سيرة الامام الحسن بن علي عليه السلام
الهوية والسيرة
إنَّ الظروف الصعبة التي أحاطت بحياة الإمام المجتبى عليه السلام جعلت من محطات حياته ودراستها أمراً يحتاج إلى كثير من الدقة والتمحيص والإنصاف، لأن الإمام عليه السلام قد عانى مظلومية من أهل زمانه،
عدد الزوار: 346
تمهيد
إنَّ الظروف الصعبة التي أحاطت بحياة الإمام المجتبى عليه السلام جعلت من محطات
حياته ودراستها أمراً يحتاج إلى كثير من الدقة والتمحيص والإنصاف، لأن الإمام عليه
السلام قد عانى مظلومية من أهل زمانه، ومظلومية في صفحات التاريخ الإسلامي، سواء
على مستوى فهم حركته السياسية المباركة وصولاً إلى الصلح مع معاوية، أو على مستوى
بعض الاتهامات التي لا تليق بالإمام عليه السلام كتعدد الزوجات المفرط وغير ذلك
التي نشتم منها رائحة البيت الأموي.
إن معاناة هذا الإمام عليه السلام المباشرة بدأت من اللحظة التي عهد بها الإمام علي
عليه السلام إليه قبل شهادته بيومين قائلاً:"يا بنيّ! إنه أمرني رسول اللَّه صلى
الله عليه وآله أن أوصي إليك وأدفع إليك كتبي وسلاحي، كما أوصى إليّ ودفع إليَّ
كتبه وسلاحه وأمرني أن امرك إذا حضرك الموت أن توصي بها إلى أخيك الحسين عليه
السلام"1.
وبعد استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام ، خطب الإمام الحسن عليه السلام خطبة قال
فيها:"أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد رسول
اللَّه صلى الله عليه وآله أنا ابن البشير، أنا ابن النذير... الخ"2.
وبعد ذلك قام ابن عباس ودعا الناس إلى بيعته فاستجابوا وبايعوه قائلين "ما أحبه
إلينا وأحقه بالخلافة"3 "وكان عدد المبايعين له أكثر من أربعين
ألفا"4.
مراحل إمامته عليه السلام
يمكن تقسيم إمامته عليه السلام إلى مرحلتين أساسيتين:
المرحلة الأولى: بعد شهادة أبيه عليه السلام واستلام الإمام الحسن عليه
السلام الخلافة لمدة سبعة أشهر.
المرحلة الثانية: هي فترة الصلح مع معاوية إلى حين شهادته المباركة.
وسنتعرض في هذا الدرس لموضوع الصلح مع معاوية من حيث أسبابه وبنوده واثاره لنضيء
على الكثير من علامات الاستفهام التي أثيرت حول هذا الصلح.
أسباب الصلح في الروايات
إن الروايات التي تعرضت لصلح الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية قد نستفيد من
أكثرها أن هذه الخطوة الدقيقة والخطيرة التي قام بها الإمام عليه السلام لم تكن
واضحة لدى أذهان أكثر الناس مما شكل ضبابية في فهم موقف الإمام عليه السلام وهذه
الروايات يمكن تقسيمها إلى قسمين:
الأول: تؤكد على أن الصلح له مصلحة عظيمة ومهمة من دون ذكر الأسباب أو
الدواعي لهذا الصلح.
منها: الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام قال:"يا سدير اذكر لنا أمرك
الذي أنت عليه فإن كان فيه إغراق كففناك عنه، وإن كان مقصراً أرشدناك".
إلى أن قال عليه السلام :"أمسك حتى أكفيك إن العلم، الذي وضع رسول اللَّه صلى
الله عليه وآله عند علي عليه السلام من عرفه كان مؤمناً ومن جحده كان كافراً ثم كان
من بعده الحسن عليه السلام قلت: كيف يكون بتلك المنزلة، وقد كان منه ما كان دفعها
إلى معاوية؟ فقال: اسكت فإنه أعلم بما صنع، لولا ما صنع لكان أمر عظيم"5.
الثاني: تؤكد على أهمية الصلح وتذكر الأسباب الداعية إليه.
منها: الرواية المروية عن نفس الإمام المجتبى عليه السلام عن أبي سعيد قال:
قلت للحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام : يا ابن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله
لمَ داهنت معاوية وصالحته، وقد علمت أن الحق لك دونه وأن معاوية ضال باغ؟
فقال عليه السلام :" سخطتم عليّ بجهلكم بوجه الحكمة فيه ولولا ما أتيت لما ترك
من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قُتل"6.
وستتضح بقية الأسباب عندما نتعرض لنتائج هذا الصلح.
أما الأسباب التي دعت الإمام عليه السلام إلى قبول الصلح على المستوى الميداني
فكثيرة أهمها:
1- عدم رغبة جيش الإمام عليه السلام في القتال وهذا ما بدا ظاهراً منذ اللحظة
الأولى، عندما دعاهم عليه السلام قائلاً:" اخرجوا رحمكم اللَّه إلى معسكركم في
النخيلة".
يقول المؤرخون: "وسكت الناس فلم يتكلم أحد منهم ولا أجابه بحرف"! حتى وقف
عدي بن حاتم وأنبهم على ذلك.
2 - التواطؤ مع معاوية من قبل الكثير من القادة والجنود وذكر الشيخ الصدوق: "أن
معاوية دس إلى عمرو بن حريث والأشعث بن قيس وحجار بن ابجر وشبث بن ربعي دسيساً أفرد
كل واحد منهم بعين من عيونه أنك إذا قتلت الحسن فلك مائة ألف درهم وجند من أجناد
الشام وبنت من بناتي، فبلغ الحسن عليه السلام ذلك فاستلأم ولبس درعاً وسترها وكان
يحترز ولا يتقدم للصلاة إلا كذلك فرماه أحدهم في الصلاة بسهم فلم يلبث فيه لما عليه
من اللامة"7.
3- الخيانات الفعلية والمتكرّرة والمتمثلة بالالتحاق بمعاوية أو الفرار من
المعسكرات. كما حصل مع عبيد اللَّه بن العباس حيث بعثه الإمام عليه السلام في اثني
عشر ألفاً، فخان الإمام عليه السلام مقابل ألف ألف درهم أرسلها له معاوية.
4 - شيوع البلبلة والاضطراب في صفوف القادة والجنود.
5 - عدم الاخلاص للقيادة الشرعية8.
الصلح بنوده وشروطه
إن الصلح الذي أبرمه الإمام عليه السلام مع معاوية قد أحاطه بشروط تجعل الإمام عليه
السلام في موقع القوة دائماً ومعاوية في موقف الضعف سواء على المدى القريب أو
البعيد سواء وفى معاوية بشروط الصلح أم لم يفِ بها، فإن عدم الوفاء سيفضح معاوية
ويشكل انتصاراً لخط أهل البيت عليه السلام على المدى البعيد.
شروط الصلح من طرف الإمام الحسن عليه السلام :
1 - أن يعمل معاوية بكتاب اللَّه وسنة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسيرة
الخلفاء الصالحين.
2 - ليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد لأحد من بعده عهداً.
3- الناس امنون حيث كانوا في العراق والشام والحجاز وتهامه.
4 - أمان الشيعة وأصحاب علي عليه السلام على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم.
5 - أن لا يبغي للحسن ولا لأحد من أهل بيته غائلة سراً وعلانية، ولا يخيف أحداً
منهم.
6 - أن تكون الخلافة للإمام الحسن عليه السلام من بعده فإن حدث به حدث فلأخيه
الحسين وليس لمعاوية أن يعهد به لأحد.
7 - أن لا يسميه أمير المؤمنين.
8 - أن لا يقيم عنده شهادة.
9 - أن يضمن نفقة أولاد الشهداء من أصحاب الإمام علي عليه السلام .
10- ترك سبّ الإمام علي عليه السلام والعدول عن القنوت عليه في الصلاة.
11 - أن لا يتعرض لشيعته بسوء، ويصل إلى كل ذي حق حقه9.
الفرق بين الصلح(المعاهدة) والبيعة
لكي لا يشتبه الأمر على القارئ نقول له بأن ما فعله مولانا الحسن عليه السلام هو
عبارة عن معاهدة وليس بيعة لمعاوية بن أبي سفيان ولا يعد هذا الصلح اعترافاً من
الإمام بمشروعية معاوية على الاطلاق.
لأن الإمام عليه السلام اشترط في بنود الصلح أن لا يسميه أمير المؤمنين، فعاهده على
أن لا يكون أميراً إذ الأمير هو الذي يأمر في مؤتمر له.
نتائج الصلح مع معاوية
1 - انكشاف الوجه الحقيقي لمعاوية:
لأنه هو الذي أعلن بنفسه عن أهدافه التي تتلخص في الوصول إلى قمة السلطة حين قال: "إني
واللَّه ما قاتلتكم لتصلّوا، ولا لتصوموا، ولا لتحجّوا، ولا لتزكّوا، إنكم لتفعلون
ذلك، وإنما قاتلتكم لأتأمّر عليكم وقد أعطاني اللَّه ذلك، وأنتم كارهون"10.
2 - انكشاف انحراف معاوية وعدم وفائه ببنود الصلح:
هو الذي قال: "ألا أنّ كلّ شيء أعطيته للحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به"11.
3 - انشكاف طغيان معاوية واكراه الناس للبيعة:
فقبل الصلح مع الإمام عليه السلام أعلن أن أسباب قبوله هو حقن الدماء ولكن بعد
تسليمه السلطة سرح معاوية معه بسر بن أبي أرطأة في جيش فأقبل حتى دخل البصرة فصعد
المنبر فقال: "الحمد للَّه الذي أصلح أمر الأمة وجمع الكلمة وأدرك لنا ثأرنا، ثم
أن بسراً صعد المنبر ونادى بأعلى صوته ألا إن ذمة اللَّه بريئة ممن لم يخرج فيبايع"12.
4 - حرية الجماعة الصالحة بالنقد:
لم يستطع معاوية في زمن الإمام المجتبى عليه السلام أن يقيّد حركة الصالحين من
أتباع الإمام، وكان لهم دور إيجابي ومميز في تحريك الأمة.
5 - توسع القاعدة الشعبية لأهل البيت عليهم السلام :
استثمر الإمام أجواء الصلح الملائمة لنشر فضائل أهل البيت وتعرية الحكم الأموي من
الشرعية وقام بنشر الوعي في صفوف المسلمين حتى أصبحوا يميّزون بين منهجين: منهج
الاستقامة على خط الرسالة بقيادة أهل البيت عليهم السلام ومنهج الأمويين المنحرف13.
وفي الختام نقول: إن صلح مولانا الإمام عليه السلام قد كشف زيف الحكم الأموي وكان
التمهيد الطبيعي، لنهضة مولانا الإمام الحسين عليه السلام المباركة التي تجلت في
المواجهة المسلحة للحاكم.
الخلاصة
1 - إن مراحل إمامة الإمام الحسن عليه السلام يمكن تقسيمها إلى قسمين أساسيين:
2- إن الروايات قد تعرضت لصلح الإمام عليه السلام واعتبرته خطوة دقيقة ومهمة في
مجال إنقاذ الأمة من الظلم الأموي، وفي بعضها إعطاء تفاصيل وأسباب عن الصلح.
3 - إن بنود الصلح الذي أبرمه مولانا عليه السلام مع معاوية عند التدقيق بها ترجع
كلها إلى صالح الإمام عليه السلام .
4- هناك فرق بين الصلح والبيعة وما فعله الإمام هو صلح وليس ببيعة لمعاوية.
5- إن هناك نتائج كثيرة لهذا الصلح منها:
من طرف معاوية فقد تم انكشاف وجهه الحقيقي ومدى انحرافه وطغيانه وإكراه الناس على
بيعته.
من طرف الإمام عليه السلام: حرية الجماعة الصالحة وتحركها ضمن العمل الرسالي
وتوسيع القاعدة الشعبية لأهل البيت عليهم السلام.
*محطات من سيرة اهل البيت, سلسلة الدروس الثقافية، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- الطبرسي، إعلام
الورى بأعلام الهدى، ج1، ص207.
2- ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج3، ص170.
3- م.ن، ج3، ص170.
4- المعتزلي، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج16، ص31 30.
5- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج44، ص1.
6- م.ن، ج44، ص1 و2.
7- علل الشرائع، ج1، ص221.
8- المنظمة العالمية للحوزات، تاريخ الإسلام، ج2، ص54.
9- انظر: م.ن، ص56 55.
10- م.ن، ج44، ص53.
11- الأصفهاني، أبو الفرج، مقاتل الطالبيين، ص45.
12- الثقفي، إبراهيم بن محمد، الغارات، ج2، ص646 645.
13- نتائج صلح معاوية نقلاً عن: تاريخ الإسلام م.س، ص77 71، بتصرف، وتلخيص.