العقيدة المسيحية
أديان
إن كلمة المسيح تعني في الأصل ـ بحسب استعمالاتها في العهد القديم ـ الممسوح بالدهن أو بالزيت لخدمة الله تعالى .
عدد الزوار: 362
من هو
المسيح؟
إن كلمة المسيح تعني في الأصل ـ بحسب استعمالاتها
في العهد القديم ـ الممسوح بالدهن أو بالزيت لخدمة
الله تعالى .
ويرجع أصلها إلى أن يعقوب كان قد وضع حجراً تحت
رأسه، وأقامه عموداً، ومسحه للرب، ثم تطورت شيئاً
فشيئاً إلى مسح الناس في خيمة الاجتماع، أو في
أيام الأفراح والأعياد بدهن مقدس، وكانوا يمسحون
الكهنة والملوك والأنبياء . فيقال لكل من الملك
والنبي والكاهن إنه المسيح .
وقد ورد أن مسيح الرب هو داود
1، وداود عند اليهود والنصارى من الملوك
وليس من الأنبياء . وورد : ولبني هارون تصنع أقمصة
وتصنع لهم مناطق وتصنع لهم قلانس للمجد والبهاء،
وتلبس هارون أخاك وبنيه معه، وتمسحهم وتملأ
أياديهم وتقدسهم ليكهنوا لي
2. كما أمر الرب إيليا ان يمسح ياهو بن
غشي ملكا على إسرائيل، واليشع بن شافاط نبيا عوضاً
عنه
3.
فلا بد لتعيين المراد من
لفظ المسيح من ملاحظة
القرائن العامة والخاصة
لمعرفة أي معنى من
المعاني هو المراد .
المسيح في العهد
الجديد
لم يتصرف العهد الجديد في مصطلح المسيح الوارد
في العهد القديم، بل أبقى دلالته على المعاني
الثلاثة واستعمله فيها، ولكنه حاول تطبيقها على
شخص السيد المسيح عليه السلام :
فقد عبر عنه بأنه نبي في مختلف المناسبات، وكان
آخرها على لسان تلاميذه حيث قالوا بأن يسوع
الناصري كان مقتدراً في العمل والقول عند الله
والشعب كله . . .4
وافتتح متى إنجيله بقوله عند ولادة المسيح بأنه قد
جاء وفد من المجوس من المشرق إلى أورشليم وسألوا
اين يولد ملك اليهود . كما اتفق الإنجيليون
الأربعة على أن محور محاكمته ووشاية اليهود به هو
ادعاؤه أنه ملك اليهود .
وفي رسائل بولس أن المسيح كان كاهناً على رتبة
ملكي صادق، وأنه أعظم الكهنة .
ومما يكشف عن محاولة التطبيق هذه ـ رغم أنه لا
يمكن اجتماع المعاني الثلاثة في شخص واحد، طبقاً
لتشريعات التوراة ـ أن يوحنا قد ذكر في إنجيله أنه
كتبه ليؤمن الناس أن يسوع هو المسيح
5، كما سأل تلاميذه ذات مرة أنه بنظرهم من
يكون فأجاب بطرس بأنه المسيح .
لاهوت المسيح
منذ أواخر القرن الثاني للميلاد وبداية القرن
الثالث، عندما تنصّر ترتليان ـ وقد كان وثنياً قبل
ذلك ـ وابتدع فكرة الأسرار الالهية الثلاثة : سر
التجسد، وسر الثالوث، وسر الفداء، أخذت تتبلور
العقائد المسيحية اللاهوتية بشكل رسمي، واختص
ترتليان
بلقب أبو اللاهوت المسيحي،
وأخذت عبارة الآباء لقد
صار ابن الإله إنساناً
ليستطيع الإنسان أن يصير
إلهاً تتردد على ألسنتهم
حتى الآن .
تجسد الإله
لقد كانت الكنيسة الأولى ترفض كل الآلهة الأرضية،
بل الله تعالى هو الإله الوحيد، وهو إله الآباء
الأولين وإله يسوع المسيح، وكان ذلك متطابقاً مع
ما ورد في العهد القديم :
ـ أنا الأول والآخر ولا إله غيري
6.
ـ إني أنا هو لم يكن إله قبلي ولا يكون إله بعدي
7.
ـ الله ليس إنسانا
8.
ـ وهو يرى كل شيء ولا يراه أحد
9.
وقد ختم المسيح هذه الدعوة في آخر حياته معهم، حيث
يقول مخاطباً الله تعالى : وهذه هي الحياة الأبدية
أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك
10.
وقال لمريم المجدلية ـ بعد حادثة الصلب ـ ولكن
اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني اصعد إلى أبي
وأبيكم والهي وإلهكم . فجاءت مريم المجدلية وأخبرت
التلاميذ أنها رأت الرب وأنه قال لها هذا
11.
وقد بدأت الخلافات بين المسيحيين تظهر بعد ارتفاعه
مباشرة، رغم ان التلاميذ لم يحيدوا عن الطريق التي
رسمها لهم، وتطورت هذه الخلافات بعد دخول الوثنيين
في الديانة الجديدة، فتشكلت الفرق والمذاهب بتأثير
من التيارات الفكرية
المتناقضة، وبرزت رؤيتان
متباينتان حول شخص السيد
المسيح :
الأولى : تقول إنه
إنسان اصطفاه الله تعالى
بالرسالة والنبوة، وهو ما
كان يعلمه التلاميذ،
ويمكن استكشافه من
الأناجيل الأربعة، بل ومن
رسائل بولس أيضاً .
الثانية : تقول
بأنه إله ظهر بصورة إنسان،
وأن جسده كان خيالياً،
ولم يكن جسداً حقيقياً،
وهذه النظرة هي التي كانت
تتبناها المذاهب المتأثرة
بالغنوص اليوناني .
وشيئاً فشيئاً تكونت
الفكرة الثالثة القائلة
بأنه إله كامل وإنسان
كامل، أي انه شخص واحد ذو
طبيعتين إلهية وبشرية،
وهذه الفكرة هي التي
تبنتها الكنيسة عموماً
بعد مؤتمر نيقيا، ولعل
هذا ما يفسر غياب
التلاميذ عن مسرح الأحداث
بالمرة، حتى نرى الآباء
يصرحون بأنهم لم يؤمنوا
بألوهية المسيح ـ أي
بالعقائد الكنسية ـ إلا
بعد رحيله بزمن، رغم
تصريح المسيح بأنهم أعطوا
مفاتيح السماوات، وأمره
لهم بأن يذهبوا ويعظوا
بين الأمم، وغير ذلك مما
يدل على علو مقامهم وصدق
إيمانهم وإخلاصهم له .
وقد قررت الكنيسة أن
المسيح إله كامل وإنسان
كامل، لأنه إن كان إلهاً
فقط وكانت إنسانيته مجرد
وهم وخيال فلا يمكن أن
يدخل الإله إلى حياة
البشر ليقدسها ويخلصها،
وان كان إنسانا فقط فلا
يمكن للإنسان أن يرقى إلى
الحياة الإلهية، ولو كانت
الطبيعة الإلهية فيه
منفصلة عن طبيعته
الإنسانية فلا يمكن
للإنسانية أن تتأله .
وبهذا أجابت الكنيسة على
المذهبين المتقدمين .
مسألة الثالوث
تقدم ان مبتدع عقيدة التثليث هو ترتليان،
القادم من الوثنية إلى المسيحية، في أواخر القرن
الثاني، غير أن هذه العقيدة لم تظهر بصورتها
النهائية في ذلك الحين، بل ترافقت مع ردات
فعل عنيفة، هزت أركان
الكنيسة من الداخل،
واستمر الصراع يظهر تارة
ويخبو أخرى، حتى كانت
حركة آريوس أسقف
الإسكندرية، الذي دعا الى
بشرية السيد المسيح، مما
أدى إلى انعقاد مجمع
نيقيا سنة325 ، ثم اتبع
بمجمع إنطاكية سنة 341
حيث أعلنت ألوهية المسيح
بشكل نهائي، ولكنها أبقت
على أن جوهره مغاير لجوهر
الله تعالى .
وهذا ما تبنته الكنيسة
الكاثوليكية والإنجيلية
حيث أعلنتا أن الأقانيم
الثلاثة ـ الأب والابن
والروح القدس ـ متغايرة
في جوهرها، ولكنها تشكل
بمجموعها الإله الواحد
الكامل .
وأما الكنيسة الأرثوذكسية
فذهبت إلى أنه لا تغاير
بين هذه الأقانيم في
الحقيقة والذات، وإنما
التغاير مقتصر على
المرحلة التي تلبست فيها
الألوهية، فالإله قبل
التجسد هو الأب، وهو نفسه
بعد التجسد أي بعد حلوله
في الجسد الآدمي هو الابن،
وبعد صلبه وقيامته هو
الروح القدس .
صلب المسيح والفداء
تمثل عقيدة الفداء النقطة المركزية التي تدور
حولها رحى الديانة المسيحية، حيث يعتقد المسيحيون
أن الإنسان لا يمكن ان يتبرر من البر إلا بوجود
فداء يفديه عن الخطيئة الأصلية التي حصلت لآدم
وحواء في بدء الخليقة، ولهذا لا بد أن يكون الفداء
على قدر الإنسانية كلها، لهذا كان مجيء المسيح
وصلبه ليفدي خطيئة العالم، أي أنه قتل ومات كفارة
عن خطايا الإنسانية وذنوبها " لأنه هكذا أحب الله
العالم حتى بذل ابنه الوحيد . . .".
فلا يحتاج الإنسان إلى الأعمال التي تقربه من الله
تعالى، ولا إلى فعل الخيرات، وإنما الذي يكفيه
ويبرره يجعله برا هو الإيمان بألوهية المسيح وصلبه
وموته كفارة عنه، فينجو
ويدخل ملكوت السماوات من
" آمن به لا يدان ومن لا
يؤمن به قد دين" ..
وقد اختلفوا في بداية عصر
الرسل الى طوائف : طائفة
قالت بأنه لم يصلب وانما
شبه لهم، وأخرى ذهبت إلى
أنه قد انفصل ناسوته عن
لاهوته وصلب ناسوت المسيح
أي الجانب البشري من يسوع،
وأما لاهوته أي الجانب
الالهي منه فقد ارتفع قبل
صلبه، وثالثة قالت بأنه
قد صلب ومات وقام من
الأموات بكلّيته، ويبدو
أن المؤسس لهذه الفكرة هو
بولس الرسول إن كان
بالناموس بر فالمسيح إذن
مات بلا سبب . والمسيح
صار لعنة لأجلنا لأنه
مكتوب ملعون من علق على
خشبة . وهذه العقيدة هي
التي بقيت واستمرت في ما
بين المسيحيين .
مستند عقيدة الصلب
لقد ذكر كتّاب العهد الجديد عدداً من النبوءات ـ
على لسان السيد المسيح نفسه ـ تتحدث عن هذه
الواقعة، مستدلين بها على صلب المسيح أهمها آية
يونان النبي، وقد ذكرها الإنجيليون الأربعة، وهي
بحسب متى :" حينئذ أجاب قوم من الكتبة والفريسيين
قائلين يا معلم نريد ان نرى منك آية، فأجاب وقال
لهم : جيل فاسق وشرير يطلب آية ولا تعطى له إلا
آية يونان النبي، لأنه كما كان يونان في بطن الحوت
ثلاثة أيام وثلاث ليال هكذا، يكون ابن الانسان في
بطن الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال" ..12
إلا أن ما حدث في الخارج لا ينسجم مع هذه النبوءة،
حيث ذكر الإنجيليون أن المصلوب قد صلب مساء الجمعة،
وذهبوا اليه عند فجر الأحد، فالمجموع يوم واحد
وليلتان، إذا كانت الجثة قد اختفت لحظة مجيئهم
اليه، مع أنه يحتمل ان يكون قبل ذلك .
والإنجيليون ذكروا أيضا أن تلاميذ المسيح أنفسهم
لم يكونوا يعرفون أنه سيموت ويقوم من بين الأموات،
فلما جاءت المخبرة إليهم، وقالت بأنها رأته بعد
قيامته، تراءى لهم كلامها كالهذيان ولم يصدقوها.
*دروس في الأديان, سلسلة المعارف الإسلامية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- قاموس الكتاب المقدس،
ص859.
2- سفر الخروج، 38-41.
3- سفر الملوك الأول، 19-15-16.
4- إنجيل لوقا، 24-13-19.
5- إنجيل يوحنا،20-31.
6- سفر اشعياء، 24-10
7- اشعياء، 43-10.
8- العدد، 23-19.
9- اشعياء،5-6.
10- إنجيل يوحنا،17-3.
11- يوحنا، 20-17-18.
12- إنجيل متى،12-38.