يتم التحميل...

الطُّرق المثلى للتّدبير في المعيشة

المجتمع الإسلامي

إنّ طريقة التدبير في المعيشة، هي الأسلوب الذي يتمّ من خلاله تنفيذ السياسات الاستراتيجيّة العامّة في أمور المعيشة وإدخالها في حيّز الإجراء. وهذه الطرق تشمل ثلاثة محاور أساسيّة ستكون مدار بحثنا في هذا الفصل، وهي: الدخل، والإنفاق، والادّخار.

عدد الزوار: 90

إنّ طريقة التدبير في المعيشة، هي الأسلوب الذي يتمّ من خلاله تنفيذ السياسات الاستراتيجيّة العامّة في أمور المعيشة وإدخالها في حيّز الإجراء. وهذه الطرق تشمل ثلاثة محاور أساسيّة ستكون مدار بحثنا في هذا الفصل، وهي: الدخل، والإنفاق، والادّخار.

أوّلاً: الدخل

الدخل: هو المبالغ اللازمة، لاقتناء المؤونة، وسائر الأموال التي يحظى بها الإنسان، أو مجموعةٌ من الناس، أو أيّ مؤسّسةٍ أو كيانٍ اقتصاديٍّ في زمنٍ معيّنٍ. ومصدر الدخل قد يكون إنتاجيّ، كأجرة العمل، والربح، والإجارة، أو قد يكون هديّةً أو أيّ مبلغٍ مدفوعٍ1. ويُعدّ الدخل من المواضيع الهامّة جدّاً في علم الاقتصاد، وله تأثيرٌ ملحوظ على اختيار أسلوب الاستهلاك الأمثل، كونه عاملاً يحدُّ من كثرة الإنفاق، حيث إنّ الإنسان ذا الدخل المحدود لا يتمكّن من الإنفاق أكثر من وارده الماليّ، لأنّ التدبير في المعيشة يُلزِمُه بتخصيص دخله الثّابت لشراء السّلعِ التي يحتاجها فحسب.

وفي دراستنا لموضوع الدّخل، سيتركَّز محور البحث عموماً حول دخل الإنسان المسلم، وبيان ما إذا كان مصدر الدخل لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلاميّة أم ل، أي تمييز الكسب المحلَّل عن الكسب المحرَّم.

مصادر الدخل:

إنّ مصادر الدخل حُدِّدت في حديث مروي عن الإمام علي عليه السلام في خمسة محاور، حيث قال عليه السلام: "إنَّ مَعايشَ الخلقِ خمسَةٌ، الإمارَةُ والعِمارةُ والتِّجارَةُ والإجارَةُ والصَّدَقاتُ"2.

وسائر الآراء التي يطرحها المتخصّصون في هذا الصدد ذكرت مصادر الدخل بشكلٍ عامٍّ، وبمصاديق متعدّدةٍ، بحيث تندرج جميعها تحت العناوين المذكورة في الحديث المتقدّم.
وبما أنّ الدخل من مواضيع الأحكام الإسلاميّة، فمن الضروريّ للمسلم أن يعلم مصدر تحصيل دخله، وكيف يحصل عليه، وأين ينفقه. والتدبير الصحيح في المعيشة يقتضي دراسة أُطُر الدخل، وبيان أقسامه، ومشروعيّته، وأهمّيّته، لذا سنذكر في ما يلي بعض التفصيلات في هذا الصدد:

أ ـ أُطُر الدخل:

إنّ مقدار دخل الإنسان يختلف في كلّ زمانٍ ومكانٍ، والاقتصاد الإسلاميّ لم يعيّن معدّلاً محدّداً له، لأنّ النشاط الاقتصاديّ من ناحية الدخل والإنفاق للمسلم في عصر صدر الإسلام يختلف عمّا هو عليه في عصرنا هذا، حيث لا يمكن المقارنة بينهما. لذا، لا يمكن تعيين حدودٍ ثابتةٍ لمقدار الدخل، تكون متطابقة في مختلف الأزمنة، وإنّما يمكن تعيين نوعيّة الدخل لشتّى المجتمعات وفي جميع العصور.

لذلك، فإنّ كلّ نظامٍ اقتصاديٍّ من شأنه تعيين الدخل حسب المعيار النوعيّ والأصول المتبنّاة فيه. ومن هذا المنطلق، فالنظام الاقتصاديّ في الإسلام حدّد الدخل من الناحية النوعيّة، وهذا التعيين سوف يُيسّر تحديد الكمّيّة - أيضاً -.

ب ـ التحديد النوعي للدخل:

ومن الواضح أنّ قواعد التحديد النوعيّ للدخل تختلف في ما بينها في جوانب مختلفةٍ، ويتجلّى هذا الاختلاف في موارد عديدة. ومن هذه القواعد ما يلي: حرمة المعاملات التجاريّة المحرّمة، وحرمة اقتناء كلّ ما يترتّب على هذه المعاملات، وحرمة الرّبا، وحرمة صناعة الخمور، وحرمة القمار، وحرمة الاحتكار.

لذا، فإنّ تأثير التحديد النوعيّ للدخل لا يقتصر على نوعيّته فقط، بل له تأثيرٌ على كمّيّته -أيضاً-. وبالتالي، فإنّ هذا التأثير لا يعني عدم مزاولة النشاطات الاقتصاديّة، أو ترك مختلف المعاملات التجاريّة، والحؤول دون مكافحة الظلم والحرمان في المجتمع3.

وبعبارةٍ أخرى
: إنّ قوانين الشريعة الإسلاميّة أقرّت حقّ الإنسان في طلب متاعه، والسعي في كسبه، ومنحته الحريّة الكاملة في اختيار طريقة الكسب، إلا أنّها منعته من سلوك طريقٍ منحرفٍ يؤدّي إلى فساده وسقوطه الخلقيّ، أو يتسبّب في المساس بمدنيّة البشر وحضارتهم. فالشريعة الإسلاميّة لم تحرّم جميع المنكرات والفواحش فحسب، بل إنّها حرّمت جميع الطرق التي تؤدّي إليه، كإنتاجها، والتوسّط بين الآخرين لتحصيلها، والمعاملة بها، واستخدامها بأيّ شكلٍ كان.

أمّا الأحاديث الشريفة فإنّها نهت بشكلٍ عامٍّ عن سلوك أيّ طريقٍ يؤدّي إلى تحقّق الفساد في المجتمع، أي إنّها لم تذكر بالتفصيل جميع الطرق المشروعة وغير المشروعة في المعاملات التجاريّة. ومن هذه الأحاديث، ما روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "وأمّا وُجوهُ الحرامِ، مِن البيعِ والشِّراءِ، فكُلُّ أمرٍ يكونُ فيه الفسادُ مِمّا هو مَنهيٌّ عَنهُ، مِن جِهةِ أكلِهِ، وشُربِهِ، أو كِسبِهِ، أو نِكاحِهِ، أو مُلكِهِ، أو إمساكِهِ، أو هِبَتِهِ، أو عاريَتِهِ، أو شَيءٌ يَكونُ فيهِ وَجهٌ من وُجوهِ الفَسادِ"4.

وتجدر الإشارة إلى أنّ بعض الروايات أطلقت على اقتناء المال الحرام عنوان (أكل السُّحت) وعدّته من كبائر الذنوب، إذ نهت عنه نهياً شديداً. لذا يجب القول: إنّ المراد من أكل السُّحت لا يعني بالضرورة الأكل والشرب، بل يعني مطلق التصرّفات بالأموال المحرّمة، وعدم إرجاعها إلى أهله، سواءٌ بتسخيرها للأكل والشرب، أم باقتناء أشياء أخرى به، كثيابٍ أو منزلٍ، أم مطلق حيازتها وعدم إنفاقها. ففي جميع هذه الحالات يتحقّق موضوع أكل السُّحت، كما هو الحال في حرمة أكل مال اليتيم والمال المكتسب من المعاملات الربويّة، حيث تحرم جميع أنواع التصرّف فيه.

أضف إلى ذلك أنّ المفهوم من لفظ (السُّحت) هو شموله لجميع أقسام المال الحرام، أي إنّ كلّ مالٍ يكتسبه الإنسان من طريقٍ غير مشروعٍ يُعدّ أكلاً للسُّحت5. على سبيل المثال: الشخص الذي يعمل في مجالٍ ما، ويتقاضى أجراً مقابل عمله، لكنّه يقصّر في أدائه، هو آكل للسُّحت. وكذلك الحال بالنسبة لمن ينفق أموال بيت المال في مصالحه الخاصّة.

أقسام الدخل

يمكن تقسيم الدخل من حيث مصادر اكتسابه المختلفة إلى نوعين: دخلٌ مشروعٌ (حلالٌ)، ودخلٌ غير مشروعٍ (حرامٌ)، وسنتطرّق في ما يلي إلى كلا القسمين:

أ- الكسب الحلال:

وهو عبارةٌ عن الأموال التي يكتسبها الإنسان من طرقٍ أجازها الشرع.

أهمّيّة الكسب الحلال:

أكّد القرآن الكريم على وجوب مراعاة المسلم طهارة غذائه الجسديّ، وفي الوقت نفسه أوجب عليه مراعاة طهارة غذائه الروحيّ، الأمر الذي صرّحت به السنّة الشريفة وحثّت عليه. وبعبارةٍ أخرى: يجب على المسلم أن يراعي طهارة غذائه، ظاهريّ، وباطنيّ، حتّى في أصعب الظروف.

ونستلهم من قصّة أصحاب الكهف في القرآن الكريم أنّهم، وإن كانوا بعد يقظتهم بحاجةٍ شديدةٍ إلى الطعام، ولكنّهم قالوا للشخص الذي كلَّفوه بشراء الطعام: لا تشترِ الطعام من أيٍّ كان، وإنّما انظر أيُّهم أزكى طعاماً وأطهر، فأتنا منهُ6.

إنّ معظم البشر في عصرنا الراهن أدركوا أهمّيّة طهارة الغذاء من اللَّوث الظاهريّ، لكنّهم ما زالوا غافلين عن أهمّيّة طهارته من اللَّوث الباطنيّ، الذي يؤثّر على الإنسان، إثر أكل السُّحت، من خلال المعاملات الربويّة، والغشّ، وغير ذلك.

ويوجد روايات مستفيضة حثّت الناس على ضرورة السعي في كسب لقمة العيش بطُرُقٍ مشروعّةٍ، نذكر منها ما يلي:
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "العِبادَةُ سَبعونَ جُزءاً، أفضلُها طَلَبُ الحلالِ"7.
وروي عنه - أيضاً -: "مَن باتَ كالاً مِن طَلَبِ الحلالِ، باتَ مَغفُوراً لَهُ"8.

كما روى خالد بن نجيح، عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّه قال: "أقرِؤوا مَن لَقيتُم مِن أصحابِكُم السَّلامَ، وقُولُوا لَهُم: إنَّ فُلان بِن فُلان يُقرِؤكُم السَّلامَ، وقُولُوا لَهُم: عَلَيكُم بِتقوَى اللهِ وما يُنالُ بهِ ما عِندَ اللهِ. إنِّي واللهِ ما آمُركُم إلا بما نأمُرُ بهِ أنفُسَن، فعَليكُم بالجِدِّ والاجتِهادِ، وإذا صَلَّيتُم الصُّبحَ، فانصرَفتُم، فبَكِّروا في طَلبِ الرِّزقِ، واطلُبوا الحلالَ، فإنَّ اللهَ سيرزُقُكُم ويُعينُكُم عَليهِ"9.

حدّد الإمام عليّ عليه السلام أوقات المؤمن، حيث جعل الوقت المخصّص للنشاط الاقتصاديّ، بمحاذاة العبادة، والمبادئ الخلقيّة، وقال: "وَليس للعاقِلِ أن يكون شاخصاً، إلّا فِي ثَلاثٍ: مرمة لمعاش، أو خطوة في معادِ، أو لَذَّةٍ فِي غَيرِ مُحرَّمٍ"10.

فأُطُر المعاملات التجاريّة والنشاطات الاقتصاديّة وما تختصّ بها من شروط، ذُكِرَت في أحاديث وروايات مستفيضة تتمحور برمّتها حول وجوب الكسب الحلال.
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "طَلَبُ الحلالِ واجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ"11.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم-أيضاً-: "طُوبَى لِمَن اكتَسَبَ مِن المؤمِنينَ مالاً مِن غَيرِ مَعصِيَةٍ"12.

كما أكّدت الروايات على وجوب مشروعيّة الدخل، فإنّها في الوقت نفسه حثّت على وجوب كون الإنفاق مشروعاً - أيضاً -، أي يجب على الإنسان أن يُنفق من ماله الذي يمتلكه بشكلٍ لا يتعارض مع أحكام الشرع، فلو أنفق مالاً اكتسبه من طريقٍ محرّمٍ، فعليه إرجاعه إلى أصحابه، وإن أنفقه في معاملة، فإنّ معاملته باطلةٌ.

والقرآن الكريم - بدوره - أشار إلى هذا الأمر في قوله تعالى: ﴿أنفِقُوا مِن طَيِّباتِ ما كَسَبتُم13، وفسَّر الإمام جعفر الصادق عليه السلام هذه الآية بقوله: "إنَّها نَزلَت فِي أقوامٍ لَهُم رِباً فِي الجاهِلَيَّةِ، وكانُوا يَتَصَدَّقُونَ مِنهُ، فنَهاهُم اللهُ عَن ذلكَ، وأمرَ بالصَّدَقَةِ مِن الطيِّبِ الحلالِ".

وهذا الأمر الربّانيّ يبيّن أهمّيّة الكسب الحلال وعدم الإفراط في اكتناز الأموال14.

ثِمار الكسب الحلال:

إنّ كلّ طعامٍ يتناوله الإنسان له آثاره الوضعيّة، فالطعام المهيّأ من مالٍ حرامٍ سببٌ لظلمة القلب، وعدم استفاضته من الأنوار القدسيّة، وهو يحول دون معرفة الحقّ وتمييزه عن الباطل، وبالتالي يؤدّي إلى سقوط الإنسان في الهاوية. أمّا الطّعام الطّاهر المهيّأ من مالٍ حلالٍ، فيُنير القلب، ويزكّي الذَّات، ويعين الإنسان على معرفة الحقّ وتمييزه عن الباطل، ويكون سبباً لاستجابة الدعاء، وبالتّالي يُتيح للإنسان بلوغ الكمالَ المنشود. ولو تصفّحنا التأريخ وطالعنا سيرة السعداء والأشقياء لبانت لنا هذه الحقائق جليّةً. لذا، ركّزت النصوص الدينيّة على ذلك، وأمرتنا باجتناب الحرام، من المأكل والمشرب، وحثّتنا على السعي في طلب الحلال منه فقط، لأنّ طهارة المال لها تأثيرٌ كبيرٌ على نقاوة القلب واستجابة الدعاء. رُوي أنّ رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله، أُحبّ أن يُستجاب دعائي. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "طَهِّر مَأكَلتَكَ ولا تُدخِل بَطنَكَ الحرامَ"15.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم في موضعٍ آخر: "مَن أحبَّ أن يُستَجابَ دُعاؤه، فَليُطَيِّب مَطعَمَهُ ومَكسَبَهُ"16.

وللمال الحلال آثار وبركاتٌ كثيرةٌ ينعَم بها الإنسان، ذُكِرَت في الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، ونشير في ما يلي إلى بعضها:

- ينوّر الله تعالى به قلب الإنسان: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَن أكَلَ الحلالَ أربعينَ يوماً، نَوَّرَ اللهُ قلبَهُ"17.

- يعين الإنسان على عبور الصراط بيسرٍ: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَن أكَلَ مِن كَدِّ يدِهِ، مَرَّ عَلَى الصِّراطِ كالبَرقِ الخاطِفِ"18.

- ينال الإنسان به ثواب المجاهد في سبيل الله تعالى: قال الإمام موسى الكاظم عليه السلام: "مَن طَلَبَ هذا الرِّزقَ مِن حِلِّهِ، ليعُودَ بِهِ عَلَى نفسِهِ وعيالِهِ، كانَ كالمجاهِدِ فِي سَبيلِ اللهِ"19.

- ينال الإنسان به رحمة الله الواسعة: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَن أكَلَ مِن كَدِّ يَدِهِ، نَظَرَ اللهُ إليهِ بالرَّحمةِ، ثُمَّ لا يُعَذِّبهُ أبَداً"20.

- ينال الإنسان به ثواب الأنبياء عليهم السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَن أكَلَ مِن كَدِّهِ، يكونُ يَومَ القيامةِ فِي عِدادِ الأنبياءِ، ويأخُذُ ثوابَ الأنبياءِ"21.

- ينال الإنسان به ثواب الصدقة: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما كَسَبَ الرَّجلُ كَسباً أطيَبَ مِن عَمَلِ يَدهِ، وما أنفَقَ الرّجلُ عَلَى نفسِهِ وأهلِهِ وولَدهِ وخادِمهِ فهو صَدَقَةٌ"22.

- يفتح الله تعالى للإنسان بسببه أبواب الجنّة: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَن أكَلَ مِن كَدِّ يَدِهِ حلال، فُتِحَ لَهُ أبوابُ الجنَّةِ، يدخُلُ مِن أيِّها شاءَ"23.

ب- الكسب الحرام:

نهى القرآن الكريم عن اتّباع الطرق غير المشروعة في الكسب نهياً شديد، مثل أكل المال بالباطل، والرّبا، والظلم، والفساد. أمّا الأحاديث والروايات، فإنّها عدّت هذه الطرق من الكبائر، بل شبّهت بعضه، مثل: الاحتكار، والخيانة، والرّبا، بأقبح الذنوب، كالقتل، لأنّ هذه الأعمال تشلّ النشاط الاقتصاديّ للإنسان، وتسوقه إلى الهلاك التدريجيّ24. وللإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام كلامٌ طويلٌ ذكر فيه ما حرّم الله تعالى، منه: "واجتنابُ الكبائرِ، وهي قَتلُ النَّفسِ التي حرَّمَ اللهُ تعالى، وأكلُ الرِّبا بَعدَ البيِّنَةِ، والبَخسُ فِي المكيالِ والميزانِ، والإسرافُ، والتَّبذيرُ، والخيانَةُ"25.

ومسألة الكسب الحرام تُعدّ من المسائل الهامّة جدّاً في حياة الفرد والمجتمع على حدٍّ سواء، لدرجة أنّ أحد أهمّ أبواب علم الفقه اختصّ بعنوان (المكاسب المحرّمة)، حيث تتمّ فيه دراسة طرق الكسب غير المشروعة حسب الرؤية الإسلاميّة، والتي تؤدّي إلى أضرار فرديّةٍ واجتماعيّةٍ، وتؤثّر سلبيّاً على روح الإنسان وجسمه، وتلوّث أفكاره وأخلاقه، وتزلزل الأركان الاقتصاديّة لحياة الفرد والمجتمع معاً. ومن خلال هذه الأبحاث يمكننا تمييز الاختلاف بين المدرسة الاقتصاديّة الإسلاميّة مع سائر المدارس الاقتصاديّة.

نماذج من الكسب الحرام:

نذكر في ما يلي بعض موارد الكسب الحرام:

- كسب المال عن طريق إغراء الناس بأشياء باطلةٍ، واستغلال جهلهم في بعض الأمور، وبالتالي ترسيخ بعض العقائد الواهية والخرافات، مثل: التجارة بالأصنام أو الخمور...

- كسب المال عن طريق إغفال الناس وإضلالهم، مثل: بيع كتب الضلال. وقد أوجب الإسلام إتلاف العملة المزيّفة وكتب الضلال، ولكنّ شراء هذه الكتب من قِبَل أصحاب الفكر النيِّر الذين لا تؤثّر فيهم الأفكار المنحرفة، يُعدّ جائزاً، بينما الحرمة محدودةٌ في ضِعَاف الفكر. وللأسف الشديد، فإنّ هذه الكتب التي حرّمت الشريعة تأليفها واقتناءها تُطبَع وتُبَاع في الأسواق تحت شعار حرّيّة العقيدة والفكر.

-الحصول على المال من خلال عملٍ من شأنه تقوية الأعداء، على أيّ نحوٍ من الأنحاء، كبيع السلاح، والنفط، والكتب الأثريّة المخطوطة إلى الأعداء. بل إنّ أيّ معاملةٍ تجاريّةٍ تؤدّي إلى تقويّة العدوّ، وإضعاف الصديق، تُعدّ من المحرّمات في الإسلام.

-كسب المال من التجارة بأشياء تسبّب ضرراً، ولا تعود فائدة منه، مثل: الخمر، وآلات القمار، والغشّ في المعاملات، كالتحايل والخيانة.

-كسب المال من عملٍ عبثيٍّ أو مُضرٍّ، مثل: اللَّهو، والغناء، وهجاء المؤمن.

-كسب المال بأخذ أُجرةٍ على الأعمال التي رفع الإسلام من شأنها وجعلها فوق المسائل المادّيّة، مثل: القضاء بين الناس، وتعليم أحكام الدين والقرآن الكريم والأذان وإفتاء الناس، فهذه الأعمال تجب على الإنسان دون أجرةٍ، إذ يمكن أن يُحدّد لمَنْ يقوم بها أجرةٌ من بيت المال. فالإسلام جعل هذه الأعمال أسمى من المعاملات التجاريّة، وبالطبع، فإنّ أجرها الأخرويّ عظيمٌ عند الله تعالى.

-كسب المال عن طريق إنتاج مصوغاتٍ ذهبيّةٍ، وفضيّةٍ، وغيره، لا فائدة منها، سوى الزينة المفرطة26.

إذن، يجب على المسلم أن يَلُمَّ بالمسائل الخاصّة، بالبيع، والشراء، وسائر المعاملات التجاريّة التي يزاوله، كي يُحسن تدبير معيشته، ويصون ماله من مخالطة الحرام، وبالتالي اجتناب أكل السُّحت.

ضرورة اجتناب الكسب الحرام:

أكّدت الأحاديث الشريفة على أنّ اجتناب ما كان محرّماً من المأكل والمكسب، أهمّ من لزوم سائر العبادات في ما لو لم ينتهِ المكلّف عن المحرّم من المأكل والمكسب، ونذكر منها ما يلي:

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "تَركُ لُقمَةِ الحرامِ، أحبُّ إلى اللهِ مِن صَلاةِ ألفَي رَكعَةٍ تَطوُّعاً"27.

روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "جِدُّوا واجتهِدُوا، وإن لَم تعمَلُوا فَلا تَعصُو، فإنَّ مَن يَبنِي ولا يَهدِمُ يَرتفِعُ بناؤهُ، وإنْ كانَ يَسيراً، وإنَّ مَن يَبنِي ويَهدِمُ يُوشِكُ أنْ لا يَرتفِعُ لَهُ بِناءٌ. فَعلَيكَ بالاجتِهادِ في تَحصِيلِ الطَّرَفَينِ، لتَستَكمِلَ حَقيقتَها، وتكونَ قد سلِمتَ وغنِمتَ، وإنْ لَم تبلُغ إلا إلى أحدِهُما، فَليَكُن ذلكَ شَطرَ الاجتِنابِ، فتَسلَم إنْ لَم تَغنَم، وإلا خَسرتَ الشَّطرينِ جميعاً، فَلا ينفعُكَ قِيامُ اللَّيلِ وتَعبُهُ، مَع تَمَضْمُضِكَ بأعراضِ النّاسِ"28.

وعنه عليه السلام -أيضاً-: "رَدُّ دانِقٍ حَرامٍ يَعدِلُ عِندَ اللهِ سبعينَ حَجَّةً مَبرورَةً"29.

عواقب الكسب الحرام:

إنّ الطعام الذي يتغذّى عليه الإنسان بمثابة البذور التي تُزرَع في الأرض، وإنّ الأرض تُثمر ممّا يُزرَع فيها. لذا، إن كان طعام الإنسان حلالاً ولا شائبة فيه، سوف تظهر آثاره على نفسه، وتكون مصدر خيرٍ وإحسانٍ له. لكن، إن كان طعامه حراماً وتكتنفه الشبهات، فسوف يكدّر نفسه، ويجعلها قاسيةً لا يُرجَى منها خيرٌ، كما أنّه سيتّصف بالعناد ولا يُذعن للحقّ، وحتّى النصيحة لا تؤثّر فيه مطلقاً. لذلك، فإنّ قلبه لا يرقّ لأقسى الحوادث التي يتعرّض لها الآخرون. وخطاب الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء الذي وجّهه إلى عسكر عمر بن سعد، خير دليلٍ على هذه الحقيقة، حيث قال عليه السلام: "فَقَدْ مُلِئتْ بُطونُكُم مِن الحرامِ، وطُبِعَ عَلَى قُلُوبِكُم، وَيْلَكُم ألا تنصتُونَ؟! ألا تسمعُونَ؟!"30.

فأكل الحرام سببٌ لتضييع الأعمال وعدم قبولها31، وهو يحول دون استجابة الدعاء32، ويوجب لعنة الملائكة33، وضَعف تديّن المرء. وينقل لنا التأريخ أنّ أحد الفقهاء الأتقياء خسر دينه، وفقد فضائله، بتناوله طعاماً حراماً في وليمة الخليفة المهدي العبّاسي.

إنّ أغلب الذين لا يتورّعون عن أكل الحرام يظنّون أنّهم لو تركوا ما يحصلون عليه من كسبٍ حرامٍ فسوف يتلكّأ معاشهم، وسيعانون من مصاعب، بسبب الفقر. وحقيقة الأمر: أنّ هذا الظنّ ليس سوى وهمٍ ووسوسةٍ شيطانيّةٍ، وهو يتعارض مع القرآن الكريم وأحاديث المعصومين عليهم السلام التي تؤكّد على أنّ الله تعالى ضَمِنَ الرزق الحلال لمخلوقاته كافّةً، ولأنّ وعد الله حقٌّ، فلو قنع العبد بما لديه وتحلّى بالصبر، فسوف يصله ما قُدِّر له من رزقٍ دون أيّ ترديد.

وأحياناً لا يُحسن ابن آدم الاختيار، ويسلك الطريق الخاطئ في الكسب، فيكون ماله حراماً، وبالتالي يحرم نفسه من الرزق الحلال الذي قدّره الله تعالى له. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجّة الوداع: "ألا وإنَّ الرُّوحَ الأمينَ نَفثَ فِي رَوعِي أنَّهُ لا تَموتُ نفسٌ حتَّى تَستكمِلَ رِزقَه، فأجمِلُوا فِي الطَّلبِ، ولا يَحمِلَنَّكُم استبطاءُ شَيءٍ مِن الرِّزقِ أن تطلبُوهُ بِمعصِيةِ اللهِ، إنَّ اللهَ قَسمَ الأرزاقَ بَينَ خَلقهِ حلالاً ولَم يَقسم حراماً، فمَن اتَّقَى وصَبرَ، أتاهُ رِزقُ اللهِ، ومَن هَتكَ حِجابَ السِّترِ وعَجلَ، فأخَذَهُ مِن غَيرِ حِلِّهِ، قُوصِصَ بهِ مِن رِزقهِ الحلالِ، وحُوسِبَ بهِ يَومَ القِيامَةِ"34.

إصلاح مصادر الكسب:

إنّ إصلاح مصادر الكسب يُعدّ من الأمور المهمّة في مجال تدبير المعيشة، حيث يلعب دوراً فعّالاً في إقرار مبدأ العدالة الاقتصاديّة. وهذا الإصلاح لا يكون ممكناً إلا بعد تحقّق الانسجام بين الشعب والحكومة، بتأدية كلٍّ منهما مهامّه الخاصّة به. فمسؤوليّة الحكومة في هذا المضمار حسّاسةٌ جدّ، إذ يجب عليها إصلاح النّظام الإداريّ في البلاد، وتقديم خدماتٍ إداريّةٍ شاملةٍ، والإشراف على الإنتاج، وتقسيم الحقوق بطريقةٍ مُثلى. لذلك، لا بدّ لها من الاعتماد على المفكّرين، وذوي الخبرة، لتثقيف الناس، وترسيخ الصلة في ما بينهم، وتوجيههم إلى مبدأ الكسب الحلال، وبعبارة أخرى: إيجاد أجواء اجتماعيّةٍ تنسجم مع تعاليم الشرع، والعقل، والعرف في شتّى المجالات. فالناس لا سبيل لهم دون اجتناب الكسب الحرام بكلّ أنواعه، حيث قال تعالى في كتابه المجيد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا35. لذا، يجب عليهم أن لا يلوِّثوا حياتهم بأعمالٍ غير مشروعةٍ، ولا بدّ لهم من سلوك السبيل القويم في كسب المعاش، اعتماداً على التعاليم الدينيّة، وذلك من أجل اجتناب الغلاء، والاحتكار، والغشّ، والأعمال الباطلة، والمعاملات الربويّة، والعمل على استئصالها من المجتمع. فالجميع مكلّفون بترويج المبادئ السامية في المعاملات التجاريّة، الأمر الذي أكّد عليه القرآن الكريم في عدّة آياتٍ، منها: ﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِين36، ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ37، ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ38.

ومن هذا المنطلق يجب علينا اختيار المنهج الأمثل في حياتنا الاقتصاديّة، من خلال الإيمان بلطف الله تعالى، والالتزام بالمبادئ السامية، لكي نلمس تأثيرَ التعاليم الإسلاميّة على حياتنا في شتّى المجالات، ولا سيّما الاجتماعيّة والاقتصاديّة39.

السبُل الكفيلة برفع مستوى الدخل:

هناك طرق عديدة يتمكّن الإنسان عبرها من زيادة دخله، وزيادة كسبه على مستويَين، محدودٍ وواسعٍ، نذكر بعضها في ما يلي:
- كسب العلم، والتخصّص المهنيّ.

- استثمار الأموال بطريقةٍ صحيحةٍ من الناحيتين الكمّيّة والنوعيّة.

- وضع منهجٍ يضمن استثمار الحدّ الأقصى من الطاقة الإنتاجيّة.

- تذليل المصاعب التي تعترض طريق الإنتاج.

- إصلاح معدّات الإنتاج وتطويرها.

- التسويق الصحيح للبضائع والمنتجات.

- تحفيز العمّال والمنتجين على زيادة الإنتاج.

- السعي إلى رفع مستوى المهارات، بالاعتماد على المراكز العلميّة المتخصّصة، في وضع مناهج صحيحة، لرفع مستوى الإنتاج، وتحسين نوعيّته، وذلك يتمّ عبر التنسيق الصحيح بين المراكز الأكاديميّة ومراكز الإنتاج.

- إيجاد أجواءٍ آمنةٍ داخل البلاد وفي مناطقها الحدوديّة.

- مكافحة جميع مظاهر الانحراف، كالتّمييز العنصريّ، والظلم الاقتصاديّ، والاحتكار، والمحسوبيّات، والوقوف بوجه من يُهدِر الثروة العامّة بحزمٍ.

ثانياً: الاستهلاك

يُعدّ الاستهلاك من أهمّ طرق التدبير في المعيشة، وهو من الأبحاث الأساسيّة في مجال الاقتصاد. ويجدر بجميع أبناء المجتمع دون استثناء، ولا سيّما المسؤولون منهم، أن يعيروه أهمّيّةً بالغةً، وهو يعني تسخير المصادر المُتاحة، بغية تحقيق متطلّبات الحياة الراهنة والمستقبليّة، أو أنّه يعني تسخير السلع الاقتصاديّة في مجال الاستثمار40.

فيجب على المسؤول المدبّر أن يتّبع المناهج الصحيحة في الاستهلاك، ليتمكّن من تحقيق متطلّبات الرعيّة على المستويَين الماديّ والمعنويّ، كما يجب عليه اجتناب الإسراف والتبذير.

1- أهمّيّة الاستهلاك في الاقتصاد:

لقد خصّص علماء الاقتصاد حيّزاً واسعاً من دراساتهم لمسألة الاستهلاك، كونها تتمتّع بأهمّيّةٍ بالغةٍ بين جميع الشعوب والأمَم، بحيث لا تضاهيها أيّ مسألةٍ أخرى بين مختلف المفاهيم الاقتصاديّة، وكثير منهم يعتقد أنّ الهدف وراء جميع النشاطات الاقتصاديّة يكمن في الاستهلاك، كالتوفير، والإنتاج، وتوزيع الثروة41.

ويُعدّ الاستهلاك يعدّ هدفاً أساسيّاً في الإنتاج وتوزيع الثروة، إذ له بالغ التأثير في هذا المضمار. من هنا، وضع علماء الاقتصاد أصلاً اقتصاديّاً بعنوان (سيادة المستهلك)، وفحواه: أنّ المستهلك هو الذي يعيّن الإطار اللازم للإنتاج، وتخصيص مصادره، ويحدّد طريقة توزيع الثروة. واستناداً إلى هذه النظريّة، فإنّ الاستهلاك ليس محض تابعٍ للإنتاج والتوزيع، بل إنّ الانتاج والتوزيع تابعان له من جهةٍ ما. وبعبارةٍ أخرى: هناك علاقةٌ متبادلةٌ بين الاستهلاك من جهةٍ، وبين الإنتاج والتوزيع من جهةٍ أخرى: فالاستهلاك يُعدّ آليّةً هامّةً في كيفيّة الإنتاج.

ولا شكّ في أنّ السياسات الاستهلاكيّة الصحيحة - ترشيد الاستهلاك - لها تأثيرٌ بالغٌ على السياسات الاقتصاديّة، فمن شأنها إيجاد حافزٍ في أسواق الاستهلاك، الأمر الذي يؤدّي إلى زيادة الإنتاج، وبالتالي ارتفاع مستوى الدخل العامّ.

ولترشيد الاستهلاك فوائد جمّة، فإضافةً إلى كونه منهجاً ضروريّاً للادّخار والاستثمار، كذلك يُعدّ سبباً أساسيّاً للرقيّ الاقتصاديّ.
وهناك مسألةٌ هامّةٌ تجدر الإشارة إليه، وهي: أنّ حاجات الإنسان المادّيّة تُعدّ المحور الأساس للنظريّات الاقتصاديّة في النظامين الرأسماليّ والاشتراكيّ، وعند انعدام الحاجات المادّيّة الضروريّة، فإنّ عمليّة الاستهلاك سوف تستمرّ من خلال إيجاد حاجاتٍ مادّيّةٍ كاذبةٍ. لكنّ الاستهلاك في النظريّة الإسلاميّة لا يختصّ بالحاجات المادّيّة فحسب، بل إنّ بعض متطلّبات الإنسان المعنويّة تعتبر سبباً لإيجاد دافعٍ لدى الإنسان في ذلك، أي أنّ دوافع الاستهلاك في النظام الإسلاميّ أوسع نطاقاً من النظامين الرأسماليّ والاشتراكيّ42.

2- أُسس الاستهلاك الأمثل في الإسلام: 

إنّ أُسس الاستهلاك الأمثل في النظريّة الإسلاميّة هي عبارة عن التعاليم التربويّة السامية التي تشكّل منهجاً صحيحاً ومتكاملاً لتدبير المعيشة، ويمكننا التعرّف عليها من خلال القرآن الكريم والأحاديث المباركة، نشير إلى بعضها في ما يلي: 

أ- وجوب اجتناب الإسراف43:
"السّرف هو تجاوز الحدّ في كلّ فعلٍ يفعله الإنسان، وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر"44. نستلهم من آيات القرآن الكريم أنّ الإسراف يقابل التقتير، حيث قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يُقَتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَوامَاً45.

وتؤكّد تعاليمنا الدينيّة على أنّ الإسراف من الأعمال الذميمة جدّاً، حيث نهى القرآن الكريم نهياً شديداً عنه، وكذلك هو الحال بالنسبة للأحاديث الشريفة. فالله تعالى عدّه من السُّنَن الفرعونيّة: ﴿فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ،46 وتوعّد المسرفين بعذابٍ أليمٍ: ﴿لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ47.

ويُعدّ الإسراف في استهلاك الموارد الطبيعيّة تعدّياً على حقوق الآخرين، وإهداراً للثروة العامّة التي هي حقٌّ لجميع البشر والأجيال كافة. وحسب الرؤية الإسلاميّة، فإنّ نتيجة الإسراف والإنفاق المفرط ليست سوى إهدار الثروة العامّة، وبالتّالي حرمان الشّعب منها. قال الإمام عليّ عليه السلام في هذا الصدد: "السَّرفُ مَثواةٌ"48.

أسباب حرمة الإسراف:

يُعدّ الإسراف خروجاً عن مستوى التوازن، أي عن حكم العقل والإذعان لأهواء النفس. فهو إهدارٌ للنعمة التي أكرم الله تعالى بها عباده، لإمرار معاشهم. ونتيجة هذا الإهدار هي البعد عن رحمة الله تعالى ورضوانه49.

فكما أنّ للمجتمع حقاً في الأموال العامّة، كذلك فإنّ له حقاً - أيضاً - في أموال الناس الخاصّة، وبما أنّ الإسراف يُعدّ تعدّياً على حقوق المجتمع، فالنتيجة أنّ الإسراف في الأموال الخاصّة غير جائزٍ. يقول العلامة الشهيد مرتضى المطهّري رحمه الله في هذا الصدد: "إنّ الإسراف، والتبذير، وأيّ استخدامٍ غير مشروعٍ للأموال، ممنوعٌ. والمنع هنا ليس ناشئاً من حرمة هذا العمل فحسب، بل لأنّه - أيضاً - يُعدّ تصرّفاً في الثروة العامّة من دون إذنٍ. فهذا المال، وإن كان خاصّ، فهو متعلّقٌ بالمجتمع - أيضاً -"50.

فضلاً عن ذلك، ونظراً لمحدوديّة المصادر الاقتصاديّة، فإنّ الإسراف هو سبب لحرمان بعض الناس من تلك المصادر. وكذلك، فإنّ اعتياد الإنسان على الإسراف سيجعل منه شخصاً أنانيّاً وبعيداً عن المثل العليا التي أرادها الله تعالى من عباده. والأصل - على أساس النظرة التوحيديّة -، أنّ الله تبارك وتعالى هو المالك الأصليّ، ونحن جميعاً مستخلفون من قبله، وكلّ نوعٍ من التصرّف من دون إذنه ورضاه، فهو قبيحٌ وغير مقبولٍ، ونحن نعلم أنّ الله لم يأذن بالإسراف ولا بالبخل51.

الإسراف مسألةٌ نسبيّةٌ:

المراد من الإسراف تجاوز الحدّ في الإنفاق، أي أنّ الإنسان يتجاوز المستوى المتعارف في إنفاق المال، فينفق أكثر من حاجته، ويسرف في ذلك. فعلى سبيل المثال: شخص لا يتقاضى في اليوم أكثر من دولارين، لكنّه يشتري لنفسه ولأسرته ثياباً بمئات الدولارات. وقد تطرّق الإمام جعفر الصادق عليه السلام لهذا الأمر، حين قال: "ربّ فقير هو أسرف من الغني، إنّ الغني ينفق ممّا أوتي، والفقير ينفق من غير ما أوتي"52.

وهذه الرواية تشير إلى بعض الموارد النادرة التي لا يتّبع فيها الفقير برنامجاً صحيحاً في معيشته، وذلك حينما ينفق ما يكسبه من مالٍ يسيرٍ في مسائل لا تتناسب مع وضعه الماديّ، وبالتالي يُهدرِ دخله، بسبب إسرافه. وبالتأكيد، فإنّ هذا الفعل بالنسبة للأثرياء قد لا يكون إسراف، إذ أنّ إسرافهم يتحقّق عبر إنفاقهم الأموال في أمورٍ أشدّ فداحة ممّا فعله هذا الفقير.

ومن هنا، يتّضح أنّ معيار حقيقة الإسراف نسبيّ، حيث تكون بعض مصاديق الإنفاق الصادرة من بعض الأفراد مؤدّية إلى الوقوع في الإسراف، ولكنّها ليست كذلك بالنسبة للبعض الآخر. فبعض موارد الإنفاق التي لا يعدّها العرف تجاوزاً عن حدّ الاعتدال، بينما يعدّها العقل تجاوزاً عن ذلك، لا تُعدّ من أمثلة الإسراف، ولكنّه نُهي عنها في بعض الأحاديث، منها: قول الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "إنَّ القصدَ أمرٌ يُحبُّهُ اللهُ عزَّ وجلَّ، وإنَّ السَّرفَ أمرٌ يُبغضُهُ اللهُ عزَّ وجلَّ حتّى طرحَكَ النَّواةَ، فإنِّها تَصلحُ لشيءٍ وحتّى صبَّكَ فَضلَ شَرابِكَ"53، بينما هذه الأفعال لا يعدّها العرف اليوم إسرافاً.

اختلاف الزمان والمكان ونسبيّة الإنفاق:

ما يشير إلى أنّ الإسراف مسألةٌ نسبيّةٌ، هو اختلاف معدّل الإنفاق من مجتمعٍ إلى آخر، لأنّ مستوى رفاهيّة الشعب ورقيّه الاقتصاديّ أو تدنّي مستواه المعيشيّ مختلف من بلدٍ إلى بلدٍ. فلربّما اقتناء بعض السلع والمؤن أو تقديم بعض الخدمات، يُعدّ تجاوزاً عن الحدّ المتعارف في أحد المجتمعات النامية، لكنّه ليس كذلك في مجتمعٍ متطوّرٍ، لذا يمكن القول: إنّ الإسراف مسألةٌ نسبيّةٌ54.

والحال كذلك بالنسبة لاختلاف الزمان وتنوّع المسؤوليّات، أي حينما يتمتّع الناس بحياةٍ مرفّهةً في زمانٍ ما، ويشهد مجتمعهم تنامياً اقتصاديّ، فسوف يحظون بحياةٍ أفضل، وبإمكانهم اقتناء سلعٍ أكثر وذات جودةٍ عاليةٍ، وهذا بدوره لا يعدّ إسرافاً، لكن بشرط عدم الإفراط والطغيان. ومن هنا، لو حاول البعض في هذه المجتمعات المرفّهة الإعراض عن نعم الله تعالى، وقيّدوا أنفسهم بحياة الفقر، والعوز، وارتداء الخرق من الثياب، فإنّ زهدهم هذا يحمل على الرياء. فالبعض قد يغفل عن حقيقة الحكمة العمليّة في الإسلام، وهؤلاء موجودون في كلّ عصرٍ ومكانٍ، إذ أنّ ضيق إطار أفكارهم يحفّزهم على مؤاخذة الآخرين جهلاً، حتّى أنّهم قد يعترضون على الأئمّة المعصومين عليهم السلام. فقد روى مسعدة بن صدقة أنّ سفيان الثوري دخل على الإمام الصادق عليه السلام فرأى عليه ثياباً بيضاء ناعمة، فقال له: إنّ هذا اللباس ليس من لباسك، فأجابه عليه السلام: "اسمَعْ مِنِّي وعِ ما أقولُ لَكَ، فإنَّهُ خَيرٌ لَكَ عاجِلاً وآجِلاً إنْ أنتَ مِتَّ عَلَى السُّنَّةِ ولَم تَمُتْ عَلَى بِدعَةٍ، أُخبِرُكَ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم كانَ فِي زَمانٍ مُقفِرٍ جَدبٍ، فَأمّا إذا أقبَلَتْ الدُّنيا فَأحَقُّ أهلِها بِها أبرارُها لا فُجّارُها، ومؤمِنُوها لا مُنافِقُوها، ومُسلمُوها لا كُفّارُها، فَما أنكرتَ يا ثَوريّ؟! فَوَاللهِ إنِّي لَمَعَ ما تَرِى ما أتَى عَلَيَّ مُذ عَقِلت صباحَ ولا مساءَ وللهِ فِي مالِي حَقٌّ أمرَنِي أنْ أضَعهُ مَوضِع، إلا وَضَعتُهُ"55.

كما روى عليّ بن أسباط أنّ سفيان الثوريّ قال للإمام الصادق عليه السلام: يُروى أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان يلبس الخشن من الثياب، وأنت تلبس القوهي المَرْوي! فقال له عليه السلام: "وَيحَكَ، إنَّ عَليّاً عليه السلام كانَ فِي زَمانِ ضِيقٍ، فَإذا اتَّسَعَ الزَّمانُ، فَأبرارُ الزَّمانِ أولَى بِهِ"56.

فذوي الفكر المتحجّر من أمثال سفيان الثوريّ، يعتبرون ارتداء الإمام المعصوم عليه السلام الثياب الحسنة تجاوزاً عن الحدّ المتعارف، بينما هذا الأمر الذي لم يكن رائجاً في الأزمنة السالفة كان متعارفاً في ذلك العهد.

إذن، لا بدّ أن تكون أفعال الإنسان وطريقة معيشته منسجمةً مع مقتضيات زمانه، فالإسراف مسألةٌ نسبيّةٌ!
والجدير بالذكر، أنّ بعض موارد الإنفاق تقتضي بذل أموالٍ كثيرةٍ، ولا يعدّ ذلك إسراف، لأنّ إنفاق المال بكثرةٍ - أحياناً - يكون سبباً لحفظه، وهو بالتالي جزءٌ من حسن التدبير في المعيشة، كاقتناء ثيابٍ مختلفةٍ لأغراضٍ مختلفةٍ، مثل: الثياب المخصّصة للنوم أو للعمل أو للسفر أو للضيافة، أو ما يُرتدى في مختلف فصول السنة، وهذا الأمر لا يعتبر إسراف، حيث إنّه من ضرورات التدبير في المعيشة. رُوي عن إسحاق بن عمّار أنّه سأل الإمام موسى الكاظم عليه السلام: الرجل يكون له عشرة أقمصةٍ، أَيكون ذلك من السَّرف؟ فقال عليه السلام: "لا، ولكِنَّ ذلِكَ أبقَى لثِيابِهِ، ولكِنَّ السَّرفَ أنْ تَلبَسَ ثَوبَ صَونِكَ فِي المكانِ القَذِرِ"57.

لذلك، فإنّ اقتناء ثيابٍ كثيرةٍ بداعي الحاجة إليها حسب مقتضيات الزمان، لا يُعدّ من الإسراف بوجهٍ، لأنّها تستخدم عند الحاجة إليه، على العكس من ذلك، الذين يفرطون في امتلاك أنواع الثياب، ويكدّسونها في خزانتهم، بحيث لا يحتاجون إليها كافّة، وهذا هو الإسراف بعينه.

ب- وجوب اجتناب التّبذير:

التبذير: التفريق، وأصله إلقاء البذر وطرحه، فاستعير لكلِّ مُضيِّعٍ لماله، فتبذير البذر: تضييعٌ في الظاهر لمن لم يعرف مآل ما يلقيه58.
والتبذير يخصّ الحالات التي يصرف فيها الإِنسان أمواله بشكلٍ غير منطقيٍّ وفاسدٍ. وبتعبيرٍ آخر: إنّ التبذير هو هدر المال في غير موقعه، ولو كان قليلاً، بينما إذا صُرِفَ في محلِّه، فلا يُعدّ تبذير، ولو كان كثيراً59.

والتبذير - دائماً - ما يتلازم مع إتلاف المال، لأنّ إنفاق المال في أغراضٍ غير عقلائيّةٍ هو إهدارٌ للثروة.
لذا، فإنّ إهدار المال وإنفاقه عبثاً يُعدّ من الأفعال المحرّمة دينيّاً، سواءٌ أكانت هذه العبثيّة من الناحيّة الكمّيّة أم من الناحية النوعيّة، إذ يجدر بالإنسان أن يأخذ بعين الاعتبار الجوانب النوعيّة لمؤونته التي يقتنيها، ومدى كفاية المصادر الإنتاجيّة والخدماتيّة التي يعتمد عليها في معيشته، أي عليه أن يسخّر كلّ مصدرٍ إنتاجيٍّ أو خدماتي، بطريقةٍ يمكنه معها بلوغ أقصى درجات الاستثمار، لكي يستغلّ طاقته الكامنة بشكلٍ أمثل60.

والقرآن الكريم بدوره عدّ المبذّرين إخوانَ الشياطين، حيث قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا.61
إنّ الله أعطى الشيطان قدرةً وقوّةً واستعداداً وذكاءاً خارقاً للعادة، ولكنّ الشيطان استفاد من هذه الأُمور في غير محلِّه، أي في طريق إغواء الناس وإبعادهم عن الصراط المستقيم.

أمّا كون المبذّرين إخوان الشياطين، فذلك لأنّهم كفروا بنعم الله، حيث وضعوها في غير مواضعها تمام، كما فعل الشيطان مع نِعم الله تعالى، ثمّ إنّ استخدام (إخوان) تعني أنّ أعمالهم متطابقةٌ ومتناسقةٌ مع أعمال الشيطان، كالأخَوين اللَّذَين تكون أعمالهما متشابهةً62.

مصاديق الإسراف والتبذير:

لكلمَتي الإسراف والتبذير معنىً واسعاً جدّاً يتجلّى في الأفعال اليوميّة للبشر، وقد تطرّقت النصوص الدينيّة إلى ذكرها بشكلٍ مجملٍ أو مفصّلٍ، نشير إلى بعضها في ما يلي:
المأكل والمشرب: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ63.
الإنفاق والعطاء الذي يتجاوز الحدّ المتعارف: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا64.

طلب المقام والاستكبار في الأرض: ﴿وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ * مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ65.
تجاوز الحدّ في القصاص: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا66.
ارتكاب المعاصي: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ67.

القضاء بين الناس بغير حقٍّ: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ68.

وقد رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه مرّ بسعد، وهو يتوضّأ، فقال له: "ما هذا السّرفُ يا سَعدُ؟!". قال سعد: أَفي الوضوء سرفٌ؟ فأجابه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "نَعَم، وإنْ كُنتَ عَلَى نَهرٍ جارٍ"69.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "الخلْقُ عِيالُ اللهِ"70، وكذلك هم أُمناؤه على ماله. وعليه، يتوجّب على الإنسان أن يُنفق أمواله في ما فرضه الله تعالى، بتسخيرها لقضاء حوائجه وتلبية متطلّبات معيشته. لذلك، فإنّ الإنفاق الزائد عن الحاجة، يُعدّ إتلافاً للمال، وسوء تصرّفٍ فيه، بما يؤدّي إلى الإسرافٌ والتبذيرٌ.

وحسب بعض الروايات، فإنّ الإسراف والتبذير يتحقّقان حتّى في طرح نواة التمر، وما فَضُل من الماء، أو ارتداء ثيابٍ ف 2013-04-17