العمل والدراسة
فقه المغترب
إنّ العيش في البلاد الغربية يضع الإنسان المغترب في مواقع لا بد فيها من مسوؤلية كبيرة أمام الله تعالى، فإنه وفي جل تفاصيل حياته...
عدد الزوار: 314
مسؤولية المغترب
إنّ العيش في البلاد الغربية يضع الإنسان المغترب في مواقع لا بد فيها من مسوؤلية
كبيرة أمام الله تعالى، فإنه وفي جل تفاصيل حياته قد يبتلى بالأمور التي فيها
مخالفة لأوامر الله جل وعلا، وهذا مما يوجب عليه الالتفات إلى التفاصيل التي
يمارسها في حياته الاعتيادية هناك لا سيما في العمل الذي يمارسه، ومن هنا فاننا
سنبين ضوابط العمل، وما يجوز منه وما يحرم، إن شاء الله تعالى، ضمن العناوين
التالية:
المغترب في عمله
إنّ الأعمال التي يشتغل بها الإنسان المغترب تارة تكون أعمالا خارج الدولة، كأعمال
التجارات، وأعمال البناء، وغيرها من المهن، وتارة وتكون ضمن الدولة ولكلّ من هذين
النمطين من العمل أحكامه.
العمل ضمن الدولة
إنّ الضابط العمل لكلّ عمل يعمله الإنسان هو حليّة نفس العمل، بغض النظر عن كونه
ضمن الدولة أم خارجه، فالعمل ضمن الدولة جائز أساسا إذا لم يترتب على ذلك العمل
مفسدة، ولم يستلزم فعل محرم . ولا ترك واجب1.
وبناء على هذ، فإنّ حكم جواز العمل ضمن الدولة وفي أجهزتها يدور مدار جواز الوظيفة
في نفسها2.
وقد يتساءل البعض من المغتربين الذين يكون عملهم ضمن دوائر الشرطة ويستلزم منهم
توقيف أو كتابة الغرامات المالية بالذين يخالفون القوانين والأنظمة، كأنظمة المرور
_ مثلا _ فما هو حكم عملهم هذا ؟
والجواب: إنّ مقررات نظام المجتمع _ ولو كانت من دولة غير إسلامية محترمة، وأخذ
الراتب في قبالة عمل حلال لا بأس به3.
العمل خارج الدولة
يجوز للمغترب أن يعمل بأيّ من الأعمال التي أحلّها الشرع المقدس، من أعمال التجارات
والمهن الحرفية وغيره، ولا يجوز الاشتغال بالأمور المحرمة شرعا من قبيل بيع لحم
الخنزير أو الخمر أو إنشاء وإدارة ملاه ليلية، أو مراكز للفساد والفحشاء والقمار
وشرب الخمور وأمثاله، ويحرم التكسب به، ولا تملك الأجرة المأخوذة مقابل ذلك4،
لأنها أموال قد جناها الإنسان من الحرام، وهي بالتالي سحت، لا يجوز استعمالها ولا
حتى الاستحواذ عليها .
أحكام متفرقة:
قد يتحايل البعض على الشرع فيظن أن له التجارة بهذه الأمور، ولكن لا على نحو البيع
والشراء، بل بكيفية يهدي بها البائع الزبون قنينة من الخمر مثلا ويهديه المشتري
ثمنها وهكذا في بقية الأمور بالمحرّمة وهذا غير جائز أيضا .
وقد يتخيل البعض أن الدين المسيحي الحالي، بما أنّه يحلّل شرب الخمر أو أكل لحم
الخنزير فلا بأس حينها ببيع هذه الأمور إلى المسيحيين، ممن يستحلّون هذه البضائع،
والجواب أنه لا يجوز بيع ولا إهداء ما لا يحل أكله أو شربه، إذا كان لغرض الأكل
والشرب، ولو كان ممّن يستحل ذلك5.
ولا مانع من فتح الفندق أو المطعم في البلاد غير الإسلامية ولكن يحرم بيع الخمور
والأغذية المحرمة حتى وان كان المشتري ممن يستحل ذلك، ولا يجوز استلام ثمن الخمر
والغذاء محرّم الأكل ولو كان من نيته دفع الثمن إلى الحاكم الشرعي6.
إحذر البضائع (الإسرائيلية)
إنّ الأسواق الغربية مليئة بالبضائع (الإسرائيلية) فهل يجوز استيراد البضائع
(الإسرائيلية) وترويجها ؟ ولو فرض وقوع ذلك ولو اضطراري، فهل يجوز شراء هذه
البضاعة ؟
والجواب أنه يجب الامتناع عن المعاملات التي تكون لصالح (دويلة إسرائيل)
الغاصبة المعادية للإسلام والمسلمين، ولا يجوز لأحد استيراد وترويج بضائعهم التي
ينتفعون من صنعها وبيعه، ولا يجوز للمسلمين شراء مثل تلك البضائع لما فيه من
المفاسد والمضار على الإسلام والمسلمين7.
ولو كان البلد ممن لم يقرّر المقاطعة لهذا الكيان الغاصب لأرض المسلمين فإنه يجب
على التجار الامتناع من استيراد وترويج البضائع التي تنتفع ( دويلة إسرائيل ) من
صنعها و بيعها8.
يجب على آحاد المسلمين الامتناع من شراء واستعمال البضائع التي يعود نفع إنتاجها
وشرائها إلى الصهاينة المحاربين للأسلام والمسلمين9.
المغترب في دراسته
من الأمور التي يبتلى المغترب بها قضية الدراسة، سواء أكانت دراسته الشخصية أم
دراسة أولاده في المدارس غير الإسلامية، وكذا مسائل الاختلاط الذي يحصل في الجامعات
ودرس بعض الأمور المحرّمة، أو يتعرض خلال دراسته للتمارين التي قد يستلزم بعضها
النظر إلى غير المحارم فما هو الحكم في هذه الأمور؟
التعلّم في الجامعات
إنّ السؤال الأول الذي يطرأ على فكر الطالب بعد أن ينهي دراسته المتوسطة والثانوية،
هو: أي الاختصاصات العلمية هو الأفضل والمناسب له ؟
والجواب على هذا السؤال ليس بالأمر الهين إلا إذا علم الطالب المؤمن أن دراسته في
أي اختصاص كان، لا بد وأن تخدم مبادئه وخط الإسلام وحينئذ تصير القاعدة لديه: أن كل
الاختصاصات العلمية المفيدة والتي يحتاجها المسلمون مما ينبغي أن يهتم بها العلماء
والأساتذة والطلبة الجامعيون ليستغنوا بذلك عن الأجانب، لا سيما من المعادين
للإسلام والمسلمين10.
الجامعات والاختلاط
ثمّ بعد ا، يلتحق الطالب بالجامعة، فإنّ المشكلة الأخرى التي سوف تعترضه وتفرض
نفسها عليه، هي مشكلة الاختلاط بين الشّبان والشّابات، فما حكم هذا الاختلاط الذي
تفرضه ضرورة التعلم في مدارس لا تراعي هذه المسألة ؟
والحكم الشرعي في هذا الأمر أنه لا مانع من دخول المراكز التعليمية للتعليم
والتعلّم ولكن يجب على النساء والبنات حفظ الحجاب، وعلى الرجال الامتناع عن النظر
إلى ما لا يجوز لهم النظر إليه وعن الاختلاط الموجب لخوف الفتنة والفساد11.
أما لوكان الاجتماع بين المرأة والرجل مع مراعاة الحجاب ( من المسلمة ) وبلا قصد
الريبة ( من المؤمن والمؤمنة )، ومأمونا عن المفاسد فلا بأس به وإلا فلا يجوز12.
تعلم الأمور المحرمة
وأما المشكلة التالية التي تعترض الطالب فهي تعلم الأمور المحرمة كمسائل الربا
في المعاملات المصرفية وحساب القروض الربوية، فهل يجوز تعلم مثل هذه المسائل ؟
والجواب أن مجرد تدريس ودراسة كيفية الاستثمار بالقرض الربوي ليس حراما13.
ولكن لا ينبغي أن ينسى الإنسان المؤمن أن الربا من المحرمات الشرعية وأن مال الربا
هو مال السحت فليحذر كل الحذر أن لا يقع فريسة للشيطان الذي يتربص بالإنسان الدوائر
كي يوقعه في معصية الله تعالى .
وأما المشكلة الأخرى التي قد تعترض الطالب أيضا في الدراسة فهي مشكلة التدرب في
الطب. والتي غالبا ما تحتوي على مسألتي النظر واللمس لغير المحارم، ولا سيما في
تخصيص الجراحة أو التشريج، بل النظر إلى العورة أحيانا لضرورات قد يصل بعضها إلى
مرحلة عدم نيل الشهادة القانونية وعدم الكفاءة في ممارسة الطب، ففي هذه الحالات
يجوز اللمس أو النظر في موارد الضرورة حتى في فحص الأعضاء التناسلية والمناط الكلي
هو الحاجة إلى التدرب ودراسة علم الطب لأجل إنقاذ حياة الإنسان ويجب الاقتصار على
مقدار الضرورة في ذلك14.
تعلم الأولاد في المدارس الغربية
ورد في الحديث عن الإمام علي عليه السلام وفي وصيته للإمام الحسن عليه السلام _ على
ما هو منقول في نهج البلاغة: "إنما قلب الحدث كالأرض الخالية، ما ألقي فيها من شيء
قبلته"15.
إن هذه الأرض الخالية في قلب الولد المقبل على مرحلة التكليف، من السهل جدا أن
تمتلى بالأفكار الغريبة عن قيمه ومبادئه وأخلاق مجتمعه الأصلي المحافظ، فمن الطبيعي
أن يحسب المغترب ألف حساب للمدرسة التي سوف يتعلم فيها ولده الدروس التي قد تحتوي
على الغث والسمين من الأفكار والمفاهيم .
ولذا فإن حكم إدخال الأولاد إلى المدارس الغربية جائز بشرط وهي:
1- إذا لم يكن فيه خوف على عقائدهم الدينية .
2- ولم يكن فيه ترويج للباطل .
3- وأمكنهم التجنب عن دراسة المطالب الباطلة الفاسدة المضلة16.
ولكن هذه الشروط صعبة التحقق في الغالب، ولذا فإن على المغتربين المؤمنين أن يسعوا
جاهدين لتأسيس مدارس خاصة بهم حتى لا يصل بنا الأمر إلى أن نرى جيلا لا يعرف من
عاداتنا وتاريخنا وثقافتنا شيئ، وبإنشاء هذه المدارس يمكن الحفاظ على هذا الجيل
الفاعل، ألا وهو جيل الشباب، لأنه الجيل الذي سيكمل مسيرة الإيمان وعليه تعقد
الآمال الكبيرة .
* فقه المغترب، سلسلة الفقه الموضوعي، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- أجوبة
بالاستفتاءات السيد علي الخامنئي ج 2 ص 98
2- أجوبة الاستفتاءات السيد علي الخامنئي ج 2 ص 98
3- أجوبة الاستفتاءات السيد علي الخامنئي ج 2 ص 98
4- أجوبة الاستفتاءات السيد علي الخامنئي ج2 ص 7
5- أجوبة الاستفتاءات السيد علي الخامنئي ج2 ص7
6- أجوبة الاستفتاءات السيد علي الخامنئي ج2 ص8
7- أجوبة الاستفتاءات السيد علي الخامنئي ج2 ص95
8- أجوبة الاستفتاءات السيد علي الخامنئي ج2 ص95
9- أجوبة الاستفتاءات السيد علي الخامنئي ج2 ص95
10- أجوبة الاستفتاءات السيد علي الخامنئي ج2 ص85
11- أجوبة الاستفتاءات السيد علي الخامنئي ج2 ص84
12- أجوبة الاستفتاءات السيد علي الخامنئي ج2 ص85
13- أجوبة الاستفتاءات السيد علي الخامنئي ج2 ص83
14- أجوبة الاستفتاءات السيد علي الخامنئي ج2 ص88
15- بحار الأنوار العلامة المجلسي ج1 ص223
16- أجوبة الاستفتاءات السيد علي الخامنئي ج2 ص86