خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام
2013
أُبارك لكم أيها الأعزاء، الأخوة والأخوات، بلابلُ حديقة مَدائح آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومدّاحو أسمى وأفضل خلائق العالم والبشر، هذا العيد الشريف،
عدد الزوار: 100خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام _بمناسبة ذكرى ولادة سيدة نساء العالمين "فاطمة الزهراء عليه السلام"
بسم الله الرحمن الرحيم
أُبارك لكم أيها الأعزاء، الأخوة
والأخوات، بلابلُ حديقة مَدائح آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومدّاحو أسمى
وأفضل خلائق العالم والبشر، هذا العيد الشريف، والمولد السعيد، الذي هو يومُ فرحٍ
ومسرّةٍ لقلوب الشيعة على طول التاريخ، وأسأل الله المتعال، أن يَتَقبَّلَ منكم
أيها الأعزاء القيّمون على المراسم، من مُنشدين، شعراء، مُلحنين، وكل أفراد
مجموعتكم، هذا التوسل بقبولٍ حَسَنٍ. وأشكُر الله، أنا العبد الحقير، أن شملني
بلطفه ووفقني، فنحن نُقيمُ مراسم التوسُّل في هذا اليوم، منذ أكثر من 30 عاماً.
وبحمد الله يَشْهدُ الإنسان مع تقدُّم السنين، تألُّق وعظمة ومعنوية ونضوج مفاهيم
ومعاني هذه المراسم. لقد كانت البرامج التي قدّمتموها هذا العام جيدة جداً، سواء من
حيث المضمون أو من حيث القالب (الأسلوب)، كان الشعر جيداً، والألحان والإنشاد جيدان
جداً. وفّقكم الله أيها الأحبة والأعزاء، يوماً بعد يومٍ، في سبيل نشر المعرفة،
ونَشر الضياء في أذهان المجتمع.
هناك موضوعان للحديث في هذا المجلس- وإن كان هناك كلام أكثر من هذا بكثير- الموضوع
الأول، يدورُ حول مَدحِ آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم. المَهمّة التي حَملتموها
على عواتقكم. اليوم، وبحمد الله، قد انتشرت في أنحاء البلاد شبكة واسعة من مدّاحي
آل النبي عليهم السلام. ثمّة أعداد كبيرة، مواهب كثيرة، وقلوب مُشتاقة بين
المدّاحين أنفسهم من هؤلاء السّباقين، ومن شبابنا وأساتذتنا. الذين وبحمد الله،
ينتشرون بين الناس، فيهيئون لهم وسائل التوسل، ويمدّون مائدة بركات آل البيت عليهم
السلام. هذه فُرصة لبلادنا، كغيرها من الفرص الأخرى التي نملكها. بينما لا يملك
أخواننا المسلمون في البلدان الأخرى، الكثير من الفرص التي نملكها نحن، وهذه إحداها.
إن هذه السلسلة وهذا التّيار وشبكة التوسّل بأهل البيت عليهم السلام، ومحبتهم عليهم
السلام وإثارة العواطف، لهي فرصةٌ مهمةٌ جداً. ولسبب ما، لا يتمتّع الآخرون في
البلدان الأخرى، وبهذا الشكل، بهذه النعمة الكبرى، والبركةِ العامة، ونحن نملكها.
يقيناً إنّ العواطف هي إحدى عوامل حفظ الدين، المعنويات، العقيدة، والأخلاق في
مجتمع ما، وعلى طول التاريخ، إلى جانب العقل والتعقّل والاستدلال. لم يتحدّث أنبياء
الله ورسله إلى الناس بلغةٍ فلسفية، مع أنّ فهم كلامهم، والتعمق في بيانهم، كان وما
زال يستلزم عقلاً فلسفياً. بمعنى أنّ الفلاسفة الكبار، هم أكثر المُستفيدين من
مائدة عموم أنبياء الله الممدودة. بيد أنّ هذه المائدة، ليست مائدةً خاصةً، لذا فإن
لغتها ليست لغة البراهين العقلية والجدل وإن قلتَ قلتُ وما إلى ذلك. هذه اللغة، لغةً
مركبة من الفكر والعقل والعواطف، العاطفة هي التي تستطيع مجارة الفهم العقلي،
والحركة العقلية والتيّار العقلي. ونحن نملك هذا التيّار بشكل طبيعي، في جلسات
المدح والعزاء والفرح والموالد والتعزية، وأيضاً في جلسات الدعاء، كدعاء كميل،
ودعاء الندبة، ودعاء الإمام الحسين عليه السلام يوم عرفة، والأدعية التي هي خاصة
بنا. فلا نجد عند الآخرين، هذا الكمّ من الأدعية الجميلة اللفظ، الجميلة المعنى،
والجملية المضمون. هذا أمر وبحمد الله يختصُّ ويمتازُ به أتباع أهل البيت عليهم
السلام. وهذا كلّه عقل وعاطفة امتزجا معاً على طول التاريخ ويجريان في عمق أذهان
البشر والعواطف الإنسانية.
إذن هذه مهمة المدّاح، أي إثارة العواطف، وجعلها في خدمة الفكر والعقل. مهمةُ
المدّاح هذه الحرفة المنتشرة، وبحمد الله، بكثرة في بلادنا أن تتمكّن وعبر البيان
الفنّي، الأسلوب الفنّي، والأداء الفنّي، من نشر المعرفة بين الناس. هذا هو المحور
الرئيسي فيصب اختيار الشعر، واختيار اللحن، وأسلوب التخاطب مع الناس، في خدمة هذا
الهدف، وهو زيارة المعرفة، والتعمق في هداية الناس، ومعرفتهم بالدين وطرق الحياة.
وهذا ما يستطيع المدّاحون فعله على أحسن وجه.
لقد ذكرتُ أكثر من مرّة، وهذه حقيقة واقعة، أنّ إلقاءكم لقصيدة أو شعر يحتوي معارف
(دينية) في مجلسٍ ما سيكون له، في بعض الأحيان، أثراً أبلغَ وأعمق من خطاب فصيحٍ
وبليغٍ لساعات طوال. هذه فرصة، يجب استغلالها وعدم تضيّعها. فالشعر الأجوف، يُضيّع
هذه الفرصة. أو فيما لو كان فيه أحياناً نقطة ضعيفة أو خاطئة، فسوف يضيّع هذه
الفرصة. وكذلك لو تخطى الإجراء (الإنشاد والأداء) الضوابط الشرعية، فهذا ضياع
للفرصة، وكذلك فيما لو غفل عن ذكر ما تحتاج الناس لمعرفته، فهذا ضياع للفرصة. فلو
افترضنا أنّه في زمن الحرب المفروضة، احتاجت البلاد "لحماس ثوري"، عملي وجهادي،
فكان الشباب على أهبّة الاستعداد، وكذا الآباء والأمهات، فأنشد أحدهم في مجالسه
ومحافله، شعراً بطريقة جيدة، لكنه لم يُشر إلى الحاجة القائمة آنذاك، فهذا تضيّيع
للفرصة. لقد لعب المدّاحون في ذلك اليوم دوراً بارزاً. وكانت الأعمال التي قام بها
مدّاحونا في الجبهة، والأثر العميق الذي تركوه في أعماق جنودنا، منقطع النظير. وأنا
على علمٍ ببعضها فللمدّاحين باللغة التركية دوره، وكذا للمدّاحين اللغة الفارسية،
على سبيل المثال المدّاحون الزنجانيّون، الذي أنشد أحدهم اليوم هنا، ومن أماكن أخرى،
ومن كل مكان، وكذا الشعراء الذين يواكبون المدّاحين، لقد قام الجميع بواجبه في ذلك
اليوم. واليوم، عندما أنظر، أرى أنّ عدداً من الأشعار التي أُنشدت، قد اهتمت
بالحاجة والمناسبة. ويُعتبر شعر "السيد سازكار" نموذجاً متكاملاً لها والذي هو على
هذا الشكل في كل عام. فهو من خلال الأشعار والأناشيد، يبني جسراً ورابطاً فنيّاً
لطيفاً بين السماء والأرض، ينساب من الملكوت الأعلى، بكل هدوء وبأسلوبٍ فنيّ، نحو
حاجة هي موضع اهتمام اليوم، فيعبّر عنها. أرأيتم! هذا يسمى تركيب فنيّ. وكان الشعر
جيداً.
أنتم تستخدمون حناجركم وهي نعمة إلهية، واللحن والنغم، وهما أيضاً نعمتان إلهيّتان.
وتستخدمون الشعر وقريحته وهي نعمة إلهية. هذه النعم تحت تصرّفكم، فلأي شيء
تستخدمونها؟ في خدمة نشر المعرفة. فإذا ما استخدمت لنشر الفرقة، أو في خدمة إثارة
العصبيات، واليوم وبدافع هذه العصبيات، يقوم المتعصبون المعاندون في أنحاءٍ من
العالم، بقطع عشرات الرؤوس، فهذا استخدام سيئ، خذوا حِذركم من هذا الأمر عندما
تُلقون شعراً هنا، ومع وجود الأفلام والإنترنت ووسائل نقلِ الرسائل المتنوعة،
ستُنقل الصورة وجزئيات هذا الشعر، إلى نقطة ما فتثير عصبية عددٍ من الأشخاص
الجاهلين، فينقضّون على مجموعة من النساء والأولاد الأبرياء، ويُريقون دماءهم.
إحذروا هذا الأمر. أنا أصرُّ وأؤكّد على هذا، بهدف التخفيف من حدّة الخلافات
المذهبية والدينية. هو من أجل هذا. لا يتصورنَّ أحد، أنّ هذا هو السبيل لشكر الله
على نعمه هذا العشق، الذي وبحمد الله قد غمر قلوب شعبنا، المفعم بحب أهل البيت
عليهم السلام، أو لإثارة هذه العواطف! لا، فهذا خطأ. فلا مصلحة من إثارة الخلافات
لا اليوم ولا في زمن الإمام الصادق عليه السلام. وقد تصدّ الأئمة عليهم السلام لها،
لكن بعض الأشخاص السطحيين لا يلتفتون إلى ذلك. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الخلافات
الدينية والمحلية.
يجب أن يمتلك شعبنا الأمل، فإن وُجِد الأمل وُجِدَ الحماس، لقد عنيتُ "الملحميّة"
والملحمة ليس دستوراً، أو قانوناً ما، فنُصدرُ القانون، ويقوم شعبنا بصنع "الملحمة"!
فهل يمكن هذا؟ وهل يُعقل هذا؟ الحماس ينبع من القلب، ويُهدى بالعقل، ويُدعّم
بالإيمان. وهذا ليس دستوراً. فإذا فرغ القلب من الأمل، والفكر من المنطق السويّ،
فلن ينوجد "الحماس والملحمة". وهل ينوجد الحماس، إذا زرعنا التردّد في الأذهان،
وحقنّا القلوب باليأس؟ بالطبع لا، فخلقُ "الملحمة"، يستوجب عدم وجود أجواء التشاؤم
وسوء الظن. ويستوجب إيجاد أجواء الأمل، التفاؤل وتوسيع الآفاق. الآفاق المؤكّدة،
اليقينية، الحقيقية وليس التلقينية.
فلو قلنا على سبيل المثال في ثمانينيات القرن الماضي، أي منذ 30 عاماً، بأنّ
المستقبل سيكون كيت وكيت، لقال بعضهم: "إنّهم يقومون بتلقيننا". لكن لا مجال لهذا
الكلام اليوم فنحن نشاهد اليوم، حركةً عميقةً، واسعةً ومتوثبةً للثورة والبلاد نحو
تحقيق الأهداف. سواء الأهداف المادية أو المعنوية، وأيضاً الأهداف السياسية
والاجتماعية، كما الأهداف الداخلية والدولية. إنها ماثلة أمام أعيننا، فهل يستطيع
أحد ما أن يُنكرها؟ في هذه الآفاق التي نرسمها لأنفسنا يأتي من يحاول زرع التردّد،
واليأس، والشك فيها، وأيضاً في الحركة والجهاد الدؤوب الذي يحتاجه البلد والأمّة
والتاريخ.
الجهاد الدؤوب، حاجة للجميع، فكلّ التقدم، والحضارة هي ببركة الجهاد المستمرّ، ولا
يعني الجهاد الدؤوب، التعب والمعاناة، إنما هو عملية شيّقة، يخلقُ النشاط والحيوية
ويبعث على البهجة. واليوم إذ نحتاج ألى الجهاد، فيأتي أحدهم، ويدعو إلى التراخي
والكسل والانزواء والبطالة، بالطبع يُعتبر هذا ضرباً من كفران النعم الإلهية:
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ
الْبَوَارِ﴾ يجب أن لا يحدث هذا.
يوجد بينكم أيها الأعزاء، وبحمد الله، روّاد وسبّاقون في هذا المجال، وكذلك شباب
ومواهب الجيدة. كما وأشاهد بينكم براعم وزهوراً طريّة يافعة، وقد استطعتم التقدّم
جيداً إلى وسط السّاح. واستطعتم ليس فقط ملئ فراغ السابقين وحسب، بل كنتم الأجدر
والأفضل، فاستمروا.
ما أريد قوله لكم: أنّ المدح، هو نشر المعرفة، المدح، هو نشرُ المعرفة، والحكمة،
والأمل، والعقيدة الراسخة. المدح هو تفجير العواطف الجيّاشة في القلوب، وبالإفادة
من فنون الشّعر والأداء.
بالطبع هناك أساس مُسلم به، يا أعزائي! الناس، تُعجبهم أصواتكم، ويستمعون بأشعاركم
وبإنشادكم، سواء في المدّح أو في التعزية تتأثر قلوبهم، ويسكبون الدموع. لكنهم
يراقبونكم أيضاً. فإذا كنتم نموذجاً يُحتذى به من ناحية الأخلاق، التديّن والعفة،
فسيكون لكلّ ما ذكرناه، أثراً مُضافاً في الناس، بيد أنه لو كان العكس من ذلك، لا
سمح الله، وشاهد الناس فيكم علائم هشاشة الأخلاق، والتراجع في السلوك والأخلاق،
وأيضاً لا سمح الله، في العفة وما شابه، فإن تأثيرات هذه الفنون والجماليات في
أعمالكم سوف تنمحي وتزول. لذا كونوا حذرين، علينا جميعاً أن نكون حذرين، نحن
المعمَمون أكثر من غيرنا، والخطباء ودعاة الدين، والمعروفون في مجال الدين والتقوى
أكثر من الآخرين، علينا جميعاً أن نكون حذرين وأنتم أيضاً.
أنتم العاملون في مجال الدين والمعرفة والأمور الإلهية عليكم أن تكونوا حذرين جداً،
فتراعوا الأخلاق، وصون اللسان، العفة، الطهارة والنزاهة. وسيساعدكم الله المتعال.
حين يتبوّأ مدّاح الحضرة الفاطمية (عليها السلام) هذا الموقع، فهو شخصية مرموقة.
وكما شاع بيننا وعلمنا به، وآمنّا به، فإنّ الأشخاص الذين يمدحون الأئمة عليهم
السلام ويخلصون لهؤلاء العظماء ويهدون القلوب نحوهم، هم محبوبون عند الله العزيز
المتعال.
هناك نقطة من المستحسن أن أذكرها في مجلسنا هذا، فقد كنت أعترض طوال السنوات
الماضية، وفي أغلب الأوقات على الأخوة المدّاحين الذين يُنشدون هنا واعتراضي كان
بسبب تحويلهم مجلس المولد إلى قراءة التعزية واستدرار الدمع، لكل مقام مقال، يُقال
لكم "مدّاحون" فماذا يعني المدّاح؟ الشاخص الأساس فيكم هو المدح، وليست قراءة
التعزية. اقرأوا التعزية، فإنا من المؤيدين لقراءتها، وأنا نفسي قارئ تعزية. لكن
ليس من المفترض أن يُقرأ العزاء في مجلس مولد الأئمة عليهم السلام، وأن تُزفرُ آه/
ويُستدرُّ دمع، لا حاجة لذلك أبداً.
دَعُوا العواطف التي تحملها الناس تُجاه الأئمة عليهم السلام لا تظهر للخارج فيفهم
من الآخرون وكأنها محصورة بالبكاء ولطم الصدور والتعزية فحسب. لا! فاللعزاء مكانه
وللمدّح والموالد والفرح مكانهم أيضاً. يجب عدم المزج بين الاثنين.
الموضوع الآخر والذي يستحق الحديث عنه، هو مسألة المرأة. من مساوئ الحضارة المادية،
تلك الحركة التي قاموا بها تجاه المرأة. وما أكثر الحديث في هذا المجال. فالجرم
الكبير الذي ارتكبته الحضارة الغربية، بحق المرأة، لا يمكن محوه بهذه السرعة ولا
يمكن التعويض عنه بهذه السرعة، كما لا يمكن تبيانه بهذه السهولة، وهؤلاء يطلقون على
ذلك مسمّيات عدة كبقية أعمالهم، يرتكبون الجرائم، ويُطلقون عليها حقوق الإنسان.
يظلمون، ويطلقون عليه اسم مناصرة الشعوب. يشنون الهجوم العسكري، ويسمّون ذلك دفاعاً.
فمن طبائع المدنية الغربية، الخداع، التزوير، النفاق، الكذب، التناقض في التصرفات
والأقوال. وهذا ما فعلوه في مسألة المرأة. وللأسف فقد روّجوا لثقافتهم في أنحاء
العالم.
لقد قاموا بأمرٍ، جعلوا فيه إحدى أهم وظائف المرأة، إن لم نقل الأهم على الإطلاق،
التبرّج وإبراز جمالها بهدف تلذّذ الرجال، حتى أصبحت هذه من الخصائص الحتمية
واللازمة للمرأة. للأسف هذا هو حال عالمنا اليوم. ففي الوقت الذي يحضر الرجال في
اكثر المجالس رسمية- الاجتماعات السياسية وغيرها-،، بالبنطال الطويل والثياب
المحتشمة، نجد أن لا إشكال في أن تحضر النساء بمزيد من التعري وعدم الاحتشام. فهل
هذا أمرٌ عادي؟ طبيعي؟ هل يتوافق ذلك مع الطبيعة البشرية؟ أجل لقد فعلوا ذلك. على
المرأة أن تعرض نفسها أمام الرجال، لتكون وسيلة لتلذُّذه. فهل من ظلم أكبر من هذا؟
ويطلقون عليه إسم "الحرية" بينما يُطلقون على نقيض هذا التوجّه إسم "الأسر" أو (القيد)!
في حين، أنّ احتجاب المرأة وحجابها، هو تكريم لها، احترام لها، حُرمة لها. لقد
حطموا هذه الحرمة، ويمعنون في تحطيمها يوماً بعد يوم، مُطلقين على ذلك مُسميات عدة.
إن أول أو ربما أحد أوائل النتائج السلبية لهذا الأمر، هو تلاشي العائلة، فقد تهاوى
بُنيانها، وعندما يتزلزل بُنيان العائلة في مجتمع ما ويتهاوى، تتأصل المفاسد.
من مشاكل الغرب اليوم، في هذا العصر، تلك القوانين البلهاء والخبيثة التي يُقرّونها
في الأمور الجنسيّة. فهي تَسيرُ بهم نحو الهاوية، ولا يمكن وقف هذا الانحطاط. إنهم
في معرض السقوط، وسواء شاءت المدنية الغربية أم لم تشأ، لم تعد قادرة على منع هذا
السقوط، فقد تعطّلت المكابح، والطريق زلق ومنحدر بشدة. لقد ارتكبوا معصية بتعطيلهم
المكابح، ووضعوا أنفسهم على حافة الهاوية، لذا فقد حُكم عليهم بالهزيمة.
زوال الحضارات كظهورها أمر تدريجي، وليس بالأمر الدفعي والفوري. وهذا الزوال
التدريجي آخذ بالحدوث. ولا أخال أن هذا الحدث سيكون بعيداً عن أنظار هذا الجيل أو
الجيل الذي سيليه، بل سيرون ما يحصل.
لقد وضع الله المتعال حدوداً لتكريم المرأة في القرآن الكريم. فالمرأة كالرجل عند
الله المتعال. ولا فرق بين الإثنين في طيّ المراتب المعنوية والإلهية. فقد وضعت هذه
الطريق للإنسان، وليس للرجل أو للمرأة. ولقد خلق الله المتعال إمرأة كالسيدة فاطمة
الزهراء سلام الله عليها حيث قال عنها الإمام العسكري أو الإمام الهادي عليهما
السلام وطبقاً للحديث الذي نُقل عنهما: "نحن حُجج الله على خلقه، وفاطمة حُجّة الله
علينا".
فاطمة الزهراء سلام الله عليها حجة حُجّةِ الله، إمام الأئمة عجل الله تعالى فرجه
الشريف. فهل من شخصية أسمى منها؟! وهي عليها السلام معصومة وهي امرأة. وأعظم نساء
العالم هنّ: السيدة مريم، سارة، آسيا وغيرهُنَّ، كُنّ عظيمات، ومن أفضل خلق الله،
فالإنسان هو من الذي يسير على طريق التكامل والتعالي، ولا فرق بين الرجل والمرأة في
الحقوق الاجتماعية، كما لا فرق بين الرجل والمرأة في الحقوق الشخصية والفردية. ولقد
أعطي للمرأة بعض الامتيازات في بعض المسائل الشخصية والخاصة. وكذا الأمر بالنسبة
للرجل. وذلك طبقاً لِم تقتضيه طبيعة كلّ منهما. هذا هو الإسلام.. إنه الأمْتن
والأكثر منطقية والأكثر قوانيناً عملانية وضوابطاً التي يمكن للإنسان أن يفترضها
لكلا الجنسين (من بين القوانين والحدود الموجودة). يجب السّير في هذا الطريق إلى
نهايته، ومن أهم أُسسه، تشكيل العائلة، ومن أهم أُسسه حفظ حريم العائلة والأنس
بالعائلة وإفشاء المودة. وهذا ما تتولاه ربّة البيت. تستطيع الأم أن تُربي أولادها
على أفضل نحوٍ تربية الأم لأولادها، ليس كالتربية على مقاعد الدراسة. بل هو
بالتصرّف، في الكلام، بالعاطفة، بالملاطفة، بغناء هدهدة ما قبل النوم، بالعيش. الأم
تربي أولادها بالحياة والعيش، فكلّما كانت المرأة أصلح، أعقل، أذكى، كلّما كانت
التربية أفضل. لذلك ينبغي البرمجة ووضع الخطط في البلاد، من أجل رفع مستوى الإيمان،
العلم والذكاء لدى السيدات.
ومن أهم وظائف المرأة، التدبير المنزلي، الجميع يعلم بأنني لا أؤمن بفكرة أن لا
تعمل المرأة في المجالات الاجتماعية والسياسية، لا، لا مشكلة في ذلك، لكن إن قصدنا
بذلك تحقير التدبير المنزلي، فهذا ذنب. فالتدبير المنزلي عملٌ، عمل عظيم، عمل مهم،
عمل حسّاس، عمل لبناء المستقبل، فإنجاب الأطفال جهاد عظيم، ونحن للأسف بسبب أخطائنا،
أو عدم دقتنا، غفلنا عنه لمدةٍ من الزمن، ونشهد مخاطر هذه الغفلة في أيامنا هذه،
لقد ذكرت هذا الأمر مراراً، إنّ هرم البلاد، وانخفاض جيل الشباب في الأعوام القادمة،
سيترك آثاره المستقبلية السيئة، حينها لن نتمكن من معالجة الأمر. لكن يمكننا تدارك
الأمر.
إنجاب الأبناء من أهم أشكال الجهاد بالنسبة للنساء ووظائف النساء، لأن الإنجاب هو
في الحقيقة فنّ المرأة، فهي التي تتحمل مشاقّه ومصاعبه وآلامه، وهي التي منحها الله
تعالى أدوات ولوازم تربية الأطفال. والله تعالى لم يعط أداة التربية هذه إلى الرجل،
إنما جعلها لدى السيدات. فأعطاها الصبر والتحمّل، ومنحها العاطفة والأحاسيس،
وأعطاها القامة والتركيب الجسمي لذلك، في الواقع هذا فن المرأة. فإذا لم نغفل عن
هذا الأمر في مجتمعنا عندها سنتقدم إلى الامام.
اليوم احترام المرأة وتكريمها مسألة ينبغي إعطاءها اهتمام وعناية خاصيّن، ومسألة
تصرفات المرأة في محيط العائلة، في محيط العمل، في محيط السياسة، في محيط الاجتماع،
شيء وكيفية التصرف مع النساء شيء آخر. على الرجال سواء رجال العائلة كالآباء
والأخوة والأزواج، أو الرجال في محيط عملها، أن يتصرفوا معها بكلّ احترام ومحبّة
إلى جانب النجابة والعفة، لذا يجب وضع الخِطط والبرامج من أجل تكريم المرأة،
وواجبات المرأة، وأيضاً واجباتنا تجاه المرأة، بشكل منفصل.
لحسن الحظ فإن يوم المرأة، متزامن في نظام الجمهورية الإسلامية ويوم مولود سيدة
نساء العالمين "السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها. على الجميع الانتباه لهذه
النقاط. إذا استطعنا أن نفكر بشكل صحيح، ونقرّر بشكل صحيح، ونعمل بشكل صحيح، في
قضية المرأة والعائلة والأم والزوجة، فيمكننا حينها أن نطمئن على مستقبل البلاد.
جزاكم الله جميعكم خيراً. ومنحكم البركة. وبارك في حناجركم وصدوركم.
2013-05-07