لا تستخف بالصلاة
العلاقة مع الله
في الحديث: ليس منّا من استخفّ بصلاته. أ- في ظلال الحديث: إن الصلاة عمود الدين وخير موضوع وحصن من سطوات الشيطان وميزان الإيمان ورأس الإسلام، ومرضاة الرب ومنهاج الأنبياء، وسبب الرحمة وقرة عين النبي صلى الله عليه وآله وقربان كل تقي ومعراج المؤمن وغير ذلك مما جاء في الأخبار الشريفة.
عدد الزوار: 111
في الحديث:"ليس منّا من استخفّ بصلاته"1.
أ- في ظلال الحديث
إن الصلاة عمود الدين وخير موضوع وحصن من سطوات الشيطان وميزان الإيمان ورأس الإسلام، ومرضاة الرب ومنهاج الأنبياء، وسبب الرحمة وقرة عين النبي صلى الله عليه وآله وقربان كل تقي ومعراج المؤمن وغير ذلك مما جاء في الأخبار الشريفة.
فلما كانت بهذه الأهمية والمكانة كان من الواجب الحفاظ عليها وعدم تضييعها والتهاون والاستخفاف بشأنها وقد حذّر الإسلام تحذيراً شديداً من ذلك كما بيّن الحديث المتقدم وغيره، جاء عن الباقر عليه السلام: "لا تتهاون بصلاتك فإن النبي صلى الله عليه وآله قال عند موته: ليس مني من استخف بصلاته"2، وزاد في حديث آخر: "لا يرد عليّ الحوض لا واللَّه"3.
ونجد أئمتنا صلوات اللَّه عليهم يؤكدون على قبح هذا الأمر، مع الأنفاس القدسية الأخيرة في أعمارهم الشريفة وما ذلك إلا لاعتباره آفة عظمى لا يمكن التغاضي عنها، بل الحث على التخلص منها هو من أولويات المهام الدينية وأكبرها.
يقول أبو بصير: دخلت على حميدة أعزّيها بأبي عبد اللَّه عليه السلام فبكت ثم قالت: يا أبا محمد لو شهدته حين حضره الموت وقد قبض إحدى عينيه ثم قال: ادعوا لي قرابتي ومن لطف لي، فلما اجتمعوا حوله قال عليه السلام: "إن شفاعتنا لن تنال مستخفاً بالصلاة"4.
ب- صلاة غير مقبولة
اتضح مما سبق أن الاتباع الحقيقيين لآل البيت عليهم السلام هم المحافظون على صلواتهم وليسوا أولئك الذين يتهاونون بها، ومن باب أولى ليسوا الذين يضيعون الصلاة، والفرق بين الاستخفاف والتضييع أن الاستخفاف يتحقق بتأخير الصلاة عن أول وقتها من دون انشغال بحاجة أو ضرورة حياتية أو علمية أو غير ذلك بمعنى أنه لا يشغله شيء عن المسارعة والمبادرة إلى أداء الصلاة في أول الوقت سوى أنه لا يعيرها أهمية ويؤخّرها بدون داعٍ شرعي أو عقلي إلى آخر الوقت لكن يصليها بعنوانها الأدائي لا القضائي، وأما التضييع فيتحقق أن يؤخر الصلاة إلى أن يخرج وقتها الطبيعي دون أن يؤديها وهذا أعظم جرماً وأقبح وجهاً من الاستخفاف وإن كان كلاهما قبيحاً ومذموماً في الشرع المقدس.
وبعد أن عرفنا أن المستخف بصلاته يبوء بالحرمان من شفاعة الأئمة عليهم السلام ويا لها من عاقبة وخيمة، نضيف هنا ما روي عن مولانا الصادق عليه السلام من كون صلاته غير مقبولة وإنما تردّ إليه ولا ترفع يقول عليه السلام: "واللَّه إنه ليأتي على الرجل خمسون سنة وما قبل اللَّه منه صلاة واحدة، فأي شيء أشدّ من هذا؟ واللَّه إنكم لتعرفون من جيرانكم وأصحابكم من لو كان يصلي لبعضكم ما قبلها منه لاستخفافه بها، إن اللَّه لا يقبل إلا الحسن فكيف يقبل ما يستخف به"؟!5.
ج- صلاة التكاسل
ربما يستيقظ الإنسان لأداء فريضة الصبح استيقاظاً ظاهرياً وشكلياً، ويؤديها غير عارف بما قرأ وكيف وأين، وقد يشك فيما بعد أنه أدّاها أو لم يؤدها بحيث تختلط عليه الأيام والظروف والواقع، لأنه صلى مع الغفلة والتثاقل وربما حالة نومه لكن نوم الباطن ويقظة الظاهر، وبالإمكان أن نقول إن ذلك من آثار النعاس الغالب عليه الذي أفقده معرفة ما يقول، فأي صلاة هذه وهو واقف بين يدي الجبّار سبحانه وتعالى؟!
يقول عزّ من قائل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ﴾(النساء:43).
وفي تفسيرها قال الباقر عليه السلام: "لا تقم إلى الصلاة متكاسلاً ولا متناعساً ولا متثاقلاً فإنها من خلل النفاق وإن اللَّه نهى المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى يعني من النوم"6.
وفي حديث آخر: سألته عن قول اللَّه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى..) قال عليه السلام: "... يعني سكر النوم، يقول: وبكم نعاس يمنعكم أن تعلموا ما تقولون في ركوعكم وسجودكم وتكبيركم، ليس كما يصف كثير من الناس يزعمون أن المؤمنين يسكرون من الشراب والمؤمن لا يشرب مسكراً ولا يسكر"7. فإنه عليه السلام يعترض على تفسير الآية بالمسكر الخمري لأن اللَّه تعالى ابتدأها مخاطباً المؤمنين.
وفي حديث المعراج: "يا أحمد! عجبت من ثلاثة عبيد: عبد دخل في الصلاة وهو يعلم إلى من يرفع يديه وقدّام من هو، وهو ينعس"8.
د- هكذا تقام الصلاة
ينبغي لمن أراد أن تُرفع صلاته بالشكل اللائق أن يراعي عدة أمور منها:
1- الخشوع
يقول النبي صلى الله عليه وآله: "لا صلاة لمن لا يتخشّع في صلاته"9.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "يا كميل! ليس الشأن أن تصلّي وتصوم وتتصدق، إنما الشأن أن تكون الصلاة فعلت بقلب نقيّ، وعمل عند اللَّه مرضيّ، وخشوع سويّ"10.
2- حضور القلب
عنه صلى الله عليه وآله: "لا يقبل اللَّه صلاة عبد لا يحضر قلبه مع بدنه"11، والخشوع متوقف على الحضور.
3- التدبّر
في الحديث: "صلاة ركعتين بتدبر خير من قيام ليلة والقلب ساهٍ"12.
4- أول الوقت
عن الصادق عليه السلام: "فضل الوقت الأول على الأخير كفضل الآخرة على الدنيا"13، وهناك أمور أخرى يمكن الرجوع إليها في مصادرها.
هـ- حق الصلاة
في رسالة الحقوق لمولانا زين العابدين عليه السلام: "وحق الصلاة أن تعلم أنها وفادة إلى اللَّه عزّ وجلّ، وإنك فيها قائم بين يدي اللَّه عزّ وجلّ، فإذا علمت ذلك قمت مقام الذليل الحقير الراغب الراهب، الراجي الخائف المستكين المتضرع، والمعظم لمن كان بين يديه بالسكون والوقار، وتقبل عليها بقلبك وتقيمها بحدودها وحقوقها"14.
و- جزاء التهاون بالصلاة
عن السيدة الزهراء عليها السلام أنَّها سألت أباها صلى الله عليه وآله فقالت: يا أبتاه ما لمن تهاون بصلاته من الرجال والنساء؟
قال صلى الله عليه وآله: "يا فاطمة: من تهاون بصلاته من الرجال والنساء ابتلاه اللَّه بخمس عشرة خصلة، ست منها في دار الدُّنيا، وثلاث عند موته، وثلاث في قبره، وثلاث في القيامة إذا خرج من قبره.
فأما اللواتي تصيبه في دار الدُّنيا: فالأولى: يرفع اللَّه البركة من عمره، ويرفع اللَّه البركة من رزقه، ويمحو اللَّه عزَّ وجلَّ سيماء الصالحين من وجهه، وكل عمل يعمله لا يؤجر عليه، ولا يرفع دعاؤه إلى السماء، والسادسة ليس له حظ في دعاء الصالحين.
وأما اللواتي تصيبه عند موته فأولاهن: أنه يموت ذليلاً والثانية: يموت جائعاً، والثالثة: يموت عطشاناً، فلو سقي من أنهار الدُّنيا لم يرو عطشه.
وأما اللواتي تصيبه في قبره فأولاهن: يوكل اللَّه به ملكاً يزعجه في قبره، والثانية: يضيِّق عليه قبره، والثالثة: تكون الظلمة في قبره.
وأما اللواتي تصيبه يوم القيامة إذا خرج من قبره فأولاهن: أنه يوكل اللَّه به ملكاً يسحبه على وجهه والخلائق ينظرون إليه، والثانية: يحاسبُ حساباً شديداً، والثالثة: لا ينظر اللَّه إليه ولا يزكِّيه وله عذاب أليم"15.
قصة للعبرة
عبادة علي عليه السلام
دخل ضرار بن ضمرة على معاوية بعد قتل أمير المؤمنين عليه السلام فقال معاوية: صف لي علياً؟ فقال: أعفني فقال: أقسمت عليك لتصفنه.
قال: "أما إذا كان ولا بد فإنه كان واللَّه بعيد المدى شديد القوى يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، يتفجر العلم من جوانبه، وتنفلق الحكمة من لسانه، يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل ووحشته وكان غزير الدمعة طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما خشن ومن الطعام ما جشب كان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ويأتينا إذا دعوناه ونحن واللَّه مع تقريبه لنا وقربه منا وقربنا منه لا نكاد نكلمه هيبة له.
يعظّم أهل الدين ويقرّب المساكين، لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله.
وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين يقول: "يا دنيا غري غيري أبي تعرضت أم إليّ تشوّقت؟ هيهات هيهات قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك فعمرك قصير، وخطرك كبير، وعيشك حقير آه آه من قلّة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق...".
فبكى معاوية وقال: رحم اللَّه أبا الحسن، قد كان واللَّه كذلك فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ فقال: حزن من ذبح ولدها في حجرها، فهي لا يرقى دمعها ولا يخفى فجعها، (الأنوار العلوية "النقدي").
* صفات الموالين, إعداد ونشر جمعية المعارف الثقافيه, ط1, محرم 1424هـ, ص 16-23.
1- الحدائق الناضرة، ج1، ص84.
2- الكافي، ج3، ص369.
3- علل الشرائع، ج2، ص356.
4- البحار، ج82، ص235.
5- الوسائل، ج4، ص24، حديث 2.
6- تفسير العياشي، ج1، ص242.
7- م.ن.
8- ميزان الحكمة، حديث 10677
9- م.ن. حديث 10595.
10- بشارة المصطفى، ص28.
11- المحاسن، ج1، ص406.
12- البحار، ج84، ص259.
13- ثواب الأعمال، ج1، ص58.
14- رسالة الحقوق: حق الصلاة.
15- مستدرك الوسائل، ج3، ص24.