كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في ذكرى انتفاضة أهالي تبريز
2014
أرحّب بجميع الإخوة والأخوات والأعزّاء التبريزيّين والآذربيجانيّين؛ وأشكركم أيّها الأعزّاء، إخوة وأخوات، على تحمّلكم مشقّة هذا السفر والدرب الطويل في هذه الأيّام الشتويّة الباردة، لتُضفوا الحرارة والنشاط والحماس على أجواء حسينيّتنا، في هذه الأيّام التاريخيّة المهمّة.
عدد الزوار: 75كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء أهالي آذربيجان في ذكرى انتفاضة أهالي تبريز في التاسع والعشرين من شهر بهمَن. _17-2-2014
بسم الله الرحمن الرحيم
أرحّب بجميع الإخوة والأخوات والأعزّاء التبريزيّين والآذربيجانيّين؛ وأشكركم أيّها الأعزّاء، إخوة وأخوات، على تحمّلكم مشقّة هذا السفر والدرب الطويل في هذه الأيّام الشتويّة الباردة، لتُضفوا الحرارة والنشاط والحماس على أجواء حسينيّتنا، في هذه الأيّام التاريخيّة المهمّة. أشكر جميع الإخوة والأخوات من صميم قلبي؛ وخاصّةً عوائل الشهداء العظيمة، والعلماء الأعلام، والمسؤولين المحترَمين، وكذلك الشكر لإمام جمعة تبريز المحترَم السيد شبسترى والذي -للحقّ والإنصاف- بذل ويبذل جهودًا قيّمة، تليق بهذه المدينة الكبرى وبهذه المحافظة العريقة.
تحيّة إلى الشعب الإيراني
أودّ بدايةً أن أقول كلمة، هي عبارة عن شكر الشعب الإيراني العظيم لما أظهره في يوم الثاني والعشرين من بهمن [11شباط] من عنفوانٍ ومجدٍ واقتدار. إنّ الّلسان ليعجَز عن الوصف والشكر. أوّل ما ينبغي أن نقوم به، هو أن نعفّر الجبين بالتراب شكرًا وثناءً لربّ العالمين، فهو محوّل القلوب ومقلّب النوايا والعزائم، كلّ شيءٍ بيد الربّ وإرادته. ومن ثمّ، أن نشكر من صميم القلب، الشعب الإيراني، فردًا فردًا في جميع أنحاء البلاد على إحيائهم ليوم الثاني والعشرين من بهمَن1 بهذا الشكل، حيث قدّموا هذه الذكرى بشكلٍ حيّ وعظيم وزاهر أمام كلّ الدنيا. وسأعود لاحقًا لأشيرَ إلى مسائل الثاني والعشرين من بهمَن في معرض كلامي.
29 بهمن؛ ذكرى الحدث العظيم
إنّ لقاءنا اليوم بكم -أيّها الأعزّاء التبريزيّين وأهالي سائر مدن محافظة آذربيجان- هو بمناسبة ذكرى التاسع والعشرين من بهمَن. هذه الذكرى ليست مجرّد كلمة واسم. وهذا اليوم ليس يومًا كسائر الأيّام؛ ليس مجرّد حدث عابر. إنّ التاسع والعشرين من بهمَن يمثّل تلك الواقعة التي حصلت في مثل هذا اليوم من العام 1356 هـ.ش2. ما جرى كان حدثًا ذا معانٍ متعدّدة. الشباب الذين شرّفونا اليوم في هذا اللّقاء -أعزّائي وأبنائي- إنّ الكثير منكم لم يشاهد حدث التاسع والعشرين من بهمَن، ولكنّ دروس ذلك اليوم وعِبره لا تزال حيّة وماثلة حتى الآن.
هناك عدّة معانٍ في هذا الحدث العظيم؛ المعنى الأوّل: ظهور وتجلّي الميزات الأخلاقيّة والخصال الحميدة لأهالي تبريز وآذربيجان؛ وهذا أمرٌ بالغ الأهميّة. يجب علينا أن نعرف أنفسنا بخصالنا وميزاتنا الأخلاقيّة. يقوم الآخرون بكتابة المميّزات الأخلاقيّة للإيرانيّين وتدوينها لنا عبر التحريف وقصر النظر. نحن ينبغي أن نعرف أنفسنا بشكلٍ صحيح من خلال النظر إلى مرآة هذه الأحداث.
اللحظة المناسبة تصنع الحدث
في التاسع والعشرين من بهمَن أظهر أهالي تبريز هذه الخصال الموجودة عندهم:
أوّلًا- الإيمان الدينيّ العميق؛ ثانيًا- الغيرة الدينيّة؛ ثالثًا- الشجاعة. وبعد كلّ هذا، تأتي قضيّة إدراك اللّحظة والمعرفة الدقيقة للوضع الراهن وطبيعة الأحداث؛ هذا أمرٌ مهمّ جدًّا لأيّ مجموعة أو جماعة. قد توجد جماعة مؤمنة وشجاعة؛ لكن ما يلزمها هو القدرة على التحرّك وأن تعرف اللّحظة المناسِبة للحركة، فإن تحرّكت قبلها أو بعدها، لن تُثمِر حركتها ولن تؤثّر.
لقد قام التبريزيّون في اللحظة المناسبة، وصنعوا حدث التاسع والعشرين من بهمَن؛ هذه الخصائص بالغة الأهميّة. إنّ تبريز وآذربيجان كانت لديهما هذه الخصائص قبل التاسع والعشرين من بهمَن، ولا تزال لديهما حتى يومنا الحالي-ولقد دلّت الأحداث التي تلت ذلك اليوم على هذا المعنى- ويجب المحافظة على هذه الخصائص والخصال: الإيمان الإسلامي والغيرة الإيمانيّة والشجاعة والإقدام والريادة وكسر القوالب التقليديّة والقيام بالأعمال الكبرى والإبداع في سبيل الأهداف العليا؛ وكذلك معرفة الزمان وإدراك اللحظة المناسبة والقيام بالعمل المناسب والمتناسب مع الوضع والموقف. إحدى بركات يوم التاسع والعشرين من بهمَن وآثاره، أنّه جسّد الخصال البارزة لأهالي تبريز وآذربيجان في مرآة التاريخ.
29 بهمن؛ مظهر اتّحاد فئات الشعب
المعنى والبُعد الثاني في يوم التاسع والعشرين من بهمَن هو إظهار هذه الحقيقة: كيف تحُلّ البركات الوفيرة عندما تتّحد المجموعات والفئات المتعدّدة في البلاد بعضها مع بعض. أين هي قم، وأين هي تبريز؟ كم تبعد هذه عن تلك؟ وقعت حادثة في قم3؛ حسنٌ، أولئك الذين قاموا بتلك الحادثة، أرادوا لها أن تُنسى وأن تُمحَى من الأذهان؛ فجأةً، وفي مكان بعيدٍ جدًّا عن قم، في تبريز، ينهض الناس لإحياء حادثة قم؛ لم يكن الأمر أن قام أهالي قم بإحياء ذكرى أربعين شهداء التاسع عشر من دي4. اشتدّت وحشيّة النظام الجبّار والطاغوتي، فقام بردّة فعل متهوّرة ضدّ أهالي تبريز، استشهد عدد من المواطنين؛ وجّهوا الإعلام في ذلك اليوم بشكلٍ خاطئ وساذج؛ أرادوا أن يمحوا القضيّة من أذهان الرأي العام، مرّت أسابيع، فإذا بأهالي يزد يقيمون مراسم أربعين شهداء تبريز! لاحظوا هذا الانسجام والتضامن بين مختلف مناطق البلاد. بعدها، كرّت السبحة وتوالت على هذا المنوال، كنتم أنتم أصحاب هذه الفكرة أوّلًا وأبدعتم في إقامة ذكرى أربعين شهداء الثورة، فأصبحت بعدها تيّارًا مستمرًّا في يزد وشيراز وبوشهر وبقيّة مناطق البلاد. هذه هي القضيّة الثانية من حدث التاسع والعشرين من بهمن.
وقد صنعتم المعجزة!
البعد الثالث هو هذا: لو قيل في ذلك اليوم لأهل قم، في التاسع عشر من دي أو لأهل تبريز في التاسع والعشرين من بهمن، أنّ حركتكم هذه ستنتهي بثورة عظيمة، لما صدّق أحد هذا؛ ولكن هذا ما حدث. وإنّما يدلُّ هذا، على أنّ أيّ شعب عندما يشمّر عن ساعدَيّ الهمّة وينزل إلى الميدان فيصمد ولا يتراجع، فإنّ بإمكانه أن يزيل الجبال من مكانها، إنّ شعبًا كهذا يمكنه أن يصنع المعجزات، ولقد صنع شعبنا هذه المعجزة. يا أعزّائي، أيّها الشباب! فكّروا جيّدًا، وتأمّلوا وابحثوا في مسألة حدوث هذه الثورة. إنّ انتصار الثورة هو أشبه ما يكون بمعجزات الأنبياء. فهل كان يخطر في خيال أحد، أنّ شعبًا تحت سلطة أمريكا- أسيرًا للثقافة الغربيّة، واقتصاده في قبضة الأعداء المتسلّطين الدوليّين، وهو ضعيف من الناحية العسكريّة ولا اعتبار له في المعادلات العالميّة- يمكنه أن ينهض ويقوم في وجه رموز القدرة الماديّة الواهية، وأن يرفع راية الإسلام خفّاقة في العالم المادّي في وجه الشرق والغرب- لقد كانت أمريكا والاتّحاد السوفياتي يختلفان معًا حول مئة قضيّة؛ ولكن قضيّة واحدة كانت توحّدهما، وهي ضرب الثورة الإسلاميّة- من كان يصدّق أنّ شعبًا كهذا يستطيع أن يقف ويصمد وينتصر وينجح ويجبر الشرق والغرب على التراجع! من كان ليصدّق ذلك؟ ولكن هذا ما حصل وهو درس وعبرة. أحد الدروس التي يقدّمها يوم التاسع والعشرين لكم ولنا ولكلّ الشعب الإيراني، هو أن تعلموا جيّدًا أنّه لا يوجد أيّ حدث كبير ولا مانع كبير ولا قدرة كبرى ولا أيّ أمر يمكنه أن يقف في وجه الإرادة الصلبة الراسخة لأيّ شعب. يطول الكلام حول أبعاد التاسع والعشرين من بهمن، ومناقب أهل آذربيجان وأهل تبريز. بعدها، وحتى اليوم، كان لدى أهل آذربيجان ذلك النفس وتلك الروح والإحساس بالتكليف وتحمّل المسؤوليّة والالتزام والدافع القوي، ولقد تألّق التبريزيّون في الأحداث المتعدّدة؛ يجب أن تُحفظ هذه الدروس وتبقى دومًا في البال والخاطر.
لنكن متيقّظين!
ما ذكرناه حتى الآن، أوّلًا- معرفة خصائصنا وخصالنا الذاتيّة؛ ثانيًا- التضامن والتواصل والارتباط بين مختلف مناطق وأجزاء البلاد؛ وهذا الأمر هو ما يريد أن يضع الأعداء إصبعهم عليه، يريدون لأبناء القوميّات الإيرانيّة المتعدّدة، والذين طالما كانوا إخوة متّحدين معًا في وجه الحوادث، يريدون لهم أن يقفوا بعضهم في وجه بعض. فليعلم كلّ أبناء الشعب الإيراني، لدينا أتراك وآذريين وعرب وفرس وبلوش وأكراد وتركمان؛ قوميّات متعدّدة تنتشر في أنحاء إيران؛ لهؤلاء جميعًا هناك ميزة تسود بينهم حاليًّا وهي حاكميّة إيران الإسلاميّة، حيث إنّهم جميعًا يتظلّلون اليوم تحت راية الإسلام والمفاخر الإسلاميّة ويجمعهم اسم إيران الجميل؛ هناك جهود تُبذل اليوم لتفرّقهم عن بعض، فليعلم الجميع، ولنكن جميعنا واعين متيقّظين، هناك من يجلس اليوم، ويخطّط للفتنة ولجعل القوميّات الإيرانيّة تتصارع فيما بينها؛ فلا يغيب عن بالنا أبدًا رسالة التاسع والعشرين من بهمن؛ رسالة الاتّحاد والتضامن والمواساة والانسجام؛ هذه هي المسألة الثانية. والمسألة الثالثة هي معجزة الإرادة الشعبيّة الوطنيّة.
22 بهمن؛ تألّقٌ مستمرّ
ولأعود الآن إلى قضيّة الثاني والعشرين من بهمن، وقضيّة الثورة والتي هي قضيّة أمسنا ويومنا وغدنا، وقضيّتنا دائمًا وأبدًا.
إنّ الاحتفال بالثاني والعشرين من بهمن يتألّق في كلّ عام أكثر من العام الذي سبقه. ولقد دلّ على نفسه بنفسه. يقدّم البعض تحليلات متعدّدة؛ وهي تصوّرات يتمّ رسمها في الفراغ حين يجلسون ويفكّرون وحدهم ومع أنفسهم! لكن النصّ الذي يكتبه الشعب في الواقع، هو كلام آخر مختلف تمامًا.
المتخصّصون الذين يراقبون بدقّة، حركة التظاهرات في الشوارع والساحات، وبعضهم يحدّدون أعداد الجماهير من خلال المناظير وآلات التصوير، قدّموا لنا تقارير متعدّدة، بأنّه في العام الماضي كانت مشاركة الجماهير في الاحتفالات وتظاهرات ذكرى الانتصار أكثر بكثير من العام الذي سبقه؛ وهذه السنة قدّم هؤلاء أنفسهم -الذين يجرون الإحصاءات والحسابات بدقّة وعن كثب- تقاريرهم بأنّ في هذه السنة كانت المشاركة أكثف والحشود أكبر من السنة الماضية أيضًا. قد يخطر في بال البعض أنّ عبارة "كلّ عام أفضل من الذي قبله"، التي تتكرّر كلّ عام على الأفواه: ما هي سوى لقلقة لسان؛ كلا! إنّه الواقع. حسن؛ على ماذا يدلّنا هذا الواقع؟ إنّ رأيي -أنا العبد الحقير- أنّ احتفال ذكرى انتصار الثورة هو ظاهرة لا نظير لها تمامًا كالثورة نفسها! ماذا يعني هذا الأمر؟ كما أنّ ثورتنا –باعتراف الأعداء أيضًا- لا نظير لها على مدى التاريخ، ومن جوانب متعدّدة، فكذلك الاحتفال بالذكرى السنويّة للانتصار، لا مثيل له في أيّ مكان في العالم أيضًا. عادةً، وكما كنّا نشاهد في التلفاز ويصلنا عبر وسائل الإعلام، فإنّ ذكرى انتصار الثورات في مختلف البلدان، بعد مرور سنتين أو ثلاثة أو أربع سنوات تُقام بشكلٍ رسمي وجاف. تختلف المسألة بشكلٍ كامل عندنا؛ يحتفل الشعب بالذكرى؛ وليس فقط في طهران بل في كلّ مراكز المحافظات؛ وليس فقط في مراكز المحافظات بل في كلّ مدن البلاد؛ وليس فقط في السنة الأولى أو الثانية أو الخامسة أو العاشرة، بل في السنة الخامسة والثلاثين! أليست هذه ظاهرة عجيبة ومدهشة؟! لقد مضى 35 عامًا على انتصار الثورة؛ الذين وُلدوا في عام انتصار الثورة، صاروا اليوم رجالًا ونساءً بعمر ال35 سنة- وقد عبروا مرحلة الشباب تقريبًا- وفي الوقت نفسه، يحتفل الجميع في الذكرى السنويّة لانتصار الثورة بكلّ هذا الدافع والإحساس بالاستقامة والوفاء لأهداف الثورة، ويتكرّر الاحتفال، بكلّ هذه القوّة والهيبة والعنفوان؛ أليس هذا أمرًا عجيبًا؟ دعوا وسائل إعلام العدو تقول ما تشاء وتفعل ما تشاء [من تجاهل وتشويه] ولكنّ مراكز الفكر والأبحاث عندهم، تدرك جيّدًا ماذا يحصل هنا. أولئك الذين يجتمعون ويبحثون ويطالعون، يدركون ويفهمون أنّه لا يمكن مواجهة هذا الشعب وهذه الثورة وهذا الدافع والإيمان.
الرسالة واضحة: استقامةٌ ووحدة
ما هي الشعارات التي يطلقها الناس في هذه التظاهرات؟ إنّها شعارات الصمود والثبات على الخطّ المستقيم وصراط الثورة المستقيم – تكرّر هذا المشهد في كلّ المناطق - في جميع أنحاء البلاد. شعارات الصمود؛ أي إنّ الناس يُظهرون من خلال تظاهرات الثاني والعشرين من بهمن، تجلّي هذه الحقيقة: إنّ الله تعالى قد أنجز وعده، حيث قال: "إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم"؛ إنّ الله يثبّت أقدامكم ويقوّي خطواتكم ويصونكم من التراجع. هذا وعد إلهي؛ ولقد تحقّق هذا الوعد الإلهي بالنسبة إلى الشعب الإيراني؛ حيث إنّكم نصرتم دين الله، فثبّت الله أقدامكم. إنّ احتفال هذه السنة بالذكرى الخامسة والثلاثين لهو علامة على تثبيت الأقدام. حسنٌ، ما هي رسالة هذا الاحتفال؟ انظروا إلى شعارات الناس، ينبغي أخذ الرسالة من شعارات الجماهير. وما أراه -أنا العبد لله- حين أنظر إلى هذه التظاهرات، أنَها قد وجّهت رسالتين: الأولى هي رسالة الاستقامة، والثانية هي رسالة الوحدة. ماذا تعني الاستقامة؟ الاستقامة هي ثبات الشعب الإيراني وتمسّكه بأهداف الثورة.
أهداف الثورة: إيجابيّة وسلبيّة
نحن لدينا أهداف إيجابيّة، وكذلك لدينا أهداف سلبيّة؛ أهدافنا الإيجابيّة هي عبارة عن حركتنا نحو العدالة الاجتماعيّة، نحو الحضور الشعبي في مختلف قضايا البلاد. نحن نسعى للإسلام؛ حيث نعتبر أنّ سعادة البلد تكمن في العمل بالتعاليم الإسلاميّة. نحن نسعى للاقتصاد المستقلّ، والثقافة غير التابعة للأجانب، نسعى نحو ثقافتنا الإسلاميّة والإيرانيّة الأصيلة، نسعى للتألّق العلمي لبلدنا؛ نريد لبلدنا أن يكون رائدًا متقدّمًا في مجال العلم والاقتصاد والثقافة والاجتماع والأخلاق والمعنويّات؛ هذه هي رسائل ثورتنا الإيجابيّة. كذلك فإنّ لثورتنا رسائل سلبيّة أيضًا؛ رسالة ثورتنا السلبيّة هي هذه: نحن لا نستسلم ولا نخضع للهيمنة ولا للتسلّط، لا نستسلم لنظام التسلّط.
أمريكا الهيمنة والإرهاب والعنف: لن نخضع!
إنّ نظام التسلّط عبارة عن عدّة قوى تمتلك قدرات ماديّة وأسلحة ومال وما شابه ذلك، وهي تريد أن تحكم العالم كلّه؛ مظهر نظام التسلّط في العالم اليوم هو أمريكا. لقد أعلن الشعب الإيراني في الثورة، وكذلك في الأحداث التي تَلَتها وفي الحرب المفروضة، وها هو يعلن في الثاني والعشرين من بهمَن من هذه السنة أيضًا: لن نخضع لهيمنة وابتزاز أمريكا. فلا يسعَينَّ أحد لتجميل صورة أمريكا وتزيين وجهها، ولا لإزالة مظاهر القبح والإرهاب والعنف عن وجه أمريكا في أذهان الرأي العام لشعبنا. ولا يسعَينَّ هؤلاء ليقدّموا أمريكا كدولة ودودة محبّة للبشر؛ فحتّى لو حاولوا وسعوا لهذا فإنّ كلّ جهودهم ستذهب سدًى. على مدى التاريخ وعلى الأقلّ في السبعين أو الثمانين سنة الماضية- وبالطبع فإنّ ما قبلها يوجد كلام كثير حول تاريخ أمريكا ولا أريد التعرّض له الآن- أنظروا في كلّ أنحاء العالم، لتشاهدوا ماذا فعلت أمريكا؟ كم من الحروب أشعلتها أمريكا وكم من الأبرياء والعُزَّل قُتلوا ظلمًا بيد أمريكا في أيّام الحرب والسلام؟ كم من المستبدّين الديكتاتوريّين دعمتهم أمريكا في الشرق والغرب - كان الشاه محمّد رضا بهلوي أحدهم وغيره العشرات من أمثاله في البلدان الآسيويّة والإفريقيّة وفي بلدان أمريكا اللاتينيّة من العسكريّين والمدنيّين- من الذين ظلموا شعوبهم وأراقوا دماءها ونهبوا ثرواتها وأذاقوا الناس ألوان العذاب. كلّهم تنعّموا برعاية أمريكا التي دعمت أيضًا الإرهاب الدولي والإرهاب الرسمي أيضًا؛ هذا النظام الصهيوني المجرم والغاصب لفلسطين، لا تزال أمريكا تدعمه وترعاه منذ عشرات السنين؛ هؤلاء الصهاينة الذين يقتلون الناس ويدمّرون البيوت، يظلمون ويعتقلون الشباب والنساء والرجال والأطفال؛ هاجموا بيروت واحتلّوها، وقاموا بالمجازر والإبادة في صبرا وشاتيلا وغيرها الكثير الكثير؛ كلّ هذا بدعمٍ أمريكي. كلّ هذا مدوَّن في السجلّ الأسود لأمريكا. احتلال العراق وقتل عشرات الآلاف من الناس- ليس لدينا إحصاءات دقيقة؛ يُقال أنّ هناك حوالى مليون عراقي قُتلوا خلال سنوات الاحتلال بشكلٍ مباشر أو غير مباشر؛ ولن أؤكّد هذا العدد الآن ولكن على الأقلّ هناك عشرات الآلاف، ولو كان قتيلًا واحدًا لكان أمرًا عظيمًا- أبادوا الناس في العراق وكذلك في أفغانستان بشكلٍ آخر، سلّطوا منظّمات القتل والاغتيالات على أرواح الناس- وقد ذكرتُ اسم إحدى هذه الشركات في كلامٍ سابق: وهي شركة بلاك ووتر الأمريكيّة المعروفة والمتخصّصة في القتل والاغتيال- أنشأوا هذه الجماعات المتطرّفة التكفيريّة المجرمة، وأطلقوها على أعدائهم وها هي الآن ترتدّ عليهم.
أمريكا هي هكذا دولة؛ الكلام ليس عن الشعب والناس في أمريكا، فهم مثل باقي النّاس؛ الكلام عن النظام الأمريكي، وعن الحكومة الأمريكيّة. كيف يمكن تغيير نظرة الشعب الإيراني لهذا الوجه عبر التجميل والتزيين؟
نحن الشعب الإيراني كم عانينا من أمريكا؟ منذ انقلاب الثامن والعشرين من مرداد، ومن ثمّ حوالى الثلاثين سنة من سلطة الشاه محمد رضا الظالمة - منذ 28 مرداد 1332 هـ.ش. وحتى سنة 1357 هـ.ش- وكذلك بعد انتصار الثورة. وبشكلٍ متكرّر ومستمرّ: مارست كلّ أنواع الضغط والأذى والمكر والخبث ضدّ الشعب الإيراني. يرى الناس الآن العقوبات والحظر الحالي؛ والحال أنّ الأمريكيّين قد بدأوا الحظر منذ أوّل الثورة. ومنذ البداية كانت أمريكا تدعم وتساند كلّ من يريد أن يحارب الثورة؛ سواء كان يساريًّا أو يمينيًّا، عسكريًّا أو مدنيًّا، لا فرق لديهم أبدًا؛ كلّ من لديه عداء لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة- بشكل قوميّات أو مجموعات وأشخاص- لقد قدّموا الدعم لكلّ هؤلاء ما استطاعوا سبيلًا؛ وما شاهده الناس بأعينهم مؤخّرًا تمثَّل في فتنة العام 1388 هـ. ش. [2009م]. لقد وقف رئيس الجمهوريّة الأمريكي بكلّ وقاحة وأعلن عن دعمه لأصحاب الفتنة؛ والآن لا زالوا يدعمونهم أيضًا.
هذا مجرّد لائحة عن الأعمال الشرّيرة لحكومة هؤلاء. وحاليًّا فإنّ الكثير من النوايا المشؤومة التي كانوا يخفونها وراء الكواليس، ها هي تنكشف بشكلٍ تدريجي. لقد أعلنتُ في بداية السنة وفي اليوم الأوّل من 1392 هـ.ش في مشهد قرب مرقد ثامن الحجج [الإمام الرضا عليه السلام] وقلتُ: لا مانع عندي؛ بعض المسؤولين والسياسيّين- من الحكومة السابقة وثمّ من الحكومة الحاليّة- يرون أنّه من خلال المفاوضات مع الأمريكيّين يمكن حلّ قضيّة الملف النووي؛ قلتُ لهم حسنٌ، أنتم مصرّون على هذا، اذهبوا وفاوضوا الأمريكيّين حول هذا الموضوع؛ ولكنّي قلتُ في خطاب ذلك اليوم نفسه: إنّني لستُ متفائلًا؛ لا أخالف ولكنّي لستُ متفائلًا. لاحظوا التصريحات الأمريكيّة السخيفة والمتكرّرة؛ سيناتور أميركي مفتَضَح يتلقّى الأموال من الصهاينة؛ كي يوجّه الشتائم إلى الشعب الإيراني في مجلس الشيوخ الأمريكي، حتى إنّها ليست إهانات، بل شتائم! وكذلك رؤساؤهم في المستويات المختلفة [يوجّهون الإهانات إلى الشعب الإيراني].
رسالة جماهير الساحات: أيّها العدوّ، نحن هنا!
وبالطبع، قد تلقّى هؤلاء صفعة محكَمة من شعبنا في يوم الثاني والعشرين من بهمَن. إنّ أحد أسباب كثافة المشاركة الجماهيريّة هذا العام هو أنّ النّاس قد شاهدوا كيف أنّ المسؤولين الأمريكيّين يزدادون وقاحةً وتطلّبًا وقلّة أدب وسوء كلام، شيئًا فشيئًا؛ لقد قادت الغيرة الدينيّة الناس إلى الساحات والميادين ليقولوا للعدوّ: لا تخطئ، نحن هنا. لقد أرادت جماهير الشعب الإيراني، من خلال هذه التظاهرات، أن تقول لنا جميعًا- لي أنا العبد الحقير ولسائر المسؤولين الذين يبذلون جهودًا كبيرة في الحقيقة لإدارة البلاد؛ سواء الذين يعملون في مجال السياسة الخارجيّة أو السياسة الداخليّة- وتطمئننا: ليكن بالكم مرتاحًا، لا تقلقوا، الشعب الإيراني صامد، حاضر في الميدان، فلا يتسرّب إليكم الشعور بالضعف في مواجهة العدوّ؛ كانت هذه إحدى الرسائل الهامّة للشعب الإيراني. وهو الكلام نفسه الذي قلتُه في بداية العام، وبعدها كرّرناه مرارًا: إنّ القضيّة النوويّة ليست سوى ذريعة للعدوّ؛ فإنّها لو تمّ حلّها يومًا-على فرض المُحال- كما تشاء أمريكا، فستبدأ فورًا التذرّع بمسألةٍ أخرى بعدها؛ لاحظوا كيف أنّ الناطقين الرسميّين بلسان الحكومة الأمريكيّة قد طرحوا حاليًّا مسألة حقوق الإنسان ومسألة الصواريخ والأسلحة وما شابه.
هذا الكمّ من الوقاحة؛ أمرٌ عجيب!
إنّني أتعجّب كيف أنّ الأمريكيّين لا يخجلون من ذكر كلمة حقوق الإنسان! قد يحقّ لكلّ الآخرين في العالم أن يدّعوا الدفاع عن حقوق الإنسان، إلّا أمريكا! فإنّ مسؤوليها لا ينبغي أن يتفوّهوا بهكذا ادّعاء، وسط هذا الكمّ الهائل من الفضائح في سجلّهم حول حقوق الإنسان. ولعلّه إن كان رقم انتهاكاتهم لحقوق الإنسان مئة على سبيل المثال، فإنّ شعوب الدنيا لا تعرف ثمانين أو تسعين من هذه الانتهاكات، والعشرة أو العشرين التي يعرفها الناس تمثّل كتابًا أسودًا ضخمًا! يعرف الجميع أمر سجن غوانتانامو وكذلك سجن أبو غريب في العراق. ولقد رأى الجميع شركة "بلاك ووتر" والهجوم على مواكب الأعراس في أفغانستان. وكذلك رأوا مساعدتهم للإرهابيّين المعروفين الذين يفتخرون بكونهم إرهابيّين. لقد شاهد العالم كلّه نقض العهود والأكاذيب، وبعد هذا كلّه يتشدّقون بحقوق الإنسان دون خجل ولا حياء! إنّ هذا الكمّ الهائل من الوقاحة في سلوكهم لهو أمرٌ عجيب في الواقع!
الاقتصاد المقاوم؛ سبيل العلاج
إنّني أقول لكم إنّ العمل الذي بدأتْه وزارة خارجيّتنا ومسؤولونا الرسميّون، سوف يستمرّ ويُتابع؛ لن تنقض إيران أيًّا من عهودها ووعودها. وبالطبع، إنّ المسؤولين يبذلون جهودهم ويقومون بعملهم، لكنّ الأمريكيّين هم أعداء للثورة الإسلاميّة؛ إنّهم أعداء للجمهوريّة الإسلاميّة، وأعداء لهذه الراية التي رفعتموها أنتم -أيّها الشعب الإيراني- وهذا العداء لن تخفّ وتيرته بهذه الأشياء [المفاوضات]؛ إنّ سبيل علاج هذا العداء يكمن في أمرٍ واحد فقط، وهو الاعتماد على الاقتدار الوطني والقوّة الداخليّة الوطنيّة وتمتين البنى الذاتيّة الداخليّة للبلاد أكثر فأكثر. مهما فعلنا وعملنا في هذا المجال فإنّه يبقى قليلًا وليس كافيًا.
لقد قلتُ في ذلك اليوم5: إنّ سياسات الاقتصاد المقاوم سيتمّ إبلاغها قريبًا إن شاء الله. إنّ علاج مشكلات البلد هو السير في طريق الاقتصاد المقاوم؛ أي الاعتماد على الداخل؛ فلا نعلّق آمالنا وننظر إلى أيادي الآخرين.
نحن أقوياء، والعالم هو من يحتاج إلينا
إنّنا قادرون، نحن أثرياء، نملك ثروة إنسانيّة- مواردنا البشريّة قلّ نظيرها في العالم، إن لم نقل لا نظير لها- وكذلك ثرواتنا الجوفيّة؛ ذخائرنا ومواردنا استثنائيّة.
العالم بحاجة إلينا؛ يحتاج العالم إلينا أكثر بكثير ممّا نحتاج نحن للعالم. تسير دورة العالم في هذا العصر على عجلة النفط والغاز؛ نحن البلد الأوّل في العالم في جميع اللوائح الطويلة لبلدان العالم. لقد قلتُ هذا الأمر في مدينة مشهد هذا العام، نحن الأوائل في العالم من حيث ذخائر النفط والغاز. لقد قدّم المسؤولون الحكوميّون المحترَمون لي مؤخّرًا تقريرًا حول هذه المسألة. لقد كنّا سابقًا في المرتبة الثانية في ذخائر الغاز وصرنا الآن في المرتبة الأولى. إلى ما قبل سنة أو سنتين كنّا في المرتبة الثانية من حيث احتياطيّ الغاز وصرنا الأوائل؛ هذه ذخائرنا؛ والعالم يحتاج إليها. لقد رأيتم كيف أنّ الشركات الأوروبيّة أسرعت نحونا بمجرّد مشاهدتهم لابتسامة صغيرة؛ إنّهم يريدون المجيء إلى إيران، إلى متى يستطيع الأمريكيّون أن يستمرّوا في عنادهم ولجاجتهم؟ إذا استمرّينا في الاعتماد على قدراتنا الذاتيّة، فإنّ مواقفهم وقرارتهم سوف تنكسر وتتحطّم؛ فليعرفوا هذا الأمر. إذا كانت عيوننا شاخصة تنظر إلى أيادي الآخرين، وكلّ جهدنا في رفع الحظر الفلاني وتخفيف العقوبات الفلانيّة وماذا صرّح المسؤول الأميركي الفلاني وماذا لم يصرّح- إذا كنّا نسعى وراء هذه الأمور- فإنّنا لن نصل إلى أيّ نتيجة مطلوبة.
ثقوا بالقدرات والطاقات الداخليّة
نحن بلدٌ كبير، إنّنا شعبٌ قويّ، شعبٌ ذو ثقافة عريقة، شعبٌ مفعمٌ بالطاقات والقابليّات ونملك من الثروات والمواهب الإلهيّة ما شاء الله؛ ولحسن الحظّ فإنّ مسؤولينا هم أشخاص حريصون، مندفعون للعمل ونحن أيضًا نساعدهم وكذلك ندعو الله لهم؛ وبالطبع، فنحن مصرّون على أن يعتمد المسؤولون على الطاقات الذاتيّة الداخليّة؛ نريد من المسؤولين أن يثقوا بالنّاس وأن يثقوا بالقدرات الداخليّة. وليسعوا إلى استنهاض ومضاعفة تدفّق هذا الينبوع الفيّاض الذي لا نهاية له في الداخل؛ فإن حصل هذا، فكلّ الأبواب الموصَدة سوف تُفتَح. يجب عليهم أن يتحرّكوا بهذا الشكل وأن يعملوا بهذا الأسلوب. إنّ نيّتنا هي نيّة إلهيّة؛ نشكر الله أنّ هدفنا هو الرضا الإلهي ونعرف أنّ رضا الله يكمن في تقدّم هذا البلد وفي عزّة هذا الشعب ونحن نسعى ونتحرّك في هذا السبيل. والله سيعين ويوفّق، كما ذكرت الآية القرآنيّة الشريفة التي تقول (إن تنصروا الله ينصركم) يعني أنكم إذا نصرتم الله وإذا نصرتم دين الله سيترتب على ذلك نتيجتان؛ الأولى أنه(ينصركم) والثانية (يثبّت أقدامكم) فلا يدعكم تتراجعوا. واعلموا أنّه، بتوفيق الله، سوف تفشل أهداف أمريكا والاستكبار العالميّ ضدّ إيران والجمهوريّة الإسلاميّة، وستنهزم عاجلًا أم آجلًا. واعلموا أنّ الشعب الإيراني سيحتفل بانتصاره في جميع المجالات والساحات، وأمام أعين أهل السوء والحاسدين.
وأرجو الله تعالى أن يشملكم جميعًا أيّها الأهل الأعزّاء- أهل تبريز ومدن آذربيجان الأخرى- وكلّ الشعب الإيراني العزيز بعنايته وهدايته وعونه.
1- ذكرى انتصار الثورة.
2- 18-2-1978م.
3- انتفاضة أهالي قم في التاسع عشر من شهر دي 1365ه.ش [1978م]
4- المجزرة التي قام بها الشاه في قم.
5- لقاء قادة وأفراد القوّة الجويّة في جيش الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران في 19-11-1392 ه.ش [شباط 2014م]