومقطوعة ادبية ويضعوا راسهم براس مشاكل البلد ويعالجوها" ولا ينتظرون الأوضاع في المنطقة. لا تنتظروا تحولات الأوضاع في المنطقة. تعالوا لنعالج مسائلنا الآن ولا ننتظر إلى الغد.

وبالاستحقاق الرئاسي أحب أن أؤكد بهذه النقطة: نحن من أكثر الناس المصرّين وإذا يُعمل على انتخابات رئاسية مبكرة نؤيد هذه الدعوة، نحن بهذا الموضوع لا نسعى إلى أي فراغ على الإطلاق، ونؤيد الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة، إذا كانت الأطراف الأخرى هذا الخيار ممكن طبعا ما عاد مبكر لأننا أصبحنا داخل المدة القانونية، المقصود في أقرب وقت ممكن ليتأسس ويضع لبنان في مرحلة جديدة. على ضوء هذه المرحلة الجديدة نذهب ونكمل الحوار بالاستراتيجية الدفاعية، ونكمل السعي والجهد والتعاون المشترك ونرفع البلد مما هو فيه.

موفقين الله يعطيكم العافية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

2014-04-04