الآداب العامة لعبادة الله تعالى (2)
العلاقة مع الله
من الآداب العامة المهمّة القلبية للعبادات وخصوصا العبادات الذكرى، كالصلاة الطمأنينة وهي تعني الإتيان بالعبادة مع سكون القلب، وأطمئنان الخاطر، لأن العبادة إذا أتي بها في حال اضطراب القلب وتزلزله فالقلب لا ينفعل بمثل هذه العبادة ولا يحصل أثر من العبادة.
عدد الزوار: 175
الطمأنينة
من الآداب العامة المهمّة القلبية للعبادات - وخصوصا العبادات الذكرى، كالصلاة- الطمأنينة، وهي تعني الإتيان بالعبادة مع سكون القلب، واطمئنان الخاطر، لأن العبادة إذا أتي بها في حال اضطراب القلب وتزلزله فالقلب لا ينفعل بمثل هذه العبادة ولا يحصل أثر من العبادة، والحال إن من إحدى جهات تكرار العبادات وتكثير الأذكار والأوراد أن يتأثر القلب منها وينفعل، حتى يتشكّل الإنسان العابد شيئاً فشيئاً من حقيقة الذكر والعبادة، ويتحد قلبه بروح العبادة،ونذكر لذلك مثالاً، وهو أن الذكر الشريف: "لا إله إلا الله محمد رسول الله" إذا قاله أحد من قلبه وباطمئنان من لبّه وراح يعلّم القلب هذا الذكر الشريف، حينئذ يتعلّم القلب الذكر ويتكلّم به شيئاً فشيئاً حتى يتبع لسان القلب اللسان الظاهر.
وإلى هذا المعنى أشار الإمام الصادق عليه السلام: "فاجعل قلبك قبلة للسانك لا تحركه إلا بإشارة القلب وموافقة العقل ورضى الإيمان".
والأحاديث الشريفة في هذا النحو من الطمأنينة وآثاره، كثيرة، ومن هذه الجهة أمر بترتيل القرآن الشريف.
وفي الحديث قال: "من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بدمه ولحمه".
والسر في ذلك: أن اشتغال القلب وتكدّره في أيام الشباب أقل، لذا يتأثر القلب من القرآن أكثر وأسرع ويكون أثره أيضا أبقى.
وفي الحديث الشريف: "ما من شيء أحب إلى الله عزّ وجلّ من عمل يداوم عليه وإن قلّ" ولعل السر أنه مع المداومة يكون العمل صورة باطنية للقلب.
مكافحة الوساوس والتصرفات الشيطانية
من الآداب المهمة لصلاح القلب والتي لها دور مهم في العبادات بشكل عام والصلاة بشكل خاص، الحفاظ على القلب والعبادة من التصرفات والوساوس النفسية والشيطانية.
ولعل الآية الشريفة التي تصف المؤمنين بأنهم يحافظون على صلواتهم تنطبق أيضا على الحفاظ عليها من تصرفات الشيطان، بل إن ذلك أهم مصاديق الحفظ.
إن الإنسان كما هو معروف له جنبتان، الأولى: الجسد، الثانية: الروح، وكما أن للجسد غذاءه المناسب لينمو بشكل صحيح، ولا بد أن يكون الغذاء خالياً مما ينافي صحة الجسم، كذلك إن للروح والقلب غذاءه المناسب لكي يكون في صفاء وصحة.
وغذاء الروح والقلب هو المعارف والفضائل والعبادات الإلهية، وما ينافي صحة الروح والقلب ويخرج الغذاء الروحي والقلبي عن تأثيره، هي الوساوس والتصرفات الشيطانية.
غذاء الروح لم يفيدهم
ومما يشير إلى أن غذاء الروح بنفسه لا يكفي إذا لم يخلص من الوساوس النفسية والشيطانية أن هناك بعض أهل العرفان الاصطلاحي أشخاصاً انتهت بهم هذه الاصطلاحات والغور فيها إلى الضلالة وجعلت قلوبهم منكوسة وبواطنهم مظلمة وصدرت منهم الدعاوى غير اللائقة والشطحات غير المناسبة.
كذلك هناك بعض الأفراد الذين سعوا في تصفية أنفسهم نراهم على غير صفاء.
كما أن هناك أفراداً من طلاب العلوم الدينية لم يستفيدوا من غذاء العلم الإلهي وازدادوا في المفاسد الأخلاقية.
وفي أهل العبادة أيضا أفراد لم يستفيدوا من غذاء العبادة ونرى فيهم تكبّرا وسوء ظن في عباد الله، إلى غير ذلك من الظلمات النفسية.
ما يساعد على الخلاص من الوساوس والتصرفات الشيطانية
من الأمور المهمّة في المساعدة على إفادة الغذاء الروحي من حيث الحدّ من التصرفات الشيطانية في القلب ما يلي:
1- ينبغي أن يكون الغذاء الروحي مأخوذا من النبع الصافي للإسلام وهذا النبع هو: الرسول محمد وآل بيته صلوات الله عليه وعليهم.
2- ولا يحصل الخلاص من تصرف الشيطان الذي هو مقدّمة للإخلاص بحقيقته إلا أن يكون السالك في سلوكه طالبا لله، ويضع حب النفس وعبادتها الذي هو المنشأ للمفاسد كلها وأمّ الأمراض الباطنية تحت قدميه.
3- عليك أن لا تيأس من القضاء على تصرفات الشيطان، فاليأس من روح الله رأس كل برودة وفتور ومن الكبائر.
4- واظب بكمال المواظبة والدقة على حالك كطبيب رفيق ورقيب شفيق وفتّش بالدقّة عن عيوب مسيرك وسلوكك إلى الله تعالى، ولا تخلّي نفسك على رسلها آناً ما، فربما تسقط نفسك في الهاوية في لحظة غفلة.
5- عليك باللجوء إلى الربّ الرحيم في خلواتك والتضرع والاستكانة إليه، فإن في سلوكك إليه بحاجة إليه وإلى توفيقه.
النشاط والبهجة في العبادة
ومن الآداب القلبية للصلاة وسائر العبادات وله نتائج حسنة في التقدّم الروحي، أن يجتهد السالك إلى الله في أن تكون عبادته عن نشاط وبهجة في قلبه وفرح وانبساط في خاطره، ويحترز احترازاً شديداً أن يأتي بالعبادة مع الكسل وادبار النفس، فلا يكون لها تعب وفتور، لأنه إذا حمل على النفس العبادة في حين الكسل والتعب، يمكن أن تترتب عليها آثار سلبية خطيرة عكس المرجو من العبادة، ومن هذه الآثار السلبية أن ينفر الإنسان من العبادة بل أكثر من هذا، يمكن أن يبتعد عن ذكر الحق تعالى بالكلية.
وكما أن الأطباء يعتقدون بأن الطعام إذا أكل في حال السرور والبهجة يكون أسرع في الهضم، كذلك يقتضي الطب الروحي بأن الإنسان إذا تغذى بالأغذية الروحانية بالبهجة والاشتياق محترزاً عن الكسل والتكلف يكون ظهور آثارها في القلب وتصفية باطن القلب بها أسرع.
وفي القرآن الكريم إشارات إلى هذا الأدب، فقد قال في وصف المنافقين: ﴿وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى..﴾(التوبة:54).
وقد فسرت الآية: ﴿لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى﴾(النساء:43) في حديث بأن المراد من سكارى كسالى.
وفي الروايات إشارة أيضا إلى هذا الأدب، وهذه بعضها:
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "لا تكرهوا إلى أنفسكم العبادة".
وعنه عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ولا تبغّض إلى نفسك عبادة ربّك".
وهنا حديث مهم عن العسكري عليه السلام: "إذا نشطت القلوب فأودعوها وإذا نفرت فودّعوها".
فهذا الحديث يرشد الإنسان السالك إلى الله أن يراعي نفسه وحاله من الفتور والنشاط، فإذا فترت نفسه عن العبادة فلا يكرهها وينفّرها من العبادة وإذا نشطت فليقبل عليها.
وهنا نصيحة مهمة للشباب - خصوصاً - لأنهم إذا لم يعاملوا أنفسهم بالرفق والمداراة ولم يعطوا أنفسهم حقوقها، فربّما تصير أنفسهم بسبب الضغط عليها بأكثر من العادة مطلقة العنان في شهواتها.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "اجتهدت في العبادة وأنا شاب فقال لي أبي يا بني دون ما أراك تصنع فإن الله عزّ وجلّ إذا أحب عبدا رضي منه اليسير".
هذا ومن الأمور التي تساعد الشاب على العبادة بنشاط وعلى السلوك إلى الله تعالى والقرب منه، الزواج ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تزوج فقد أحرز نصف دينه".
وليس صحيحا كبت الإنسان والشاب بالخصوص نفسه، فعن علي عليه السلام فقال: "إن جماعة من الصحابة كانوا حرّموا على أنفسهم النساء والافطار بالنهار والنوم والليل فأخبرت أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إلى أصحابه فقال: أترغبون عن النساء؟ إني آتي النساء، وآكل بالنهار، وأنام بالليل، فمن رغب عن سنّتي فليس مني، وأنزل الله: ﴿لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾(المائدة:87-88)".
*دروس من الآداب المعنوية للصلاة، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، آذار 2004م، ص17-24.