خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقائه المشاركين في مسابقات القرآن الكريم الدولية
2013
أُرحب بجميع الأخوة والأخوات، والعوائل القرآنية المُجتمعين في هذا المحفل. ما يميّزكم أنّكم قارئون للقرآن، حافظون للقرآن، مديرون للقرآن، وأنّ القرآن هو مُعرّفكم. لقد استمتعت كثيراً بهذا اللقاء، استمتعت بتلاوة الأخوة والأساتذة والقارئون القُدامى
عدد الزوار: 97
خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقائه
المشاركين في مسابقات القرآن الكريم الدولية_ 8/ 6/ 2013
أُرحب بجميع الأخوة والأخوات، والعوائل القرآنية المُجتمعين في هذا المحفل. ما
يميّزكم أنّكم قارئون للقرآن، حافظون للقرآن، مديرون للقرآن، وأنّ القرآن هو
مُعرّفكم. لقد استمتعت كثيراً بهذا اللقاء، استمتعت بتلاوة الأخوة والأساتذة
والقارئون القُدامى الذين قضوا عُمراً في خدمة القرآن الكريم، ونسأل الله أن يحشركم
ويحشرنا مع خُدّام القرآن، وأن نبقى إن شاء الله، في حياتنا وبعد مماتنا إلى جانب
القرآن ومع القرآن، وأن نستفيض ونستفيد منه.
هذه المسابقات وهذه الجلسات، ما هي إلّا ذريعة لتناول القرآن، الإقتراب من حقيقة
وروح القرآن. والتلاوة ما هي إلّا وسيلة للوصول إلى تلك الحقيقة، وإلى تعلُّم
المعارف القرآنية، وتشكيل الحياة الفردية والإجتماعية في ظل القرآن. وإذا ما أضحى
القرآن هو الحاكم في المجتمعات البشرية، فهناك السعادة الدنيوية، وعلو درجات
المعنوية. يفتح القرآن لنا طريق العزة، والسلامة، طريق الأمن والأمان، طريق الأمان
النفسي طريق الحياة الصحيحة ودرب الحياة السعيدة. نحن بعيدون عن القرآن، ولو أننا
تعرّفنا على القرآن، وأنسنا بالمعارف القرآنية، وقارنّا مدى بُعدِنا عن الأمور التي
أرادها القرآن لنا، لكانت حركتنا أسرع، وطريقنا أكثر وضوحاً، وهذا هو الهدف.
واليوم، أيها الأخوة الأعزاء، والأخوات العزيزات، يتعطش العالم الإسلامي ويحتاج إلى
الحقائق القرآنية. في يوم من الأيام، كان الشباب في الدول الإسلامية، من شرق العالم
الإسلامي إلى غربه، إذا ما أرادوا رفع الصوت للمُطالبة بالحرية عالياً، هتفوا
بالشعارات اليساريّة والإشتراكيّة والشيوعيّة، لكن اليوم، إذا ما أراد أحد في
العالم الإسلامي، من شرق العالم الإسلامي إلى غربه، رفع شعار العدالة، شعار الحرية
والإستقلال، فإنّهم يرفعون القرآن بأيديهم. هذا أمر قيّم جداً، وهذا هو الصحيح.
يجب التقرّب من القرآن، والأُنس بالقرآن. بالطبع،فإن الكلام سهل، لكن الفعل صعب،
وبحاجة إلى الجهاد.
من تعاليم القرآن، أن تتّحد الأمة الإسلامية معاً، وأن تعقد الأكُفّ معاً
﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾1. لمن وُجّه هذا
الخطاب؟ هذا الخطاب موجّه لنا، خطاب للشعب الإيراني، خطاب للشعوب الإسلامية، في
الدول الإسلامية، وخطاب لجميع المؤمنين بالإسلام في كافة أنحاء العالم. فهل نعمل
به؟ وفي المقابل تقف التعاليم الإستعمارية في مواجهة التعاليم القرآنية: بثُ الفرقة
بين المسلمين، وأن يُكفر فريق، الفريق الآخر ويلعنه، ويتبرأ منه. هذا ما يريده
الإستعمار هذه الأيام، كي لا تبقى لنا باقية. وللأسف فقد خُدعت بعض الدول والحكومات
الإسلامية، فدخلوا لُعبة الأعداء، هم يُخدعون من قِبل الأعداء، ويعملون لصالحهم.
علموا أم لم يعلموا.
الإتحاد والوحدة بين المسلمين أمرٌ واجب وملحّ هذه الأيام. أنظروا أيّ مفاسدٍ
تُسبّبها الحرب والخلافات، انظروا إلى المجازر التي يرتكبها الإرهاب الأعمى، في
العالم الإسلامي بحجة الخلافات المذهبية، انظروا كيف يتنفس النظام الصهيوني الغاصب
الصُعداء، بسبب تلك الخلافات التي زرعوها بين المسلمين. ففي كلّ مرّة حاولت الدول
الإسلامية، والشعوب الإسلامية التقرّب من بعضها بعضاً، رسموا لها المؤامرات
وافتعلوا لها الحوادث. يجب أن تفتح تلك الأمور أعيننا، وأن توقظ الشعوب
الإسلامية.وأن تجعلنا نميّز الرؤساء والحُكّام المخلصين من الحُكّام المُكلّفين من
قِبل الأعداء. هذا ميدان الإمتحان.
كلّ حنجرة تهتف اليوم بالوحدة الإسلامية، هي حنجرة إلهية، ناطقة عن الله، وكلُّ
حنجرة ولسان يُحرّض الشعوب الإسلامية، المذاهب والطوائف الإسلامية المختلفة
لمُعاداة بعضها بعضاً، ويُثيرون النعرات فيما بينها، هي حنجرة ناطقة عن الشيطان.
"من أصغى إلى ناطق فقد عَبَده، فإن كان الناطق عن الله، عَبَدَ الله، وإن كان
الناطق ينطق بلسان إبليس، فقد عبد إبليس"2. فالذين ينطقون بلسان إبليس، سيرمون
بأنفسهم وبالمُصغين لهم، إلى التهلكة.
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ
نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ
يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ﴾3 يقدم قومه يوم القيامة.
﴿فَأَوْرَدَهُمُ
النَّارَ﴾4 نزلت هذه الآية بحق فرعون.
إن الأشخاص الذين يعملون على إبعاد العالم الإسلامي عن الوحدة والإتحاد،في حين أننا
اليوم بأمسّ الحاجة إلى ذلك،هم يعملون لصالح الشياطين، لصالح الأبالسة. ترون اليوم،
كيف أنّ الغرب، وأجهزة الإستعمار، ومديري الشركات النفطية والتجارية الكبرى في
العالم، والشركات المُتحدة (الكارتيلات) والتكتلات، يصرفون الأموال، ويُعدّون الخطط
من أجل مُعاداة الإسلام. يحرقون القرآن، ويُوجهون الإهانات للنبي الأكرم صلى الله
عليه وآله وسلم، يرسمون الرسوم الكاريكاتورية، يؤلّفون الكتب، ويُثيرون الضغائن
العِرقية ضد المسلمين في العواصم الأوروبية الكبرى أنتم ترون هذه الأمور، فهي واضحة
جداًـ فما تعنيه هذه الأمور؟ تعني مُعاداة الإسلام.
لقد شَهَرَ الأعداء الغربيون اليوم، السيف في وجه الإسلام. فما هو تكليف المسلمين
والحال هذه؟ على المسلمين العودة إلى عناصر القوة التي يمتلكونها، على المسلمين
تنمية عوامل القدرة والإقتدار يوماً بعد يوم. ومن أهم عوامل الاقتدار، الإتحاد
والتوافق. هذا درس لنا، ودرس للشعوب المسلمة.
هذه الجماعة الحاضرة هنا، وهذه المسابقات التي أقمتموها، هي نموذجاً مُصغراً لإتحاد
المسلمين، فقدِّروا ذلك. يجب تقدير هذا الاجتماع وهذه الحلقة وهذا الأُنس معا، ويجب
تقدير هذا التفاهم القائم. كما ترون، فالجميع عاشقٌ للقرآن، الجميع مُتيمون
بالقرآن، ومُتيمون بوجود خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم، جميعكم هنا من
الأشخاص الذّين تحبون العيش مع القرآن، وتحبون أن تُحشروا يوم القيامة مع القرآن،
وهذا الأمر ليس من أوْجُه الإشتراك الصغيرة، بل من أَوْجُه الإشتراك الكبيرة، وهو
أكبر من أيّ وجه خِلاف.
أتمنى، إن شاء الله، أن نتعلم من القرآن الكريم، وأن نستفيد من القرآن، وأن نُصغي
إلى نصائح القرآن الكريم. وأسأل الله المُتعال أن ينصر الشعب الإيراني، إن شاء
الله، وأن يرفع منزلة شهداءنا الأعزاء، وأن يحشر روح إمامنا العظيم الطاهرة مع
النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ولتصبح الأمة الإسلامية إن شاء الله، أكثر إتحادا
ًولُحمة، وأكثر قوة يوماً بعد يوم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1- سورة آل عمران، الآية: 103.
2- بحار الأنوار، ج2، ص94.
3- سورة إبراهيم، الآية: 28.
4- سورة هود، الآية: 98.