المشروع والطموحات
أديان
يزعم اليهود أن إقامة دولة لهم في فلسطين ما هو سوى تنفيذ لوعود الرب بأنه ستكون لبني إسرائيل، ودولتهم هذه التي أوجدوا لها رداءً دينياً يستر مشروعهم السياسي دولة لا حدود لها مرسومة أو معلومة .
عدد الزوار: 246
يزعم اليهود أن
إقامة دولة لهم في فلسطين ما هو سوى تنفيذ لوعود
الرب بأنه ستكون لبني إسرائيل، ودولتهم هذه التي
أوجدوا لها رداءً دينياً يستر مشروعهم السياسي
دولة لا حدود لها مرسومة أو معلومة . وهذا الأمر
لا يظهر فقط في فكرهم الديني والسياسي وأدبياتهم
عامة، وإنما يظهر كذلك في طلب انتسابهم لهيئة
الأمم المتحدة . فكل دولة لها في ملف انتسابها
خارطة وحدود جغرافية إلا دولة " إسرائيل " ، فقد
قبلت عضويتها دون أن تحدد حدودها الجغرافية، وهذا
أمر يؤكد أطماعهم ويبين حقيقة الفكرة التوسعية
لديهم .
ومشروعهم هذا لن يتم ما لم يُسلب من حولهم كل
مقومات القوة، فالتفوق النسبي لا يكفل تحقيق مرامي
الصهيونية ولا يحقق الأمن النهائي لدولة إسرائيل،
لأنه قابل للتغيير . أما العامل الوحيد، الذي يكفل
تحقيق الحلم العنصري اليهودي ويكفل أمنه، فهو
تحويله المنطقة إلى شراذم متصارعة متناحرة طائفياً
وعنصرياً ومناطقياً، فتتحول شعوب المنطقة إلى موقع
الضعف المطلق الذي يقابله القوة المطلقة للكيان
المزعوم .
إنشاء الحكومة
السرية
لقد فكر المجتمع اليهودي في إنشاء نوع من الحكومة
السرية مهمتها إبقاء التكتل العنصري اليهودي
فأنشؤوا " السنهدرين " وهو أول تشكيل تنظيمي عنصري
في أواخر القرنالميلادي الأول، ثم اختفى في
القرون الوسطى، وعاد إلى الظهور بشكل أقل تأثيراً
في فرنسا أيام نابليون ليحل محله " القهيلة " ،
وفي القرن التاسع عشر بدأت أوروبا تشعر بخطر
تنظيمات " القهل" سنة 1844 م مما حدا باليهود إلى
تنظيم الصهيونية بشكلها الأخير .
الحركة الصهيونية
ظهرت الحركة الصهيونية في البداية في أحضان أوروبا،
وعرفت بالصهيونية غير اليهودية، وذلك قبل نشوء
الحركة الصهيونية اليهودية بثلاثة قرون . وقد
استندت أثناء انطلاقتها إلى المفاهيم الدينية
والمزاعم التاريخية والنيات الاستعمارية .
تقاطع المصالح
لم تكن الأطماع التوسعية والرغبة في الاستيلاء على
فلسطين يعني دولة أوروبية شرقية كانت أم غربية دون
غيرها، وذلك بسبب الموقع والمكانة التي تمثلها
فلسطين بالنسبة للمصالح الأجنبية التي تغذيها
المشاعر الدينية . والغزوات الصليبية مثال صارخ
على ذلك .
لقد بات واضحاً أن مصلحة الاستعمار، والبريطاني
منه على وجه الخصوص، هو البحث عن الوسائل الكفيلة
بتفتيت الإمبراطورية العثمانية الموجودة آنذاك
توزيع شعوب المنطقة
وتقسيم أقاليمها على نحو
لا يمكنها من التقاط
أنفاسها واسترجاع وعيها
واستذكار أبهتها وسطوتها،
وإلا فإن المصالح
الاستعمارية ستكون في
معرض الزوال في كل آن .
ولتحقيق ذلك لا بد من زرع
هذا الجسم الغريب في قلب
الأمة الإسلامية ليشكل
حاجزاً يمنع من وحدتها
ويستنزف طاقاتها، ويكون
هذا الجسم مصدراً لكافة
أنواع الأمراض والمفاسد،
كل هذه الأمور ساهمت في
إنشاء الحركة الصهيونية
التي كانت تمهيداً لقيام
دولة " إسرائيل" في أرض
فلسطين
1.
وخطا اليهود خطوة إلى
الأمام في محاولة لتنظيم
صفوفهم كي يتمكنوا من
الوصول إلى أهدافهم . وكي
يشكلوا أداة قائمة فعلاً
تشجع الاستعمار على
توظيفها لتحقيق أغراضه
وهكذا بدأ يتوالى ظهور
المنظمات الصهيونية
والصناديق المالية
الصهيونية إلى أن توّج
ذلك بمحطة رئيسية على
طريق تحقيق الأطماع هي
محطة مؤتمر بازل في
سويسرا الذي انعقد عام
1897 بزعامة ثيودور هرتزل
تحت المقولة التالية :
تهدف الصهيونية إلى إقامة
وطن للشعب اليهودي في
فلسطين تحت حماية القانون
العام .
ويقصدون من القانون العام
ليس مسألة حق، وإنما
انتزاع اعتراف من دول
النفوذ يومها يبيح
للصهاينة ممارسة عدوانهم
ودعمهم مشروعهم
الاستيطاني لتوطين اليهود
في فلسطين وطرد سكانها
منها .
وفي ظل الظروف والمعطيات،
وعشية الحرب العالمية
الأولى، ومع بدء مشروع
السيطرة الأوروبية
المباشرة، صدر وعد بلفور
في2 تشرين الثاني 1917
وزير خارجية بريطانيا
يومها، وقد وجه وعده إلى
رجل المال اليهودي
روتشيلد .
وفي هذا السياق بدأ العمل
على تهيئة مبرر ما
لاستعمار فلسطين من قبل
اليهود، فكان التأكيد على
مفهوم الارتباط التاريخي
بين اليهود وأرض إسرائيل
ضمن التصور الصهيوني،
بالعودة إلى الزمان
القديم 1200 ق .م وهو
التاريخ الافتراضي لقيام
مملكة إسرائيل والاهتمام
الكبير به يهدف إلى إضفاء
الشرعية على الدولة
الحديثة الوطن وهو الذي
يسيطر على الخطاب
التاريخي الذي أنتج مقولة
استملاك الماضي جزء من
سياسة الحاضر وكان
التركيز على محاولة إبراز
عناصر قوة حتى لو كانت
قائمة على فرضيات لتحصنها
من الصعوبات التي تواجهها
في وسط محيط معاد يهدد
إمكانية استمرارها .
ووجدت من بريطانيا خير
معين لها على ذلك، خصوصاً
مع توافق هذه الحركة مع
الذهنية الإنكليزية عموماً،
والتي تدين بالمذهب
البروتستانتي الذي يشكل
أساس الصهيونية المسيحية،
وهو مذهب يدعو إلى إقامة
التوراة والإنجيل معاً،
بما فيها إقامة دولة "
إسرائيل" على أرض فلسطين
تمهيداً لمجيء المسيح
المخلص إلى الأرض في ما
يزعمون . هذه الذهنية
التي أوجدت صهيونية غير
يهودية هي التي جعلت ثمة
قبولاً لمزاعم اليهود عند
قطاع واسع من الأوروبيين
حيث أفهمتهم بأن العهد
الألفي السعيد الألفية
تعتقد بأن ألف سنة تبدأ
بعودة المسيح المنتظر يعم
فيها السلام والعدل لن
يبدأ إلا بعد تجميع
اليهود في فلسطين
وتنصيرهم .
الهجرة اليهودية إلى
فلسطين
وعلى المستوى الميداني فقد أسرع اليهود إلى
جمع الأموال لمساعدة الوافدين إلى فلسطين، وإرسال
أكبر عدد منهم انتهازاً لهذه الفرصة الثمينة التي
قد لا تتاح لهم
مرة أخرى . وأدركت
بريطانيا من جهتها أن
هجرة اليهود إلى فلسطين
تشكل ركن الزاوية في
إنشاء خلل ديموغرافي في
المنطقة التي لازالت تقض
مضاجعهم، ومن جهة ثالثة،
فإن شعوب أوروبا عموماً،
والذين ضاقوا ذرعاً بفتن
اليهود وأحقادهم، ربما
يجدون في هجرتهم عنهم
بداية خلاص لهم من كل
ممارسات اليهود الشائنة،
ولو كان ذلك على حساب
مشاعر أهل الأرض السكان
الأصليين وراحتهم
واستقرارهم . ونشطت
الهجرة اليهودية مدعمة
بالمعونات المادية
والغطاء الاستعماري الذي
تعامى عن مجازرهم وآثامهم
التي اقترفوها بحق أصحاب
الأرض، بل أمدوهم بالسلاح
والعتاد في وجه الشعب
الأعزل والغافل عما يحاك
له في الخفاء نتيجة غياب
القيادات الواعية
والمخلصة في المنطقة بوجه
عام .
وفي تلك الأجواء كان
اليهود يمارسون من خلال
منظمتهم الصهيونية وقبلها
الإرهاب على اليهود حيثما
وجدوا ليدفعوهم إلى ترك
أوطانهم الأصلية والوفود
إلى فلسطين، وأبرز مظاهر
هذا النوع من الإرهاب
وأهمه الذي كشف عنه
المؤرخ الإسرائيلي توم
سيغف في كتابه تحت حماية
الغستابو مبيناً تواطؤ
الحركة الصهيونية مع
الحركة النازية لتهجير
اليهود إلى فلسطين
2.
العنصرية بين اليهود
كما اتضح في ما سبق، فإن اليهودية ليست ديناً خاصاً
ببني إسرائيل، بل دخل العديد من الشعوب الآسيوية
والأوروبية والإفريقية في هذه الديانة عبر القرون،
وهي شعوب متباعدة في عاداتها وثقافتها . . . وهذا
الواقع قد جعل من المستحيل القول بإمكانية إنشاء
قومية واحدة بين هذه الشعوب المتباينة .
ويقسم بعض الباحثين اليهود إلى ثلاثة أقسام رئيسية
:
1 ـ الاشكنازيون : هم اليهود الذين ينتسبون
إلى العنصر الألماني، وقد حافظوا
على لغتهم الأصلية اليديش
وهي اللغة الألمانية
القديمة، ثم انحرفت عنها
عبر إدخال مفردات عبرية
وغيرها إليها .
2ـ السفارديون :
هم اليهود المهاجرون إلى
شبه جزيرة ايبيرية بعد
الفتح الإسلامي لها عام
711 م، وكانوا يتكلمون في
إسبانيا اللغة العربية
حتى القرن الثالث عشر، ثم
انتقلوا إلى اللغة
الاسبانية قبل أن يطردوا
من اسبانيا حيث تفرقوا في
جنوب أوروبا وأفريقيا.
3ـ الشرقيون : هم
الذين انتشروا في بلاد
الشرق بعد السبي والطرد
والتشريد، وكانوا يتكلمون
لغات البلاد التي نزحوا
إليها مع احتفاظهم باللغة
الآرامية في ما بينهم .
ثم تطور هذا التقسيم
فأصبح الاشكناز يطلق على
الذين كانوا يعيشون في
الغرب في بلدان أوروبا
وأميركا، والسفارديون هم
الذين كانوا يعيشون في
بلدان الشرق الأوسط وشمال
أفريقيا .
مشكلة اليهود الشرقيين
كان اليهود الشرقيون يترفعون عن الغربيين، فلا
يخالطونهم ولا يشاركونهم في معابدهم ولا يزوجون
بناتهم منهم، نتيجة ما يرونه في أنفسهم من عراقة
النسب ورقي المستوى الثقافي، وحالة الانفتاح
النسبي على مجتمعاتهم التي عاشوا فيها، خلافاً
للغربيين .
وقد انعكست هذه الحالة بعد تأسيس الكيان
الإسرائيلي في فلسطين، حيث تأسست الحركة الصهيونية
من اليهود الغربيين، كما تشكلت الدولة المزعومة
على أيديهم، فبعد نقل اليهود الشرقيين إلى داخل
فلسطين أدرك هؤلاء أنهم ضحايا التمييز العنصري
داخل هذا الكيان الذي يعتبرهم فئة أدنى في الحقوق
والمواطنية من الاشكناز، فكانوا يرزحون تحت نير
الفقر والمشكلات الاجتماعية أكثر من غيرهم، مما أثار في
نفوسهم الكراهية تجاه
اليهود الغربيين .
مشكلة اليهود السود
عرف اليهود السود باسم الفلاشا وهم طائفة حبشية
اعتنقت الديانة اليهودية واعتزلت الناس وتمركزت في
أعلى وأوعر جبال " الحبشة جبال سليمان " . ولما
كان القانون الإسرائيلي يمنح كل يهودي في العالم
حق الهجرة إلى فلسطين، فقد هاجر قسم منهم اختياراً
عبر اتفاقية تمت بين حكومتهم والكيان الصهيوني .
ولكن سرعان ما انفجرت روح العنصرية ضدهم، وأخذت
علاقاتهم باليهود البيض تسوء كثيراً، ونتيجة الخوف
من تزايد عدد اليهود السود قامت حكومة الكيان
بإصدار قرارات بطرد بعضهم من فلسطين ومنع مجموعات
أخرى منهم من الهجرة إليها، وقد عبّر بعضهم عن هذا
الأمر بقوله " يؤلمني مصير هؤلاء السود . . .
ويؤلمني بشكل أشد العنصرية التي أخذت تنمو في
أوساطنا والتي من شأنها أن تشوّه شكل دولتنا
وطابعها " .
مصير هذا المجتمع
وهكذا يظهر أن المجتمع الإسرائيلي مملوء
بالتناقضات، ويحمل في طياته بذور زواله، ﴿تَحْسَبُهُمْ
جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىَ﴾3،
وإذا أضفنا إلى ذلك المسألة الأساسية أي مشكلة عدم
تنازل المسلمين والفلسطينيين عن هذه الأرض المقدسة،
يتبين أن هذا الكيان المصطنع آيل إلى الزوال لا
محالة، وأن بقاءه المؤقت مرتبط بقوة الاستعمار
وضعف وغفلة الشعوب المسلمة، وهذا ما لا يمكن بقاؤه
طويلاً، ﴿فَإِذَا
جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءوا وُجُوهَكُمْ
وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ
أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا
تَتْبِيراً﴾
4.
وقد بدأت آذاننا تسمع صوت
تحطم عظام هذا الكيان
الغاصب على أعتاب جبل
عامل بعد تحرير الأرض
وهزيمة الصهاينة وكسر
هيبة جيشهم . . .
*دروس في الأديان, سلسلة المعارف الإسلامية ,
نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- كما كانت لبريطانيا
عبر تاريخها الأسود الطويل، أطماع في فلسطين والمنطقة كذلك كانت لفرنسا أطماع
مشابهة، ابتداء من عهد نابليون الذي ناشد اليهود عام 1799م لمساعدته في استعادة
القدس والعودة إلى أرض الأجداد مروراً بعهد ديغول الذي اعتبر قيام إسرائيل ضرورة
تاريخية وصولاً إلى التعاون الذي ظهر في العام 1953 باتفاقية تقضي تزويد فرنسا
للكيان الصهيوني بمجموعة من علماء الذرة والتي استكملتها في العام 1957 باتفاقية
سرية أنجز من خلالها مفاعل ديمونا النووي .
2- محمد السماك : الإرهاب والعنف السياسي، ص86.
3- الحشر : من الآية: 14
4- الإسراء : من الآية7 .