كلمة الإمام الخامنئيّ في لقاء قادة وأفراد القوّة الجويّة
2014
نرحّب بكم أيّها الأخوة الأعزّاء قادة وأفراد القوّة الجويّة في جيش الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران؛ نبارك لكم هذا اليوم الشريف وهذه الذكرى العظيمة، ونحيّي أولئك الذين صنعوا حدث التاسع عشر من بهمَن [8 شباط 1979]، في تلك الأوضاع الحسّاسة والهامّة جدًّا.
عدد الزوار: 82كلمة الإمام الخامنئيّ في لقاء قادة وأفراد القوّة الجويّة في الجيش في الذكرى السنويّة لمبايعة ضبّاط القوّة الجوّية التاريخيّة للإمام الخمينيّ (قدس سره)_8-2-2014
بسم الله الرحمن الرحيم
نرحّب بكم أيّها الأخوة الأعزّاء
قادة وأفراد القوّة الجويّة في جيش الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران؛ نبارك لكم هذا
اليوم الشريف وهذه الذكرى العظيمة، ونحيّي أولئك الذين صنعوا حدث التاسع عشر من
بهمَن [8 شباط 1979]، في تلك الأوضاع الحسّاسة والهامّة جدًّا.
نشكر القائد المحترم على تقريره1؛ كما نشكر من صميم القلب الذين قدّموا النشيد
المعبِّر والعميق بمعانيه، على عملهم. إنّ بعض الأحداث هي أكبر ممّا يُلاحَظ ويُرى
منها في بداية الأمر. أحيانًا يتّخذ حدث ما أبعادًا وجوانب متعدّدة، قد لا يتوقّعها
حتى الذين قاموا بذلك الحدث أنفسهم. ورد في القرآن الكريم
﴿يُعجب الزُرَّاع﴾2
حيث تذكر الآية صفاتٍ في تصوير أنصار النبيّ الأكرم، ومؤمني صدر الإسلام والمجاهدين
العظام؛ وتشبّههم بالنبتة التي شقَّت التراب، ونمَت بشكلٍ تدريجيّ، ووصلت إلى حالةٍ
جعلت الزُرَّاع أنفسهم- الذين بذروا هذه النبتة وزرعوها- يتعجَّبون من رشدها
ونموّها.
19 بهمن؛ أيقظ الشعور بالاستقلال
حدث التاسع عشر من بهمَن كان من هذا القبيل. في ذلك اليوم، لم تكونوا تدركون
أبعاده التي اتّسعت وظهرت بشكلٍ تدريجيّ. وإذا نظرنا من زاويةٍ أوسع، فإنّ أصل
الثورة كان كذلك في ذلك اليوم. حين بدأ الإمام العظيم قيامه ونهضته في العام 1341
هـ.ش. [1962م]؛ لم يكن ليخطر على بال أحد حينها كلّ هذا الانتشار العظيم وهذا
النتاج المدهِش، ولكن هذا ما حصل؛ وبالتأكيد، هناك أسباب تفسّر البركات الوفيرة
لحدث ما –وهي ليست محلًّا للبحث الآن- وعلى كلّ حال فإنّ حدث التاسع عشر من بهمن
كان حدثاً عظيمَ البركة. من
الأمور التي أُغفلت في تحليل هذا الحدث وآثاره، كان تأثير هذا الحدث في نيل
الاستقلال؛ أين؟ في الجيش؛ أي، ذلك القسم من النظام الاجتماعيّ في زمن الطاغوت الذي
تعرَّض لأشدّ الصعوبات والمشقّات جرّاء تسلّط الأجانب وتدخّلهم. أيقظَ حدثُ التاسع
عشر من بَهمَن، في هكذا جهاز وفي هكذا مؤسسة، الشعورَ بالاستقلال، وأحيا هذا
الإحساسَ، في القوّة الجويّة أوّلًا، ومن ثمّ في باقي وحدات الجيش، بأنّ بإمكاننا
أن نُخرِج أنفسنا من تحت مظلّة نفوذ الأجانب المتسلّطين. لذلك كنت أقول للأصدقاء
قبل قليل3: إنّ القوّة الجويّة هي أوّل مكان وُجد فيه "جهاد الاكتفاء الذاتيّ"، ثمّ
انتشر لاحقًا في صفوف الجيش كلّه. روح الاستقلال والإيمان هذه نفسها كانت مهمّة
للجيش وكذلك لجميع القوّات المسلَّحة، وكذلك هي مهمّة اليوم وفي المستقبل أيضًا-
أقول هذا كجملةٍ اعتراضية- إلّا أنّ بحثي هو في أمرٍ آخر: إنّكم ولكَي تستطيعوا
إثبات فعاليّتكم في مواجهة التهديدات وحفظ مقامكم وهو المحافظة على الأمن الجويّ
للبلاد، يجب أن تمتلكوا شعور الاستغناء عن الآخرين وشعور الاستقلال والاعتماد على
النفس وعلى الطاقات الذاتيّة؛ حينها ستتفجَّر القابليّات والمواهب؛ وهذا ما حصل
حتّى الآن وهو ما سيحصل لاحقًا أيضًا- قضيّة الاستقلال هي قضيّة مهمّة لكلّ البلاد
ولكلّ الثورة. لقد كان الاستقلال أحد أركان الثورة الإسلاميّة ونظام الجمهوريّة
الإسلاميّة. شعار "الاستقلال" إلى جانب شعار "الحريّة" كانا أهمّ شعارات الثورة،
وكذلك هما الآن، وفي المستقبل أيضًا.
أسلوبٌ جديد في الاستعمار!
انظروا كيف أنّه بعد سقوط أسلوب الاستعمار المباشَر- الذي كان رائجًا في
السابق، حيث كانوا يستعمرون البلدان باحتلالها وإدارتها بأنفسهم- قد نُسِخ هذا
الأسلوب وحلّ مكانه الاستعمار الجديد؛ وهو بهذا الشكل: لا تتدخّل القوى الأجنبيّة
مباشرةً في إدارة البلدان المستعمرة؛ وإنّما تضع على رأس السلطة، عملاء لها
وأشخاصًا يتلقَّون أوامرها بالسمع والطاعة ويعتمدون عليها، ولأنّ الدولة المستندة
على الخارج لا يمكن لها أن تستمرّ دون استبداد وقمع داخليّ؛ فإنّ هؤلاء الحُكّام
الجُدد كانوا يمارسون الاستبداد في الداخل، ويؤمّنون المصالح الأجنبيّة للقوى
الخارجيّة؛ كان هذا هو الاستعمار الجديد. إنّ مكافحة الاستبداد، دون مكافحة القوى
الخارجيّة التي تقف خلف الديكتاتور والمستبدّ لم تصل ولن تصل إلى أيّ نتيجة. واليوم
فإنّ الوضع كذلك أيضًا؛ إذا افترضنا أنّ شعبًا ما قد ضاق ذرعًا باستبداد حُكَّامه،
فانتفض وثار وواجه ذلك المستبدّ ولكنّه صالح وتملّق لذلك المتسلّط الأجنبيّ الذي
يدعم هذا المستبدّ، فإنّ مصير هذه الثورة ومسؤوليها وقادتها هو السقوط أو الخيانة،
ولا خيار ثالث غير هاتين الحالتَين؛ إمّا أن يُبتلوا بالخيانة، خيانة ثورتهم وبلدهم؛
وإمّا سينهزمون ويسقطون إن رفضوا الخيانة، وسيزولون من المشهد السياسيّ. وهكذا، كما
لاحظتم في السنوات الأخيرة، حيث قاومت بعض الثورات المستبدّ، ولكنّها أغفلت تلك
القدرة التي تقف خلفه، أو أنّها أحيانًا، فكّرت بمصالحة ومداراة راعيه الأجنبيّ؛
وكانت هذه النتيجة التي وصلت إليها اليوم. مكافحة المستبدّ مع مصالحة المستكبر لا
تؤدّي إلى أيّ نتيجة منشودة. تنتصر الثورة فقط عندما تنتبه إلى تلك القوّة الداعمة
للديكتاتور وتقاومها؛ ولهذا فإنّه عندما سيطر شبابنا على وكر التجسّس الأميركي [السفارة
الأميركية في طهران]، ووجَّهوا لأمريكا ضربة وإهانة كبرى، قال الإمام: "إنّ هذا
العمل هو ثورة أكبر من الثورة الأولى". كانت الثورة الأولى ثورة عظيمة ولا نظير لها،
ولكن في تلك الحركة الثانية، أثبت الشعب الإيرانيّ بأنّه يدرك جيّدًا المصدر
الأساسيّ للهيمنة والمصائب والويلات وبأنّه يواجه ويكافح هذا المصدر.
الاستقلال: مواجهة الهيمنة والتسلّط
هنا يمكن فهم قضيّة الاستقلال؛ الاستقلال هو معرفة البلد الذي يتدخّل في
شؤون بلدٍ وشعبٍ ما، ومواجهته والوقوف مقابله؛ الاستقلال يعني مواجهة القوّة التي
تريد التدخّل والتسلّط وإصدار الأوامر، تريد أن تهدر ماء وجه الشعب وكرامته كرمى
لمصالحها الخاصّة؛ هذا هو معنى الاستقلال.
مَن هو عدوّ استقلال شعبٍ ما؟ إنّها القوى الأجنبيّة، القوى المهيمنة؛ تلك القوى
التي تخاف من شعور بلدٍ ما بالاستقلال؛ ترتعب وتجهد لإضعاف هذا الشعور عند الشعب
وبين قادته وجماهيره؛ لذلك، فإنّها توجّه كلّ أجهزتها الإعلاميّة، كي تتراجع الشعوب
عن طلب الاستقلال. يصوّرون المسألة هكذا: وكأنّه يوجد تعارض ومنافاة بين الاستقلال
السياسيّ أو الثقافيّ للبلدان وبين تطوّر هذه البلدان وتقدّمها! أنتم تسمعون هذا
الكلام، كلّ من لديه اطّلاع على الإعلام العالميّ يسمع هذا؛ ويصدر هذا الكلام من
مراكز تُسمّى منتديات الفكر وهم ينشرون هذه الأفكار ككلام فلسفيّ، ويردّده أيضًا
أشخاص في البلدان المستهدَفَة أيضًا- ومنها بلدنا-: إنّ أيّ بلد يريد أن ينضمّ إلى
جمع [نادي] البلدان المتقدّمة، فلا مناص له إلّا التخفيف من رغبته بالاستقلال، عليه
أوّلًا أن يُضعف ميوله الاستقلاليّة؛ وإلّا فإنّه لا يمكن الجمع بين إرادته
للاستقلال والاعتماد على مصالحه الوطنيّة وبين أن يكون جزءًا من منظومة التقدّم
العالميّ! حسن، هذا الكلام خطأ وهذه الفكرة غير صحيحة؛ وهي من تركيب وتأليف أولئك
المعادِين لاستقلال الشعوب والبلدان.
أمَل هؤلاء المتسلّطين المهيمنين وهدفهم هو التدخّل في شؤون البلدان الداخليّة
ليتمكّنوا من تأمين مصالحهم الخاصّة؛ لا همّ عندهم إذا سُحِقَت المصالح الوطنيّة
وزالت تمامًا؛ كلّ إصرارهم وسعيهم للتدخّل؛ كما كان الوضع أيّام نظام الطاغوت [الشاه]؛
كانوا يتدخّلون بشكلٍ صريح ووقح: مع من يكون لكم علاقات، مع من تقطعون علاقاتكم،
لمن تبيعون النفط، وبكم تبيعونه، كيف تنفقون أرباحه، من يتولّى تلك المسؤوليّة
الحسّاسة، من يديرها ومن يُمنَع من المشاركة؛ كلّ هذا بأيديهم؛ يصبح هذا البلد
جهازًا لتأمين مصالحهم الخاصّة ويتمّ إغفال ونسيان المصالح الوطنيّة؛ يُصبح هدف
مدراء ومسؤولي البلد هو تأمين المصالح الأجنبيّة وليس الوطنيّة. يقطع الاستقلال هذا
المسار الخاطئ الخائن؛ يقف في مواجهته ويمنعه. هذا هو معنى استقلال البلد.
فالاستقلال لا يعني خصومة البلدان الأخرى ومعاداتها؛ بل يعني إيجاد سدّ في مواجهة
نفوذ من يريد الهيمنة والتسلّط وضرب المصالح الوطنيّة. هذا هو معنى الاستقلال وهو
الهدف الأهمّ لأيّ بلدٍ.
ضمان الاستقلال؛ الحفاظ على أصول الثورة
الأمر الذي يمكنه ضمان الاستقلال لثورتنا الإسلاميّة، هو الاعتماد
الصريح والشفّاف على أُسس الثورة؛ على أصول الثورة ومبانيها وقيَمها، يجب الاعتماد
عليها بكلّ وضوح وشفافية. كما كان الإمام العظيم؛ لقد أطلق الإمام منذ بداية النهضة
كلامه وأفكاره بشكلٍ صريح ودون أيّ إبهام. لقد رفض الإمام منذ البداية النظام
الطاغوتيّ الاستبداديّ المتوارَث، لم يجامل ولم يساير؛ كان واضحًا ومعلومًا منذ
البداية أنّ الإمام يهدف إلى إقامة نظام ومؤسّسات شعبيّة.
الإمام كشف رأس نظام الهيمنة؛ أمريكا
فالملكيّة المتوارثة مرفوضة وكذلك النظام الاستبداديّ والنظام الفرديّ
التابع لإرادة فردٍ واحد؛ لقد قالها الإمام بصراحة وبيانٍ واضح؛ لم يوارِب ولم
يتستَّر بعناوين أخرى. لقد بيَّن الإمام بصراحة أنّه يجب أن يُشكّل نظام إسلاميّ:
نظام قائم على أفكار الإسلام والقِيَم الإسلاميّة؛ وكذلك فعل الإمام في مواجهة
الشبكة الصهيونيّة الخطيرة التي تريد السيطرة على العالم. لم يجامل ولم يساير أحداً،
لم يُخفِ أيّ فكرة أو يتستَّر عليها، بل أخذ موقفًا قويًّا صريحًا في وجه
الصهيونيّة، في وجه الصهاينة ونظامهم المزوَّر الغاصب الذي يسيطر على فلسطين
المظلومة. لقد أخذ موقفًا صريحًا لا مجاملة فيه ولا مواربة؛ انظروا إلى هذه الأصول
والقواعد. لم يجامل الإمام: إنّنا ضدّ نظام الهيمنة والتسلّط. هذا النظام العالميّ
الذي يعتمد على تقسيم العالم إلى متسلّطٍ و[خاضع] راضٍ بالتسلّط. لقد رفض الإمام
هذا النظام بشكلٍ قاطع. يتجسّد نظام السلطة بشكلٍ كامل ويتشخَّص بالنظام والدولة
الحاليّة للولايات المتّحدة الأميركية.
إيران الثورة؛ قوة اقليمية كبرى
لذلك فقد أخذ الإمام موقفًا حازمًا مقابل أمريكا. موقفنا ضدّ أمريكا لا
علاقة له بأنّهم مثلًا شعب ونحن نخالف هذا الشعب، أو أنّنا نعترض على خصائصه
العرقيّة؛ كلّا فالقضيّة ليست هكذا؛ القضيّة أنّ سلوك وطبع وذات الولايات المتّحدة
الأميركية هو التسلّط والهيمنة والتدخّل؛ لقد وقف الإمام مقابل هذا بشكلٍ صريح
وشفّاف. ولهذا ترون أنّ الثورة- وبعد مرور 35 سنة على انتصارها- لا تزال صامدة
ثابتة على أصولها ومبانيها وعلى سكّتها الحقيقيّة. لم تتغيَّر الثورة ولم تُبَدَّل
تبديلًا، لا كلامها وطريقها ولا أهدافها قد تبدَّلت؛ هذا مهمّ جدًّا. تضعف مقاومة
الثورات في مواجهة الأعاصير التي تُشنُّ عليها؛ الكثير من أصحاب الثورات: إمّا
أنّهم يغيّرون كلامهم وأفكارهم، وإمّا يبدّلون مسيرهم وطريقهم، وإمّا تنحرف الثورة
بشكلٍ كلّي وتزول من الوجود. لقد حافظت الثورة الإسلاميّة، منذ يومها الأوّل وحتّى
الآن، على أهدافها بشكلٍ محدّد وتحرّكت نحو هذه الأهداف ووصلت إلى درجات مدهشة من
التقدّم في المجالات المتعدّدة. وها هي الآن تظهر في العالم بعنوان قوّة إقليمية
كبرى ورقم صعب مؤثّر في السياسات العالميّة بعدما كانت بلدًا وشعبًا منسيًّا ولا
تأثير له في العالم.
ثمرة "فوبيا إيران": محبة الشعب الإيراني!
حاليًّا، تنظر الشعوب في أنحاء العالم إلى الشعب الإيرانيّ كشعبٍ شجاع
ذي مصداقيّة، وكشعبٍ واعٍ ومقاوم. لقد جرت كلّ هذه الأعمال ضدّ النظام الإسلاميّ؛
كلّ هذه الجهود والحملات الإعلاميّة. لقد وضع أعداء الشعب الإيرانيّ ثقلهم فترةً
طويلة، لإيجاد حالة الخوف والرهاب من إيران (فوبيا إيران)- البعض عمل على (فوبيا
إسلام) والبعض على (فوبيا إيران)- ولكنّ حبّ [محبّة] الشعوب للشعب الإيرانيّ قد
ازداد بينها. واليوم ليس فقط عامة الشعوب هكذا، بل كذلك النُخَب والشخصيّات
الموضوعيّة والمحايدة هم كذلك أيضًا؛ انظروا إلى مواقفهم وتصريحاتهم، وإلى رأيهم
بالشعب الإيرانيّ: [يقولون] شعبٌ مستقيم ومثابر، شعب واعٍ ذكيّ، شعبٌ صبور؛ فهم
ينظرون إلى الشعب الإيرانيّ بهذا الشكل. لقد أثمرت سياسة التخويف من إيران هذه
النتيجة؛ لا تخاف الشعوب من نظام الجمهوريّة الإسلاميّة والشعب الإيرانيّ، بل إنّ
خشيتها ورعبها من تسلّط أمريكا. أمريكا هي المعروفة لدى الشعوب بهيمنتها وتسلّطها.
أمريكا هي المشهورة بالتدخّل في شؤون الآخرين والمعروفة بإشعال الحروب، الشعوب تعرف
أمريكا كدولة مثيرة للحروب ومُشعلة للنيران ومتدخّلة في شؤون البلدان الأخرى.
الشعوب لديها رُهاب [فوبيا] من أمريكا، الشعوب تكره أمريكا. يزداد بتوفيق الله وجه
نظام الجمهوريّة الإسلاميّة ، تألُّقًا وإشراقًا يومًا بعد يوم. وكذلك فإنّ الشعب
الإيرانيّ يزداد عزَّةً وعنفوانًا في العالم يومًا بعد يوم؛ وهذا النهج سيستمرّ في
المستقبل. إنّ سرّ خلود نظام الجمهوريّة الإسلاميّة وثباته على سكّة الثورة - وفق
الخطوط الأساسيّة التي رسمها الإمام العظيم- يكمن في هذه الصراحة؛ لا شيء ينبغي أن
يُفقدنا هذه الشفافيّة وهذه الصراحة. سواء أمام المخالفين أو الأصدقاء أو الأعداء،
يجب أن تكون مواقف الجمهوريّة الإسلاميّة شفّافة واضحة. يمكن للتكتيك وأساليب العمل
أن تتغیّر ولكن ينبغي أن تظل الأصول ثابتة متينة . هذا هو سر صلابة الثورة وسر تقدم
البلاد .
أعداء الثورة وأصدقاؤها
حاليًا، أعداء الثورة هم عدّة قوى عالميّة فاسدة، ممّن لا عنفوان ولا
ماء وجه لهم في العالم؛ هؤلاء هم أعداء الشعب الإيرانيّ. أصدقاء الشعب الإيرانيّ هم
جميع الذين استمعوا لرسالة الثورة ورسالة الجمهوريّة الإسلاميّة؛ قد يوجد بعض
النّاس ممّن لم يتعرّفوا [على رسالة الثورة] ولا اطّلاع لديهم؛ ولكن كلّ من سمع
شعارات الجمهوريّة الإسلاميّة وتعرَّف على صمود الجمهوريّة الإسلاميّة وأدرك هذا
الثبات المتلازم مع المظلوميّة، هو مؤيّد لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة؛ ونظام
الجمهوريّة الإسلاميّة هو شعب إيران وناسها وجماهيرها؛ الشعب ليس منفصلًا عن النظام؛
الشعب داعم للنظام؛ هذا هو سرّ قوّة وثبات وصلابة النظام.
شعبية الثورة وقوتها
يقول المسؤولون الأميركيون في بعض ما يقولونه لمسؤولينا، في تصريحاتهم
المتعدّدة أنّنا لا ننوي تغيير النظام في إيران. أوّلًا- إنّهم يكذبون؛ لو استطاعوا
إلى ذلك سبيلًا لما تردّدوا لحظة واحدة! ثانيًا- هم لا يستطيعون؛ أجهزة الاستكبار
تستطيع أن تغيّر الأنظمة, حين تكون تلك الأنظمة غير معتمدة على الإرادة الشعبيّة,
ودعم الناس لها. إنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة معتمِد على إيمان النّاس، قائم على
محبّة الناس وإرادتهم. دلّونا على ثورة في العالم يتمّ الاحتفال بها والاحتفاء
بانتصارها- بعد مرور عشرات السنوات - بهذا الشكل من حضور الجماهير في الشوارع
والساحات, وإطلاقهم الشعارات القويّة؟ وإن شاء الله في يوم الثاني والعشرين من بهمن
[11شباط] ستشاهدون كيف ستنزل جماهير الشعب الإيرانيّ إلى الساحات في كلّ المدن بكلّ
صلابة وتطلق شعاراتها الحاسمة وتُظهر قوّتها واقتدارها الوطنيّ. المهمّ هو أن يدرك
الشعب الإيرانيّ سرّ نجاحه وصموده؛ والحمد لله فإنّ الشعب الإيرانيّ يعرف هذا
جيّدًا؛ المهمّ أن يعرف سبيل أمنه وإظهار اقتداره الوطنيّ؛ فليظهروا الاقتدار
الوطنيّ. إنّ الاقتدار الوطنيّ له مظاهر ومعالم والناس يظهرونها في تظاهراتهم
العظيمة وفي مسيراتهم مثل مسيرات الثاني والعشرين من بهمَن؛ يظهرونها في الانتخابات
المتنوّعة وحضورهم القويّ فيها؛ يظهرونها في أنواع وأقسام التقدّم العلميّ؛ وفي
مواكبتهم المستمرّة لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة؛ هذا هو المهمّ. ما يحفظ أمنَ
البلاد هو إبراز الاقتدار الوطنيّ؛ عندما يقوم الناس بإظهار الاقتدار الوطنيّ في
وجه العدوّ فإنّه لن يستطيع عندها أن يقوم بأيّ عمل.
لاحظوا نفاق العدو!
يشاهد الإنسان اليوم -مع الأسف- ويسمع كلامًا يُطلَق من قِبَل العدوّ في
بعض المراحل؛ يُشكّل لشعبنا مصدرًا للاعتبار والتأمّل في هذه المفاوضات المتعدّدة،
التي تجري هذه الأيّام، فليسلّط الشعب أنظاره على هذه المفاوضات؛ وليلاحِظ بعض
التصريحات غير المؤدّبة للمسؤولين الأميركيين. ليعرف العدوّ جيّدًا. حيث يريد البعض
أن يصرف نظر الناس عن عداوة العدوّ. كلّا، انظروا إلى العداوة وانظروا إلى النفاق.
يتحدّث المسؤولون الأميركيّون بطريقةٍ مع مسؤولي بلدنا ولكنّهم بمجرّد أن ينهوا
لقاءاتهم بهم، يتحدّثون في الخارج بشكل آخر مختلف! فليلاحظ الشعب الإيرانيّ نفاق
العدوّ ذي الوجهَين واللسانَين ولينتبه إلى خُبث عدوّنا؛ فلينتبه الشعب وَليُدرك
كيف يحافظ البلد على اقتداره الذاتيّ وقوّته الداخليّة؛ هذه وصيّتنا الدائمة إلى
المسؤولين.
الحلّ الوحيد: الثقة بطاقاتنا وقوّتنا الذاتيّة
ما يحلُّ مشاكل البلاد هو أمرٌ واحد. وهو عبارة عن النظر إلى
الاستعدادات والطاقات الذاتيّة- وبحمد الله فإنّها كثيرة جدًّا لا تُعَدُّ ولا
تُحصى- والاستخدام الحكيم لهذه الطاقات والقابليات. ولحسن الحظّ, فإنّ المسؤولين
الاقتصاديين في الدولة قد التفتوا إلى هذه المسألة, وقد وصلوا إلى هذه النتيجة. وإن
سبيل حلّ المشاكل الاقتصاديّة للبلاد- وهي جزء من المشاكل- ليس في التطلّع إلى
الخارج، وليس عبر رفع الحصار والعقوبات وما شابه؛ لحُسن الحظّ انتَبَه مسؤولو
الاقتصاد إلى هذا الأمر؛ سبيل معالجة المشاكل وحلِّها هو النظر إلى الداخل؛ البناء
الذاتيّ وتقوية الهيكل الداخليّ للاقتصاد؛ وهذا ما ينوون القيام به وإن شاء الله
هذا ما سيحصل وسيتمّ التقدّم وسيُوَفَقون في هذا السبيل. لا يمكن التأمّل خيرًا
بالعدوّ؛ ولا التوقّع الإيجابي منه. يقول الأميركيون في بعض تصاريحهم وادّعاءاتهم
اللّفظيّة: "نحن أصدقاء للشعب الإيرانيّ"؛ إنّهم يكذبون، وهذا الكذب يتّضح من خلال
أعمالهم. يُطلقون التهديدات ضدّ إيران، ومن ثمّ يتوقّعون أن تخفّف الجمهوريّة
الإسلاميّة من قدراتها الدفاعيّة؛ أليس هذا أمرٌ مضحك؟ أليس مثيرًا للسخريّة؟ في
الوقت الذي يهدّدون، يدّعون إلى تخفيف القدرة الدفاعيّة! كلّا!، إنّ المسؤولين في
المجالات المختلفة والقوّات المسلَّحة سيضاعفون قدراتهم الدفاعيّة يومًا بعد يوم،
بعون الله وتوفيقه.
سياسات الاقتصاد المقاوم
إنّ ما ينجّي البلاد، هو الاعتماد على القوّة الداخليّة والنظر إلى
الداخل؛ سواء في مجال الاقتصاد أو في المجالات الاجتماعيّة والسياسيّة المختلفة،
وكذلك الأمر في المسائل الثقافيّة. إن شاء الله سيتمّ في القريب العاجل إبلاغ
سياسات الاقتصاد المقاوم؛ وبناءً على إبلاغ هذه السياسات، سيتمّ إن شاء الله إيجاد
البنى, والهياكل, والأعمال والجهود المطلوبة لإيجاد الاقتصاد المقاوم -والمعتمِد
على مقاومة الشعب- وسيكمل الشعب طريقه. الأمر المهمّ هو أن يحافظ الشعب على وحدته؛
وأن لا يسمح أفراد الناس، والمسؤولون، والنُخَب المختلفة للمسائل الهامشيّة أن
تؤثّر على النصّ الأصليّ4. لأنّ النصّ الأصليّ اليوم لحركة الشعب هو إيجاد الاقتدار
الذاتيّ الداخليّ والوقوف بصلابة مقابل عواصف المخالَفَة والعداوة. لقد حصلت عواصف
شديدة طوال هذه السنوات الخمس والثلاثين؛ ولكنّ الشعب - بحمد الله- وقف وصمَد,
وأبطَل مفعول حركة الأعداء على مدى السنوات المتمادية؛ وكذلك في المستقبل يجب أن
يتمكّن الشعب من تعطيل هذه الحركات وسيعطّلها إن شاء الله. فليحافظ أفراد الشعب على
وحدتهم، يجب أن يرتفع مستوى الوحدة والاتّحاد والتضامن والانسجام بين المسؤولين
والناس؛ فليثق المسؤولون ومدراء البلاد بالشعب وكذلك فليثق الشعب بالمسؤولين أكثر
فأكثر. يمكن أن يكون للبعض انتقادات، فلينتقدوا، وليكن انتقادهم منصِفًا؛ وبالنظر
إلى أنّ الحكومة جديدة العهد ولم يمضِ على استلامها لمقاليد الإدارة سوى بضعة أشهر،
ينبغي أن تٌمنَح فرصة كي تتمكّن من إنجاز الأعمال بكلّ قوّة إن شاء الله؛ فلينتبه
المنتقدون إلى هذا الأمر وليتصرّفوا مع الحكومة برحابة صدر وكذلك على المسؤولين
الحكوميين أن يتصرّفوا مع المنتقدين بسعة صدر؛ وليحترم الجميع بعضهم بعضًا،
وليراعوا مشاعر بعضهم البعض، إنّ لدينا أعداءً وإنّ لهؤلاء الأعداء عناصر وعملاء
داخل البلاد كذلك؛ ينبغي عدم الغفلة عن هذا الأمر. فلا نسمح ولا تسمحوا لعملاء
العدوّ في الداخل أن يستغلّوا نقاط الضعف ليخلقوا التوتّر والاختلال.
وسينتصر الشعب على أعدائه!
لنتقدَّم كلّنا معا، بعضنا مع بعض وجنبًا إلى جنب، ولنمضِ جميعًا على
طريق الإمام العظيم، لنتقدّم في سبيل اقتدار هذا البلد إن شاء الله. والله تعالى
سيوفّق هذا الشعب؛ ستتقدَّم الأعمال على أحسن ما يكون، وفي هذه المرحلة من الزمان
إن شاء الله سينتصر الشعب الإيرانيّ على أعدائه بتوفيق الله وبحول الله وقوّته سواء
في المسألة النوويّة أو في المسائل المختلفة الأخرى.
آمل أن يوفّقكم الله تعالى جميعًا وأن تتمكّنوا من القيام بواجباتكم كلٌّ بحسب
مكانه وعمله- في القوّة الجويّة وفي كلّ وحدات جيش الجمهوريّة الإسلاميّة وفي وحدات
القوّات المسلَّحة كلّها وكلّ أفراد الشعب-كي نستطيع جميعًا أن نقوم بواجباتنا وأن
نؤمّن المستقبل المنشود لبلدنا ونظامنا وشعبنا إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1- اللواء الطيّار حسن شاه صفيّ
2- سورة الفتح، جزء من الآية 29.
3- قبل اللقاء العام، أُقيمت جلسة خاصّة مع قادة القوّة الجويّة.
4- بمعنى الهدف او المقصد او النهج.