كلمة الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ذكرى مولد الرسول(ص)
2014
هذه الولادة المباركة هي مصدر البركات التي حلّت على جميع أبناء البشر عبر القرون، وأوصلت الأمم والإنسان والإنسانيّة إلى مصافّ العوالم الإنسانيّة والفكريّة والروحيّة، وإلى الحضارة السامية والآفاق المنيرة للحياة.
عدد الزوار: 100
كلمة
الإمام الخامنئي بمناسبة ذكرى مولد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والإمام
الصادق عليه السلام _19-1-2014
الحضور: مسؤولي
الدولة والضيوف المشاركين في مؤتمر الوحدة الإسلاميّة .
بسم الله الرحمن الرحيم
أبارك عيد المولد المبارك والسعيد
للنبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وابنه العظيم الإمام الصادق عليه السلام،
لجميع الحاضرين في هذا الاجتماع، ولضيوف مؤتمر الوحدة الإسلاميّة الأعزّاء، ولسفراء
الدول الإسلاميّة ولجميع المسؤولين الذين يتولّون المسؤوليات الجسام في البلاد، كما
أبارك للشعب الإيراني وللأمة الإسلاميّة جمعاء، بل لجميع أحرار العالم.
ذكرى المولد؛ تجديد العهد للرسول صلى الله عليه وآله وسلم
هذه الولادة المباركة هي مصدر البركات التي حلّت على جميع أبناء البشر عبر القرون،
وأوصلت الأمم والإنسان والإنسانيّة إلى مصافّ العوالم الإنسانيّة والفكريّة
والروحيّة، وإلى الحضارة السامية والآفاق المنيرة للحياة.
وما يهمّ الإسلام والمجتمع الإسلاميّ في هذه الذكرى، هو أن نضع ما يريده النبيّ
الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من المجتمع الإسلاميّ نصب أعيننا، ونسعى جاهدين
لتحقيقه؛ إذ تكمُن سعادة العالم الإسلامي في هذا لا غير.
جاء الإسلام من أجل سعادة البشر، ولتحريرهم من قيود وبراثن الأنظمة المستبدّة،
والظالمة لمختلف طبقات البشر وإقامة الحكومة العادلة؛ وأيضًا لتحريرهم من الأفكار
والأوهام المسيطرة على حياة الإنسان التي تقوده وتسيّره خلافًا لمصلحته.
الإسلام حريّةُ القلب والرّوح
وصف أمير المؤمنين عليه السلام حياة الناس في البيئة التي ظهر فيها
الإسلام، بأنّها بيئة فتنة: "في فتنٍ داستهم بأخفافها ووطئتهم بأظلافها"1؛ الفتنة
تعني: الأجواء الملوّثة بالغبار، حيث تعجز العين عن الرؤية في تلك الأجواء الملوّثة.
فلا ترى طريقها ولا تشخّص مصلحتها. هكذا كانت حال الناس الذين عاشوا في تلك المنطقة
المليئة بالمحن والشقاء. وهذا ما كان سائدًا في الدول الكبرى، وفي حضارات ذاك الزمن،
التي امتلكت حكومات وشعوبا، لكن بأشكالٍ مختلفة. وليس الأمر أن نتصوّر أنّه في زمن
ظهور الإسلام في الجزيرة العربية، كان الناس هناك تُعساء، والشعوب الأخرى سعداء.
كلا! فغلبة الحكومات الجائرة والظالمة، وعدم احترام شأن الإنسان والإنسانية،
والحروب المدمّرة التي جرت بين القوى وبهدف فرض سيطرتها، قد شرذمت حياة البشر.
ويشير التاريخ إلى وجود حضارتين في ذلك الزمن، هما الحضارة الإيرانية (الفارسية)
الساسانيّة، وحضارة الإمبراطوريّة الرومانيّة. كان الناس، ومن مختلف الأطياف
والشرائح، يعيشون في تلك المجتمعات حالةً مزريةً تحرق قلب الإنسان، كانوا يعيشون
حياة الرقّ والعبوديّة والأسر، فجاء الإسلام وحرّرهم، وكانت الحريّة بالدرجة الأولى،
لقلب [الإنسان] وروحه. وعندما شعر الإنسان بالحريّة، شعر معها بالحاجة إلى فكّ
القيود، وقد أصبحت قواه تحت تأثير تلك المشاعر، فإذا ما عقد الهمّة وتحرّك، فسوف
يصل إلى الحريّة المنشودة. وهذا ما فعله الإسلام للإنسان. وهي ذاتها، رسالة اليوم
للعالم الإسلاميّ والعالم بأسره. فأعداء حريّة الإنسان يعمدون إلى قتل الفكر
الإنسانيّ الحرّ، والقضاء عليه. وإذا ما فُقد الفكر الحرّ، فستبطئ الحركة نحو
الحريّة أو تنتفي كليًّا.
التكليف اليوم: تحقيق الحريّة
إنّ تكليفنا اليوم - نحن المسلمون- هو العمل للوصول إلى الحريّة التي
يبتغيها الإسلام. فاستقلال الشعوب الإسلاميّة، استقرار الحكومات الشعبيّة في كافة
أنحاء العالم الإسلاميّ، مشاركة [حضور] جميع أفراد الشعب في القرارات المصيريّة2 والحركة على أسس الشريعة الإسلاميّة هي التي ستُنقذ الأمّة. وبالطبع، فإنّ الشعوب
الإسلاميّة اليوم وفي جميع أنحاء العالم الإسلاميّ تشعر بالحاجة إلى هذه الحركة،
وفي النهاية ستصل هذه الأحاسيس إلى النتيجة المرجوّة. بلا شكّ، إذا قام نخبويّو
الشعوب وعقلاؤهم – سواء النخب السياسيّة، العلميّة والدينيّة- بواجباتهم بالشكل
الصحيح، فسيكون مستقبل العالم الإسلاميّ كما نرجو ونروم، ولدينا أمل بهذا المستقبل؛
هناك اليوم شعورٌ بالصحوة في العالم الإسلاميّ. ومن هذه النقطة بالتحديد يدخل
الأعداء إلى الساحة؛ الأعداء المخالفون للصحوة الإسلاميّة، ولاستقلال الشعوب، ولحكم
دين الله في البلاد، يدخلون بمختلف أنواع الخدع لشلَ المجتمعات الإسلاميّة، وأهمها
إيجاد الفرقة [الاختلاف].
65 عامًا من الهيمنة؛ فلسطين لن تُنسى!
منذ 65 عامًا والاستكبار العالمي يسعى بكلّ وجوده وقوّته لفرض [واقع] النظام الصهيونيّ على الشعوب الإسلاميّة، ولحملهم على القبول هذا الواقع؛ وقد فشل
حتى الآن. ولا تلتفتوا إلى الدول والحكومات المستعدّة - كي تحفظ مصالح أصدقائها
الأجانب المعادين للإسلام- لأن تدوس مصالح شعوبها ووضع مصالح الإسلام طيّ النسيان؛
فالشعوب مخالفة للوجود الصهيوني!
إنّهم يحاولون منذ 65 عامًا محو اسم فلسطين من الذاكرة ولم يفلحوا. وقد أثبتت
الشعوب الإسلاميّة والأمة الإسلاميّة- خلال السنوات الأخيرة في حرب 33 يومًا على
لبنان وحرب 22 يومًا على غزة، وبعدها حرب 8 أيام على غزّة أيضًا- أنّها ما تزال
حيّة، واستطاعت، رغم رصد أمريكا والغرب لميزانيّات ضخمة، أن تحافظ على هويّتها وأن
توجّه صفعة قويّة للنظام الصهيونيّ المفروض والمزوّر، ولعرّابي وأصدقاء وحلفاء
الصهاينة الظالمين3، حيث باءت بالفشل جميع محاولاتهم خلال هذه المدّة لحفظ هذا
النظام الغاشم والمجرم! فقد أظهرت الأمّة الإسلاميّة أنها لم تنس فلسطين، وهذا أمر
مهم جدًّا.
في هذه الظروف نفسها، تنصبّ جميع جهود الأعداء، لجعل الأمّة الإسلاميّة غافلة عن
فلسطين. كيف؟ عبر زرع الخلافات [الاختلافات]؛ وعبر الحروب الداخليّة؛ وعبر الترويج
للتشدّد [التطرّف] المنحرف باسم الإسلام وباسم الدين والشريعة، فتقوم مجموعة وتكفّر
عامة المسلمين وأكثرية المسلمين.
التيّارات التكفيريّة؛ مسرّة الاستكبار!
إنّ وجود هذه التيارات التكفيريّة في العالم الإسلاميّ، هو بمثابة بشرى4 للاستكبار ولأعداء الإسلام. فهم بدل أن يوجّهوا اهتماماتهم إلى واقع النظام
الصهيوني الخبيث، يصبّون اهتماماتهم في اتجاه آخر، على النقيض ممّا يريده الإسلام
تمامًا. فالإسلام يريد للمسلمين أن يكونوا "أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم"5 على
المسلمين أن يكونوا أشدّاء على أعداء الدين، عليهم الصمود، وأن لا يخضعوا لهم. "أشداء
على الكفّار": آية صريحة في القرآن الكريم. و أن يكونوا "رحماء بينهم"؛ أن يتوحّدوا،
وأن يتضافروا، وأن يعتصموا بحبل الله؛ هذا ما يأمر به الإسلام. عندما يظهر تيّارٌ
يقسّمُ المسلمين إلى مسلم وكافر، ويستهدف جماعة منهم على أنّهم كفّار، ويزرع الشقاق
بين المسلمين! فمن منّا لا يشكّ في أنّ وجود هذه التيّارات ودعمها وتمويلها، ومدّها
بالسلاح وغيره، هو من عمل الاستكبار وأجهزة الاستخبارات الخبيثة للدول المستكبرة!؟
هم يجلسون [يتآمرون] ويخططون لأجل هذا. على العالم الإسلاميّ أن يهتمّ بهذه القضيّة،
إنّه لخطرٌ كبير.
للأسف، فإنّ بعض الدول الإسلاميّة تغذّي هذه الخلافات، دون أن تفطن إلى أنّ نيران
هذه الخلافات ستأتي على الجميع. هذا هدف الاستكبار: تنازع جماعة من المسلمين مع
جماعة أخرى. وإن عناصر [مسبّبي] هذا النزاع، هم جماعة تتلقّى المال والسلاح من
وكلاء [أزلام] المستكبرين، لإيجاد التناحر بين أبناء الوطن الواحد في هذا البلد أو
ذاك، وقد ضاعف الاستكبار من حركته تلك خلال السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة، في
الدول العربيّة والإسلاميّة التي شهدت صحوات إسلاميّة، بهدف بسط نفوذه على تلك
الصحوات. فهؤلاء يوقعون بين المسلمين، وكذلك يشوّهون صورة الإسلام في نظر الرأي
العام العالمي من خلال التضخيم المتعمّد في الوسائل الإعلاميّة للأعداء. فماذا
سيكون فكر [العالم] عن الإسلام عندما يرى شخصًا باسم الإسلام، يمضغ ويأكل كبد إنسان
آخر؟ لقد خطّط الأعداء لذلك. وهذه الأمور لم تظهر فجأة، وليست وليدة الساعة. بل لقد
عُمل وحُضّر لها منذ زمن. وتدعمها سياسات وأموال وأجهزة جاسوسيّة وما شابه.
على المسلمين مواجهة أيّ عامل من عوامل الفرقة، وهذا تكليف كبير للجميع؛ على الشيعة
والسنّة، بجميع فِرَقهم ونخبهم، أن يتحمّلوا المسؤوليّة وينهضوا بهذا التكليف.
الاتحاد والوحدة: البحث في المشتركات
تعني الوحدة التأكيد على المشتركات؛ لدينا الكثير من المشتركات؛
فالمشتركات بين المسلمين أكثر من موارد الاختلاف، يجب التأكيد على المشتركات. ويقع
على كاهل النخب القسم الأعظم من هذا التكليف، سواءً النخب السياسيّة، أم العلميّة،
أم الدينيّة. وعلى علماء الدين المسلمين أن يحذّروا الشعوب الإسلاميّة من تسعير
حدّة الخلافات بين الفرق والمذاهب الإسلاميّة. وعلى علماء الجامعات أن يوجّهوا
الطلاب ويُفهموهم أنّ أهمّ مسألة في العالم الإسلاميّ اليوم، هي مسألة الوحدة، والاتحاد لتحقيق الأهداف وهي: الاستقلال السياسي، استقرار سيادة الشعب الدينيّة
والعمل بالأحكام الإلهية في المجتمعات الإسلاميّة؛ الإسلام الذي يدعو إلى الحريّة،
ويدعو إلى العزّة والشرف؛ هذا هو تكليفنا اليوم وهذا هو واجبنا. ولتعلم النخب
السياسيّة بأنّ عزّتهم وشرفهم يكمُن في الاعتماد على الشعب، وليس في الاعتماد على
الأجانب أو المعادين لرفعة المجتمعات الإسلاميّة.
الوحدة ضمانة المستقبل المشرق
كانت قوى الاستكبار مسيطرة على هذه المنطقة في يوم من الأيّام، وكانت
السياسة الأمريكيّة، ومن قبلها البريطانيّة وغيرها من الدول الأوروبيّة، هي الحاكمة
؛ لكنّ الشعوب تمكّنت، تدريجيًّا، من النجاة من هيمنتهم المباشرة، وهم يحاولون
حاليًّا فرض هيمنتهم غير المباشرة- الهيمنة السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة- بدل
السلطة المباشرة التي سادت زمن الاستعمار؛ وبالطبع هم يسعون لفرض سيطرتهم المباشرة
في بلدان أخرى؛ لاحظوا في أفريقيا، كيف تحاول بعض الدول الأوروبيّة أن ترجع سيرتها
الأولى. والحلّ يكمن في الصحوة الإسلاميّة ومعرفة قدر الشعوب الإسلاميّة وشأنها،
فالشعوب الإسلاميّة تملك الكثير من الإمكانات، فهي تتمتّع بالموقع الجغرافي الحسّاس
[الاستراتيجي]، ولديها إرث تاريخيّ عريق، وموارد اقتصاديّة منقطعة النظير. فإذا ما
تنبّهت الشعوب، وعادت إلى نفسها، واعتمدت على ذاتها، ومدّت يد الصداقة بعضها إلى
بعض، فستصبح هذه المنطقة، منطقة بارزة ومشرقة. وسيعيش العالم الإسلاميّ بعزّة
وكرامة وسيادة. وهذا ما سيكون في المستقبل إن شاء الله. ويمكن التقاط مؤشراته في
انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران، وفي استقرار نظام الجمهوريّة الإسلاميّة في هذه
المنطقة الحسّاسة، وفي استحكام هذا النظام.
منذ 35 عامًا، وأجهزة الاستكبار الأمريكي وغيرها، تعمل ضدّ نظام الجمهوريّة
الإسلاميّة وضدّ الشعب الإيراني؛ وفعلوا كلّ ما في وسعهم. لكن رغمًا عنهم، أصبح
الشعب الإيراني ونظام الجمهوريّة الإسلاميّة أقوى يومًا بعد يوم، وأكثر تجذّرًا
واقتدارًا ونفوذًا. وبإذن الله، سيتزايد هذا الاستحكام والاستقرار والقوّة. ويرى
الإنسان، اليوم، ازدياد الوعي والمعرفة، بين الأجيال والشباب، بالإسلام ومستقبل
الإسلام أكثر من السابق، [وازدياد هذا الوعي] في بعض المناطق، أكثر بكثير من السابق.
لكن بالطبع، الأعداء مستمرّون بمساعيهم، لكن إن نظرنا بدقّة وبصيرة فسنرى أنّ موج
الحركة الإسلاميّة في تقدّم إن شاء الله.
رحم الله إمامنا العظيم الذي عبّد هذا الطريق أمامنا، فقد علّمنا أنّه يجب التوكّل
على الله، وأن نطلب العون من الله، وأن نأمل المستقبل. لقد تقدّمنا في هذا المسير،
وبإذن الله هذا ما سنكون عليه في المستقبل. على أمل انتصار الإسلام والمسلمين وطلب
الرحمة والمغفرة الإلهيّة لشهداء هذا الطريق المنير.
والسلام عليكم ورحمة الله.
1- شرح البلاغة، الخطبة الثانية.
2- التعبير الحرفي: حضور جميع أفراد الشعب في صناعة القرار وتحديد المصير والحركة
على أساس..
3- ارتفاع هتافات الله أكبر.. الموت لأمريكا..
4- بمعنى: مسرّة للاستكبار وللأعداء.
5- سورة الفتح ،قسم من الآية 29.
6- أو: ما هي الفكرة التي سيأخذها العالم عن الاسلام..