معرفة الإمامة
الإمامة والخلافة
عن الإمام الرضا عليه السلام: "وأنزل في حجّة الوداع وهي آخر عمره صلى الله عليه وآله وسلم الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا، وأمر الإمامة من تمام الدين".
عدد الزوار: 265
تمام الدين
عن الإمام الرضا عليه السلام: "وأنزل في حجّة الوداع وهي آخر عمره صلى الله عليه
وآله وسلم ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾1،
وأمر الإمامة من تمام الدين"2.
إنّ للإمامة شأناً عظيماً في الإسلام، فليست هي مجرّد منصب سياسيّ، أو حدث زمانيّ
ذي تأثيرات محدودة، بل إنّ كمال الدين لا يتحقّق إلّا من خلال الإمامة كما عبّرت
الآية الكريمة السابقة. فالإمامة هي مسألة دينية بل هي كمال الدين، فما معنى عبارة
كمال الدين؟ إنّ كون الإمامة كمال الدين يعني ما يلي:
الإمامة أساس استمرار الإسلام
فالإسلام ليس ديناً محدوداً بزمن حياة الرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم أو
أكثر بقليل حتّى يأتي نبيّ آخر، بل هو دين الله الّذي تتعبّد به البشرية إلى قيام
الساعة. وهذا يفرض حفظ الدين كما هو على امتداد خطّ البشرية، فكيف يمكَّن الدين بعد
النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم؟ هناك ضمان قد وضعه النبيّ الأكرم صلى الله
عليه وآله وسلم بنفسه لهذه الأمّة حيث قال: "إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم
بهما فلن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي"3.
فالضمان مركّب من أمرين لا يغني أحدهما عن الآخر، هما القرآن الكريم وأهل البيت
عليهم السلام. فصحيح أنّ القرآن الكريم محفوظ لا يقع فيه تحريف أبداً، ولكن في
آياته المحكم والمتشابه والمجمل والمبين، لذلك وقع الخلاف في تفسير آياته وفهمها
والمقصود منها وتأسّست مدارس ومذاهب واتّجاهات كلّ منها يفسّر آياته بشكل مختلف عن
الآخر، فما هو الصحيح بين كلّ تلك الأفكار؟ هنا يأتي دور الثقل الآخر في الرواية:
"عترتي
أهل بيتي".
ويشير الإمام الباقر عليه السلام إلى هذا الموضوع: "بُني الإسلام على خمسة أشياء:
على الصلاة، والزكاة، والحجّ، والصوم، والولاية".
قال زرارة: فقلت: وأيّ شيء من ذلك أفضل؟
فقال عليه السلام: "الولاية أفضل لأنّها مفتاحهنّ، والوالي هو الدليل عليهنّ"4.
الإمامة ضمانة التطبيق الصحيح لأحكام الإسلام
صحيح أنّ الإسلام قد أبلغه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقواعده وأحكامه
العامّة، بل وتفاصيله ومفرداته وتطبيقاته الّتي كانت موجودة في زمانه صلى الله عليه
وآله وسلم ، لكنّنا نعلم أنّ طرق حياة الإنسان تتغيّر وبالتالي تطبيقات الأحكام
الشرعية ومفرداتها تختلف من زمن لآخر رغم ثبوت كلّياتها. وهنا نقف أمام تحدٍّ آخر
هو كيفية التطبيق الصحيح لأحكام الإسلام على هذه المفردات المستجدّة، وأيّ تطبيق
سيبقى في كثير من الأحيان في إطار الظنّ ما لم يكن هناك إمام معصوم أعرف بأهداف
الإسلام وحقائق أحكامه ليطبّقها على المستجدّات بشكل قطعيّ.
ولعلّ الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام: "إنّ الإمامة أسّ الإسلام النامي وفرعه
السامي"5، فيها إشارة إلى هذا المعنى، فالإمامة بالإضافة إلى حفظها لأصل الإسلام هي
كذلك فرع الإسلام ومن خلالها يكون التفريع الصحيح.
الإمامة ضمان وحدة المسلمين ونظامهم
فإنّ الله تعالى لم يترك الأمّة دون وليّ وراعٍ يقودها إلى صلاحها في الدنيا
والآخرة بل عيّن لهم الإمام الواجب الطاعة على الدوام والذي من خلاله تحصل الوحدة
والنظام وعزّة الإسلام والمسلمين، وهناك العديد من الروايات الّتي تشير إلى ذلك.
فعن الإمام الرضا عليه السلام: "إنّ الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح
الدنيا، وعزّ المؤمنين"6.
وعن الإمام عليّ عليه السلام: "فرض الله تعالى الإمامة نظاماً للأمّة"7.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اسمعوا وأطيعوا لمن ولّاه الله الأمر،
فإنّه نظام الإسلام"8.
وتفرّق المسلمين واختلافهم وضعفهم لم ينشأ من فراغ في القيادة الشرعية، لأنّها كانت
موجودة على الدوام بل نشأ من تخلّي الناس عن هذه القيادة، وكذلك كانت غيبة إمام
زماننا عجل الله تعالى فرجه الشريف نتيجة تخلّي الأمّة عن نصرته.
معنى المعرفة
المعرفة تعني الإقرار بإمامتهم عليهم السلام والالتزام بها، وليست هي مجرّد إدراك
مع عدم الإقرار والالتزام. وتكفي هذه المعرفة الإجمالية، وأمّا المعرفة التفصيلية
لمقامهم وشأنهم عليهم السلام عند الله تعالى وما بلغوه من مراتب الكمال، فهي تزيد
ارتباط الأمّة بهم وتعطي معنى أوضح للإمامة وإن لم تكن شرطاً، وعلينا أن نلتفت إلى
أنّ عدم وجوب المعرفة لا يعني الإنكار.
التقصير في معرفتهم عليهم السلام
روى الصدوق رضوان الله عليه في عيون أخبار الرضا عليه السلام: أنّ ابراهيم بن أبي
محمود قال للرضا عليه السلام: يا ابن رسول الله إنّ عندنا أخباراً في فضائل أمير
المؤمنين عليه السلام وفضلكم أهل البيت وهي من رواية مخالفيكم ولا نعرف مثلها
عندكم أفندين بها؟ فقال عليه السلام: "يا ابن أبي محمود إنّ مخالفينا وضعوا أخباراً
في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام، أحدها الغلوّ، وثانيها التقصير في أمرنا،
وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا، فإذا سمع الناس الغلوّ فينا كفّروا شيعتنا ونسبوهم
إلى القول بربوبيتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا
بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا وقد قال الله عزّ وجلّ:
﴿وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ
يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ إلى أن
قال: يا ابن أبي محمود احفظ ما حدّثتك به فقد جمعت لك فيه خير الدنيا والآخرة"9.
إنّ التقصير بحق أهل البيت عليهم السلام هو أحد الأمور الّتي يجب على المؤمن
اجتنابها، وهو إنزال أهل البيت عليهم السلام عن المقام الّذي وضعهم الله تعالى فيه.
وإنزالهم عن مقامهم قد يكون عن عمد كمن يحاول أن يضعفهم بين الأمّة ليحصل على مقام
وسلطان وجاه، وقد يكون عن جهل وعدم علم، وعدم العلم في كثير من مقاماتهم عليهم
السلام إذا كان عن جهل وعدم اطّلاع مع إقرار بعدم العلم لا يعتبر تقصيراً، بل
التقصير ينشأ من إنكار ما هو ثابت.
لذلك ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما جاءكم منّا ممّا يجوز أن يكون في
المخلوقين ولم تعلموه ولم تفهموه فلا تجحدوه وردّوه إلينا، وما جاءكم عنّا ممّا لا
يجوز أن يكون في المخلوقين فاجحدوه ولا تردّوه إلينا"10.
* كتاب في رحاب العقيدة، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة المائدة، الآية: 3.
2- الكافي، ج1، ص199.
3- وسائل الشيعة، ج27، ص34.
4- بحار الأنوار، ج65، ص332.
5- بحار الأنوار،، ج25، ص123.
6- م.ن.
7- م.ن، ج6، ص111.
8- م.ن، ج23، ص298.
9- من لا يحضره الفقيه،الشيخ الصدوق، ج4، ص504.
10- بحار الأنوار، ج52، ص364.