خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في جمع من الشعراء والمداحين في ليلة مولد الإمام الحسن المجتبى
2013
في البداية، لقد استمتعنا كثيراً بالأشعار التي ألقاها الأصدقاء. بعض الأشعار كانت جيّدة جدّاً، وبعضها الآخر كان جيّداً. عندما أعود إلى الذاكرة، يبدو أنّ مستوى الأشعار في هذا العام هو بالإجمال أعلى من الأعوام السابقة،
عدد الزوار: 94خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في جمع من الشعراء والمداحين في ليلة مولد الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)_ 23/7/2013
بسم الله الرحمن الرحيم
في البداية، لقد استمتعنا كثيراً
بالأشعار التي ألقاها الأصدقاء. بعض الأشعار كانت جيّدة جدّاً، وبعضها الآخر كان
جيّداً. عندما أعود إلى الذاكرة، يبدو أنّ مستوى الأشعار في هذا العام هو بالإجمال
أعلى من الأعوام السابقة، وهذا يظهر أنّ حركة الشعر في البلاد، هي حركة دائمة بحمد
الله، هذه الحركة تسير قدماً، وهذا أمر مهمّ جدّاً بالنسبة لنا.
الشعر هو واحد من أبرز الفنون، والفنّان سواء الذي يشتغل بالشعر أو بسائر الفنون
الأخرى هو من النخب التي تقع على عاتقها مسؤوليّة أكبر على صعيد الأمور التي تتطلّب
مسؤوليّة، وهذا أمر طبيعي. مسؤوليّة النخب سواءً النخب السياسيّة، أو النخب
العلميّة، أو النخب الثقافيّة في أيّ مجال، تفوق مسؤوليّة غيرهم. الفنّان هو نخبويّ
بارز، لذا، تقع عليه المسؤوليّة. برأيي ينبغي حمل هذه المسؤوليّات على محمل الجدّ.
وفنّ الشعر الذي هو فنّ فاخر ومهمّ تاريخيّاً وغير مندرس يتضمّن هذه المسؤوليّات
الكبيرة ويحويها.
بالطبع، ينبغي أخذ أحاسيس الشاعر الإنسانية بعين النظر، كما ينبغي الالتفات أيضاً
إلى هموم الشاعر وغمومه، وإلى فكره وحكمته. أي أنّ كلّ قسم من هذه الأقسام الثلاثة،
يخصّ جزءاً وفصلاً من فنّ الشعر بنفسه. لا ضير في ذلك، أي إذا لم ترد الأحاسيس
الشاعريّة، ومشاعر الحب، والأحاسيس المرتبطة بأمور الحياة الشخصيّة اليوميّة في
الشعر، فإنّ الشعر في الواقع، لن يؤدّي تمام وظائفه. بناءً على هذا، قسم من الشعر
مرتبط بأحاسيس الشاعر، حسنٌ، فأحياناً يُفرَّط في هذا المجال، ويخصّص الشعر بتمامه
لهذه الأحاسيس. قسم آخر هو هموم (أرق) الشاعر، وهذا أيضاً نشهده في شعر الشعراء.
أغلب الشعراء في الأزمنة المختلفة، هم شعراء أرقون، وهذا ليس مختصّاً بزمان خاص، بل
بكلّ الأزمنة، إلى الحدّ الذي سنحت لي الفرصة وتمكّنت وعرفت ورأيت يتجرّعون حسرة
شيء أكثر ممّا هو سائد في حياتهم. لا شأن لنا بالحسرة على تلك الأمور المعنويّة
وأمثالها. لا، فهم من ناحية الوضع المادّي، ومن ناحية المشاكل، من ناحية تلقّي
الصدمات والإصابة بالجراح، لهم أحزانهم وهمومهم. جميع الشعراء لهم مثل هذه الهموم.
لقد رأيت في سير الشعراء الذين عاشوا في أواخر عهد المغول، من يشكو ويقول نعم، سوق
الشعر كاسد للأسف، لا أحد يهتمّ بنا، قد كان الأمر في الماضي هكذا وهكذا. هذا في
وقت، كان الشعراء يحظون باحترام، تُغدق عليهم الأموال، ويُعطون مقدار وزنهم فضّة أو
ذهباً! أي أنّ مثل هذه الحالة كانت موجودة دائماً. بثّ مثل هذه الآلام كان له سهم
في شعر الشاعر، لا مجال هنا للعتب. لم أعتب يوما على أيّ شاعر أنّه بثّ بعض همومه
من الأوضاع في الشعر. فبالنهاية، روح الشاعر روح حسّاسة، لطيفة، قد تعاني وتنزعج من
شيء ما. بناءً على هذا، حقيقةً ليس هناك أيّ إشكال في ذلك. للكثير من هؤلاء
الأصدقاء المقرّبين والحميمين، من أصدقائنا الشعراء، همومهم وأحزانهم، وقد كنت أيضاً
من المستمعين الجيّدين والصبورين لأشعارهم التي يبثّون فيها همومهم. بناءً على هذا،
إنّنا نعترف بهذين القسمين من الشعر: ما كان منه مرتبط بالمشاعر، وما كان منه مرتبط
ببثّ الهموم. لكن هناك قسم آخر وهو فكر الشاعر، وحكمة الشاعر، وهو ما لا ينبغي
الغفلة عنه. أنظروا إلى سعدي، فهو قمة الشعر عندنا، فسعدي يتمتّع بالكثير من
الشاعريّة، والعشق والأحاسيس المرهفة، لديه الكثير أيضاً من ذلك الأرق (الشكايات)
على حدّ قولكم ، في "البستان"، وكذلك في الغزليّات وفي مواضع أخرى، لكن انظروا حكمة
سعدي كيف انتشرت في شعره. يمكن لسعدي أن يُعرّف كحكيم. هذا ما يوصل شخصاً مثل سعدي،
وحافظ وصائب إلى القمّة. الحكمة، التفكير الحكيم، والمسائل اللازمة لتعليم البشر،
فهم هذه الأمور ونظمها شعراً وبيانها حيث المعارف الدينيّة والمعارف الإنسانية
وأسلوب الحياة من أهمّها هذه هي مسؤوليّات الشاعر. وصيّتي هي أن لا ينسى الأصدقاء
أبداً هذا القسم الأساسي والمهمّ من الشعر، بالطبع، يوجد في شعر الليلة ومن حسن
الحظّ، سهم كبير من هذا القسم. على الشاعر أيضاً مسؤوليّة في المسائل المرتبطة
بمجتمعنا وزماننا. لقد انبعثت اليوم من داخل مجتمعنا حركة تاريخيّة عظيمة، وأصبحت
الملهمة لجماعات كبيرة من البشر، هذه حقيقة. مواجهة الثورة الإسلامية لنظام القوّة
العالمي، الوقوف في وجه المتسلّطين، من قبل شعب رزح تحت نير متسلّطين آخرين لمائتي
عام أو أكثر، وبسط علم الحرّيّة والتحرّر فوق هذا البلد، لهو شيء غاية في الأهمّيّة،
ينبغي لهذا الأمر أن يظهر في شعر شعرائنا. أيضاً ما حدث إثر هذه الحريّة. لقد قلت
مراراً في هذه الجلسة نفسها والجلسات الأخرى، إنّ جهادنا العسكري في حرب السنوات
الثمانية لم يكن بالشيء القليل، كان أمراً مهمّاً، ينبغي برأيي الالتفات إليه في
أشعارنا. كما أنّ جهاد بناء المجتمع الإسلامي، جهاد تقوية بنيان السلطة الشعبيّة
التي اعتمدنا عليها مراراً، جهاد إصلاح نمط الحياة والذي قلنا أنّ مضمون الحضارة
الإسلامية يتمثّل فيه وما نبحث عنه في غير نمط الحياة، جميع الأشكال والمناهج
والمقاييس كلّ واحد منها جهاد، والمشاركة في هذا الجهاد عن طريق الشعر، ينبغي أن
تكون مورد اهتمام.
أيضاً المسائل المرتبطة بالتاريخ، المرتبطة بالزمان. الصحوة الإسلامية اليوم هي
مسألة مهمّة، القضيّة الفلسطينيّة هي قضيّة هامّة، ينبغي لهذه الأمور أن تحظى بسهم
في أشعارنا. علينا أن نتعرّض لهذه المسائل في أشعارنا. على كلّ حال، هذه مسائل
تتمتّع بالأهميّة.
لي أيضاً وصيّة أخرى قد سجّلتها هنا وهي أنّ الاهتمام بشعر الأطفال المتضمّن
لمفاهيم الحكمة الإسلامية والحكمة السياسيّة، هو من الأمور اللازمة بنظري، والتي
نفتقدها اليوم شيئاً ما. إنّ شعر الأطفال وكتاب الأطفال والناشئة هو من جملة
الأقسام المهمّة التي يجري الاهتمام بها. على الشعراء الذين لديهم القدرة، والبيان،
أن يدخلوا المفاهيم المشتملة على الحكمة، أي الحكمة الإسلامية والإيرانيّة في
الأشعار الفارسيّة. ينبغي تنمية قابليّات الشباب. لدينا في صفوف الشباب قابليّات
كثيرة. فالشباب يتقبّلون الحقائق بسهولة أكبر، ويعكسون هذه الحقائق في كلامهم وفي
أشعارهم.
نشكر الله تعالى أنّ لسان شعرائنا اليوم هو لسان فصيح بحمد الله، حيث تُبيّن
الحقائق الجيّدة من خلال هذا اللسان. فإذا أردنا على سبيل المثال مقارنة هذه الجلسة
بمثيلتها قبل عشر سنوات حيث تُقام هذه الجلسة كلّ سنة في مثل هذه الليلة أو ما
يقاربها تاريخاً فإنّ الأمر واقعاً يسير قدماً، وإنّه لا مجال لمقارنة الليلة بتلك
الليالي التي عقدنا فيها مثل هذه الجلسات، أي حقّأً وإنصافاً، شعر ثورتنا، شعر
شبابنا، شعر أعزّائنا الشعراء الملتزمين والمتحلّين بالمسؤولية، شعر روّادنا، شعر
الأشخاص الذين يعملون في مجال تربية الشباب ويلعبون دوراً في ذلك، قد تطوّر بنظري
تطوّراً جيّداً جدّاً. كما قلت، على أصدقائنا وشعرائنا الجيّدين أن يسعوا دائماً
ليكونوا الأحسن "لتصبح أنت الأحسن"(1)ـ سواءً في مجال الشعر، أو في مجال
النقد. أقرأ أحياناً مقالات بعض الأصدقاء في نقد الشعر، فعلاً، يلتذّ المرء بذلك،
قويّة المضمون، جيّدة، عسى أن تستمرّوا في ذلك. أسأل الله تعالى أن يضفي البركة على
أعمالكم الأخرى، وتتمكّنوا يوماً فيوماً من إضافة التطوّرات على المخزون المعنويّ
للشعر الفارسي. أوجّه شكري للأصدقاء مجدّداً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1- (كلما حسنت أحوالك ابتليت بحالي حسنك يزيد وألمي لا يسكن) (نظيري نيشابوري).
2013-07-01