يتم التحميل...

الإحسان إلى ابن السبيل

وصايا قرآنية

وردت عبارة ابن السبيل في اللغة بمعنى ابن الطريق، أي المسافر الكثير السفر، إلاّ أنّ المراد منه في الآية السابقة هو "الغريب المجتاز المنقطع به، وإن كان ذا يسار في بلده"

عدد الزوار: 737

قال تعالى: ﴿ وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا 1.

معنى ابن السبيل

وردت عبارة ابن السبيل في اللغة بمعنى ابن الطريق، أي المسافر الكثير السفر2، إلاّ أنّ المراد منه في الآية السابقة هو "الغريب المجتاز المنقطع به، وإن كان ذا يسار في بلده"3. وبعبارة أوضح، هو "المسافر المحتاج إلى مالٍ، ليتمكّن به من العودة إلى بلده، سواء كان فقيرًا أو غنيًّا في بلده"4.

قد يكون وجود ابن السبيل في العصور السابقة أكثر منه في الزمن الحاليّ، إلاّ أنّ بعض الظروف التي تمرُّ على الناس، لا سيّما في حال الحروب، تُظهر أفرادًا كثيرة بعنوان ابن السبيل، وهم أولئك الذين يهجَّرون من بيوتهم، دون أن يتمكّنوا من إخراج ما يكفيهم من مؤونة، وفي أوضاعٍ عديدة لهؤلاء قد نتذكّر ما روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "ارحموا عزيز قومٍ ذُلّ"5.

وقد يتكرّر هذا المشهد بسبب الكوارث الطبيعيّة، التي قد لا تُبقي للإنسان شيئًا من أمواله، إضافة إلى مشاهد أخرى كالنازح والمهجَّر ونحوه.

إنّ الهدف ممّا ذكرته هو الإضاءة على أمرين:
الأوّل: إنّ الكلام في ابن السبيل ليس عن تاريخ مضى، بل عن شيء يحدث في كلّ عصر.
الثاني: ليلتفت كلٌّ منّا إلى أنّه قد يصبح ذات يوم "ابن سبيل".

ابن السبيل في القرآن الكريم

من اللافت ورود ابن السبيل في الآيات القرآنيّة سبع مرات هي:
1- ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ 6.
2- ﴿ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ 7.
3- ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ 8.
4- ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 9.
5- ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 10.
6- ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرً 11.
7- ﴿مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ 12.

التوجيهات الإيمانيّة في التعامل مع ابن السبيل

1- الشعور بأنّه مدخل لرضا الله
حتى لا يشعر الناس بالثقل الاجتماعيّ لوجود ابن السبيل، المحتاج بينهم، أرشدت الروايات إلى أنّ التعامل ينبغي أن يكون من منطلق كونه نعمة إلهيّة، من حيث إنّه مدخل لثواب الله تعالى، فقد ورد أنّ أمير المؤمنين عليه السلام حفر عينًا في أرض له، فخرج منها مثل عنق البعير، فبكى، ثمّ قال: "...أشهدكم أنّها في سبيل الله والمساكين وابن السبيل، ليقي الله بها وجهي عن النار، وتقي النار عن وجهي"13.

2- الشعور بالمسؤوليّة تجاهه
حتى لا يظنّ البعض أنّ موقف اللامبالاة مسموح به حينما يوجد ابن سبيل، ورد ما يدلّ على لزوم تحمُّل المسؤوليّة تجاهه، فعن الإمام عليّ عليه السلام في كتابه له إلى عامل الصدقات: "...بؤسًا لمن خصمه عند الله الفقراء، والمساكين، والسائلون، والمدفوعون، والغارم، وابن السبيل"14.

3- إرشاده إلى الطريق الصحيح
ورد أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا المسلمين الذين يضطرون للجلوس في الأفنية والصعدات بإعطائها حقّها، فقيل له: وما حقّها: قال صلى الله عليه وآله وسلم: "غضّ البصر، وإرشاد ابن السبيل، وتسميت العاطس15 إذا حمد، وردّ التحيّة"16.

4- مساعدته بالمال
الملاحظ أنّ الآيات القرآنيّة السبع المتقدِّمة كانت جميعها في صدد الدعوة إلى مساعدة ابن السبيل، والبرّ به، والنفقة عليه، والتي عرضت الآيات والأحاديث مصادرها العديدة.

مصادر المساعدة المالية لابن السبيل

1- الزكاة
إنّ الآية رقم 5، وإن كان عنوانها الصدقات، إلاّ أنّه يراد منها الزكاة الواجبة.

2- الخمس
وهو ما ذكرته الآية رقم 6.

3- الأنفال
وهو ما ذكرته الآية رقم 7.

4- الثلث من الوصية
حثّت الأحاديث الشريفة على أن يوصي الإنسان بحدود ثلث ماله في الخيرات فقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام: "أنّه سئل عن الرجل يموت ولا وارث ولا عصبة؟ قال: يوصي بماله حيث يشاء في المسلمين والمساكين وابن السبيل"17.
وورد عن بعض الأئمّة عليهم السلام: "إنّ الله تبارك وتعالى يقول: ابن آدم! تطوّلت عليك بثلاثة: سترت عليك ما لو يعلم به أهلك ما واروك، وأوسعت عليك فاستقرضت منك فلم تقدم خيرًا، وجعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلم تقدم خيرًا"18.

5- الصدقة
اعتبرت الآية رقم 2 السابقة أنّ إيتاء المال لابن السبيل هو من البرّ، فما اعتبرته الآية رقم 3 هو من موارد الإنفاق والخير بشكل عام، وهكذا دعت الآية رقم 4 إلى إيتائه المال دون تقييد.
وقد أكّد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وأهل بيته عليهم السلام على أهمّية مساعدة ابن السبيل، والإنفاق عليه، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "من وضع المعروف فيما آتاه الله فليصِل به القرابة، وليفكَّ به العاني19، وليعن به الغرام، وابن السبيل، والفقراء المجاهدين في سبيل الله"20.

وفي سيرة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ما يدلّ على اهتمامه الكبير بمساعدة ابن السبيل، فعن ابن عباس: "كان رسول الله إذا جاء شهر رمضان أعتق كلّ أسير، وأعطى ابن السبيل"21.

وورد أيضًا أنّ الصحابي، بلالاً، قال للسيّدة فاطمة عليها السلام: "يا فاطمة، أما علمت أنّ والدك قد صعد المنبر، وهو يودِّع أهل الدين والدنيا، فصاحت فاطمة عليها السلام، وهي تقول: واغمَّاه لغمّك يا أبتاه، من للفقراء والمساكين وابن السبيل"22.

شروط المساعدة من المال المفروض (كالزكاة)

قال العلاّمة الحلّي: يُعطى ابن السبيل بشرطين:
الأوّل: أن لا يكون معه ما يحتاج إليه في سفره، ويدخل فيه من لا مال له البتّة، ومن له مال غير حاضر عنده، بل في بلده الذي انتقل إليه.
الثاني: أن لا يكون سفره معصية، بل إمّا أن يكون واجبًا كالحجّ والجهاد، أو مندوبًا كزيارة المشاهد، أو مباحًا كسفر التجارة... أمّا سفر المعصية، فإنّه لا يعطى، لأنّه فيه إعانة على المعصية23.

وقد ورد حول هذا في تفسير علي بن إبراهيم: "ابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة الله، فيقطع عليهم ويذهب مالهم، فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات"24.
 

* آية الوصايا العشر، الشيخ أكرم بركات.


1- سورة النساء، الآية 36.
2- الزبيديّ، محمّد، تاج العروس، تحقيق علي شيري، (لا،ط)، بيروت، دار الفكر، 1994، ج 14، ص 26.
3- الحليّ، يوسف، نهاية الإحكام في معرفة الأحكام، تحقيق مهدي الرجائي، ط2، قم، اسماعيليان، 1410هـ، ج2، ص394.
4- مركز المعجم الفقهي، المصطلحات، (لا،ط)، (لا،ن)، (لا،م)، (لا،ت)، ص 5.
5- المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج2، ص 44.
6- سورة النساء، الآية 36.
7- سورة البقرة، الآية 177.
8- سورة البقرة، الآية 215.
9- سورة الأنفال، الآية 41.
10- سورة التوبة، الآية 60.
11- سورة الإسراء، الآية 26.
12- سورة الحشر، الآية 7.
13- الكوفيّ، محمّد، مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، تحقيق محمّد باقر المحمودي، ط1، قم، مجمع إحياء الثقافة الإسلاميّة، 1412هـ، ج2، ص 80.
14- الإمام عليّ، نهج البلاغة، ج3، ص 26.
15- أي الدعاء له.
16- البخاريّ، محمّد، الأدب المفرد، ط1، بيروت، الكتب الثقافية، 1406هـ، ص 218.
17- الطوسيّ، محمّد، الاستبصار، تحقيق حسن الموسوي الخرسان، (لا،ط)، طهران، دار الكتب، 1390هـ، ج4، ص 121.
18- الحرّ العامليّ، محمّد حسن، وسائل الشيعة، ج2، ص 447.
19- أي الأسير.
20- البحراني، هاشم، حلية الأبرار، تحقيق غلام رضا مولانا البروجردي، ط1، قم، المعارف، 1414هـ، ج2، ص 284.
21- ابن عساكر، علي، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق علي شيري، (لا،ط)، بيروت، دار الفكر، 1415هـ، ج4، ص25.
22- الصدوق، محمّد، الآمالي، ص 734.
23- المصدر السابق، ص 395.
24- البروجردي، حسين، جامع أحاديث الشيعة، ج8، ص 172.

2013-08-07