كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في زيارته لمنطقة عمليّات فكّ حصار عبادان في محافظة خوزستان
2014
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديّين المعصومين، لا سيّما بقيّة الله في الأرضين.
عدد الزوار: 91
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في
زيارته لمنطقة عمليّات فكّ حصار عبادان في محافظة خوزستان_26-03-2014
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا
ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة
المهديّين المعصومين، لا سيّما بقيّة الله في الأرضين.
الاقتدار والمكانة؛ رهن الجهاد والسعي
بصرف النظر عن العوامل المعنويّة وما وعده الله تعالى للمؤمنين والمجاهدين في سبيل
الحق؛ حسب القوانين العاديّة لحياة المجتمعات البشريّة، فإنّ عزّة أي مجتمع
واقتداره وسمعته ومكانته وهويّته كلّ ذاك يرتبط بالجهاد والسعي الدؤوب.
لا يمكن لأيّ شعبٍ أن يكتسب منزلةً لائقةً بين شعوب
العالم أو في التاريخ، بالكسل والتراخي. وما يجعل الشعوب -في التاريخ
وفي العصور التي تعيشها- شامخة بين سائر شعوب العالم هو الجهاد والسعي. ولهذا السعي
طبعًا أشكال متنوّعة، فهناك السعي العلمي وهناك السعي الاقتصادي وهناك السعي بمعنى
التعاون الاجتماعي بين الأفراد؛ هذه كلّها أمور لازمة وضروريّة. ولكن يأتي على رأس
كلّ هذه المساعي، الاستعداد للتضحية بالأرواح، فهذا هو الذي يجعل الشعب شامخًا
مرفوع الرأس بين الشعوب. إذا لم يكن بين أفراد شعب من
الشعوب، من هم على استعداد للتضحية بأرواحهم وراحتهم في سبيل الوصول إلى الأهداف
والمقاصد، فإنّ هذا الشعب لن يصل إلى أيّ نتيجة. العمل الذي قامت به
الثورة من أجل شعب إيران هو أنّها أضاءت هذا الطريق أمامنا، فأدرك كلّ واحد من
أبناء الشعب، وشعر بضرورة الجهاد في سبيل المبادئ والأهداف العُليا، والصمود بوجه
أعداء هذه المبادئ، وقد صمدوا.
قصةُ صمودٍ بوجه الاستكبار!
إنّ دفاعنا المقدّس وفترة حرب الأعوام الثمانية الزاخرة
بالأحداث في هذا البلد، هما قصة صمود شعب إيران وصمود شبابنا بوجه خبث وعداوات
الكفر والاستكبار العالميّين. صحيح أنّ الذي كان يقف أمامنا هو في
الظاهر نظام البعث أو صدام -وقد كان خبيثًا ومعاديًا للإنسانيّة بما فيه الكفاية-
لكنّه لم يكن وحدَه، فما جعل هذه الحرب تستمرّ ثمانية أعوام هو العناصر التي كانت
تقف خلف ستار الاستكبار العالميّ، والتي كانت تشجّعه وتعدُّه وتمدّه بالقدرات
والمعدّات. يوم اضطرّ أعداؤنا إلى التراجع والانسحاب من أراضي خوزستان هذه -التي
شاهدتم الآن جوانب منها– [آنذاك]، أعطتهم حكومة أوروبيّة وسيلة ليستطيعوا مواصلة
خبثهم وشيطنتهم وشرورهم في البحر؛ أعطتهم صواريخ. لم يكونوا يسمحون للعمليّات التي
تحصل في المناطق الحربيّة أن تنهي الحرب وتحسم مصيرها، فقد كانوا يشجّعونه. أي إنّ
يد الاستكبار العالمي، ويد هذه الحكومات الأوروبيّة والحكومة الأمريكيّة كانتا
تسندان النظام البعثي الخبيث وتشجّعانه على مواصلة الأمر. لم يكونوا يريدون
للجمهوريّة الإسلاميّة أن تخرج منتصرة مرفوعة الرأس من هذه الحادثة الكبرى؛ وكانوا
يقولون ذلك بصراحة.
بعد هذه العمليّات التي حصلت في هذه المنطقة -منطقة دارخوين1، فقد كان
هذا المكان ساحة لمعركة حاسمة جدًّا هي عمليّات ثامن الأئمّة –التي خطّط لها الحرس
الثوري وجيش الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، بالتعاون معًا امتثالًا لأمر الإمام
الخمينيّ، وحيث استطاعوا في هذه المنطقة فرض التراجع على العدو وتحطيم المعنويّات
التي اكتسبها بدعم الأجانب والأوربيّين له، وتدميرها، وفكّالحصار عن عبادان. بعد
هذه العمليّة، تتابعت العمليّات فكانت عمليّات "طريق القدس"، وبعدها عمليّات
"الفتح المبين"، وبعدها عمليّات "إلى بيت المقدس"؛ كان مقاتلونا
الأعزاء وشبابنا المضحّون، في هذه العمليّات المتتابعة، يعملون في إطار الجيش، وفي
إطار الحرس الثوري، وفي إطار التعبئة والقوّات الشعبيّة، وعلى شكل مجموعات عشائريّة،
وحتّى على شكل شرطة وقوّات درك ولجان ذلك اليوم، كانوا يعملون في ساحة الحرب
ويقدّمون هذه التضحيات، وكان بوسع هذه العمليّات أن تُنهي الحرب، لكن جبهة أعداء
النظام الإسلاميّ - وهم الأوروبيّون والحكومات الأوروبيّة والحكومة الأمريكيّة - لم
تكن تسمح بذلك، فقد كانت تشجّع الطرف الآخر وتمنحه تجهيزات ومعدّات جديدة وتبثّ فيه
الأمل بالفوز في هذه الحرب؛ لذلك استمرّت هذه الحرب ثمانية أعوام؛ وليست مزاحًا
ثمانية أعوام من الحرب. استمرّت الحروب الكبرى والمعروفة في العالم، خلال الفترات
القريبة من زماننا، مدّة أربعة أعوام أوخمسة أعوام وستة أعوام وما إلى ذلك، بينما
استمرّت هذه الحرب ثمانية أعوام وفي منطقة واسعة امتدّت فيها المعارك والاشتباكات
من الشمال إلى الجنوب، أي من المنطقة الشماليّة الغربيّة للبلاد إلى نهاية المنطقة
الجنوبيّة هذه.
أرادوا إضعاف النظام الإسلامي، ولكن..
كان هدفهم أن يجعلوا النظام الإسلاميّ يشعر بأنّه غير
قادر على مواجهة هؤلاء الأعداء؛ أرادوا أن يفعلوا ما يجعل الجمهوريّة
الإسلاميّة تظهر كمنظومة ضعيفة عاجزة. لكنّ الله تعالى أظهر يدَ قدرته وحطّم بيد
السنّة الإلهيّة الفولاذيّة فم أعداء الجمهوريّة الإسلاميّة وأعداء راية الإسلام
الخفّاقة، ومرّغ أنفهم بالتراب، وأثبت أنّ النظام
الإسلاميّ باستناده إلى إيمان الشعب ومحبّته ومشاعره يستطيع في مواجهته لكلّ القوى
الماديّة في العالم، الدفاع عن نفسه وأن يفرض على الطرف المقابل الاعتراف بالعجز.
لقد اعترفوا بعجزهم، وبعدم قدرتهم على الوقوف بوجه القبضة الحاسمة للمؤمنين
بالإسلام وبالوعود الإلهيّة، وأُحبِطَ إعلامهم وذهب أدراج الرياح. كانوا يحاولون
إقناع شعب إيران - المؤمن بالآيات الإلهيّة الكريمة - بأنّك غير قادر على مواجهة
القوى الماديّة في العالم؛ أرادوا إقناعه بهذا الشيء. وأقولها لكم -أيّها الإخوة
الأعزاء- ولكلّ الشعب الإيرانيّ: يندحر أيّ شعب عندما
يعتقد أنّه لا يستطيع فعل شيء؛ هذه بداية هزيمة أي شعب. لقد أرادوا بثّ
هذا الشعور في قلوب الإيرانيّين خلال فترة الحرب المفروضة، لكنّ النتيجة كانت عكس
ذلك. لقد أثبتت الحرب المفروضة، أي الدفاع المقدّس لشعب إيران،
أنّ الشعب -في ظلّ اتّحاده وفي ظلّ إيمانه بالله، وفي ظلّ
حسن ظنه بالله تعالى واعتقاده بصدق الوعود الإلهيّة- يمكنه اجتياز كلّ المنعطفات
الصعبة، ويمكنه الوقوف بوجه الأعداء وفرض الهزيمة والتراجع عليهم؛ هذا ما أثبتته
لنا الحرب المفروضة.
أقول لكم: لا تدعوا ذكرى فترة الدفاع المقدس تُمحى من
الخواطر والأذهان. إنّ المجيء إلى هذه المناطق الحربيّة - سواء في عطل
النوروز أو على مدى العام، عمل حسن جدًّا وصحيح وعقلاني يقوم به شعب إيران والحمد
لله أنّ هناك من يأتي إلى هذه المناطق على طول السنة ويزور هذه الأراضي والأماكن.
حافظوا على ذكرى هذه الأماكن حيّة. هذه الأراضي وهذه الصحاري ونهر الكارون هذا
وطريق أهواز - عبادان أو أهواز - إلى خرمشهر؛ هذه الأماكن المتنوّعة التي تعرّف لكم
نفسها اليوم بأسماء مختلفة، شاهدة على أرقى التضحيات والجهاد والفداء. إنّني لا
أنسى في الأشهر الأولى من الحرب -في شهور المحنة وعدم توفّر القوّات وانعدام
الإمكانيّات والمعدّات والتدريب، وعدم توفّر التنسيق والتنظيم، في تلك الشدائد على
المستويات الماديّة المختلفة - كان شبابنا يأتون بمعنويّات عالية من الأهواز هذه
إلى مختلف المناطق، بما في ذلك هذه المنطقة، منطقة دارخوين. جاءت جماعة من الشباب
المؤمنين المتديّنين، وأنا على معرفة ببعض شخوصهم، إلى قرية "محمدية" هذه القريبة
من هنا، وحفروا خنادق فردية، وكانوا يخرجون في ظلام الليل من خنادقهم الفرديّة
ويتقدّمون مئة متر أو مئتي متر إلى الأمام، ويحفرون هناك الخنادق ثانية، ويبقون في
تلك الخنادق طول النهار تحت شمس خوزستان الحامية، ويتحمّلون الصعاب والشدائد،
ويقتربون من العدو، إلى أن حان موعد العمليّة في شهر مهر من السنة التالية لهجوم
العدو الذي حصل في آخر شهر شهريور 59 (1980)، في منطقة دارخوين هذه وكل هذه
المناطق المحيطة بها بقوّات مقاتلة من الجيش والحرس الثوري والتعبئة وغيرها، وقد
نالوا أجر تلك الشدائد وجزاء الصعوبات وأهدوه إلى الشعب الإيرانيّ. هذه ذكرياتٌ
قيّمة، ويجب أن لا تسمحوا بنسيانها ومحوها من الخواطر.
أحداث خالدة وشخصيّات لن تُنسى
في كلّ واحدة من هذه المناطق وقعت أحداث، وكلّ واحد من هذه الأحداث لو وقع لبلد أو
شعب لكان كافيًا لشموخ ذلك الشعب في التاريخ. فالأحداث التي وقعت في عمليّات بيت
المقدس، أو ما حدث في عمليّات الفتح المبين، أو ما حدث بعد ذلك في عمليّات خيبر، كلّ
ذرة من هذه العمليّات وهذه الشخصيّات التي أبدت هذه التضحيات وصنعت هذه الأحداث،
يمكنها تسجيل مفاخر كبرى وخالدة ولا تُنسى لشعب إيران. يريدالأعداء أن ننسى، يريدون
لقضيّة الدفاع المقدّس أن تُمحى من أذهاننا، وأن ننسى التضحيات، وأن لا نعرف
الشخصيّات التي كان لها دور في هذه التضحيات، أو أن ننساها؛ هذا ما يريدونه. ويريد
البعض تخطئة تلك الفترة وتخطئة أولئك النفر، وتخطئة ذلك الاتّجاه والمسار الذي رسمه
الإمام الخميني الجليل الحكيم وعبد الله الذي منّ عليه ربّه بالبصيرة، لأنّهم
يعلمون أنّ كلّ ذرة وكل جزء من تلك الأحداث ممّا لا يقبل النسيان بالنسبة إلى الشعب
الإيراني، وله تأثيرات بنّاءة كبيرة.
أعود وأقول للشعب الإيراني بأن يغتنم تحرّك "قوافل النور"2، وأتقدّم
بالتقدير والشكر لكم أيّها الإخوة والأخوات الأعزاء الذين قدمتم من طرق بعيدة إلى
هذه المنطقة وشكّلتم جزءًا من المجموعة العظيمة لتحرّك "قوافل النّور"، وأتمنّى أن
تكونوا جميعًا مأجورين، وأن تعودوا كلّكم من هذه المنطقة إن شاء الله بأيدٍ ممتلئة
وزاد وفير وتجارب جمّة وبصيرة وأنوار إلهيّة معنويّة؛ حفظكم الله تعالى جميعًا.
اللّهم بمحمّد وآل محمّد احشر الأرواح الطيّبة لشهداء الحرب المفروضة الأبرار مع
أوليائك. اللّهم خلّد ذكرى هؤلاء الأعزّاء والمضحّين في الخواطر وفي قلب تاريخنا.
ربّنا اجعلنا نقف حتى النهاية بوجه الأعداء والعداء والخبث بالروح والمعنويّات
نفسها التي يرتضيها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أو أئمّة الهدى عليهم السلام. اللّهم انصر شعب إيران على
أعدائه، واحشر الروح الطاهرة للإمام الخميني الجليل مع أوليائه.
1- مدينة دارخوين: تُلفَظ داروخوين؛ وهي مدينة تقع في إقليم خوزستان المحاذي
للعراق على بُعد 50 كيلومترًا شمال مدينة خرمشهر.
2- الترجمة الحرفيّة: "السائرون إلى النّور": هي تشكيل شعبي أو تجمّع حملات
تطوّعيّة تحت عنوان "راهبان نور" تقوم بتنظيم قوافل ورحلات لزيارة المناطق الحربيّة
والمحاور العسكريّة، التي كانت خلال الحرب المفروضة في ثمانينات القرن الماضي؛ وهي
من الحملات الواسعة جدًّا الموجودة في كلّ إيران، في الجامعات، والمدارس،
والمؤسّسات. يوجد كلّ سنة عدّة مواسم لهذه الزيارات أهمّها عند العطل الرسمية
والمناسبات الرئيسة.