يتم التحميل...

خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء رئيس مجلس الخبراء والأعضاء

2013

أرحّب بالسادة المحترمين، العلماء الأعلام، ورجال الدين الدين البارزين في جميع أقاصي البلاد الذين بحمد الله اجتمعوا في هذه الجلسة. وعلى الرغم من أنّ مهمّة مجلس الخبراء مهمّة محدّدة في الدستور، لكنّ نفس عقد هذه الجلسة واجتماع السادة،

عدد الزوار: 35

خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء رئيس مجلس الخبراء والأعضاء. في اختتام جلسة أعضاء مجلس الخبراء الممتدّة ليومين1_5/9/3013

بسم ‌اللَّه ‌الرّحمن‌ الرّحيم‌

أرحّب بالسادة المحترمين، العلماء الأعلام، ورجال الدين الدين البارزين في جميع أقاصي البلاد الذين بحمد الله اجتمعوا في هذه الجلسة. وعلى الرغم من أنّ مهمّة مجلس الخبراء مهمّة محدّدة في الدستور، لكنّ نفس عقد هذه الجلسة واجتماع السادة، يوجب طرح الأبحاث المتنوّعة المرتبطة بالجوانب والميادين المختلفة في البلاد، وإبداء السادة آراءهم فيها أيضاً. حسنٌ، المسؤولون أيضاً حاضرون في هذه الجلسة، من حسن الحظّ، أنّ رئيس الجمهوريّة المحترم وبعض المسؤولين المحترمين الآخرين هم أعضاء في هذه الجلسة، وهذا يضاعف الأمل في أن تلقى آراء السادة اهتماماً أكبر. وهذا ما نأمله، ونحن أيضاً سنسعى قدر الامكان، والطاقة وما يتيحة لنا مجال المسؤوليّة والسلطة، إن شاء الله للمساعدة فيما يرتئيه السادة.

كما أرى من اللازم أن أتعرض لهذه المسألة وهي مسألة تشييع الشهداء ـ الذي جرى قبل بدء هذه الجلسة ـ والذي هو عمل مفيد وبنّاء.2 أن يرى الناس شخصيّات محترمة وكبيرة، رئيس مجلس الخبراء المحترم وآخرين، يؤدّون الاحترام لجثامين الشهداء ونعوشهم ـ لشهداء لا يعرفونهم، ولمجرّد كونهم شهداء الثورة وشهداء طريق الحقّ ـ يمشون خلف نعوشهم ويشيّعونهم، هذا درس لمجتمعن، وأنا أرى أنّ بلدنا ومجتمعنا بحاجة إلى هذا لأمد طويل، لتحيا ذكرى الشهداء، ويبقى طريق الشهداء واضحاً.

الموضوع الذي خطر ببالي أن أطرحه هو أنّنا مكلّفون- مهما كنا في أيّ من مستويات اتّخاذ القرار المختلفة وصناعته المتعلّق بالنظام- أن ننظر إلى المسائل المختلفة في البلاد بنظرة استراتيجيّة وجامعة. واضح أنّ هناك حوادث متنوّعة خارجة عن إرادتنا ـ سواءً على مستوى المنطقة، أو على مستوى العالم، وحتّى على مستوى بلدنا ـ تحدث. هناك مسؤوليّات تقع على النظام الاسلامي والمسؤولين وأركان النظام إلى جانب عموم أفراد الشعب، لا يمكن لهذه المسؤوليّات أن تُعرّف بالنسبة إلى الحوادث، أي تحدث حادثة، فنأتي بحركة انفعاليّة في مقابل هذه الحادثة، نتموضع، نقوم بعمل، هذا لا يصحّ، هذا بمعنى انجرار نظام الجمهوريّة الاسلاميّة لهذا الناحية ولتلك الناحية. يلزم للنظرة الجامعة والنظرة الاستراتيجيّة للمسائل ـ إذ كانت هذه النظرة الاستراتيجيّة والجامعة بحمد الله حاكمة في بلدن، لم يحدث أن غفل المسؤولون منذ بداية الثورة إلى الآن عن هذا ـ أن تُحفظ هكذا، وأن نتموضع في مواجهة الحوادث من خلال هذه النظرة الجامعة، أن نعرف الحادثة.

لقد تشكّل نظام الجمهوريّة الاسلاميّة في خضمّ الحوادث العاصفة المختلفة، لقد قيل هذا الكلام مراراً، لكن لا ينبغي أن ننسى أنّ نظاماً شعاره عبارة عن تطبيق دين الله في حياة البشر وفي المجتمع الشعبي والبلاد، شعاره قولبة حياتنا الاجتماعيّة بالشريعة الالهيّة ودين الله والضوابط والقيم الالهيّة، مثل هكذا نظام في عالم سار منذ قرنين أو ثلاثة بسرعة نحو الماديّة وتشكّل على أساسها، كان شيئاً شبيهاً بالمعجزة، وهذه المعجزة وقعت.

منذ بداية تشكيل النظام الاسلامي ابتدأت المعارضات أيضاً و"بالاستناد إلى الاسلام"، لا يقولنّ أحد أنّ استقلال البلاد أو سياسة محاربة نظام الاستكبار سبّب عداواتهم ـ وهذه حقيقة، هذا فقط ـ بالنهاية، محاربة الاستكبار نابعة من صلب الاسلام، حاكميّة الشعب الدينيّة الخاصّة بنا نابعة من صلب الاسلام. لقد قلت مراراً أنّه عندما نقول حاكميّة الشعب الدينيّة، فإنّ ذلك ليس بمعنى تركيب توليفي بين حاكميّة الشعب بمفهوم، والدين بمفهوم آخر، ليس هذا. حاكميّة الشعب خاصّتنا نبعت من الدين، ولقد دلّنا الاسلام على هذا الطريق، ومن خلال الاهتداء بالاسلام اهتدينا إلى نظام الجمهوريّة الاسلاميّة، وبعدها، سيكون الأمر كذلك بتوفيق الله تعالى. هذه العداوات مركّزة وموجّهة إلى الاسلام، فيما لو سُلب الاسلام من هذا النظام وحُذف، وسيُحذف بشكل طبيعيّ ما ينشأ عن الاسلام أيضا، أو سيضعف أو يبهت، علينا أن نحلّل المسائل بهذه النظرة. هناك اصطفافات في العالم، ونحن طرف في كثير من هذه الاصطفافات، علينا أن نرى من هو الطرف المقابل لنا، ما هو؟ لماذا يعادينا؟ لماذا نحن نواجهه؟ علينا أن ننظر في هذه الأمور نظرةً استراتيجيّة. قال تعالى: ﴿أفمن يمشي مكبّأً على وجهه أهدى أمّن يمشي سويّاً على صراط مستقيم،3 معنى "سويّاً على صراط مستقيم" هذه العين المفتوحة نفسها، المتحلّية بالبصيرة، بالوعي، بملاحظة جميع الجوانب، فلننظر ما هو الهدف، وما هو طريق (الوصول) إلى هذا الهدف، والوقائع الموجود أمامنا، ما هي؟ فلنتّخذ القرارات من خلال ملاحظتها، ولنتحرّك.

تلاحظون اليوم أنّ حوادث متنوّعة تجري في منطقتنا. منذ سنوات عدّة إلى اليوم، وجهاز الاستكبار، يجعل من غرب آسيا منطقة مستباحة له،وعلى الرغم من تواجد الاستكبار في المنطقة، ونشاطه فيها، ظهرت الصحوة الاسلاميّة، وأنا أقول أنّ الصحوة الاسلاميّة لم تنتهِ، ليس الأمر كما نتصوّر أنّ بهذه الحوادث التي تحدث الآن في بعض البلدان، قد قُضي على الصحوة الاسلاميّة. الصحوة الاسلاميّة لم تكن حادثة سياسيّة محضة، كانقلاب، وإطاحة، شخص يأتي وآخر يذهب، بعدها يأتي أحدهم ويطيح به. الصحوة الاسلاميّة كانت بمعنى نشوء حالة من التنبه واليقظة والوعي والثقة بالنفس بالاعتماد على الاسلام في المجتمعات الاسلاميّة، لقد أفتُعلت حوادث في شمال أفريقيا طبقاً لمقتضيات، في مصر مثلاً أو تونس أو قبل ذلك في السودان، هذه الأرضيّة موجودة بالقوّة وبشكل تامّ أيضاً في أماكن أخرى. لا يتصوّرنّ أحد أنّ الصحوة الاسلاميّة انتهت، لا، فهذه حقيقة تحت جلد المجتمعات الظاهري(الخارجي). لذا، فإنّكم ترون في البلدان التي تدّعي الميل إلى الاسلام، أنّ الناس يصوّتون لتلك الحكومة الميّالة إلى الاسلام، هذا دليل على إقبال الناس على الاسلام والتوجّه إليه. بناءً على هذا، فحدث الصحوة الاسلاميّة هو حدث كبير جدّاً موجود، وقد وُجدت هذه الصحوة ‌رغم أنف المستكبرين، وخلافاً لمشيئتهم، ومن الطبيعى أن يكون هناك ردّة فعل من قبلهم، إنّنا اليوم نشهد ردّة فعل جبهة الأعداء، توجد حوادث سواءً في شرق منطقتنا، أي في باكستان وأفغانستان إلى أقصى غرب آسيا، أي منطقة سوريا ولبنان. لقد حدّدت جبهة الاستكبار ـ والطرف البارز في هذه الجبهة هو الولايات المتّحدة الأميركيّة ـ مصالح لها في المنطقة من خلال النظرة الاستكباريّة، أي النظرة الاستعماريّة في القرن التاسع عشر بشكل جديد، وهم يسعون إلى حلّ مشاكل المنطقة جميعاً بملاحظة المصالح التي حدّدوها لأنفسهم، المسألة السوريّة هي أيضاً من هذا القبيل. إنّ حضور الاستكبار في هذه المنطقة هو حضور عدوانيّ واستبداديّ وتوسّعي يريد الاطاحة بكلّ مقاومة تقف بوجهه، بالطبع، لم يوفّقوا، بحمد الله، إلى الآن، ولن يوفّقوا.

هذه المنطقة منطقة غنيّة بالثروات، ولها موقع جغرافي وطبيعيّ مهمّ جدّاً، وبالطبع، هم مهتمّون بهذه المنطقة، يتطلّعون إليها، بحيث إذا ما نظر الانسان في تصريحاتهم، وما فعلوه إلى الآن، يتبيّن أنّ هدفهم هو جعل المنطقة من خلال محوريّة النظام الصهيوني تابعة لهم، وتثبيت سيطرتهم عليه، إنّهم يسعون وراء هذا. كما تلاحظون، الحجّة التي طرحوها مؤخّراً، في القضيّة السوريّة الأخيرة نفسه، مسألة استخدام السلاح الكيميائي. ها هم الآن بالطبع يحاولون بلسان فصيح وبإسهاب التظاهر بأنّهم يريدون التدخّل في هذه المشكلة من أجل المسألة الانسانيّة، من في العالم يصدّق هذا الادّعاء؟ فما هو غير مطروح بالنسبة للسياسيّين الأميركيّين، دون شكّ، هو هذه الجوانب الانسانيّة. هؤلاء هم من احتجزوا آلاف الأشخاص في سجن غوانتانمو، وقبله في سجن أبي غريب في العراق، لعدّة سنوات من دون محاكمة ولمجرّد الاتّهام، ولا زال البعض منهم يقبع إلى الآن في ذلك المعتقل، حسنٌ، هل هذا عمل إنسانيّ؟ هؤلاء من رأوا قصف صدّام الشامل للمنطقة بالسلاح الكيميائيّ ـ سواءً ما حدث في حلبجة العراقيّة، أو ذاك الذي حدث في مدننا، في سردشت وغيرها ـ ولم ينبسوا ببنت شفة، بل حتّى ساعدوا على ذلك، فلنفترض الآن أنّ الأميركيّين لم يمدّوه بالسلاح الكيميائي ـ الغربيّون حتماً ساعدوه وامدّوه به، لا شكّ في ذلك، والمعلومات موجودة بين أيدينا ـ ولكن الأميركيّين قد رأوا بالحدّ الأدنى، واطّلعوا على الأمر ولم يبدوا أدنى اعتراض، هكذا هي المسألة الانسانيّة بالنسبة لهؤلاء. لقد أمطروا- في أفغانستان وباكستان- احتفالات زفاف عامّة بالرصاص، قتلوا أناساً، قتلوا الآلاف من الناس في العراق ظلماً وعدواناً، أبادوهم، ولا زال عملاؤهم إلى الآن يقومون بهذه المهمّة، هؤلاء لم يتكلّموا ولو بحرف واحد. المسألة الانسانيّة ليست شيئاً يعتقد أحد في العالم أنّ الأميركيّين يعملون من أجله، ها هم اليوم يسهبون في الكلام، ينمّقونه، يتحجّجون بهذا لكي يبرّروا تحرّكهم. ونحن نرى بالطبع، أنّهم مشتبهون ويرتكبون خطأً، وسوف يشعرون بالضربة النازلة عليهم في هذا المجال، وسوف يتضرّون من هذه الناحية قطع، لا شكّ في ذلك. حسنٌ، هذا هو وضع المنطقة.

نظام الجمهوريّة الاسلاميّة من خلال تلك التجربة الإعجازية جدّاً ـ حيث جرت بين هذه العواصف الهادرة حوادث، ثم بعدها أيضاً وعلى امتداد السنوات المتمادية، وقف في وجه المعارضات، وليس فقط لم يضعف، ولم تبهت شعاراته، بل أصبح أقوى من الناحية الواقعيّة يوماً بعد يوم، فالجمهوريّة الاسلاميّة اليوم، تختلف عن الجمهوريّة الاسلاميّة قبل ثلاثين سنةً وقبل خمس وعشرين سنةً- من ناحية القوّة وتوسّع النفوذ والقدرات الذاتيّة- اختلاف الأرض عن السماء، وشعاراتها أيضاً شعارات قويّة ـ ومن خلال النظر إلى خطط الأعداء في هذه المنطقة، عليه أن يعرف ماذا ينبغي أن يفعل، ما أظنّه أنّه من واجباتنا، وواجبات مسؤولي البلاد، ووظيفة حكومة الجمهوريّة الاسلاميّة، هو أن نأخذ هذه العناصر الثلاثة الكبرى بالحسبان في جميع القرارات والإجراءات:

العنصر الأوّل: عبارة عن مبادىء نظام الجمهوريّة الاسلاميّة وأهدافه، إذ لا ينبغي لهذه المبادىء والأهداف أن تغيب عن نظرن، حيث يمكن لمبادىء نظام الجمهوريّة الاسلاميّة أن تُلخّص في جملة مقتضبة "إيجاد الحضارة الاسلاميّة". الحضارة الاسلاميّة تعني ذلك الجوّ الذي يستطيع فيه الانسان التطوّر من الناحية المعنويّة ومن الناحية الماديّة، والوصول إلى الغايات المنشودة التي خلقه الله تعالى من أجل الوصول إليه، أن يحيا حياةً طيّبة، حياةً عزيزة، الانسان العزيز، الانسان القويّ، صاحب الارادة، والمبتكر، والباني لعالم الطبيعة، هذا ما تعنيه الحضارة الاسلاميّة، وهذا هو هدف نظام الجمهوريّة الاسلاميّة ومبادىء نظام الجمهوريّة الاسلاميّة.

العنصر الثاني: عبارة عن السبل التي توصلنا إلى هذه الأهداف، الاستراتيجيّات العامّة والكلّيّة، ينبغي معرفة هذه الاستراتيجيّات، الاستناد إلى الاسلاميّة، الالتفات لعدم الظلم وعدم الانظلام في المعاملات المختلفة، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "كونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً"4 هذا تكليف، هذه استراتيجيّة عامة. استراتيجيّة الاستناد إلى آراء الشعب وما من شأنه أن يشكّل حاكمية الشعب، واستراتيجيّات من هذا القبيل، هذه هي السياسات العظمى والأساسيّة والاستراتيجيّات الأساسيّة لنظام الجمهوريّة الاسلاميّة للوصول إلى هذه الأهداف، العمل العمومي، السعي العمومي، الابتكار العمومي، الوحدة الوطنيّة، ومثل هذه الأمور الموجودة.

العنصر الثالث، الوقائع، ينبغي رؤية الوقائع، حيث قلت في محضر مسؤولي النظام والعاملين فيه في شهر رمضان المبارك5، أنّ ما يلزمنا، هو المبدئيّة مع النظر إلى الوقائع. ينبغي أن نفهم الوقائع جيّداً، ما يوجب من الوقائع القوّة، علينا معرفته جيّداً، كما يجب علينا معرفة ما يؤدّي منها إلى النقص والضعف. ما يمنع من الحركة، علينا معرفته، علينا معرفة الوقائع جيّداً. لقد ذكرت هناك بعض الوقائع بالإسم، بما هي وقائع جيّدة موجودة لدينا، لا ينبغي النظر إليها جميعاً على أنّها نقائص وضعف. وجود المفكّرين البارزين، وجود العناصر الفعّالة والمبدعة، انتشار المعرفة الدينيّة والمعنويّة بين شريحة واسعة من جيل الشباب، بقاء الشعارات الدينيّة والاسلاميّة، ازدياد النفوذ اليومي لنظام الجمهوريّة الاسلاميّة في المنطقة وفي العالم، هذه وقائع موجودة، وهذه وقائع ينبغي ان تُرى. حتماً، توجد إلى جانبها وقائع مُرّة، كما في حياة الانسان كلّها، الممزوجة بالحلاوة والمرارة، ينبغي العمل - من خلال الاعتماد على الوقائع العذبة وتقويتها- على إزالة الوقائع المرّة وغير المرغوبة أو التقليل منها.

ينبغي ملاحظة هذه العناصر الثلاثة، أي أن لا تغيب المبادىء عن نظرنا، أن لا تغيب الاستراتيجيات عن نظرنا، بالطبع، ينبغي أن نرى الوقائع أيضاً. فإذا لم نرَ الوقائع، سوف لن نسلك الطريق جيّد، لكن لا ينبغي لوجود الوقائع أن يصرفنا عن طريقنا. فكما أنّنا نكون مخطئين في حال رجوعنا عن الطريق عند وجود صخرة ما في طريقن، نخطىء أيضاً إن تغاضينا عن وجود الصخرة وسلكنا الطريق من دون اكتراث، أمّا فيما لو نظرنا في جوانب هذه الصخرة لنرى الطرق التي يمكن العثور عليها، أو كيف يمكن رفع هذه الصخرة، أو إيجاد ممرّ فيها، أو العثور على طريق موازٍ لها، حينها تكون هذه النظرة إلى الوقائع صحيحة. هذا هو الأمر نفسه الذي فعله الامام في الفصل الأوّل من الثورة أي في تلك السنوات العشر المصيريّة والحساسة جدّاً. لم يغمض إمامنا العظيم عينيه في مواجهة الوقائع، لكنّه أيضاً لم يقصّر، لم ينسَ الاستراتيجيّات. انظروا وضع الامام، حياة الامام، شعارات الامام، الامام العظيم هو الذي لم يتّقِ أحداً في مسألة النظام الصهيوني، الكلام بأنّ إسرائيل غدّة سرطانيّة ويجب أن تزول من الوجود هو كلام الامام. لم يتّقِ أحداً أو يهتمّ لأحد في مواجهة شيطنة القوى المستكبرة والتدخّل الأميركي، شعار "أميركا الشيطان الأكبر" هو كلام الامام. وهجوم الشباب المسلم والطلاب المسلمون على السفارة الاميركيّة ووضع أيديهم على وسائلهم ومستنداتهم الاستخباراتيّة، اعتبره الامام ثورة ثانيةً، ولربّما تكون أهمّ من الثورة الأولى، هذا هو كلام الامام، هذه هي مناهج الامام.

في مسألة الحرب قال: الحرب لدفع الفتنة، هذا كلام الامام، كان الآخرون يقولون: حرباً حرباً حتّى النصر، فقال الامام الحرب حتّى رفع الفتنة. هذه المواقف هي التي رسّخت أسس النظام.

أولئك الذين لم يتعرّفوا هذا النهج واتّبعوا في بلدانهم نهجاً آخر، وتجاوزوا مبادئهم ونسوا شعاراتهم الأساسيّة من أجل استمالة قلوب المستكبرين، انظروا ماذا حلّ بهم، فأولئك الأشخاص في مصر لو رفعوا شعار العداء لإسرائيل، ولو لم يخضعوا أمام الوعود الأميركيّة وعملاء أميركا، فمن غير المعلوم أنّه كان سيحلّ بهم ما حلّ، أي قطعاً لم يكن هذا ليحدث، وأنّ ديكتاتوراً مارس ديكتاتوريته لمدّة ثلاثين عاماً وأذلّ الشعب المصريّ، يخرج من السجن، وأولئك الذين انتُخبوا من قبل الشعب، يُحتمل إصدار حكم الإعدام فيهم، أساساً، مثل هذا الأمر لم يكن من الممكن أن يحدث. أولئك الأشخاص الذين نزلوا إلى الميدان في مقابل هؤلاء المنتخبين ـ السذّج ـ وأطلقوا الشعارات، لو كان هؤلاء المنتخبين مبدئيّين في تلك المواطن، لكان نصف هؤلاء المعارضين أو أكثرهم التحقوا بهم، أي لما كانوا واجهوهم أو عارضوهم. هذا ما يحصل عندما يتراجع الانسان عن المواقف المبدئيّة. هذه أمور ينبغي (مراعاته) بكلّ الأحوال.

ما نشعر أنّه ينبغي القيام به من أجل رفع المشكلات ـ المشكلات لم توجد اليوم، المشكلات موجودة على الدوام، هي موجودة في جميع البلدان، بمعنى إذا ما تصوّر أحد أنّه لا يوجد مشاكل في البلد المتقدّم الفلاني، أو في البلد الغربيّ الفلاني، أو الغنيّ، أو الكثير السكّان، أو القليل السكّان، فهو مخطىء، المشاكل موجودة في كلّ مكان، وإن طبيعة عمل شعبٍ هو أن تبرز المشاكل بالنهاية في عمله، وعلى المسؤولين فيه إزالة هذه المشاكل ومتابعة طريقهم، الآن، يريد البعض أن يحلّ المشاكل من خلال مساعدة الآخرين، بالاعتماد على الآخرين، بإعطاء الرشوة للآخرين، من خلال التذلّل للآخرين، البعض لا، يريدون حلّ مشاكلهم بقوّتهم، من خلال قدراتهم الذاتيّة ـ واعتقادنا أنّه ينبغي إيلاء الأهميّة لتقوية البنية الداخليّة للنظام، هذا هو أساس العمل. علينا أن نقوّي أنفسنا من الداخل. التقوية الداخليّة من خلال الفكر الكامل، من خلال النظرة العاقلة والحكيمة هي أمر ممكن، سواءً كان ذلك عن طريق التطوّر العلمي، أم عن طريق البناء والادارة الاقتصاديّة الصحيحة، هذه أمور ممكنة برأينا.

حسنٌ، تلاحظون اليوم، عندما يضغطون علينا في مسألة النفط، نقع في مشكلة، ممّا ينشأ هذا؟ هذا ناشىء من كوننا لم نستطع تقليل اعتمادنا على النفط منذ انتهاء فترة الحرب إلى الآن، لو كنّا قلّلنا من اعتمادنا على النفط، لما كان الضغط علينا في مسألة النفط يمرّ صعباً. لذا، علينا مراجعة أنفسنا، علينا أن نريد من أنفسنا أن نحلّ العقد بقوّة الارادة.

حسنٌ، توجد اليوم بحمد الله أيضاً، حكومة جديدة. إحدى امتيازات وضعنا الراهن أنّ حكومة جديدة قد وردت ميدان العمل، بآراء جديدة، بابتكارات جديدة، بأفكار جديدة، بمجموعة أفراد يمتلكون قدرات، يريدون الخوض في العمل والتقدّم به إن شاء الله نحو الأهداف التي أعلنوها. كما أنّ رئيس جمهوريّتنا أيضاً هو رجل دين ذو تجربة فعّالة في الميادين الثوريّة المختلفة في البلاد، هذه أيضاً واحدة من الامتيازات الموجودة. طبيعة العمل هو أن نقدّم جميعاً المساعدة، وإنّي اعتبر هذا من مسؤوليّتي، لقد ساعدت جميع الحكومات، دعمت جميع الحكومات، وسأساعد قطعاً هذه الحكومة وأدعمها، وعلى المسؤولين أن يقوموا بذلك.

بالطبع، دعمي أنا العبد الفقير للحكومات ليس بمعنى قبولي لجميع أعمال تلك الحكومات، لا، ففي الدورات المختلفة، كانت هناك حكومات، دعمناها جميعاً، وقد كان لدينا أيضاً إشكالات عليها في الميادين المختلفة، لكنّ لا ينبغي لتلك الإشكالات أن تؤدِّي إلى اعتبارنا للحكومة غريبة عنّا، وأن لا نمدّ لها يد العون والدعم التي يجب على الجميع مدّها نحو الحكومات. يلزم أن يؤدّى هذا الدعم والمساعدة إن شاء الله تعالى، وندعو ونوصي، والنصيحة أيضاً لازمة، النصيحة لأئمّة المؤمنين، أي الكلام الذي من ورائه الخير، حيث يمكن لهذا الكلام الخيّر أن يكون قويّاً ولاذعاً، وهذه هي طبيعة الأمر، بحيث إذا ما كان المسؤولون المخاطبون عرضةً لهذا الكلام اللاذع، فإنّهم يفكّرون مليّاً، أظنّ أنّهم سيكونون سعداء، حتّى أنّ هذا الكلام اللاذع هو لمصلحتهم. على كلّ حال، عندما أنظر في وضع البلد ومستقبل البلد، على الرغم من وجود بعض المشاكل التي عرضها الأصدقاء والكثير منها أيضاً لم يُطرح، أرى مستقبلاً جيّداً جدّاً، وأرى الطريق واضحاً، مبادئنا مبادىء محدّدة، نعرف ماذا نريد أن نفعل، الطريق إلى هذه المبادىء واضح أيضاً ومحدّد، استراتيجيّاتنا أيضاً ليست مشوبةً بالإبهام، وواضح ماذا يجب فعله.

في هذه السنوات أيضاً اتّضحت التحالفات الإقليميّة والعالميّة. بالطبع، الليونة والمرونة والمناورات الماهرة والشجاعة أمر مطلوب ومورد قبول في جميع الميادين السياسيّة، لكن لا ينبغي لهذه المناورات الماهرة أن تتجاوز الخطوط الحمراء، أو أن تتراجع عن الاستراتيجيّات الأساسيّة، أو أن لا تلاحظ المبادىء، ينبغي أن تُراعى هذه الأمور. بالطبع، لكلّ حكومة، لكلّ شخص، لكلّ وجه بارز، أساليبه، إبتكاراته، سيعمل بهذه الابتكارات ويتابع طريقه. أنّي متفائل تماماً ومعتقد أنّ المشاكل الموجودة، سواءً المشاكل الاقتصاديّة، أم المشاكل السياسيّة، أم المشاكل الأمنيّة، والأهمّ من هذه كلّها المشاكل الثقافيّة التي هي أعمق وأهمّ من المشاكل الاقتصاديّة ـ وإن كانت بعض الأمور الاقتصاديّة أكثر إلحاحاً ـ جميع هذه المشاكل قابلة للحلّ، والطريق ممكن العبور. نسأل الله سبحانه العون.

لقد دوّنت هذه الملاحظة لأعرضها عليكم، على الجميع أن يتنبّه، إنّ إحدى السياسات الأساسيّة لأعداء الاسلام وخاصّة أعداء النظام الاسلامي في المنطقة، هي سياسة إيجاد الاختلاف المذهبي والطائفي ومسألة الشيعة والسنّة، عليكم أن تنتبهوا لهذا الأمر. وهناك مجموعتان أصبحتا عميلتين ومأجورتين للعدوّ في هذا المجال: مجموعة من السنّة، ومجموعة من الشيعة، مجموعة هم أولئك التكفيريّين المنحرفين عن حقيقة الدين، ومجموعة أخرى هم أيضاً أولئك الذين يعملون للأعداء باسم الشيعة، يحرّكون أحاسيس الآخرين، ويبرّرون العداوات، ويشعلون نار الفتنة. كلّ مجموعة، كلّ جهاز، كلّ حكومة، تنخدع بهذه المؤامرة الكبيرة وتغرق في هذه القضيّة، وكلّ مجموعة تقع في الاشتباه، سوف توجّه ضربةً للحركة الاسلاميّة والنظام الاسلامي قطعاً، وسوف تُوجّه الضربة إلى بلدنا على وجه الخصوص. أنا أصرّ على أن يلتفت كبار العلماء، سواءً علماء الشيعة، أم علماء السنّة، في إيران أو في المناطق الأخرى، إلى أنّ الخلافات بين الفرق الاسلاميّة لا ينبغي أن تؤدّي بنا إلى فتح جبهة جديدة في مواجهة بعضنا، ونغفل عن عدوّنا الأساس، الذي هو عدوّ لأصل الاسلام وعدوّ للاستقلال وعدوّ لتحسّن أوضاع شعوب المنطقة.

أسأل الله سبحانه أن يمدّنا جميعاً بالعون، وأن تشملنا وإيّاكم عنايات حضرة بقيّة الله (أرواحنا فدا) ودعاء هذا العظيم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


1- جرى هذا اللقاء بمناسبة عقد الجلسة الرسميّة الرابعة عشر للدورة الرابعة لمجلس خبراء القيادة في يومي 12 و 13 شهريور من العام الجاري.
2- في أحدث تقصي للجنة البحث عن مفقودي الحرب- التابعة لهيئة الأركان العامّة في القوّات المسلّحة خارج الحدود- تمّ العثور على جثامين مطهّرة لـ 92 شهيداً في مناطق من العراق ـ من جملتها مناطق العمليّات في الفاو وجزيرة مجنون ـ وجرى نقلها إلى الجمهوريّة الاسلاميّة في 24 مرداد من العام الجاري عن طريق شلمجة الحدوديّة، وتمّت مبادلتها ضمن مراسم بجثث 61 عسكريّاً عراقياً. وقد جرى تشييع هؤلاء الشهداء في 11 شهريور في طهران وذلك مقارنة مع ذكرى شهادة الامام جعفر الصادق (عليه السلام).
3- سورة الملك، الآية 22
4- نهج البلاغة، الرسالة 47
5- 30/4/1392
2013-09-15