كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقائه أهالي مدينة قم المقدّسة
2014
أرحّب بجميع الأخوة والأخوات الأعزّاء، والعلماء الأعلام، والفضلاء المحترمين، والشباب المتحمّس والمؤمن، وعموم فئات أهالي قم، الذين - وبشهادة الأحداث التاريخيّة في العصر الحالي
عدد الزوار: 82كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقائه أهالي مدينة قم المقدّسة بمناسبة انتفاضة 19 دي _9/1/2014
بسم الله الرّحمن الرّحيم
أرحّب بجميع الأخوة والأخوات
الأعزّاء، والعلماء الأعلام، والفضلاء المحترمين، والشباب المتحمّس والمؤمن، وعموم
فئات أهالي قم، الذين - وبشهادة الأحداث التاريخيّة في العصر الحالي – أظهروا
عظمتهم وامتزاج الشوق والأحاسيس لديهم، وأثبتوا شجاعتهم وجهادهم المميّز وحماسهم
العظيم، في تلك الأحداث الكبرى والمصيريّة طوال تلك السنوات.
19 دي ممتدٌّ إلى ما بعد الثورة
على الرغم من أنّ يوم التاسع عشر من شهر دي1، ولأسباب عديدة، هو يوم
مميّز ومنقطع النظير، ولكن لا شكّ في أنّ امتياز العمل وما قام به أهل قم، لا ينحصر
في ذلك اليوم.
دائمًا، عندما ننظر إلى مكانتكم [موقعكم] - أهل قم- نجد موقعًا ودورًا رائدًا لكم
في مرحلة ما بعد انتصار الثورة، وفي الأحداث المختلفة وفي زمن الحرب المفروضة، بل
وفي كلّ الأحداث المهمّة والمصيريّة التي حصلت في العقود القريبة الماضية.
ونشكر الله على أنّ الوضع هكذا، وهذا ما جعل قم تحمل عنوان [مركز] علماء الشيعة
والإسلام، وتكون اليوم رمز عظمة الجمهوريّة الإسلاميّة.
قم: بوصلة الباحثين والمحلّلين
إنّ من يفكّر ويبحث ويحلّل المسائل المتعلّقة ببلدنا، وبنظام الجمهوريّة
الإسلاميّة – صديقًا كان أم عدوًّا- فإنّ واحدة من النقاط المهمّة التي يركّز عليها
عمله هي مدينة قم، والحوزة العلميّة في قم، وأهل قم، والأحداث المتعلّقة بقم. نسأل
الله تعالى، الذي وفّقكم وساعدكم إلى يومنا هذا -أيّها الأعزّاء، أيّها الناس
النجباء، ويا أهل العمل والنشاط- أن يشملكم بعونه وهدايته في المستقبل أيضًا؛ حيث
إنّ بلدنا، بالتأكيد، يحتاج في أفق رؤيته المستقبليّة، إلى الإرادة القويّة والعزم
الراسخ والخطوات الحيويّة. أمّا فيما يخصّ يوم 19 دي، فإنّ الخطباء والمحلّلين
المتعدّدين، وأهل الفكر والبيان، وأهل الرأي والتأمّل، لا زالوا يتحدّثون فيه وفي
الأبعاد المختلفة لهذه الحادثة؛ وهم يُخضعونها، منذ ما يربو على الثلاثين سنة إلى
الملاحظة والتحليل والتفصيل وتبيان دورها وآثارها.
"حقًّا علينا"!
ولكن في الوقت نفسه -أنا العبد الحقير لله- أعتقد أنّ [قضيّة] هذه
الحادثة المهمّة، وإلى اليوم، لا زالت تستحقّ التأمّل والتدقيق، حيث توجد أبعاد
لهذه الحادثة، يمكن إعادة بيانها وإحيائها وأخذ الدروس والعبر منها. ومن تلك
الأبعاد، أنّ حادثة 19 دي -والتي وقعت في قم- تشكّل مظهرًا [ورمزًا] لهذه الآية
الشريفة: ﴿فَانتَقَمنا مِنَ الذينَ أجرَموا وَ كانَ حَقًّا عَلَينا نَصرُ المُؤمِنين﴾2.
لقد ورد في القرآن الكريم، في آيةٍ من سورة الروم، حيث قال الله تعالى أنّ نصر
المؤمنين هو حقٌّ على الله تعالى. وقد ورد هذا التعبير في عدّة مواضع من القرآن
الكريم، كقوله تعالى:...
﴿وعدًا عَلَيهِ حَقًّا في التَّوراةِ وَالإنجيلِ وَ
القُرءان…﴾3، وموارد أخرى. وهنا أيضًا، قوله تعالى حول جعله نصر المؤمنين حقًّا
علينا، أي: على الذات المقدّسة لربّ العالمين! حسنًا! ماهي شروط هذا النصر؟ بأيّة
ظروف قال الله تعالى أنّه ينصر المؤمنين؟!.
إنّ هذا النصر يتحقّق عندما لا يوجد أيّ بصيص أمل بحسب الظاهر. لاحظوا هذه الآيات:
[في ظرف] عندما وقف جيش أعداء معسكر الإيمان، بقدرته الظاهريّة، وبكلّ ما يملك من
قوّة، في وجه المؤمنين؛ وبدأت مواجهة عظيمة بين الجبهتين؛ في هكذا ظروف قال تعالى:
﴿وَكانَ حَقًّا عَلَينا نَصرُ المُؤمِنين﴾.
عندما نزل شباب قم من طلبة العلوم الدينيّة وغيرهم، من الفئات المختلفة، والناس
المؤمنون، إلى شوارع قم وأزقّتها، دفاعًا عن الإمام ودفاعًا عن الحقيقة، ودفاعًا عن
الراية المرفرفة والمقارِعة للطاغوت، وأضحوا عرضةً لرصاص عملاء نظام الطاغوت وسالت
دماؤهم على الطرقات؛ لم يكن أحد منهم، ولا من المقرّبين منهم، يومذاك، يفكّر في
الأثر الذي سوف تتركه هذه الحادثة.
استشعروا المسؤوليّة، فجمعوا كلّ طاقاتهم ووضعوا كلّ ما يملكون على أكفّهم ونزلوا
إلى الساحة.
هل تصوّر أهل قم أن يكون يوم "19 دي" منشأ هذا التحوّل العظيم لسلسلة المواجهات
والاعتراضات، وأن تنتهي انتفاضتهم بنهضة جماهيريّة عارمة، تحسم الأمر وتُسقط النظام؟
وهل تصوّر أهل قم أنّ العمل الذي قاموا به، سيكون له هذا القدر من البَرَكَة؟! لم
يتصوّروا ذلك. ولكن: ﴿وَكانَ حَقًّا عَلَينا نَصرُ المُؤمِنين﴾.
البصيرة؛ لازمةُ الإيمان
إنّ عامل النصر هو أن تمتلك جماعة ما – أو شعب ما، إن وسّعنا المثال-
إيمانًا صحيحًا [حقًّا]، راسخًا، يكون متلازمًا مع البصيرة؛ بحيث يترافق هذا
الإيمان والبصيرة مع العمل والإقدام؛ هذه الأمور إذا جُمعت معًا، يصبح النصر حتميّاً.
عندما تجدون أنّ قومًا مؤمنين لا ينتصرون؛ فذلك إمّا لأنّ إيمانهم ضعيف، أو أنّ
إيمانهم خاطئ؛ كأن يكون إيمانًا بما لا ينبغي الإيمان به، أو هو إيمان ليس فيه
بصيرة بقضايا العالم وبما يدور حولهم.
إنّ عدم امتلاك البصيرة، هو كعدم امتلاك العين، فلا يرى الإنسان طريقه؛ نعم، لديكم
العزم ولديكم الإرادة، ولكنّكم لا تعلمون إلى أين يجب عليكم أن تذهبوا.
لقد ركّزنا [أكدّنا] كثيرًا على البصيرة في قضيّة حوادث "9 دي"، ولم يعجب البعض ذلك؛
لأنّه لو لم تتوفّر البصيرة، لكان من الممكن أن يجرّ هذا الإيمان - ذاته- الإنسان
إلى طريق الضلال.
إنّ من ليس لديه العلم، ليس له بصيرة صحيحة فيما يدور ويجري من حوله. وقد يحدث أن
يضلّ الطريق فيضلّ عن الصواب، فلا تذهب قواه هدرًا فحسب، بل تسحبه وتوصله إلى
الضياع والى الطريق المنحرف، فلا بدّ من البصيرة.
إنّ العمل الصالح يكون على أساس الإيمان، والإيمان الراسخ هو الإيمان الصحيح.
الإيمان مع البصيرة، والمواظبة والاستقامة. فإذا كان الأمر كذلك كان النصر حتميّاً.
إنّ هؤلاء الذين لا ينتصرون، يفتقدون أمرًا من هذه الأمور: إمّا أنّهم لا إيمان
لديهم، أو أنّ إيمانهم ليس إيمانًا صحيحًا، أو أنّهم ليس لديهم الاستقامة، أو ليس
لديهم البصيرة، فيضعون حملهم في منتصف الطريق، وطبعًا، لن يصلوا إلى أيّ نتيجة.
لقد أعدّ شعب إيران هذه الظروف؛ فكان إيمانه صحيحًا، لأنّ دليله [قائده] كان صادقًا،
وكان دليلًا ماهرًا وخبيرًا، وكان فقيهًا بأمور الدنيا من حوله، ومنقطعًا عن
المطامع والمنافع الماديّة الشخصيّة، وكان عالمًا بالكتاب والسنّة، فكان يدلّ الناس
على الطريق القويم. وتحرّكَ الناس كذلك، ببصيرة، وفهموا ما عليهم أن يفعلوا، وقاموا
بما وجب عليهم أن يقوموا به،
﴿وَكانَ حَقًّا عَلَينا نَصرُ المُؤمِنين﴾. والأمر
كذلك اليوم. إنّ من أهمّ الأمور اليوم، أن نتأمل في سلوكنا، فيما مضى من أيّامنا،
فنأخذ درسًا من ضعفنا أو من قوّتنا. واليوم، الأمر كذلك، فلا يتوهمّن أحد، أنّ من
وقف بوجه الثورة الإسلاميّة بكلّ قوّته، قد انصرف اليوم من المواجهة. كلا! اليوم
أيضًا، هو في المواجهة.وغاية الأمر أنّ العدوّ ينسحب إذا اضطرّ أن ينسحب.. إذا
أجبرناهم على التراجع، فإنّهم ينسحبون، ولكنّهم لا يتخلّون عن عداوتهم، هذه هي
الأمور في العالم اليوم.. يجب أن تعرف العدوّ، ويجب معرفة جبهة العدوّ، فلا يصحّ أن
تحمل ابتسامة العدوّ على محمل الجدّ. لا ينبغي أن نكون مفتونين [منبهرين] بالعدوّ،
ولا يجوز أن ننسى الهدف، فهدف الجمهوريّة الإسلاميّة هو الوصول إلى المثُل
الإسلاميّة العليا، أي: السعادة الماديّة والمعنويّة للبشر، والتقدّم والتطوّر في
أمور الحياة الماديّة والمعنويّة. ولا يجوز أن ننسى هذا الهدف، بل علينا المتابعة،
وينبغي أن نكون على يقين أنّنا بالإيمان الراسخ والمضيّ إلى الأمام، وبالبصيرة فيما
حولنا من أمور ومسائل جارية، وبالبصيرة قبال العدوّ والبصيرة بما يخصّ ميدان العمل
وجبهة المواجهة، فإنّ النصر حتميّ لا ريب فيه.
هذا ما ينبغي الالتفات إليه، وما أقوله -أنا العبد- مرارًا وتكرارًا، أنّ أفق [مستقبل]
نظام الجمهوريّة الإسلاميّة هو أفق منير واضح- إنّما هو لما ذكرت. وذلك أنّه -
وبحمد الله – لدى شعبنا وشبابنا، رجالنا ونساؤنا، الإيمان ولديهم البصيرة ويعرفون
عدوّهم، وهم من أهل العمل والابتكار.
ضمانة البلاد؛ شعبٌ فاعل، دولةٌ فاعلة
ما هي المسألة التي تصدّى لها شبابنا ولم يستطيعوا حلّها؟ في أيّ مكان
من بلادنا، كانت البنى التحتيّة فيه متوفّرة وجاهزة، استطعنا أن نتقدّم إلى الأمام،
وهذا ببركة الاستعداد والقدرة التي جعلها الله تعالى في هذا الشعب المؤمن، وهذه هي
طبيعة العمل؛ إذ يجب أن نتقدّم دومًا إلى الأمام: على الصعيد العمليّ والاجتماعيّ
وعلى صعيد إعادة البناء، وفي السياسة وفي مختلف المجالات. حيث كنّا نمتلك الثقة،
تقدَّمنا. واليوم كذلك أيضًا.
ولقد كنت أوصي المسؤولين المحترمين، وعلى الدوام، بأن يلتفتوا إلى قدراتنا الذاتيّة،
وما لدينا من قوى لأجل حلّ مشاكل البلاد.. لا ينبغي أن ننظر إلى الخارج.. طبعًا يجب
أن نعمل على حلّ مسائل الخارج، ولا شكّ في ذلك؛ إنّ الشعب الفاعل والدولة الفاعلة
والحكومة الفاعلة تكون فاعلة في كلّ الميادين: في المسائل العلمية، وفي أمور
المنطقة، ولا بدّ من هذه الفاعلية في الأمور الدبلوماسيّة. وخلاصة القول أنّه ينبغي
أن يكون أملنا بعون الله عزّ وجلّ، وأن نعتمد على طاقات شعبنا وبلدنا في الداخل.
هذا هو ما يحمي البلاد.تلاحظون اليوم أنّ أعداءنا، والذين لم يعرفوا الشعب
الإيرانيّ جيّدًا، كانوا دائمًا يقعون في هذا الاشتباه. واليوم، هم يقعون في نفس
الخطأ. هم لا يعرفون شعبنا ولا يعرفون بلادنا، هؤلاء يتوهّمون- بما يمارسونه من ضغط
العقوبات الاقتصاديّة- أنّ الشعب سيسلِّم لهم ويرفع يديه عاليًا. كلّا يا سادة.
أنتم مخطئون. هذا الشعب ليس شعبًا يرفع يديه مستسلمًا4، وهذا الشعب لم يستسلم في
ظروفٍ أصعب؛ وكمثالٍ واضح وغير قابل للإنكار، ثمانية أعوام من الحرب المفروضة، فهل
هذا مزاح؟. ثمانية أعوام!. قامت القوى الكبرى في العالم فساعدت مجرمًا ضدّ بلدنا
وضدّ شعبنا، وانتصر الشعب عليهم جميعًا (فهل هذا عملٌ صغير؟. وهل هذا أمرٌ يسير؟5
هناك، أيضًا: ﴿وَكانَ حَقًّا عَلَينا نَصرُ المُؤمِنين﴾. وهناك، كان ذلك العزم
الراسخ والتصميم القاطع والحاسم، فجئنا، بما منّ الله تعالى به علينا، إلى ميدان
العمل وساحة النزال، وبدأت العقد تتفكّك واحدة تلو الأخرى؛ فهل كانت [ظروف] الحرب
في عامها الأول أو بعد سنتين أو ثلاث سنوات ذاتها كما كانت في اليوم الأول؟ بل
توسّعت يومًا بعد يوم، وقامت أمريكا بحماية ودعم النظام البعثيّ، ومعها الاتّحاد
السوفياتيّ السابق، وكذلك أوروبا وإنكلترا والآخرون، ودعموا صدام المجرم، لعلّه
يستطيع القيام باحتلال دائم، لأرض بلدنا العزيز، ولكنّه، وبعد ثماني سنوات، فشل،
ولم يستطع التقدّم شبرًا واحدًا إلى ما كان يسعى إليه.
ورغم كلّ تلك الخسائر والقتلى والفضائح على الساحة العالميّة، اضطرّ إلى الانسحاب.
واليوم كذلك. اليوم، بإمكاننا أن نواجه عداوة الأعداء، وأن نعمل على حلّ هذه
المشاكل بثبات الشعب وبالاتّكال على طاقاتنا في الداخل، وبالاعتماد على الله الذي
جعل هذه القلوب هكذا، وهداها إلى سواء السبيل. طبعًا. عندما نظر العدوّ، فرأى شعبًا
يملؤه العزم وهو شعب صامد ثابت، ولديه تصميم على التقدّم؛ عند ذلك، يُضطرّ العدوّ
إلى الانسحاب. وهكذا حدث. هذا خطؤهم؛ يريدون ضرب شعب إيران ببعضه.
إنّهم يقولون الحقيقة: "لا يستطيعون"
هم يتوهمون ويقولون أنّه وبسبب الحصار الاقتصادي قد أجبروا إيران على
الجلوس إلى طاولة المفاوضات. كلا. ليس الأمر كذلك. ولقد كنّا أعلنّا من قبل، قبل
هذا الكلام قلنا إنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة يفاوض هذا الشيطان في موضوعات
معيّنة ممّا نرى فيه المصلحة لنا، ولأجل دفع شرّهم ولحلّ المشاكل العالقة، ولا يعني
ذلك أنّ الشعب قد تراجع؛ هيهات! أبدًا.
إنّ إحدى بركات المفاوضات الأخيرة، أنّ عداء أمريكا وزعماء الولايات المتحدة
الأمريكيّة لإيران والإيرانيين وللإسلام والمسلمين، قد أصبح واضحًا للعيان، وأصبح
موثّقًا بالأدلّة. وقد فهم الجميع ذلك. تسمعون كلامهم ولهجتهم، وهم عندما لا
يُقدِمون، يقولون: لا نستطيع فعل ذلك. إنّهم يقولون الحقيقة، فهم لا يستطيعون.. وأن
لو استطعنا لقضينا على أصل الصناعة النوويّة في إيران ولشتّتناها وعملنا على
تفكيكها. ولكن لا نستطيع. طبعًا لا يستطيعون.
لماذا لا يستطيعون ذلك؟ لأنّ هذا الشعب أراد أن يعتمد على نفسه في هذه المسألة وفي
المسائل الأخرى كذلك، وقرّر الصمود وصمد. لقد صمّم الشعب على إظهار ابتكاراته على
الساحة، وأظهرها. ولهذا، فإنّ العدوّ لا يستطيع أن يفعل شيئًا. والأمر كذلك في
بقيّة الأمور والمسائل.
لقد اتّضحت عداوتهم، واتّضح عجزهم، فراحوا يخبطون خبط عشواء في كلّ سبيل، ولقد أظهر
سياسيّوهم ووسائلهم الإعلاميّة ومحافلهم السياسيّة حقدهم الدفين؛ ذلك الحقد القديم،
وطوال ثلاثين عامًا، مرارًا وتكرارًا وبتعبيرات مختلفة. ثمّ يحملون شعار مسألة حقوق
الإنسان ومسألة الإسلام ومسألة الالتزام بالموازين الدّينية. هذا كلامهم الذي
يواجهوننا به اليوم.
أيّها المتشدّقون بحقوق الإنسان!
أقول لكم، إنّه قد يحقّ لأيٍّ كان أن يتكلّم في مسألة حقوق الإنسان،
ولكن لا يحقّ ذلك للأمريكيّين6، وذلك لأنّ دولة أمريكا تعدّ من أكبر ناقضي حقوق
الإنسان في العالم.. ليس في الماضي، بل هم اليوم كذلك، وفي كلّ لحظة، يدعمون الكيان
الصهيونيّ الغاصب، ويساندونه وهو من يفتعل ويشعل كلّ هذه الشرارات في المنطقة.
- حال فلسطين اليوم؟!
ما هو وضع فلسطين اليوم؟ وما هو وضع الفلسطينيّين؟ وما هو حال غزة؟ إنّ
الناس في العالم اليوم لا يعرفون أحوال أهل غزة. إنّ المرضى المحتاجين إلى الدواء
اللازم لاستشفائهم يبقون على الأرض في هذه القطعة المظلومة من الأرض، ولا يعطونهم
الأدوية البسيطة. لماذا؟ لأن أمريكا تدعم الكيان الصهيوني الغاصب، ويحاصرون بلدًا
وشعبًا مظلومًا من جميع الأنحاء. فلا يبقى لهم طريق إلى الخارج. وليس لديهم من
الإمكانات اللازمة أيّ شيء. مريضهم يبقى على الأرض، وجائعهم يبقى جائعًا، ويمنعون
عنهم أبسط ضروريّات الحياة، فهل هذا ليس ظلمًا؟! وهل هذا ليس نقضًا لحقوق الإنسان؟!
ثم لا يخجلون من التحدث عن حقوق البشر والتلفّظ بها على ألسنتهم.
- هل أُغلق معتقل غوانتنامو؟!
هذا السيد الذي ترشّح لانتخابات الرئاسة7، وعد الناس في حملته
الانتخابيّة، قبل خمس أو ستّ سنوات، بأنّه سوف يغلق معتقل غوانتانامو، وقد مضى
اليوم على ذلك ستّ أو سبع سنين، فهل أغلق معتقل غوانتانامو؟!
إنّما هؤلاء هكذا: ظلمٌ للناس، وهجوم على الناس، وطائرات بلا طيار فوق رؤوس الناس
في أفغانستان وباكستان، وقتل الناس الأبرياء.
آلاف الجنايات والاعتداءات على المدنيّين وفي مختلف المناطق، ويبتدعون أساليب في
الاعتداء- وهناك الكثير من اعتداءاتهم حصلت بأساليب غير معروفة للناس في العالم-
وسوف تتّضح فيما بعد. ثم يأتي هؤلاء ليتشدّقوا بحقوق الإنسان؟! نحن نتّهم نظام
الولايات المتّحدة الأمريكيّة وكثير من الدول الغربيّة بسبب نقضهم لحقوق الإنسان..
نتّهمهم وندَّعي عليهم.
ونحن نوجّه إليهم السؤال، ونأخذ بتلابيبهم أمام محكمة الرأي العام العالميّ، وليس
لديهم الجواب أصلًا.
اعتمدوا على أنفسكم!
إذا أراد الشعب الإيراني أن يتخلّص من مشاكله الماديّة والمعنويّة، ومن
مشاكله الأخلاقيّة ومشاكله الاقتصاديّة؛ يجب عليه أن يعتمد على نفسه وأن يعتمد على
فكره وإرادته وعلى إيمانه وشبابه وعلى شخصيّاته، وأن يعلم أنّ حلّ المشاكل عند الله
المتعال. واعلموا أيّها الإخوة الأعزّاء والأخوات العزيزات، ويا أهل قم الأعزّاء،
ويا أيّها الشعب الإيرانيّ، أنّ شعب إيران برهن أنّه -وبالاعتماد على الله تعالى-
سيعبر كافّة الموانع وسيصل إلى أهدافه.
رحمة الله تعالى على إمامنا العظيم الذي بدأ ثورته من قم، وأوضح لنا ولشعب إيران
معالم الطريق، واستقام في هذا الطريق بهمّته وبإيمانه وثباته وبتوكّله على الله
ربّه، وجعلنا نمشي على خطاه في هذا السبيل. ونحن جميعًا، نتعهّد بأن نستمرّ في هذا
الطريق إلى النهاية. رحمة الله على شهداء زمن الثورة الأعزّاء، وشهداء زمن الحرب
المفروضة وكلّ الشهداء إلى اليوم، وشهداء قم الأعزّاء، وعليكم، أيّها الأخوة
والأخوات الكرام.
والسّلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
1- 19 دي (هجري شمسي) موافق لـ
9 ك2 1978م ؛ ذكرى انتفاضة أهالي قم وهي حادثة مفصلية في تاريخالثورة الإسلاميّة.
2- سورة الروم، آية 47
3- سورة التوبة، آية 111
4- انطلاق هتافات الدعاء بالحفظ للقائد والهلاك للأعداء.
5- المقصود حسب السياق: هل أنّ انتصارات الشعب خلال هذه الحرب أمر سهلٌ ويسير؟
6- هتافات قوية: الموت لأمريكا.
7- المقصود: أوباما.