النبوّة
مباحث النبوة العامة
الله سبحانه وتعالى عليم حكيم خلق الخلق لحكمة ومصلحة وهدف، يقول تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ.
عدد الزوار: 310
الغاية من خلق الإنسان
الله سبحانه وتعالى عليم حكيم خلق الخلق لحكمة ومصلحة وهدف، يقول تعالى:
﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا
تُرْجَعُونَ﴾1.
ويقول تعالى:
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا
لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا
يَعْلَمُونَ﴾2. فكلّ شيء خلق لغاية، والغاية أوضحها الله تعالى في كتابه الكريم
حيث يقول:
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾3.
كما ورد في الحديث القدسيّ أيضاً "كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي
أعرف"4، فالعبادة والمعرفة هما الغاية من خلق الإنسان.
والعبادة تعني الخضوع والطاعة والانقياد للخالق بما يأمر وبما ينهى. ولكن لكي
تتحقّق هذه العبادة والطاعة على الوجه الصحيح والمرضيّ من قبل الخالق لا بدّ أن
تكون عن معرفة ودراية وإلّا وقعت باطلة وغير صحيحة لأنّ الإنسان لا يستطيع أن يسلك
الطريق الصحيح دون دليل يدلّه عليه.
الأنبياء وتحقّق الغاية
إنّ تحقيق الغاية من الخلق وهي المعرفة والعبادة يتوقّف على تعيين واسطة بين الخالق
وبين المخلوقين تهديهم إلى الرشاد وتعلمهم طرق العبادة والطاعة.
يقول تعالى:
﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ
مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ
عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾5 وهنا يأتي دور النبوّة.
إنّ تاريخ الإنسان بنظر القرآن الكريم مترافق مع تاريخ الوحي والنبوّة, فلقد كان
الوحي موجوداً كبرنامج تكامل للإنسان منذ ظهوره على الأرض، يقول تعالى:
﴿وَإِن مِّنْ
أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾6 إلى غير ذلك من الآيات الّتي تؤكّد هذه
الحقيقة.
ويقول أمير المؤمنين عليه السلام في هذا السياق في نهج البلاغة: "ولم يُخلِ الله
سبحانه خلقه من نبيّ مرسَل أو كتاب منزل أو حجّة بالغة أو محجّة قائمة"7.
الإيمان بجميع الأنبياء عليهم السلام
لا يكفي الاعتقاد بنبوّة نبيّ واحد أو بعض الأنبياء عليهم السلام بل لا بدّ من أن
يعتقد الإنسان بنبوّة جميع الأنبياء لأنهم جميعاً أنبياء مرسلون من قبل الله تعالى،
وكلّ نبيّ جاء مصدّقاً لكلام النبيّ الّذي قبله، يقول تعالى:
﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى
نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ
وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ
وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورً﴾8.
ويقول تعالى:
﴿قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ
إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا
أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ
بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾9.
ويقول تعالى في ذمّ أولئك الّذين يؤمنون ببعضهم فقط:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ
بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ
وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ
بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا
لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا
مُّهِينً﴾10.
فوائد بعثة الأنبياء عليهم السلام
هناك فوائد كثيرة من بعثة الأنبياء بالإضافة إلى تعريف الناس وهدايتهم إلى طريق
تكاملهم، أهمّها:
1- يوجد كثير من المعارف المهمة في حياة الإنسان قد يجهلها أو يغفل عنها وهذه
المعارف بيَّنها الأنبياء للناس لتذكيرهم الدائم، لذلك ورد في القرآن الكريم صفة
المذكِّر والذكر والذكرى والتذكرة. يقول تعالى:
﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ
مُذَكِّرٌ﴾11.
ويقول تعالى:
﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ﴾12.
ويقول تعالى:
﴿طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا
تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى﴾13.
ويقول أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: "فبعث فيهم رسله وواتر إليهم
أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكّروهم منسيّ نعمته، ويحتجّوا عليهم بالتبليغ،
ويثيروا لهم دفائن العقول"14.
2- إنّ وجود النبيّ بين الناس له تأثير كبير في تربية الأشخاص باعتبار أنّ الأنبياء
وصلوا إلى أعلى مراتب الكمال فكانوا القدوة الحقيقية ليقتدي بهم الناس ويتأسّوا
بأفعالهم فيقوموا بتربية الناس وتزكيتهم روحياً.
يقول تعالى:
﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ
مَعَهُ﴾15.
ويقول تعالى:
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾16.
3- من فوائد وجود الأنبياء ممارسة القيادة السياسية والدينية والاجتماعية وفضّ
الخلافات والمعضلات والاضطرابات الاجتماعية بين الناس، يقول تعالى:
﴿كَانَ النَّاسُ
أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ
وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ
النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ﴾17.
دور الأنبياء عليهم السلام
إنّ القرآن الكريم لم يحدّد دوراً خاصاً للأنبياء عليهم السلام بل إنّ دورهم مرتبط
بكلّ ما تحتاجه الأمّة في حياتها على الصعيد الروحيّ والعلميّ وعلى الصعيد
الاجتماعيّ من وضع قوانين تنظمّ حياة الناس وتهديهم إلى السعادة الحقيقية والكمال
الإنسانيّ،
وكذلك يبينون لهم الأحكام ويحذّرونهم من الوقوع في المعاصي ومخالفة الله تعالى.
وهذه بعض أدوارهم عليهم السلام الّتي وردت في القرآن الكريم:
1- التعليم:
يقول تعالى:
﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو
عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ﴾18.
2- التبشير والإنذار:
يقول تعالى:
﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ
وَمُنذِرِينَ﴾19.
3- الدعوة لعبادة الله تعالى:
يقول تعالى:
﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ
اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ﴾20.
4- إخراج الناس من الظلمات إلى النور:
يقول تعالى:
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ
قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ﴾21.
5- الشهادة على أعمال العباد:
يقول تعالى:
﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا
وَنَذِيرً﴾22.
6- إبلاغ الرسالة للناس:
يقول تعالى:
﴿مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ﴾23.
7- الحكم بين الناس:
يقول تعالى:
﴿فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ
وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا
اخْتَلَفُواْ فِيهِ﴾24.
8- الأسوة الحسنة:
يقول تعالى:
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ﴾25.
صفات الأنبياء عليهم السلام
أخطر المناصب وأكبرها مسؤولية قيادة المجتمع البشريّ وهدايته إلى السعادة والكمال،
فإنّ المتصدّي لهذه المسؤولية الكبرى عليه أن يتمتّع بصفات وامتيازات خاصّة،
كالمعرفة التامّة بإدارة الشؤون الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاجتماعية
والتربوية، بالإضافة
إلى الاتّصاف بالفضائل النفسية والروحية والأخلاقية. لذلك نرى القرآن الكريم يركّز
على هذه الناحية لأهميتها على صعيد التبليغ حيث يخاطب الله سبحانه وتعالى نبيّه
الكريم بقوله:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا
غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ
حَوْلِكَ﴾26، وخاطبه تعالى ومثنياً عليه بقوله:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ
عَظِيمٍ﴾27.
هذا بالإضافة إلى الصفة الأهمّ والأبرز والتي لها ارتباط وثيق بالتبليغ والهداية
وهي صفة العصمة ونتحدّث عنها باختصار.
العصمة
الواسطة بين الله وعباده أي النبيّ يجب أن يكون معصوماً، بمعنى أنّه يجب أن يتمتّع
بملكة نفسية قوية تمنعه من ارتكاب المعصية حتّى في أشدّ الظروف. وتنبع هذه الملكة
من الوعي التامّ بقبح المعصية والإرادة القوية لضبط الميول النفسية، وهذه تتحقّق
بالعناية
الإلهية الخاصّة.
1- الدليل على العصمة:
هناك العديد من الأدلّة منها:
أنّه لو لم يكن النبيّ معصوماً لكان محلّ إنكار ومورد عتاب كما في قوله تعالى:
﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ﴾28، وأيضاً قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ
مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾29. فمن الطبيعيّ
أن يكون النبيّ معصوماً يأتمر بما يأمر وينتهي عمَّا ينهى حتّى لا يُنكر عليه من
أحد وحتّى يحصل الوثوق به وبتبليغه ويُعتمد عليه في إخراج الناس من الظلمات إلى
النور.
2- أنواع العصمة:
1- العصمة من الذنوب:
الأنبياء عليهم السلام معصومون من ارتكاب الذنوب صغيرها وكبيرها لأنّه
لو كان النبيّ مرتكباً للذنوب لأصبح ظالماً إمّا لنفسه أو لغيره وهو خلاف قوله
تعالى لإبراهيم عليه السلام:
﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾.
2- العصمة عن الخطأ والاشتباه:
لأنّ النبيّ لو اشتبه وأخطأ يكون خلاف كونه هادياً حيث يحتمل الاشتباه
حينها في كلّ قول وتبليغ وحكم، وهذا نقض للغرض الّذي أرسل الأنبياء لأجله, لأنّهم
عليهم السلام بعثوا هداة مهديّين. كما يقول تعالى:
﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَ﴾30.
ويقول أيضاً:
﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾31.
ويقول سبحانه وتعالى بحقّ رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم:
﴿وَمَا يَنطِقُ
عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾32.
3- المعصوم غير مجبور على ترك المعصية:
إنّ العصمة لا تعني أنّ الإنسان مجبور على العمل بمقتضاها بل أنّ صاحبها
لا يختار المعصية ولا يقع فيها لعلمه بحقيقة الذنب وآثاره، وقوّة العلم توجب قوّة
الإرادة، فلا تتعلّق إرادته حينئذٍ إلّا بالطاعات.
* كتاب في رحاب العقيدة، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة المؤمنون، الآية: 115.
2- سورة الدخان، الآيتان: 38 و 39.
3- سورة الذاريات، الآية: 56.
4- بحار الأنوار، ج84، ص199.
5- سورة الشورى، الآية: 51.
6- سورة فاطر، الآية: 24.
7- نهج البلاغة، السيّد الرضي، خطبة 1.
8- سورة النساء، الآية: 163.
9- سورة البقرة، الآية: 136.
10- سورة النساء، الآيتان: 150 و151.
11- سورة الغاشية، الآية: 21.
12- سورة الأنعام، الآية: 90.
13- سورة طه، الآيات: 13.
14- نهج البلاغة، السيّد الرضي، خطبة 1، ص 23.
15- سورة الممتحنة، الآية: 4.
16- سورة الأحزاب، الآية: 21.
17- سورة البقرة، الآية: 213.
18- سورة البقرة، الآية: 151.
19- سورة الأنعام، الآية: 48.
20- سورة النحل، الآية: 36.
21- سورة إبراهيم، الآية: 5.
22- سورة الفتح، الآية: 8.
23- سورة المائدة، الآية: 99.
24- سورة البقرة، الآية: 213.
25- سورة الأحزاب، الآية: 21.
26- سورة آل عمران، الآية: 159.
27- سورة القلم، الآية: 4.
28- سورة البقرة، الآية: 44.
29- سورة الصف، الآيتان:2 و3.
30- سورة الأنبياء، الآية: 73.
31- سورة الأنعام، الآية: 90.
32- سورة النجم، الآيتان: 3 و 4.