تعديل الميل الجنسي
تربية الأبناء
من الصفات الفاضلة والملكات الإنسانية القيمة: العفة. إنها تدعو الفرد إلى الإتزان في الإستجابة لميوله الجنسية، وتحفظه من التلوث بالإنحرافات المختلفة. على الوالدين أن ينميّا هذه الفضيلة الخلقية في الطفل، ويهتما بنشوئه على ذلك في كل مرحلة من مراحل حياته.
عدد الزوار: 102
قال الله تعالى في كتابه العظيم: ﴿... وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾(المؤمنون:5).
العفة
من الصفات الفاضلة والملكات الإنسانية القيمة: العفة. إنها تدعو الفرد إلى الإتزان في الإستجابة لميوله الجنسية، وتحفظه من التلوث بالإنحرافات المختلفة. على الوالدين أن ينميّا هذه الفضيلة الخلقية في الطفل، ويهتما بنشوئه على ذلك في كل مرحلة من مراحل حياته.
في قبال ذلك نجد أن الغريزة الجنسية تعتبر من أقوى الغرائز عند الإنسان. إن المآسي والمشاكل التي تصيب الفرد من هذا الطريق والميول المكبوتة والرغبات التي لم تلاق استجابة صحيحة تستطيع أن تولد في النفس الإنسانية عقداً عظيمة، وتؤدي الى مفاسد وانحرافات، وجرائم وخيانات وحوادث قتل وغارت... وفي بعض الأحيان تتسبب في ظهور مرض روحي أو تنتهي الى الجنون.
إن مسألة الإستجابة للغريزة الجنسية وكيفية إرضاء الميول المتعلقة بها من أهم المسائل العلمية والدينية. لقد أدلى علماء البشرية على مر القرون الطويلة، بنظريات مختلفة حول هذا الموضوع، وقد ارتطم بعضهم بمشكلة الافراط أو التفريط في أفكاره. تتميز الأمم والشعوب في العالم بأساليب خاصة في الاستجابة للغريزة الجنسية، وتختص بعادات مختلفة في ذلك. أما في العصر الحديث فقد اتخذ الميل الجنسي لوناً جديداً، وحصل على أهمية أكبر من السابق. إن الطبقة الواعية تعتبر هذه المسألة من مسائل العلوم الحياتية، والإجتماعية، والنفسية، والطب النفسي، والتربية والتعليم وتجري البحوث العميقة حولها.
... وللإسلام نظرته الخاصة في هذه الغريزة القوية، ومنهجه الفريد في الإستجابة لها، وقد استوعب ذلك عشرات التعليمات والوصايا المهمة في كيفية الإتزان في إرضاء الميل الجنسي، والوصول الى الأسلوب الأمثل الذي يجنب صاحبه الإنحراف.
الغرائز والحرية المطلقة
يعترف جميع العلماء من مختلف الأمم والشعوب بضرورة تعديل الميول والغرائز لضمان النظام الاجتماعي واستمراره على أسس من التعاون والإنسجام ويؤمنون بأن استجابة كل فرد لميوله ورغباته يجب أن تكون محدودة وتابعة لمقياس صحيح.
هناك تضاد حتمي بين الميول النفسانية والمصالح الإجتماعية في كثير من الأحيان، ولا طريق لإستمرار المدنية وحفظ النظام الإجتماعي بغير التخلي عن الميول اللامشروعة. إن الإنسان مضطر الى التخلي عن فكرة الحرية المطلقة. تجاه رغباته وأهوائه في الحياة الإجتماعية، ويرى نفسه مندفعاً بصورة تلقائية الى جعل استجابته لغرائزه محدودة بإطار المصلحة العامة للأفراد الذين يعيشون معه في المجتمع.
"هناك كثير من الأفراد يعارضون التمدن بسبب من أن ذلك يؤدي الى تقييد حرياتهم في الإستجابة لغرائزهم يجب أن نتنبه في خصوص هذه المعارضة بأنها غير منطقية ابداً. إذ يمكن القول بضرورة تحديد الغرائز من الناحية الفنية في سبيل تحقيق التمدن لمقاصده واهدافه.
"إن الحصول على الأمن والهدوء الناشئين من المدنيّة، من دون الإنصراف عن فكرة الحرية المطلقة، نوع من الأنانية والاثرة فعلى الإنسان أن يتخلى عن حريته الطبيعية التي كان يمتاز بها قبل نشوء المدنية من الناحية النظرية حتى يستطيع الدخول في الحياة الإجتماعية".
"إن هذه الرغبة في الحرية ناشئة في الحقيقة من أن كل فرد يريد إرضاء رغباته النفسية بطريق خفي، من دون الاعتناء برغبات الآخرين، على الرغم من أنه يستفيد من القوى والوسائل الإجتماعية في سبيل الوصول الى غاياته".
"إن الرغبة في الرجوع الى الحالة الطبيعية للحصول على مقدرة إرضاء الغرائز بصورة حرة خطأ فاحش، ونفاق ممقوت، وأنانية مذمومة... لأنها تؤدي الى الإضرار بحريات الآخرين"1.
تزكية النفس
ترى المدنية الإسلامية أن الناس مقيدون في إرضاء غرائزهم والإستجٍابة لميولهم، كما ترى المدنيات المادية ذلك، مع فارق كبير هو أن المدنيات المادية تهدف الى ضمان الإستقرار المعيشي للإنسان، ولذلك فإن ترك الحرية في الإستجابة للغرائز إنما يتحدد بإطار المصالح المادية، والحفاظ على النظام الإجتماعي... في حين أن المدنية الإسلامية تهدف الى امرين: أحدهما الحفاظ على النظام في الحياة المادية، والآخر الوصول الى الكمالات الروحية وإحراز الصفات الإنسانية العليا.
إن إحراز المقام الشامخ في الإنسانية لا يتيسر بضبط النطام المادي في المجتمع. فمن يرغب في الوصول الى هذا الهدف العظيم عليه أن يهتم بتزكية نفسه وتطهيرها من الجرائم والآثام، ويعمل على بلوغ الدرجة التي يستحق معها إعتباره إنساناً واقعياً في ظل الإيمان بالله وإلتزام المثل العليا. وكما ان استقرار النظام الإجتماعي وضمان حقوق الآخرين يتطلب من الإنسان أن يقيد غرائزه، كذلك الوصول الى الكمال الإنساني وبلوغ مرحلة القيم والفضائل فإنه لا يتيسر إلا بتقييد هوى النفس والتخلي عن الرغبات اللامشروعة.
الدين والمدنية
إن التضاد الذي قد يلحظ أحياناً بين التعاليم الدينية والمدنية المعاصرة ناشيء من هذا الاختلاف في الهدف. فالتعاليم الدينية ترى أن كل عمل يخالف المصلحة الإجتماعية أو يتنافى والسعادة الفردية فهو محرّم، وبعبارة أخرى لا يجوز لأي فرد أن يقوم بعمل من شأنه الإضرار بمصلحة المجتمع أو يتصادم مع سعادته الفردية. أما في المدنية المعاصرة فإن كل فرد يعتبر حراً في الأفعال التي لا تتصادم مع النظام الإجتماعي ولا تتضمن الإضرار بالآخرين والتجاوز على حقوقهم، حتى لو كان ذلك العمل مضراً بسعادته كشرب الخمر، والقمار، والزنا، والإنتحار. هذه الحرية هي التي سببت المآسي والمشاكل في عالم الغرب.
وبهذه المناسبة يقول الدكتور (الكسيس كارل):
"يجري كل فرد في حياته حسب ذوقه الخاص. إن هذا الميل فطري في الإنسان، ولكنه في الدول الديمقراطية قد بلغ أشد ما يمكن حتى أدى إلى نشوء أضرار كثيرة. إن فلاسفة عصر النور هم الذين وضعوا أساس هذه الحرية المطلقة في أوروبا وأمريكا، وسخروا من المنطق وأصوله بإسم المنطق وأعتبروا كل إلزام أو تقييد أمر غير معقول. ومن هنا بدأت المرحلة الأخيرة من الحرب ضد القواعد والأسس التي كان يجري عليها أسلافنا في حياتهم، والتي كان يلزم بها الأفراد جميعاً طيلة آلاف الأعوام حسبما توصلوا إليه من تجاربهم وعلى ضوء الأخلاق والآداب الدينية"2.
"تلك الحرية التي يتمتع بها أكثر الأفراد ليست اقتصادية أو فكرية أو أخلاقية. إن الأشخاص الذين لا يوجد ما ينغص عليهم حياتهم هم المتمتعون بهذه الحرية ولذلك نجدهم يتنقلون من كوخ إلى آخر، ومن محل كوّاز إلى محل كواز غيره، ويقرأون الأكاذيب التي ملئت بها المجلات والصحف، ويستمعون إلى الدعايات المنتناقضة التي تنقلها لهم الإذاعة"3.
الحريات المضرة
إن موضوع إرضاء الغريزة الجنسية من الموارد التي فسح للأفراد في دنيا الغرب الحرية المطلقة في ممارستها. وهكذا نجد أن كثيراً من الشبان والفتيات في تلك الدوله يصابون بالإفراط على أثر الحرية المطلقة الممنوحة لهم، فينزلون الى هوة الإنحراف والفساد عند إشباعهم للغريزة الجنسية.. وهذا ما يتضمن بين طياته المفاسد الكثيرة للامة والدولة.
"يونايتد برس: دلت الإحصاءات التي أجريت على حقائب طالبات المدارس المتوسطة في بريطانيا أن 80% منهم كن يحملن الأقراص المانعة من الحمل. لقد كتب أحد المحققين الإجتماعيين في الرسالة التي بعث بها الى صحيفة (تايمز) اللندنية أن الإحصاءات التي حصل عليها مضبوطة تماماً. إنه يقول: إن بعض الطالبات كن قد سألن مدرساتهن عن النوع المفضل لأقراص منع الحمل".
"يقول هذا المحقق الإجتماعي في نهاية رسالته: ان هذه الحقيقة المرة والمأساة المخيفة ناتجة من الحرية المفرطة الممنوحة للفتيات الإنكليزيات"4.
"آسوشيتدبرس: يقول الدكتور مولنز: إن من بين كل خمس فتيات انكليزيات يذهبن لعقد الزواج فتاة واحدة حامل. يقول هذا الدكتور وهو يشتغل بالطب في المنطقة الجنوبية من مدينة لندن، في مقال خاص بهذا الموضوع: يحدث في لندن كل عام خمسون الف حادثة إجهاض جنائية. ويوجد من بين كل عشرين طفلاً متولداً، طفل واحد غير شرعي، وبالرغم من أن الظروف المعيشية تتحسن كل عام، فإن عدد هؤلاء الأطفال يزداد باطراد. يعتقد الدكتور مولنز أن الأطفال غير الشرعيين غالباً ما يولدون في الأسر الموسرة وإن الفتيات اللاتي نشأن في الأسر الثرية يلدن أولاداً غير قانونيين اكثر من غيرهن"5.
لا تقف أضرار الحرية المفرطة للناس في اتباع غرائزهم الجنسية عند حد انهيار اساس الأسرة، وتلّوث النسل، والإنحرافات الجنسية المختلفة والانتحارات الناشئة من الاخفاق في الحب والغرم، واضطراب الأسس الخلقية... بل إن هذا الأمر يتعارض مع الشرف الإنساني والميول البشرية العالية. إن الإنسان أعظم من أن يكون عبداً مطيعاً لشهواته، وأسيرا منقاداً لغرائزه.
الأحرار
لا شك أن الغريزة الجنسية تتطلب الإستجابة لها وإرضاءها كسائر الغرائز، وعلى كل فرد أن يشبع هذه الغريزة وفقاً لقانون الخلقة. ولكن النقطة الجديرة بالإهتمام هي أن الشهوة يجب أن تكون مسخرة للإنسان، لا أن يكون الإنسان مسخراً لشهوته.
إن الذي ينقاد لرغباته وأهوائه ليس حراً، بل هو عبد ذليل لشهوته. إن الأحرار هم الذين يستطيعون السيطرة على حب المال والجاه والشهوة بقوة الإيمان والعقل، وفي ظل الأخلاق والفضائل.
وفي هذا يقول أمير المؤمنين عليه السلام:
1- "من ترك الشهوات كان حراً"6.
2- "عبد الشهوة أقل من عبد الرق"7.
3- "أعدى عدوّ للمرء غضبُه وشهوتُه. فمن ملكهما عظمت درجتُه وبلغ غايته"8.
الميول الحيوانية والميول الإنسانية
يحتوي الإنسان على طائفتين من الميول: الطائفة الأولى عبارة عن ميول مشتركة بين الإنسان وسائر الحيوانات كحب الذات، وحب الأولاد والشهوة والغضب والأكل والشرب وما شاكل ذلك. والطائفة الثانية عبارة عن الميول الخاصة بالإنسان، كأداء الامانة، والوفاء بالعهد، والتضحية والعفة، والحياء وعزة النفس... وما شابه ذلك.
أما الميول المشتركة بين الإنسان وسائر الحيوانات، فهي وإن كانت ضرورية لإدامة الحياة، وذات أهمية خاصة، ولكنها لا تكون ملاكاً للشرف ومقياساً للفضيلة الإنسانية مطلقاً. إنها لا يمكن أن تكون أساساً لتقدم الإنسان وتكامله. ذلك أن الميول التي تشكل الأساس للتكامل البشري هي الميول التي تضع الحد الفاصل بين الإنسان والبهائم، وفي ظلها يستطيع الفرد بلوغ قمة الإنسانية والكمال. وكلما كانت هذه الميول المعنوية التي هي أساس الفضائل قوية في أمة من الأمم كانت قيمة تلك الأمة في الحياة الإجتماعية أكثر، وكانت إلى السعادة الحقيقية أقرب.
إن قسماً من الميول الخاصة بالإنسان يملك جذوراً فطرية في نفس الفرد. وعلى المربي القدير إحياء تلك الميول بالتنمية الصحيحة، وإخراجها الى حيز الفعلية، وذلك كالوفاء بالعهد وأداء الأمانة.
ولكن القسم الآخر من تلك الميول لا يملك جذوراً فطرية في نفس الفرد... عندئذ يجب على المربي القدير استغلال جميع الوسائل العلمية والعملية في التربية لرسيخ اسس هذه الميول في نفوس الأطفال الذين عهدت اليه تربيتهم... ومثال هذه الميول: العفة والحياء.
إن الميول الإنسانية العليا هي مكارم الأخلاق التي بعث نبي الإسلام العظيم لإتمامها والتي شكلت جانبا مهماً من برنامج دعوته، وقد وردت في ذلك مئات الآيات والأحاديث.
يظهر أثر الميول الإنسانية في حفظ الشرف والرفعة للفرد، والرقابة على الميول الحيوانية. فعندما تحاول الميول الحيوانية الخروج من حدود المصلحة وتلويث شرف الإنسان، تعمل الميول الإنسانية على التلطيف من حدتها، والتخفيف من ضراوتها، وبالتالي منعها عن الإنحراف.
وفي هذا يقول القرآن الكريم: ﴿لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾(البقرة:273).
إن الميل الحيواني للإنسان الجائع عبارة عن الحصول على الغذاء وسدّ حاجة الجوع. وهو لا يكترث بأي عمل في سبيل الوصول الى ما يريد، في حين أن الرجال الشرفاء وأصحاب الفضيلة الذين يتمتعون بالميول الإنسانية العليا لا يقدمون على أعمال مخلة بالشرف في سبيل إرضاء غريزة الجوع، ولا يستسلمون لذلّ السؤال والاستعطاء. إن عزّة النفس تسيطر على الميل الحيواني عندهم، وتمنعهم من التجاوز عن الحد المعقول.
العفة الجنسية
والعفة الجنسية من الميول الإنسانية العليا، التي يتعهد المربي بتنميتها في نفس الإنسان حسب الأساليب التربوية الصحيحة. إن أثر هذه الفضيلة الحقيقية هو الرقابة على الغريزة الجنسية فعندما تطغى الشهوة وتحاول أن تدفع الفرد اإلى الإعتداء والإنحراف، تقف العفة كسد محكم في قبالها وتمنعه عن الإنزلاق في الهوّة السحيقة، فينجو عن الإنهيار الحتمي والإنحراف الخلقي أما الأفراد المحرومون من هذه الفضيلة السامية فإنهم معرضون للسقوط والإنهيار في كل لحظة، وإذا دفعتهم حوادث الدهر إلى شفا جرف من الفساد والضلال فقلما يستطيعون إنقاذ موافقهم، وتدارك الأخطار المحتمة التي ستصيبهم.
إن أساس العفة يجب إن يصب كسائر الميول الفطرية عند الإنسان منذ دور الطفولة. على الوالدين أن يستفيدا من هذا الدور، ويوجدا هذه الفضيلة في ضمير الطفل قبل أيام البلوغ.
إن السلوك الممتاز للوالدين العفيفين، وكذلك العوامل المساعدة التي يقومان بتهيئتها في جو الأسرة للأطفال لغرض تنشئهم على العفة، أحسن السبل لترسيخ هذه الفضيلة في نفوسهم.
لقد اهتم الإسلام بهذه القاعدة الخلقية في منهاجه التربوي اهتماماً بالغاً. ولأجل أن ينشأ الأطفال المسلمون على العفة والطهارة أوصى الوالدين بتعليمات قيمة. وسنتعرض في هذه المقال الى طائفة منها إن شاء الله، ولكن من المناسب أن نوجه أذهان القراء الكرام إلى نموذج من البحوث العلمية للعلماء حول أصل الميل الجنسي.
ينبوع الحب
لا شك في أن الغريزة الجنسية من أقوى الغرائز البشرية. ليس المراد من الغريزة الجنسية في الإصطلاح العلمي الحديث هو الميل للإتصال الجنسي بين الرجل والمرأة فقط، بل المقصود من ذلك معنى أوسع لا يعتبر الميل للإتصال الجنسي إلا مظهراً من مظاهره.
يرى العلماء أن الغريزة الجنسية بمنزلة ينبوع للحب والحرارة، خُلق في باطن الإنسان منذ البداية. ففي أيام الطفولة والأعوام التي قبل البلوغ يجري هذا الينبوع في بعض المجاري الدقيقة، ويبدي شيئاً من الحرارة الكامنة فيه. أما في أيام البلوغ فإنه يظهر باندفاع أشد، وحرارة أقوى فتضطرم نيران الغريزة الجنسية في مزاج الشاب، وتؤدي الى تحول عظيم في روحه وجسمه.
لقد اعترف جميع العلماء بأن بعض أفعال الطفل تنبع من الغريزة الجنسية في حين أن فرويد أصيب في هذه المسأله ككثير من المسائل بالإفراط والمبالغة، وغشت عيناه عن رؤية الحقيقة. لقد استند (فرويد) في نظرياته الى الغريزة الجنسية أكثر من الحد الواقعي، إلى درجة أنه نسب حنان الأم وعطفها لطفلها الى هذه الغريزة... ولسنا الآن في صدد ذلك. بل نقول: إن فرويد يعتقد بأن في الإنسان غريزتين أصليتين فقط: إحداهما حب الذات والأخرى الغريزة الجنسية. ولكنه يعزو القسم الأكبر من اللذائذ البشرية منذ الطفولة حتى نهاية العمر إلى الغريزة الجنسية... إن فرويد وأتباعه يرون أن إلتذاذ الطفل بامتصاص ثدي أمه، أو مصّ إصبعه يعود إلى جذور جنسية !
"إن الميل الجنسي عند الأطفال يشترك مع الميل الجنسي عند البالغين، وفي أن هناك طاقة محركة واحدة تغذي الميلين، ويكفي مع اشتراك الطاقة المحركة هذا لأن نفسر بعض حركات الطفل وأفعاله بتفسير جنسي بحت".
"يميز فرويد في التطور بين مراحل مختلفة، بمعنى أن الميل الجنسي يظهر في البداية على الفم ويتمثل في الإمتصاص ثم ينتقل إلى الأسنان ويظهر في صورة المضغ"9.
لقد تعرضت نظريات فرويد إلى نقد شديد من قبل العلماء والباحثين فقد اعتبروا قسماً من تلك النظريات بعيدة عن الواقع تماماً، وكتبوا في الردّ عليها بحوثاً مطولة، ولكنهم يؤمنون بأن شطراً من أفعال الأطفال يعود الى طبيعة جنسية.
"يقول موريس وبز أستاذ جامعة استراسبورغ: إذا حاولنا الإيمان بجميع النظريات التي أوردها فرويد حول القضايا الجنسية فقد ارتكبنا شططاً ما بعده شطط. إنها بحاجة الى تصفية ضرورية، وقد بدىء بها في الآونة الأخيرة، ولكن يشترط في صحتها أن لا نخلط بين المسائل الجنسية ومسائل التناسل ، إن ما لا يقبل الإنكار هو أن الطفل خصوصاً في المرحلة الثانية من حياته أي ما بين 3 الى 6 سنوات يشتمل على بعض المبادىء الجنسية وليس هذا خاصاً بالإنسان، فالجميع يعلمون أن القرد أيضاً يملك في الأعوام السابقة على بلوغه بعض التطلعات الجنسية"10.
تنمية مواهب الطفل
يتولد الطفل من أمه وهو يملك موهبة التكلم، والتفكير. ولأجل التنمية الصحيحة لهاتين الموهبتين يجب إلتزام منهجين كاملين: أحدهما المنهج الطبيعي، والآخر المنهج التربوي.
أما في النهج الطبيعي فلا بد من كون جميع عوامل نمو الطفل سالمة حتى يستطيع اللسان والمخ من مواصلة سيرهما التكاملي في ظل نشاطات تلك العوامل، وبذلك تتفتح المواهب الكامنة وتخرج الى حيز الوجود. فإن توقف اللسان أو المخ عن النمو على أثر مرض أو علة أخرى فإن الطفل يبقى أبكم وغير قادر على التفكير.
كذلك الاستعداد للنشاط الجنسي موجود في الطفل منذ البداية. ولا بد من وجود عوامل طبيعية تنمي هذه الغريزة طبقاً لسنن الخلقة، وتخرجها الى حيز الوجود بالتدريج. كما انه لا بد من عوامل تربوية تقود تلك الغريزة نحو الطريق الصحيح وتحفظها بمنجى عن الإنحراف والفساد.
إن الأبوين الفاقدين للعفة، واللذين لا يتورعان عن التكلم بالعبارات البذيئة أمام طفلهما، أو يرتكبان الأفعال المنافية للعفة أمامه بوقاحة، يقودانه نحو الإنحراف والفساد، ويعودانه على الاستهتار واللامبالاة منذ الصغر.
الإنسجام بين التربية والطبيعة
إن القاعدة الأساسية في التربية الصحيحة عبارة عن الإنسجام التام بين المناهج التربوية والقوانين الطبيعية. على الآباء والأمهات أن يسيروا حسب قوانين الفطرة في تربية اطفالهم خطوة خطوة، ويربّوا الطفل على الأسس الفطرية. فمثلاً يختلف الغذاء المناسب للطفل قبل ظهور الأسنان في فمه عنه بعد ظهورها. وعلى المربي أن يسير في أسلوب تغذية الطفل ونوع الطعام الذي يلائمه وفقاً لقانون الخلقة، ويثبت منهاجه الغذائي على الموازين الطبيعية والتكامل التدريجي للطفل. إن الرغبة في اللعب من الأمور الفطرية عند الطفل. وعلى المربي أن يجعل منهاجه التربوي منسجماً وهذا الميل الفطري فيعوّده على الألعاب السليمة والبعيدة عن الأخطار.
والغريزة الجنسية من أهم الأمور الفطرية عند الطفل. هذه الغريزة تسلك طريق تكاملها ونموها في ظل سلسلة من القوانين والقواعد الطبيعية الدقيقة، وتمر بمراحل عديدة وفقاً لمنهاج الفطرة حتى مرحلة البلوغ.
ولكيلا يصاب الأطفال بالإنحراف الجنسي، بل ينشأوا على العفة والنزاهة، يجب على الآباء والأمهات أن يخضعوا أطفالهم الى رقابة واعية بواسطة منهاج تربوي سليم يتماشى والمنهاج الفطري... وبذلك يستطيعون أن يقودوهم نحو الطريق المستقيم المؤدي الى السعادة والفلاح.
"لقد بات من الأمور المتسالم عليها في الآونة الأخيرة أن النشاط الجنسي عند الأطفال يظل جامداً بين السادسة والثانية عشرة من أعمارهم، وكما يقول علماء التحليل النفسي فإن هذه الفترة هي فترة ضمور. في هذه الفترة تحصل علاقات بين الأولاد والبنات أو بين الأطفال من جنس واحد، قائمة على الحب ولكنها بعيدة كل البعد عن الشهوة. أما القوة الجنسية المحركة فإنها تستيقظ في مرحلة البلوغ بأقوى ما يمكن.
قبل هذه المرحلة فإن هذه النار بالرغم من وجودها، مختفية تحت الرماد، لكنها منذ هذه المرحلة تأخذ بالاندلاع وإبداء مظاهرها المختلفة"11.
نلاحظ في هذه الفقرة المقتبسة ثلاث نقاط جديرة بالإنتباه:
الأولى: أن الفترة الواقعة بين السادسة والثانية عشرة عند الأطفال فترة خاصة من الناحية الجنسية.
الثانية: أن الغريزة الجنسية في هذه الفترة كالنار المستور بالرماد، أما في دور البلوغ فإن الرماد يتنحى وتندلع ألسنه النار.
الثالثة: إن قانون الخلقة يقضي بأن يكون النشاط الجنسي جامداً ومضمراً في الأعوام الواقعة بين السادسة والثانية عشرة.
هذه النقاط الثلاث مما تعترف بها المدرسة الفرويدية، ويذعن لها سائر العلماء والباحثين. وإذا عدنا الى ما ذكرناه آنفاً من ضرورة انسجام الأساليب التربوية مع القوانين الطبيعية، فإن أفضل المناهج التربوية في كيفية توجيه الغريزة الجنسية في الفترة الواقعة ببين السادسة والثانية عشرة هو المنهج الذي ينسجم وضمور النشاط الجنسي، حيث تكون علاقات الحب بين الأطفال منزهة من شائبة الميل الجنسي.
وبعبارة اوضح: فإن المنهج الطبيعي في الأعوام السابقة على البلوغ يقضي بإختفاء الميل الجنسي وجموده... إذن يجب أن يكون المنهج التربوي منسجماً مع قانون الطبيعة، ويساعد على هذا الجمود والضمور في سبيل تربية الطفل تربية صحيحة.
المنهج الإسلامي
لقد أولى الإسلام في منهاجه التربوي عناية فائقة للفترة الواقعة بين السادسة والعاشرة من عمر الأطفال، فقد أورد جميع التعاليم الضرورية في مراقبة الميل الجنسي واإيجاد ملكة العفة، في خصوص هذه الفترة.
لقد راعى الإسلام في منهاجه التربوي الإنسجام الكامل بين قوانينه التشريعية والقوانين التكوينية، وحقق بذلك الوسائل الممهدة لجمود الميل الجنسي عند الأطفال في الفترة المذكورة. فقد جنّبهم عن كل أمر مثير يؤدي الى نضج النشاط الجنسي قبل أوانه، واوجب على الأباء والأمهات اهتمامهم بإيجاد الجو المناسب لبقاء هذا النشاط مجمداً حتى يحين موعد نضجه.
وفي هذا المعنى روايات كثيرة، نكتفي بذكر نبذة منها:
1- قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: "الصبي والصبي، والصبي والصبية، يُفرّق بينهم في المضاجع لعشر سنين"12.
2- وعن الباقرعليه السلام: "يُفرق بين الصبيان في المضاجع لِستّ سنين"13.
3- عن ابن عمر، قال: قال النبي صلّى الله عليه وآله: "فرّقوا بين أولادكم في المضاجع إذا بلغوا سبع سنين"14.
4- وفي حديث آخر: "روي أنه يفرّق بين الصبيان في المضاجع لست سنين"15.
5- وعن الإمام موسى بن جعفر قال: "قال علي عليه السلام: مروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا أبناء سبع سنين، وفرّقوا بينهم في المضاجع إذا كانوا أبناء عشر سنين"16.
في هذه الأحاديث نجد أن الإسلام يساير قانون الفطرة والخلقة فيأمر بالتفريق بين مضاجع الأطفال الذين يتجاوزون الست سنوات حتى يمنع من اتصال أجسامهم بشكل مثير للغريزة الجنسية في حين أن قانون الخلقة يقضي بجمود هذه الغريزة في الفترة التي هم فيها.
6- قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: "إذا بلغت الجاريةُ ستّ سنين فلا يقبّلها 7الغلام، والغلام لا تقبّله المرأة إذا جاوز سبع سنين"17.
7- وعن أبي الحسن عليه السلام: "إذا أتت على الجارية ستّ سنين لم يجز أن يقبّلها رجل ليست هي بمحرم له، ولا يضمّها إليه"18.
8- وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا بلغت الجارية ستّ سنين فلا ينبغي لك أن تقبّلها"19.
9- وعنه عليه السلام، سأله أحمد بن النعمان، فقال: عندي جُويرية ليس بيني وبينها رحم ولها ست سنين. قال: "فلا تضعها في حجرك ولا تقبّلها"20.
10- قال علي عليه السلام: "مباشرةُ المرأة ابنتها إذا بلغت ست سنين شعبةٌ من الزنا"21 والمقصود من المباشرة هنا مسّ عضوها الخاص.
إن التقبيل، والمعانقة، والتضاجع، ومسّ العضو الخاص للطفل كل ذلك من الأمور المثيرة للميل الجنسي، ولكي يبقى النشاط الجنسي عند الأطفال من السادسة فما فوق مجمداً، أوصى الإسلام بالحذر عن القيام بتلك الأمور.
المناظر المثيرة
لقد اهتم الإسلام كثيراً بمنع الكبار من القيام بما من شأنه إثارة الميل الجنسي عند الأطفال وفي هذا يقول القرآن الكريم:
1- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ﴾(النور:58).
إن الله تعالى يأمر المسلمين في هذه الآية الكريمة بضرورة استئذان عبيدهم وأطفالهم غير البالغين عليهم قبل دخول الغرفة في ثلاث أوقات هي: قبل النهوض لصلاة الصبح، وعند الظهر حيث يتخفف الإنسان من ملابسه، وبعد صلاة العشاء حيث يستعد للنوم. فهذه الأوقات الثلاثة عورة للمسلمين، ولا يجوز للاطفال الدخول على أبويهم فيها لأنهم في الغالب متخففون عن ملابسهم، وقد يكونون عراة.
2- قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: "والذي نفسي بيده لو أن رجلاً غشي أمرأته وفي البيت صبي مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونفسهما ما افلح أبدا، إن كان غلاماً كان زانياً أو جاريةً كانت زانية"22.
3- وعن الإمام الصادق عليه السلام: "لا يجامع الرجل امرأته ولا جاريته وفي البيت صبي، فإنه ذلك مما يورث الزنا"23.
4- وعن الإمام الباقر عليه السلام: "إيّاك والجماع حيث يراك صبي بان يحسن أن يصف حالك"24.
لقد أوصى الإسلام في منهاجه التربوي الآباء والامهات بالامتناع عن إثارة الغريزة الجنسية عند الأطفال بالمناظر المهيجة والعبارات المشينة، ويهدف من وراء ذلك كله الى مسايرة قانون الفطرة وضمور الميل الجنسي عند الأطفال حتى يحين وقت نصوجه. وقد عرفنا أن المنهج التربوي الصحيح هو الذي يساير الفطرة في قوانينها، ويساعد على ابقاء الميل الجنسي عند الأطفال مجمداً ومستوراً. وقد روعي هذا الأمر في الروايات المتقدمة مراعاة تامة. فقد أمر الأئمة عليهم السلام المسلمين ببذل مزيد من الدقة في مراقبة أوضاع أطفالهم، وإيجاد العوامل المساعدة لبقاء الميل الجنسي مضمراً عندهم والحذر عما من شأنه إثارة الشهوة فيهم.
هذا الدور لا يستطيع القيام به إلا الآباء والأمهات العفيفون الذين يحذرون من القيام بالأعمال المنافيه للنزاهة في أقوالهم وأفعالهم، في حضور الأطفال أو غيابهم.
جزاء التخلف
إن جميع السنن الكونية والقوانين الطبيعية في العالم قائمة على أساس الحكمة والمصلحة، وإن التخلّف عن كل منها والخروج عليها يتضمن نتائج وخيمة، ويستتبع جزاءً معيناً.
وضمور الميل الجنسي عند الأطفال في الأعوام السابقة على البلوغ، من القوانين الإلهية الحكيمة المودعة في نظام الخلقة. إن قوى الطفل تستغل الفرصة في أيام ضمور الميل الجنسي، فتعمل على تنمية جميع الأنسجة والأعضاء بصورة جيدة، وتبلغ بالطفل الى النمو المناسب، والكمال اللائق به. وبذلك تعدّه لتقبل البلوغ. وعندما تظهر الغريزة الجنسية من خلف الستار، وتندلع نيران الشهوة من تحت الرماد يكون جسد الطفل قد استكمل بناءه، واستعد لتقبل هذا التحول مع توفر جميع الشروط المناسبة. عندئذ يطوي مرحلة الطفولة دون أي خطر ومع أسلم وضع طبيعي، ويصل الى المرحلة الثانية من حياته وهي مرحلة البلوغ.
النضج الجنسي السابق لأوانه
لو لم ينفذ قانون تجميد الميل الجنسي عند الأطفال بدقة، ونشطت عوامل البلوغ على أثر ذلك قبل موعدها المقرر، فأدت الى النضج الجنسي السابق لأوانه، كان ذلك داعياً لنشوء العوارض الوخيمة والآثار السيئة على روح الطفل وجسمه.
إن البلوغ المبكر والعوارض الناشئة من ذلك من أولى الآثار السيئة لهذه الحالة. ولكي يتضح هذا الموضوع الى درجة ما، ويحصل القراء الكرام على معلومات أوسع في هذا الصدد استعرض لكم بعض الأمور المبسطة من كتب العلماء حول نمو الطفل واستعداد أنسجته وأعضائه للبلوغ.
إن الطفل المتولد حديثاً عبارة عن مجموعة من الأعضاء والجوارح المختلفة. وإن أعضاء الجسم المختلفة عبارة عن مجموعة من الانسجة المتميزة المتكونة من ذرات صغار. يتميز كل نسيج بصفات خاصة، اجتمعت فيما بينها تحت ظروف معينة وكونت عضواً من الأعضاء. إذن فالطفل المتولد حديثاً أو أي موجود حي في العالم عبارة عن مجموعة من الأنسجة والذرات الحية. إن العلم الحديث يسمي تلك الذرات الصغار بإسم (الخلايا)، وان نمو الجسم يعود الى تكاثر الخلايا.
"في كل لحظة من حياة الإنسان تتكون خلايا جديدة في جسمه وتندثر الخلايا المرهقة، ولما كان هذان العملان يحدثان معاً فإن إزدياد الخلايا الجديدة على الخلايا المندثرة يعني نمو الجسم. ينمو الجسم منذ بداية حياته حتى بداية العقد الثالث بسبب ازدياد الخلايا، ولكن منذ العقد الثاني تبدأ الخلايا الحادثة بالتساوي مع الخلايا المندثرة ولهذا فإن النمو يتوقف تقريباً. أما عندما يبدأ دور الشيخوخة فإن عدد الخلايا الحادثة يأخذ بالهبوط، في حين يبقى عدد الخلايا المندثرة ثابتاً، ولذلك فإن الخلايا تأخذ بالتناقص في أجسام الشيوخ أي أن أجسامهم تأخذ بالتقهقر والإنحطاط. إن الجسم يحتاج الى المواد الأولية في بناء الخلايا، والمواد الأولية عبارة عن السكر، والدسم، والبروتين الذي يدخل الجسم بصورة غذاء ويصبح بعد تغييرات كثيرة بشكل ذرات صغيرة تُمتص وتقع في متناول الخلايا"25.
النمو في الأعوام المختلفة
إن من أدق آيات الله في بناء الإنسان، النظام العجيب الذي ينطوي عليه صنع الخلايا. فمنذ دخول الغذاء الى المعدة وشروع الجهاز الهضمي في العمل الى حين تحوله الى موجود حي باسم الخلية، يطوي مراحل عديدة، ويتدرج في تفاعلات متلاحقة حتى يأخذ الصورة النهائية.
"عندما تتوفر جميع الوسائل اللازمة، فإن كل خلية تصنع المقدار الكافي من المواد الضرورية في داخلها، وعندما تصبح هذه المواد كافية لإنعاش خليتين تنقسم الخلية الواحدة الى شطرين، وبهذا تتولد خلية جديدة".
"إن الجهاز الوحيد الذي يستثنى من هذا القانون، هو الجهاز العصبي. ذلك لأن الطفل يتولد مع الجموعة الكاملة للخلايا العصبية ولا يصنع في جميع أدوار حياته حتى خلية عصبية أو مخية واحدة... ولذلك فإن اندثار هذه الخلايا على أثر مرض أو صدمة لا يمكن أن يتدارك. بالرغم من ذلك كله فإن دماغ الطفل ينمو من دون إزدياد في عدد الخلايا، وإن هذا العمل يحدث بسرعة فائقة جداً في الأعوام الثلاثة الأولى من حياته بحيث يمكن القول بأن 95% من النمو الدماغي للانسان يحصل في السنة الثالثة من عمره"26.
يختلف الرشد الطبيعي للأقسام المختلفة من بدن الطفل في الأعوام الأولى من ولادته، والأعوام السابقة على البلوغ، والأعوام اللاحقة له.. وكذلك عدد دقات القلب وسرعة التنفس فإن ذلك كله يختلف بحسب عمر الفرد.
"ينمو الطفل في البداية بسرعة كبيرة. فإن طوله في الفترة بين ولادته وبلوغه الخمس سنين يزداد بمقدار الضعف. وبعد ذلك تأخذ سرعة النمو بالتناقص حسب الخطوط البيانية التي توضح ذلك حيث تبلغ الحد الأدنى في السنة العاشرة تقريباً. ثم يبدأ النمو من جديد حيث يبدأ الأولاد في السنة الثانية عشرة والبنات قبل ذلك بعام واحد. إن طول الشخص يزداد في مرحلة البلوغ من عشرين الى خمس وعشرين سنتمتراً، وهذا المقدار ليس كثيراً بالنسبة الى مجموع نمو الإنسان، لكنه لما كان يحدث بسرعة وربما كان ذلك فجأة فإنه يبعث على الإستغراب والتعجب"27.
"إن الأعضاء الداخلية للجسم تنمو بهذه الصورة أيضاً، ويبلغ اكثرها الحد الأعلى من الزيادة في الوزن في مرحلة البلوغ. إن حصة القلب من هذا النمو كبيرة نسبياً، إذ أن حجمه يزداد بنسبة الضعف بين الثانية عشرة والسادسة عشرة، هذا الازدياد في الحجم يتناسب طردياً ومرونة الأوردة والشرايين".
"تتغير المظاهر المهمة الأخرى للحياة أيضاً، ولكن التغير الحاصل فيها يكون أبطأ، فمثلاً تكون دقات القلب في مرحلة الطفولة 135 في الدقيقة الواحدة، وفي دور المراهقة تتناقض إلى 90 في الدقيقة، ثم تتناقص إلى 75 عند الذكور و80 عند الإناث. ولهذا فإن تنفس البالغين أهدأ من تنفس الأطفال، في حين أن حجم التنفس الذي يقاس بواسطة جهاز خاص لذلك والذي يعدّ من العلائم المهمة للنشاط الحيوي، يزداد بنسبة كبيرة فيما بين الرابعة عشرة والسادسة عشرة"28.
الغدد الداخلية والهورمونات
تشكل الغدد الداخلية والهرمونات التي تفرز في الدم فصلاً مهماً من فصول علم الأحياء في نظر العلماء المعاصرين. ذلك أن نشاط الهورمونات معقد ومهم للغاية من الناحية العلمية. فهي تلعب دوراً كبيراً في أساس نمو جسم الطفل، وفي موضوع البلوغ أيضاً.
"لقد أثبتت البحوث الجديدة لعلماء الأحياء أن الغدد الداخلية تلعب دوراً مهماً في نمو أعضاء الجسم بواسطة الهورومونات التي تفرزها، وإن تأثيرها كبير الى درجة أن (باند) قد صنف الأشخاص في دور البلوغ حسب علم معرفة الغدد. وأهم هذه الغدد هي غدة الهيبوفير والثايروئيد والغدد التناسلية، والغدد فوق الكلوية"29.
هورمونات البلوغ
تؤدي هورمونات البلوغ الى تحول عظيم في هيكل الطفل، فينمو بصورة طفرة وفي أشد السرعة، ويخرج من الصورة الطفولية في فترة وجيزة فيكتسب جميع ميزات الإنسان الراشد. إن النقطة الجديرة بالإنتباه هي جسم الطفل يجب أن يكون قد تلقى قدراً كافياً من النمو قبل ذلك حتى لا يحصل اضطراب على أثر إفراز هورمونات البلوغ.
"مهما كان عمل الهورمونات مهماً فإنها لا تستطيع أن توضح بوحدها جميع جوانب الطفرة البدنية، فعندما تندثر الهورمونات أو تفرز اكثر من المقدار الإعتيادي يحصل اضطراب في عمل النمو. فوجودها إذن ضروري ولكن العمل المحرك لها يحتاج الى ظروف مساعدة، وأهمها استكمال الأعضاء والأنسجة نموها بالمقدار اللازم حتى تستطيع اعضاء الجسم مواصلة نموها بصورة مطردة وبعبارة اخرى فإنه لا بد من انسجام خاص بين عمل الهورمونات والظروف التي تستفيد فيها الأعضاء والأنسجة من تلك الهورمونات"30.
أما البلوغ المبكر فإنه عبارة عن إفراز الغدد الجنسية هورموناتها في جسد الطفل قبل أن يستكمل نموه الطبيعي ويستعد لتقبل البلوغ... وهذا يؤدي الى النضج الجنسي قبل أوانه.
"يتقدم سن البلوغ في النضج الجنسي السابق لأوانه عن العمر الاعتيادي (وهو الذي يتراوح بين 12 و17 سنة) أي أن الغدد الجنسية تبدأ بالعمل قبل السنة العاشرة، وبذلك يتقدم النمو الطولي... هؤلاء المرضى يتقدمون على أقرانهم من حيث النمو لمدة وجيزة، ولكن لما كانت الطبقة الغضروفية تزول بعد فترة النمو الطولي السريع مباشرة فإن فترة نمو هؤلاء المرضى قصيرة، إذ لا يلبثون أن يتأخروا عن أقرانهم فيما بعد"31.
اختلاف الظروف الطبيعية
إن أفراد البشر كسائر الموجودات الحية في العالم خاضعون لتأثير الظروف الطبيعية المحيطة بهم. وبالنظر الى اختلاف المناخ، وتغير درجة الحرارة وسائر العوامل الطبيعية في مختلف نقاط الكرة الأرضية، يختلف النمو عند الأطفال أيضاً. ولهذا فإن السن التي تظهر فيها بوادر البلوغ الجنسي عند الذكور والإناث تختلف باختلاف المناطق.
"تختلف سن اليأس عند النساء بحسب الظروف المختلفة. والدورة الشهرية تبدأ في المناطق الحارة أسرع منها في المناطق الباردة. فمثلاً نجد في (لابوني) أنها تبدأ في الثامنة عشرة، في حين أنها تبدأ في (الحبشة) في التاسعة أوالعاشرة. لقد أثبتت التجارب الجديدة أنه كلما كان المناخ متغيراً كان هذا العمل أسرع وقوعاً"32.
من هذا نجد أنه بينما تستطيع الفتاة الحبشية أن تلد طفلين أو اكثر، فإن الفتاة اللابونية في نفس السن لم تر الدورة الشهرية بعد. هذا الإختلاف بينهما يستند الى ظروف البيئة والمحيط، فليس بلوغ الحبشيات مبكراً، ولا بلوغ اللابونيات متخلفاً. إن المقصود بالبلوغ المبكر هو أن الولد أو البنت تبلغ قبل الموعد الطبيعي المقرر لهما، وتبدأ الهورمونات الجنسية بالافراز قبل أن يحين الوقت الاعتيادي لذلك. وهذا نفسه نوع من أنواع المرض.
الاختلالات الهورمنية
"بما أن البلوغ المبكر ناشيء من الاختلال الشديد في افراز الهورمونات، فبالإمكان تقديم يد العون الى اكثر هؤلاء المرضى، خصوصاً وأن قصر القامة ليس العارضة الوحيدة للبلوغ المبكر، بل إن الاختلالات التي تؤدي الى النضج الجنسي السابق لأوانه خطيرة جداً"33.
وقد يظهر الميل الجنسي عند الإنسان قبل موعده المقرر ولا يكون مستنداً الى مرض، بل يعود الى الإثارات التافهة والمناظر المهيجة التي نفذت الى روح الطفل وسببت النضج الجنسي المبكر.
"يقول موريس دبس: إن العوامل الروحية من قبيل مطالعة القضايا المثيرة أو مشاهدة المناظر المهيجة تبكر في ظهور بوادر اليأس عند النساء"34.
هناك عوامل كثيرة قد تؤدي الى الإثارات الروحية عند المراهقين، وتسبب النضج الجنسي المبكر عندهم. إن قراءة القصص المثيرة للشهوة، ومشاهدة المناظر المهيجة، والتعانق مع الآخرين وتقبيلهم، والاضطجاع على فراش واحد بحيث يحصل الاحتكاك والاتصال... والأعمال المشابهة لذلك، تؤدي الى الإثارات الجنسية والبلوغ المبكر.
إن الآباء والأمهات الذين يرغبون في أن يكون نمو أطفالهم مسايراً لقانون الفطرة والأشخاص الذين يريدون أن يطوي أولادهم مرحلة الطفولة بسلام ويبلغوا بصورة طبيعية، عليهم أن ينفذوا تعاليم الإسلام بصدد إبقاء الميل الجنسي عند الأطفال مجمداً، ويبعدوهم عن القضايا المثيرة للشهوة.
الإنحراف الجنسي
الإنحراف الجنسي من الصفات الذميمة عند الإنسان، والتي لا تنسجم والمقاييس الفطرية، ولا تتلاءم مع الفضائل والآداب. إن الطريق الصحيح لإرضاء الميل الجنسي في قانون الطبيعة والشريعة عبارة عن اكتفاء الرجال البالغين بالبالغات، واكتفاء البالغات بالبالغين، ويشبع كل غريزته الجنسية بواسطة الطرف الآخر. قد ينحرف بعض الأفراد في طريق إشباع رغباتهم الجنسية عن صراط الفطرة المستقيم، ويستجيبون لميولهم الجنسية بطرق غير طبيعية... هؤلاء هم الذين سماهم القرآن الكريم بالعادين (أي المتجاوزين).
﴿... وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُون * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾(المؤمنون:5-7).
المناظر المنافية للعفة
من العوامل التي تؤدي الى انحراف الميل الجنسي عن الصراط المستقيم للفطرة، الخواطر المستهجنة الحادثة في دور المراهقة، ومشاهدة المناظر المنافية للعفة. إن الغريزة الجنسية للشاب غير البالغ مجمدة بصورة طبيعية. فإن انسجمت التربية العائلية التي يتلقاها وهذا الجمود، ولم يواجه الطفل المناظر المثيرة، نما بصورة طبيعية بعيداً عن الاضطرابات الجنسية.
وعندما يبلغ ويظهر فيه الميل الجنسي فإنه يوجّه نحو الطريق الطبيعي المعدّ له، أي أن الفتاة تتجه نحو الشاب، والشاب يتجه نحو الفتاة، ولا يبقى مجال للشذوذ الجنسي بعد ذلك.
"عندما تستيقظ غريزة الالتذاذ في مرحلة البلوغ بعد أن كانت راقدة، وتتجه الى العالم الخارجي تحاول أن تتشبث بشيء حتى تجد به منفذاً لقدرتها الباطنية. في هذه اللحظة الحاسمة تعمل الإرادة الواعية الطبيعية على إرشاد هذه الغريزة الى طريق سليم هو التكاثر والتناسل. ومن علائم إرشاد الطبيعة أن الرجل والمرأة يشعران بتغير محسوس في أعضائهما التناسلية. إن الطبيعة تريد بهذه العلائم أن تفهم الطرفين بضرورة سلوك الطريق الفطري السليم الذي هو عبارة عن التناسل".
"فإذا أدرك الشخص هذا القانون وانقاد إليه، أي أن الرجل اقترب من المرأة، والمرأة اتجهت نحو الرجل حتى يبادر الى عملهما الفطري والمنتج، فإنه يمكن القول بأن النمو الشهواني قد سار في طريق مستقيم ومنظم، وصرفت القدرة الغريزية في طريق طبيعي واعتيادي، إن ملايين الاشخاص يسلكون هذا الخط المنظم والطبيعي، والذي يسميه فرويد بالانسجام المزدوج"35.
الرغبات والاستياءات
إن الرغبات والإستياءات التي تؤثر في روح الطفل، والكلمات الطيبة أو البذئية التي تطرق سمعه، والمناظر القبيحة أو الجميلة التي يشاهدها...
تؤثر في باطنه، ثم تظهر نتائجها من خلال سلوكه وأقواله وأفعاله عندما يصبح عضواً بارزاً في المجتمع.
الأسر التي لا تلتزم بالعفة الجنسية ولا تتورع من القيام بالأعمال المنافية للاخلاق والآداب أمام الأطفال غير البالغين...
الآباء والأمهات الذين لا ينقادون للقوانين الفطرية في تجميد الميل الجنسي عند الأطفال، بل يثيرون الغريزة الكامنة في أولادهم بسلوكهم الاهوج، ويحملونهم على التفتيش والبحث عن الأعمال والنشاطات الجنسية المختلفة...
وبصورة موجزة: الأشخاص الذين يعدّون وسائل الإثارة الروحية في أطفالهم تجاه القضايا الجنسية، ويوجدون في اذهانهم صوراً للخواطر القبيحة...
هؤلاء جميعاً يتسببون في الانحراف الجنسي لأطفالهم عندما يكبرون، فنراهم بعد أن أصبحوا رجالاً يحتاج اليهم المجتمع في القاء قسط من عبء المسؤولية على عواتقهم غير جديرين بذلك.
يرى علماء النفس أن منشأ الانحراف الجنسي نوع من أنواع الحقارة، يوجد في نفس الشخص المنحرف، وإن كان لا يعترف بهذه الحقارة في الظاهر.
"إن الإنحراف، والفشل في الزواج الطبيعي بالنت
2009-08-27