الإحسان إلى المملوك
وصايا قرآنية
إنّ الحكمة من تشريع الإسلام لِمُلك المأسور من دار الحرب هو أنّه الخيار الأقلّ ضررًا، فإنّ الموقف من الأسير في الحرب لا يخلو من أمور هي:
عدد الزوار: 305
قال تعالى:
﴿ وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ
وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ
السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ
مُخْتَالاً فَخُورًا
﴾1.
فلسفة أحكام العبيد والإماء
إنّ الحكمة من تشريع الإسلام لِمُلك المأسور من دار الحرب هو أنّه الخيار الأقلّ
ضررًا، فإنّ الموقف من الأسير في الحرب لا يخلو من أمور هي:
1- أن يُقتل
2- أن يُحرَّر
3- أن يُسجَن
4- أن يدخل في حكم ملك اليمين.
من الواضح أنّ القتل هو أسوأ الاحتمالات.
أمّا تحرير الأسير، فإنّه تحرير لعدوٍّ قد نجده مرّة أخرى يقاتل في ساحة الحرب.
أمّا السجن، فإنّه يستدعي موازنة ماليّة كبيرة، وموارد بشرية كثيرة، ومع ذلك فإنّه
لا يفيد عادة في تغيير فكر، وسلوك، واتجاه السجين، بل قد يساعد على مزيد من التشنّج
تجاه ساجنيه.
يبقى خيار أن يُوزَّع الأسرى بين بيوتات المسلمين، بصفة ملك اليمين، فيتعلَّمون من
دينهم فكرًا وسلوكًا، ممّا يؤثِّر في هدايتهم إلى الدين الإسلاميّ، فيكونون مسلمين،
بدل إعدامهم، أو بقاء عداوتهم.
وما يساعد على مشروع تحرير العبيد، ليكونوا مسلمين نافعين في المجتمع، جملة من
الخطوات التي دعا الإسلام أن يقوم بها المسلمون منها:
1- الحثّ على الإحسان إلى المملوك
وهذا الأمر يظهر من خلال آية الوصايا العشر، فهي تدعو بوضوح إلى هذا
الإحسان، وإلى جانبها ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كلماته الأخيرة
التي حفظت عنه، هي قوله: "الصلاة، وما ملكت أيمانكم، أي الزموا الصلاة، وحقّ ما
ملكت أيمانكم"2.
وكذا ورد عن الإمام عليّ عليه السلام في وصيّته: "الله الله في ما ملكت أيمانكم"3.
وقد أورد صاحب كنز العمّال أحاديث عديدة حول الإحسان إلى العبد والأمة نذكر منها:
- "خيركم خيركم للمماليك"4.
- "الله الله فيما ملكت أيمانكم، ألبسوا ظهورهم، وأشبعوا بطونهم، وألينوا لهم
القول"5.
- "للمملوك على سيّده ثلاث خصال، لا يعجله عن صلاته، ولا يقيمه عن طعامه، ويشبعه كلَّ
الإشباع"6.
- "إذا جاء خادم أحدكم بطعامه فليقعده معه أو ليناوله منه، فإنّه هو الذي وَليَ
حرّه ودخانه"7.
- "مملوك يكفيك، فإذا صلّى فهو أخوك، فأكرموهم كرامة أولادكم، وأطعموهم ممّا
تأكلون"8.
- "أرقاءكم فأطعموهم ممّا تأكلون وألبسوهم ممّا تلبسون وإن جاؤوا بذنب لا تريدون أن
تغفروه، فبيعوا عباد الله، ولا تعذّبوهم"9.
- "لا تستخدموا أرقّاءكم بالليل، فإنّ الليل لهم والنهار لكم"10.
- "ما خفَّفت عن خادمك من عمله كان لك أجرًا في موازينك"11.
2- الترغيب بإنجاب الأولاد من الإماء
ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اطلبوا الأولاد من
أمّهات الأولاد، فإنّ في أرحامهنّ البركة"12.
إنّ هذا الحديث هو رفع لشأن الإماء، ليصبحن أولاد المؤمنين الأحرار، وبالتالي هو
تشجيع كي يؤمنَّ بالله تعالى، ليقع عليهنّ الاختيار في إنجاب الأولاد.
3- الدعوة إلى تحرير الرقبة المؤمنة
حثّ الإسلام على تحرير المماليك، مُطلِقًا على هذا التحرير عنوان "عتق
رقبة"، وبيّنَ الثواب العظيم لهذا العمل، وهو ما يظهر من خلال الروايات الآتية:
* عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من أعتق رقبة، فهي فداء من النار"13.
* عن الإمام الصادق عليه السلام: "من أعتق رقبة مؤمنة وقى كلُّ عضوٍ عضوًا من
النار"14.
* عن الإمام الصادق عليه السلام: "أربع من أتى بواحدة منهنّ دخل الجنّة: من سقى
هامة ظامئة، أو أشبع كبدًا جائعة، أو كسا جلدة عارية، أو أعتق رقبة عانية"15.
4- اعتبار عتق الرقبة مقياسًا للثواب
من اللافت في الكثير من الأحاديث أنّها جعلت عتق الرقبة مقياسًا لثواب
الأعمال الأخرى، وهذا يظهر من خلال الأحاديث الآتية:
* عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من فطّر فيه أي شهر رمضان مؤمنًا
صائمًا كان له بذلك عند الله عتق رقبة"16.
* وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من قمَّ17 مسجدًا كتب الله له عتق
رقبة"18.
* وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من بلّغ رسالة غازٍ كان كمن أعتق رقبة..."
19.
* وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أيّما امرأة تصدّقت على زوجها بمهرها قبل أن
يدخل بها إلاّ كتب الله لها بكلّ دينار عتق رقبة"20.
* عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من غسّل ميتًا فأدّى فيه الأمانة كان له بكلّ
شعرة عتق رقبة ورفع له به مئة درجة"21.
* وعن الإمام الباقر عليه السلام: "إطعام مؤمن يعدل عتق رقبة"22.
* وعنه عليه السلام: "من صلّى في مسجد الخيف بمنى مائة ركعة قبل أن يخرج منه
عدلت عبادة سبعين عامًا، ومن سبّح الله فيه مائة تسبيحة كتب الله له كأجر عتق رقبة"23.
* وقد سئل عليه السلام: ما يعدل عتق رقبة؟ قال: "إطعام رجل مسلم"24.
* عن الإمام الصادق عليه السلام: "من سقى الماء في موضع يوجد فيه الماء كان كمن
أعتق رقبة..."25.
* وعنه عليه السلام: "من أخذ من شاربه وقلّم أظفاره يوم الجمعة، ثمّ قال: (بسم
الله على سنّة محمّد وآل محمّد) كتب الله له بكلّ شعرة، وكلّ قلامة عتق رقبة..."26.
5- تشريع عتق الرقبة في الكفَّارات
ولتحقيق الهدف السابق شرَّع الله تعالى كون عتق الرقبة كفّارة في العديد
من الأعمال التي يقوم بها الإنسان منها:
* كفّارة القتل: عن الإمام الصادق عليه السلام: "كفّارة القتل عتق رقبة
أو..."27.
* كفّارة إتيان الصائم لزوجته في شهر رمضان: ورد أنّ رجلاً سأل النبيّ صلى
الله عليه وآله وسلم: "أتيت امرأتي في شهر رمضان وأنا صائم، فقال له النبيّ صلى
الله عليه وآله وسلم: أعتق رقبة..."28.
* كفّارة الظهار: كان أهل الجاهليّة إذا أراد الرجل منهم أن تنفصل امرأته
عنه يقول لها: أنتِ عليّ كظهر أمّي، فحرَّم الإسلام هذا الظهار، وفرض على من يقول
ذلك كفّارة، والكفّارة هي ما ذكره الإمام الرضا عليه السلام حينما سأله أحدهم عن
رجل ظاهر من امرأته وجاريته ما عليه؟ قال عليه السلام: "عليه لكلّ واحد منها
كفّارة عتق رقبة أو..."29.
وأخيرًا
فلنتذكَّر أنّنا عبيدٌ لله تعالى، ولنستحضر ما سيتلى على جثماننا في صلاة الميّت:
"اللهمّ إنّ هذا المسجَّى أمامنا عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، قد نزل بك وأنت
خير منزول به وقد احتاج إلى رحمتك".
* آية الوصايا العشر، الشيخ أكرم بركات.
1- سورة النساء، الآية 36.
2- السمعانيّ، تفسير السمعاني، تحقيق ياسر بن إبراهيم وغنيم بن عباس، ط1، الرياض،
دار الوطن، 1418هـ، ج1، ص427.
3- من علماء البحرين والقطيف، وفيات الأئمة، ط1، بيروت، دار البلاغة، 1412هـ، ص 85.
4- المتقي الهندي، علاء الدين، كنز العمال، ج9، ص76.
5- المصدر السابق نفسه.
6- المصدر السابق، ص77.
7- المتقي الهندي، علاء الدين، كنز العمال، ج9، ص77.
8- المصدر السابق، ص 74.
9- المصدر السابق، ص 73.
10- المصدر السابق، ص 83.
11- المصدر السابق، ص 81.
12- الكلينيّ، محمّد، الكافي، ج5، ص 474.
13- الصدوق، محمّد، ثواب الأعمال، ط2، قم، منشورات الشريف الرضي، 1368هـ.ش، ص293.
14- الكليني، محمّد، الكافي، ج2، ص 178.
15- المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج71، ص
16- 360. الكلينيّ، محمّد، الكافي، ج4، ص 67.
17- أي كنس (إزالة القمامة).
18- الصدوق، محمّد، الآمالي، ص 246.
19- المصدر السابق، ج 5، ص 8.
20- الكلينيّ، محمّد، الكافي، ج5، ص 382.
21- الصدوق، محمّد، ثواب الأعمال، ص 292.
22- القاضي النعمان، أبو حنيفة، دعائم الإسلام، آصف بن علي أصغر فيضي، ط2، القاهرة،
دار المعارف، (لا،ت)، ج2، ص 105.
23- الصدوق، محمّد، من لا يحضره الفقيه، ج1، ص 230.
24- المصدر السابق، ج2، ص 203.
25- الكلينيّ، محمّد، الكافي، ج4، ص 57.
26- المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج 86، ص 358.
27- القاضي النعمان، أبو حنيفة، دعائم الإسلام، ج2، ص 413.
28- الصدوق، محمّد، معاني الأخبار، (لا،ط)، قم، النشر الإسلامي، 1379هـ، ص 336.
29- الكلينيّ، محمّد، الكافي، ج6، ص158.