يتم التحميل...

خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في اللقاء مع رئيس الجمهوريّة والهيئة الوزاريّة للحكومة

2013

كان اجتماع اليوم مثمراً، حيث قدّم الأصدقاء والمسؤولون المحترمون عرضاً لجانب من جهودهم وأعمالهم موثّقاً بالإحصاءات والأرقام.

عدد الزوار: 76

كلمة الإمام الخامنئيّ في اللقاء الأخير مع رئيس الجمهوريّة والهيئة الوزاريّة للحكومة العاشرة_5-رمضان-1434/ 14-7-2013

بسم الله الرحمن الرحيم

كان اجتماع اليوم مثمراً، حيث قدّم الأصدقاء والمسؤولون المحترمون عرضاً لجانب من جهودهم وأعمالهم موثّقاً بالإحصاءات والأرقام.

حسنٌ، فمن العادة عقد هكذا اجتماع في شهر رمضان من كلّ عام، وهو ليس مخصّصاً لتقديم التقارير، وقد جرت العادة أن نقدّم في هذا الاجتماع النصيحة للأصدقاء، وهي عبارة عن جملة من نهج البلاغة، فنتبارك بكلام أمير المؤمنين عليه السلام .

يجب عرض تلك الأعمال على الملأ

لكنّني أصررتُ هذا العام وقد اقترحت بنفسي على رئيس الجمهورية على أن يلقي الأصدقاء كلمة ويقدّموا تقاريرهم. ذلك أنّها الأيام الأخيرة لهذه الحكومة، وهذه الأيّام مناسبة لتقديم التقارير عن مجمل إنجازات الحكومة، وبالطبع كنموذج وعيّنة فحسب، ونودّ كثيراً أن تُنقل التصريحات والمواقف التي سمعناها هنا اليوم إلى أسماع المواطنين الأعزّاء، إلى الخواصّ وأهل الفنّ والعارفين، ذلك أنّ الكثير من المواضيع التي تمّ التطرق إليها لا علم للأصدقاء بها. ونجد أنّهم في بعض الأوقات لا يملكون المعلومات الكافية والوافية عنها، وليطّلع عليها عموم أبناء الوطن ويعلموا بها، مع أنّ بعض الأعمال واضحة للعيان، وبالطبع فإنّ المعارضين وغير المطّلعين، كأجهزة الإعلام الأجنبيّة المُغرضة، وحتى بعض من هم في الداخل أحياناً، ينكرون بعض ما هو ماثل وواضح للعيان. أعني أنّ العمل قد أنجز، وهو جليّ للعيان، يراه الجميع ويتحدّث عنه، لكنّهم يرغبون في إنكاره. ولا يهمّنا إن كان لدى بعضهم نظرة تشاؤميّة سوداويّة، عدائيّة وغير منصفة، ففي النهاية يجب عرض تلك الأعمال على الملأ، وأن تُسجّل، وهذا أمر مهمٌّ جدّاً.
ما يتوجّب عليّ قوله للأصدقاء اليوم، في المرتبة الأولى، أقول لهم قوّاكم الله وعافاكم الله. لقد جاهدتم 8 سنوات، سعيتم وأنجزتم أعمالاً جيّدةً، تحمّلتم العناء ليلاً نهاراً، أعني أنّها أعمال ملموسة، وأدرك الجميع أنّ حجم إنجازات رئيس الجمهورية المحترم وزملائه كبير جدّاً، وأسرع ممّا شهدناه في الحكومات السابقة. وهذا الأمر مهمّ جدّاً ويجب عدم التغاضي عنه. وعلى كلّ من يريد انتقاد الحكومات، الوزارات ورؤساء الجمهورية، سواء فيما بينهم أو على الملأ، وإبداء الرأي أن لا يغفلوا هذه النقاط: كان حجم الإنجازات كبيراً، وجهود لا تعرف الكلل، وإعراض عن الراحة والسكينة وكسب الإمتيازات التي عادة ما يطلبها مسؤولو الدول الأخرى لأنفسهم، كالاستراحة والترويح عن النفس والحصول على الامتيازات، هم لم يُريدوها لأنفسهم، ولم يطلبوها. وهذا امتياز كبير تمتّعت به هذه الدولة (الحكومة) والحمد لله.

رفع شعار الثورة

الأمر الآخر في هذه الحكومة والذي لطالما عَنَيته وأشرت إليه عدّة مرّات طوال الثماني سنوات، هو أنّ هذه الحكومة وبحمد الله، استطاعت أن تحمل شعار الثورة وأن تفاخر به، وأن تطرحه في المحافل الدوليّة. من الأعمال البارزة التي تقوم بها الجبهة المعادية للثورات، سواء المعادية لثورتنا أو غيرها من الثورات، هي أنّها تحاول جعل قيم الثورات باهتةً. ولا ينتهي الأمر بهم عند هذا الحد، بل يحاولون في البداية جعلها باهتة، تمهيداً لمحوها تدريجيّاً. وإذا أفسح لهم في المجال، فسوف يحوّلونها إلى مناهضة للقيم. وهذا الأمر مشهود به في أنحاء العالم. لقد شاهدنا هذا في ثورات العالم على مرّ التاريخ وفي الثورات المعاصرة، وفي هذا العمر الطويل، رأينا وسمعنا وشاهدنا ذلك. فالجبهة المقابلة للثورة والمناهضة لها، لن تنسى شعارات الثورة أبداً. أي أنّهم يعلمون بأنّ الشيء الذي جعل جبهة الثورة تنتصر وتُجبر الجهة المعادية على الاندحار في هذه المواجهة وهذه المنافسة، هو تلك الشعارات بالدرجة الأولى. وكلّما كانت تلك الشعارات مُعبّرة، جذّابة، واقعيّة ومفهومة وملموسة للشعب، كلّما ساعدت على تقدّم الثورة أكثر فأكثر. هم يسعون إلى محو تلك الشعارات تدريجيّاً، وإلى جعلها باهتة.

لقد بدأ العدوّ ذلك مع بلدنا وثورتنا، وبالطبع هو لم يوفّق، ونشكر الله لأنّ العدوّ لم يستطع أن يجعل شعارات ثورتنا باهتة لمحوها فينا بعد. وبرأيي فإنّ الفضل الأكبر في ذلك متّصل بفطنة الإمام الخمينيّ العظيم (قده). فكلّ ما تركه الإمام العظيم لنا من تصريحات، أقوال وكتابات، هي بيّنات، محكمات، غير متشابهة بحيث لا يصعب فهمها. وكان آخر كلام الإمام تلك الوصيّة الإلهيّة، وكنت دائما أوصي المسؤولين والذين يضطلعون بمناصب مهمّة في الحكومات المتعاقبة، بأن يعودوا إلى وصيّة الإمام. الوصية التي تحمل زُبدة القيم التي نادى بها الإمام. هذا ما تركه الإمام لنا، تركه حيّاً. لذا فإنّ هذه القيم غير قابلة للتحريف والتغيير، أجل، إنّ التغاضي عنها أمر ميسّر لمن شاء أن يتغاضى عنها.

لكنّ هذه الدولة (الحكومة) رفعت هذه الشعارات، أبرزتها وفاخرت بها. لم تخجل منها في المحافل الدوليّة، ولم تخجل من دوافع الثورة، أو من أهداف الثورة وأساليب الثورة. وهذا أمر عظيم. ما قمتم به في سبيل الله فسوف يحفظه لكم في كتاب أعمالكم. وقد حفظه لكم "الكرام الكاتبون". وبلا شكّ سينفعكم في يوم ما. ما قمتم به، سواء أنا وأمثالي رأيناه وعلمنا به وشكرناكم عليه، أم لم نفعل، "فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ" ، فإنّ الله يعلمه وهو العليم الشكور. من الله المتعال أن يوفّقكم.

ابقوا في خدمة أهداف الثورة ومعها

وتكليفكم اليوم، أن لا تُخلوا ميدان تقديم الخدمات، فالجهود ليست منحصرة في الوزارة الفلانيّة أو المسؤوليّة الفلانيّة في الدولة، لا، فساح الوطن، ساح للسعي، للعمل، للنشاط. ويمكن القيام بهذا الأمر بطريقتين، في إطار أهداف الثورة، أو خارجها. وأنتم سواء شاركتم في الحكومة القادمة أو الحكومات المستقبليّة أو لم تشاركوا، حاولوا أن تكون الأعمال التي تقومون بها أو المسؤوليّة التي تضطلعون بها، وبالطبع فإنّ أمثالكم، مديرون لائقون أكْفَاء، أهلٌ للمسؤوليّة أينما وجدتم، أن تكون في خدمة أهداف الثورة ومع الثورة. أسأل الله أن يوفّيكم أجوركم، وأنا أتوجّه لكم شخصيّاً بالشكر.

من وصية أمير المؤمنين عليه السلام

كالعادة التي دأبت عليها، وبالنظر إلى ضيق المجال والوقت، سأقرأ لكم جملة من نهج البلاغة: "واعْلَمْ أَنَّ أَمَامَكَ طَرِيقاً ذَا مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ، ومَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ" .

هذه من وصايا أمير المؤمنين عليه السلام للإمام الحسن المجتبى عليه السلام . وفي الحقيقة ينبغي القول بأنّ كلام الوصيّة ينبع من الصميم أكثر من أيّ كلام آخر يمكن أن ينطق به إنسان. ذلك أنّ الإنسان يكون في تلك الحالة منسلخاً عن عالم المادّة، وعادةً ينعدم حضور الأمور الماديّة أو يضعف. لذا فإنّ أكثر الكلام خلوصاً (من صميم القلب) يُقال أثناء الوصيّة، وخاصّة عندما يكون المخاطب أعزّ إنسان على الموصي، ألا وهو الابن، فكيف إذا كان الابن هو الإمام الحسن عليه السلام ، الابن الأكبر لأمير المؤمنين عليه السلام . وهو بلا شكّ أحبّ إنسان على قلب ذلك العظيم، ونور عينيه.

بالطبع فإنّ أمير المؤمنين قال إنّ هذه الوصية ليست منحصرة بك، بل هي للجميع، لكن المخاطب الرئيسيّ هو الإمام الحسن عليه السلام . لذا فهي زُبدة كلمات أمير المؤمنين عليه السلام ومعارفة وفكره. بالطبع فإنّ كلّ كلمةٍ وكلّ جملةٍ من كلام الأمير هي حكمة بحدّ ذاتها. وليس ما يتعلّق بالوصية فحسب، حقيقة نحن لن ندرك كُنه كلمات أمير المؤمنين وعمقها، فأمثالنا غير قادرين على سبر أغوارها. بل نستطيع الإفادة من شيء واحد منها. لكن رأينا أشخاصاً كلّما سمت حكمتهم، علا فكرهم وصار أكثر عمقاً، كلّما استطاعوا أن يستخلصوا من كلمات الأمير معاني أكثر. هكذا هو نهج البلاغة. وقد وردت هذه الوصيّة فيه.

يقول عليه السلام: اعلم أنّ أمامك طريق ومسافات شاسعة وأمامك مشاقّ شديدة. وهذه الطريق توصلك إلى يوم الحساب وإلى القيامة، وهي طريق طويلة.

"وأَنَّه لَا غِنَى بِكَ فِيه عَنْ حُسْنِ الِارْتِيَادِ": وعليك السير في هذه الطريق بكلّ عزم، "الارتياد" يعني الطلب والسعي مع الإرادة والنيّة. ولا مناص لك من المتتابعة بكلّ جدّيّة. يعني أن لا مجال للإنسان للتصرّف اعتباطيّاً (بسطحيّة). أجل، إن غفلنا عنه سنكون اعتباطيّين، لكن هذا ناشئ عن الغفلة. علينا أن نعرف ما حقيقة الأمر، وإلى أين نحن سائرون، وأين يتحقق مصيرنا الأبديّ ويصبح ماثلاً عياناً. إذا أبدينا اهتماماً أكثر، فسوف نأخذه على محمل الجدّ. لذا تلاحظون في دعاء كميل وهو لأمير المؤمنين عليه السلام أيضاً، دعاءه: "وهب لي الجدّ في خشيتك" . يدعو الله لأن تكون خشيتنا من الخالق خشية جادّة، وليس ظاهرية، أو مجرّد مشاعر سريعة الزوال ناشئة عن مؤثّرات الحياة، أن يشعر الإنسان بالخشية من الخالق بكلّ معنى الكلمة.

"وقَدْرِ بَلَاغِكَ مِنَ الزَّادِ مَعَ خِفَّةِ الظَّهْرِ": ولا مفرّ لكم من عبور هذا الطريق الطويل والشاقّ والذي هو طريق القيامة. أنتم تعبرون من وسط الدنيا نحو القيامة، ولا مفرّ أمامكم من عبور هذا المعبر الماديّ، مع جميع مستلزمات هذه المادة. ومع جميع الخصائص الطبيعيّة للإنسان في هذا العالم الماديّ. لذا عليكم ومن أجل أن تكون نهاية المطاف سهلة ومطلوبة لكم، "قدّر بلاغك من الزاد": أن تقدّر ما يلزمك من الزاد لتصل إلى المنزل، أي أن تقيس أن تعرف مقدار ما يلزمك من العمل للرحلة. هذا القسم الأوّل.

القسم الثاني: "مع خفّة الظهر": خفّف الحِمل عن ظهرك. هذان دليلان وهاديان اتّبعهما أمير المؤمنين عليه السلام . أوّلاً: اعرف ما يلزمك للعبور، ويأتينا الجواب من الأمير: اجتناب المحرّمات والقيام بالواجبات (الفرائض)، يعني أنّ المقدار اللازم، أو بتعبير الأطباء الجرعة اللازمة التي تمكنك من طيّ هذا الطريق. ما هي إلّا هذه الواجبات (الفرائض)، وبقدر ما تقوم بالواجبات، تحصل على الزاد للطريق، وكلّما زدت على هذه الواجبات وداومت عليها، كلّما حصلت على إمكانات أكثر، واستفدت أكثر وربحت أكثر. لكنّنا بحاجة إلى الحدّ الأقلّ من الفرائض الواجبة علينا، في عبورنا هذا الطريق. وكذا المحرّمات. أي أنّ اجتناب المحرّمات هو على الأقلّ في الابتعاد عن الآفات التي يمكن أن تعترض طريقنا. لذا إنّ اجتناب المحرّمات والقيام بالفرائض الواجبة، يؤمّنان لي ولك التحليق اللازم، ولسنا بحاجة لأيّ شيء آخر.

بعضهم يبحث عن بعض الخصائص، يبحث عن شخص، ليأخذ منه ذكراً، وليتعلّم منه رياضة، إن هذه الأمور ليست ضرورية، فالرياضة الشرعيّة مشخّصة ومعروفة. إذا صلّينا صلاتنا بشكل صحيح وفي أوقاتها وأدّينا جميع أركانها مع التوجّه، أو أن نصوم بشكل صحيح، وأن نقوم بجميع الفرائض الواجبة والمتوفّرة بين أيدينا، نكون قد أمّنّا ما يلزم للعروج.

أقول لكم. إذا أدّينا هذا المقدار، فستكون هذه الأرضيّة ذاتها لاجتذاب الأنوار الإلهيّة وبمعدل كبير. أي يلزمنا الحد الأدنى (من الواجبات)، وليس قيمتها الوحيدة أن تجعلنا قادرين على عبور هذا الطريق، وإنّما قيمتها الأخرى أن تهيّئ لنا الأرضيّة لجذب المزيد من النور الإلهيّ، والفضل الإلهيّ.

عندما يؤدّي الإنسان الصلاة الواجبة بنحو صحيح سيميل بشكل طبيعيّ نحو القيام بالنوافل. وعندما يتجنّب الإنسان الكذب، الغيبة، البُهتان، الافتراء، الإفساد، أكل السُّحت وخيانة الأمانة، فإنّ قلب الإنسان يصبح جاهزاً لتلقّي الهداية الإلهيّة، والمعرفة الإلهيّة. وسوف تنطلق بنا هذه الوصيّة الأولى. الوصيّة الثانية عندما قال: "مع خفّة الظّهر" خفّف من الأحمال (الأثقال) عن كاهلك. نحن الذين نحمل الأثقال على كاهلنا. أرجو من الله أن نتمكّن من حمل هذه الأحمال. وإذا استطعتم حمل هذه الأحمال والوصول بها إلى المنزل، فلهذا أجر عظيم يعني هذه المسؤوليّات الجسام التي تسبّب الكثير من الهواجس للإنسان، لكن من الجهة الأخرى، إذا ما قمنا بهذا الواجب على أكمل وجه، ففيه الكثير من الفضائل.

أتمنى على الله المتعال، أن يوفّقكم ويؤيّدكم في خدمة الإسلام والمسلمين على الدوام. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

2013-07-02