مواعظ في سطور-1
مواعظ في سطور
ساعات الذهول - المتفرج على الأحداث - الذاكر الغافل - لكل ساعة تكليفها - القرب بالمصيبة والمراقبة - الإجراء غير القبول - علاقة المولوية والحب - الأنس تبعا للحق - الوحشة من أولياء الشيطان - الدعاء المناسب للحالة - التزاحم في الواجب والمستحب - شكورية الحق - الحسرة على الخيرات...
عدد الزوار: 279
ساعات الذهول
إن من أصعب الساعات التي تمر على المرء، هي تلك الساعة التي لا يجد عندها - في نفسه
- خيرا ولا شرا..بل يجدها في حالة من الشرود والذهول، مما يجعل الساعات تمـر على
العبد، من دون أن يحصد فيها خيرا لدنياه أو لآخرته..فمن الجـدير بالعبد تجنب هذه
الساعات بتجنب مناشـئها ومنها: (اللاّهدفية) في الحياة، و(الانشغال)
المستغرق بلهو القول والفعل، وعدم حمل (طموحات) كبرى في الحياة، و(انتفاء)
النظم في أمر المعيشة والمعاد..فالواجب على العاقل هو الخروج من هذا العبث الهادر
للعمر، وذلك (بالتفكير) في محدودية عمر الإنسان، وعدم قبول دعوته للرجوع إلى
الدنيا لتدارك الفائت بالعمل الصالح، و(استحضار) المعـيّة الإلهية المتحققة
من جانب الرب تعالى - وان لم يستحضرها العبد - وهي التي تدعوه إلى الانشغال بما
يرضي الحق في كل مرحلة من مراحل حياته، توقيراً لتلك المعية المستلزمة للمراقبة
الدقيقة.
المتفرج على الأحداث
يصل العبد - بعد اجتياز مرحلة التفويض، وايكال الأمر لمدبر الأمور - إلى
درجة يرى نفسه فيها (كالمتفرّج) لسير الأحداث المرسومة بيد الحكيم..فلا يهش
فرحا للمفرح منها، كما لا يأسى على المحزن منها، وذلك لأنه لا يرى نفسه معنيّا
بالأمر اكثر مما أمر به، فهو يسعى بما هو لازم فعل العبد وهو (التدبير)،
ويوكل الأمر بعد ذلك إلى ما هو لازم فعل المولى وهو (التقدير)، والعبد يريد
والمولى يريد، ولا يكون إلا ما يريده المولى..وأين رتبة التدبير من رتبة التقدير
؟!، فالأولى في رتبة الأسباب، والثانية في رتبة الأسباب والنتائج معا..ومن المعلوم
أن هذا الإحساس لو تعمّق في نفس العبد، لأوجب له شعورا بالرضا و (الاطمئنان)
في أشد المراحل تقلبا..ومن هنا كلما اشتد البلاء على سيد الشهداء عليه السلام، كلما
اشرق لونه -كما ورد في المقاتل - لأنه يرى صنع الله تعالى فيه وفي أهل بيته، وهو لا
يكون إلا جميلا، كما صرحت به أخته عليه السلام في مجلس الطاغية.
الذاكر الغافل
إن مَثَل الذاكر بلسانه مع عدم مواطأة قلبه للذكر باللسان،كمَثَل من
(يتظاهر) بالإصغاء إلى جليسه وهو (شارد) عنه، فلو اطلع الجليس على شروده
لأعرض عنه، بل لعاقبه على سوء أدبه معه..فهذا الذاكر بلسانه يجعل نفسه في موضع
المتحدث مع الحق، فلو أعرض بقلبه لكان عمله نوع استهتار و نفاق يستحق معه
العتاب..وعليه لو أثاب المولى - المطلع على الضمائر - عبده على هذا الذكر المقترن
بالشرود والذهول، لعُدّ ذلك (تفضّلا) منه وكرما، يستحق عليه الشكر المشوب
بالخجل، لعدم قيام العبد بحق العبودية كما يليق بوجهه الكريم..وقد وصف أمير
المؤمنين عليه السلام الملائكة - على مكانتهم من الحق وكثرة طاعتهم له - بقوله:
(لو عاينوا كنه ما خفي عليهم منك، لحقّـروا أعمالهم..ولعرفوا أنهم لم يعبدوك حق
عبادتك، ولم يطيعوك حق طاعتك) البحار-ج7ص200.
لكل ساعة تكليفها
إن للعبد تكليفه (المستقل) تجاه مولاه في كل يوم و ليلة من حياته،
ومن هنا أحتسب لكل يوم وليلة ربحه وخسارته، مفصولا عما قبله من الليالي
والأيام..وبذلك لا (يجبر) خسارة اليوم الحاضر (بربح) اليوم الذي سبقه
أو يليه، وتوفيق العبد في يومه، لا يوجب له الاسترخاء فيما يليه من الأيام، تعويلا
على كسب ذلك اليوم، كما نلحظه كثيرا بعد مواسم الطاعة كالحج أو شهر رمضان المبارك،
فيركن العبد إلى ما وُفّق له في تلك المواسم، والحال أنه مكلف - بعد الموسم -
بتكليف جديد..وعليه فلابد أن يكون العبد حريصا على قطف ثمار اليوم الذي لا يعود
إليه أبداً.
القرب بالمصيبة والمراقبة
إن سرعة الوصول إلى الدرجات العالية من التكامل، يتحقق غالبا إما: بالوقوع في (المصائب)
- ولو في برهة من الزمن - واما (بالمراقبة) الشديدة للحق..والسبب في ذلك أن العبد
لا يستغني عن مدد المولى في كل مراحل سيره، هذا المدد المتمثل بالرحمة الإلهية تأتي
لذوي المصائب، كما يشعر به قوله تعالى: (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة)..كما
تأتي لذوي الذكر الدائم، كما يشعر به قوله تعالى: (اذكروني أذكركم)..ومما
ذكر يعلم خطورة موقف (الغافل) و (المعافى) من البلاء، فهو أبعد ما
يكون من هذه (الرحمة) بشقّيها.
الإجراء غير القبول
إن العناوين التي منحها الشارع للصلاة: كالمعراج، وعمود الدين، وقربان كل تقي، لا
تنسجم مع واقع صلواتنا - بما فيها من تشاغل عن الحق - إذ أن المأتيّ به لا يسانخ
المأمور به أبدا..ومن هنا لو أتى العبد بكل مقومات (الإجراء) الظاهري من دون
تحقيق شيء من تلك العناوين، لعلم أنه لم يحقق (المراد) الواقعي للشارع،
والذي (تكشف) عنه العناوين المذكورة..وعليه فقد يواجه العبد ربه يوم القيامة،
ولم يمتثل له أمرا واحدا بالصلاة كما أرادها الحق منه، على شدة تأكيده له.
علاقة المولوية والحب
إن العلاقة الأولية للعبد مع ربه - وان كان يغلب عليها - علاقة (المولوّية)
القائمة على الأمر والامتثال، إلا أنها قد (تترقى) بعد اجتياز مرحلة التعبد
المحض إلى ما هي أرق من تلك العلاقة، فيضاف إلى هذه العلاقة علاقة (الأنس)
والمجالسة: (يا خير من خلا به جليس)، والجوار: (يا جاري اللصيق)،
والرفقة: (يا شفيق يا رفيق)، والخـلّة: (واتخذ الله إبراهيم خليلا)،
والحب الشديد: (والذين آمنوا أشد حبا لله)..فإذا كانت علاقة الحق معهم -
كذلك - في هذه الحياة الدنيا، فكيف تتجلى تلك العلاقة في معاملة الحق معهم يوم
العرض الأكبر، إذ يكشف الغطاء ويرفع الحجاب بين العبد وربه ؟!.
الأنس تبعا للحق
إن الأنس بالزمان، أو المكان، أو الأشخاص، أو البلاد، ينبغي أن يكون مرتبطا بمدى
تأثير تلك الأمور في قرب العبد من الحق..فكل عنصر يؤثر تأثيرا إيجابيا في تقريب
العبد إلى ربه، لهو عنصر (محبوب) في واقعه، وإن استثقله العبد بحسب ميله
الذي لا صلة له بالواقع..ومن هنا قال سبحانه: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم)،
فخير (البلاد) ليس ما استوطنه العبد وإنما ما أعان على الطاعة، وخير (الأشخاص)
ليس هو الصديق وإنما من يذّكر بالله رؤيته، وخير (الأزمان) ليس هو ساعة
التلذذ وإنما ما وقع فيها من طاعة..إن تحكيم هذا الملاك يغيّر كثيرا من الرغبات
داخل النفس، ومن التصرفات خارجها، لتغيّر المنطلقات التي ينطلق منها العبد، في
تعامله مع الفرد والزمان والمكان.
الوحشة من أولياء الشيطان
لو اعتقد العبد - يقينا - بإحاطة الشياطين (لقلوب) الذين يتولونه، و(لأماكن)
المعصية، لاشتد وحشته من هؤلاء الأشخاص ولو كانوا اقرب الناس إليه، ومن الأماكن ولو
كانت آلف البلاد لديه، لعلمه أن الاقتراب من تلك الأماكن والقلوب، إنما هو دخول في
حيّـز مرمى الشياطين..ومن هنا يُعـلم حذر أهل اللب من أبناء زمانهم، لأنهم لا
ينظرون إلى (ذواتهم) المجردة، وإنما إلى من (يسوقهم) في حركاتهم
وسكناتهم، من الشيطان والنفس الأمارة بالسوء.
الدعاء المناسب للحالة
إن أدعية الأئمة عليه السلام - ومنها المناجاة الخمسة عشر - تتناسب مع الحالات
المختلفة للعبد..فينبغي اختيار الدعاء المناسب لتلك الحالة الخاصة، وهذا بدوره
يحتاج إلى تذوّق خاص لكلماتهم يحصل بالممارسة..فحالة (المقصّر) يناسبها دعاء
التائبين أو الشاكين، وحالة (المنبسط) في الطاعة يناسبها دعاء المحبين أو
المريدين، وحالة (الوَجِل) يناسبها دعاء الخائفين أو الراجين، وحالة (المستغرق)
في النعم يناسبها دعاء الشاكرين، وهكذا الأمر في باقي الأدعية..وعليه فإنه من
المناسب استقراء أدعيتهم - وخاصة في المناجاة - لاستخلاص ما يناسب الحالة الموافقة
لهـا.
التزاحم في الواجب والمستحب
إن قانون التزاحم سار في المستحبات والواجبات معاً..فكم من مستحب يمارسه العبد
ينبغي تركه، نظراً لمزاحمته لمستحب أهم..ولو التفت العبد إلى هذه القاعدة لأعاد
النظر في تقييم الواجبات والمستحبات المتزاحمة..ومثال ذلك: (الذّكر) باللسان
تاركاً (الاستماع) لموعظة قد تغير مجرى حياته، أو الالتزام (بالصمت)
تاركا إدخال (سرور) على قلب جليس مؤمن أو تفريج كربة عنه، أو الانشغال
بالأبعدين تاركاً القيام بحقوق الأقربين..كل ذلك من صور الخلل بهذا القانون، ولو
استفهم العبد ربه في هذا المجال، لدلّه على ما هو الأرضى، إذ من استفهم الله تعالى
يفهمه.
شكورية الحق
يتجلى في الحج شكورية الحق المتعال، بما لا يتناسب مع فعل العبد..إذ هو الذي وعد
الزيادة مع الشكر، ولاشك أن زيادته من الفضل الذي لا حساب له..فإن عمل إبراهيم
وإسماعيل عليه السلام وهاجر مهما بدا عظيما، إلا أنه فعل (تصرّم) في وقته،
بل إن بعضه كان في مرحلة العزم ولم يتحقق خارجا كذبح إسماعيل، ومع ذلك خُلِّدت آثار
أعمالهم كما نلاحظها في السعي والهرولة تخليداً (لبحث) هاجر عن الماء،
والمقام تخليداً (لبنائهم) للكعبة، ورمي الجمرات تخليداً (لمجاهدتهم)
للشيطان، وبئر زمزم تخليداً (لتحملّهم) العطش في مرضاته، ومسجد الخيف تخليداً
(لامتثال) إبراهيم أمر الحق في إسماعيل، والحِجْر تخليداً (لمضاجعهم)
المباركة بجوار بيته الحرام.
الحسرة على الخيرات
قد يتحسر بعضهم - وخاصة من الذين لا يملكون القدرة على تحقيق الخيرات المحسوسة
كالقناطر والمساجد - على حرمانهم مثل هذا التوفيق..ولكنه يمكن إزالة هذه الحسرة
بالالتفات إلى أن العبد - بفضله تعالى - يؤجر على (نيّـته) إذا كان حقا
صادقاً في نيته، فإن أمير المؤمنين عليه السلام يعدّ من كان هواه معه في الحرب كمن
شهد معه الحرب، قائلا: (فقد شهدنا، ولقد شهدنا في عسكرنا هذا قوم في أصلاب
الرجال وأرحام النساء، سيرعف بهم الزمان ويقوى بهم الإيمان)البحار-ج100ص96..وقد
خلّد الحق ذكر الذين تولوا من عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأعينهم تفيض من
الدمع حزنا، إذ لم يجد ما يحملهم إلى الجهاد، وقد قيل أن البكائين طلبوا نعلا
يلبسونها..وليعلم أخيراً أن العمدة في الجزاء هو (القلب السليم) المتنـزه عن
كل آفات القلوب، واكتسابه مما لا يحتاج إلى مال ولا متاع..فأين القلب السليم الذي
هو (عرش الرحمن)، من البناء الذي هو مظهر من مظاهر العمران ؟!.
السفر الهادف
إن في السفر مجالاً خصباً للتدبر وتقويم مسيرة العبد وتقييمها، وذلك لما فيه من
(الانقطاع) عن البيئة المألوفة، و(الخروج) عن أسر القيود المتعارفة، أضف
إلى (الراحة) النفسية التي يوفّرها السفر، وبالتالي سكون النفس إلى ما ينبغي
العيش فيه من المعاني التي لا يمكن استحضارها في زحمة الحياة..وهذه الراحة بدورها
عامل مساعد لانطلاقة النفس بشكل أيسر وأسهل في استكشاف أغوارها، ونقاط ضعفها، بدلا
من التفرج على مظاهر العمران في البلاد فحسب..فإن الأمر بالسير في الأرض، قد
تعقّـبه الأمر بالنظر في العواقب، إذ قال سبحانه: (قل سيروا في الأرض فانظروا
كيف كان عاقبة المجرمين)..ومن المعلوم أن المرء يكتشف قدر نفسه والآخرين، في
السفر والجوار والمعاملة.
حب التوابين
إن (الاشمئزاز) الذي ينتاب العبد بعد المعصية، قد يكون - في بعض الحالات -
من دواعي (القرب) إلى الحق..ومن هنا كان الحق يحب التوابين، وهو الملفت حقا
في هذا المجال، إذ قد علمنا أن الحب إنما هو للمطيعين، فكيف صار للتوابين ؟!، وخاصة
مع ما يوحيه هذا التعبير من تكرر وقوع ما يوجب التوبة، إذ التّواب هو كثير الرجوع
عما ينبغي الرجوع عنه..ومن هنا نجد حالات (الطفرة) في القرب عند بعض ذوي
المعاصي، الذين هجروا السيئات إلى الحسنات هجرة لا عودة فيها..والتاريخ يروي قصص
الكثيرين منهم، مما يبعث الأمل في القلوب اليائسة
طلب الكمال الأعلى
ورد في الدعاء بعد زيارة الإمام الهادي عليه السلام: (وصفني واصطفني، وخلصني
واستخلصني، واصنعني واصطنعني) مشيرا إلى مرحلة الاصطفاء والاستخلاص والاصطناع،
وهي من المراحل (العالية) من مدارج التكامل التي منحت لأمثال موسى عليه
السلام..ولا ينافي ذلك أن يطلب العبد شيئا من هذه الدرجات العالية ولو بمستوياتها
(الدانية) المتيسرة لغير المعصومين عليه السلام..وإن من الملفت في هذا
المجال ذكر الاصطفاء بعد الصفاء، والاستخلاص بعد الخلاص أو الخلوص، والاصطناع بعد
الصنع.
الفزع إلى الصلاة
إن من الصور الجميلة للعبودية أن يفزع العبد إلى الصلاة المستحبة، كلما (دهمه)
أمر، أو (انتابته) نائبة، أو كلما أحس (بميل) للمثول بين يديه تبارك
وتعال حبا لا طمعا..بل قد يصل الأمر - عند من توغل في رتب العبودية - إلى درجة (الالتذاذ)
الواقعي بخصوص الصلاة، بحيث تذهله عن حوائجه التي ربما صلى من أجلها، بل عن البيئة
المحيطة به، لما فيها من المعراجية التي تنقل العبد من مرحلة التثاقل إلى الأرض -
بما فيها من اضطراب وتشويش - إلى الآفاق الواسعة، التي لا يكدرها شئ من أكدار أهل
الأرض.