يتم التحميل...

مراحل تربية الأبناء-2

كيف تجعل ولدك صالحاً؟

متابعة للتقسيم النبويّ الشريف لعمر الولد "الولد سيّدٌ سبع سنين وعبد سبع سنين، ووزير سبع سنين"28 ، نتابع الحديث عن المرحلة الثانية التي هي مرحلة التأديب.

عدد الزوار: 820

السنوات السبع الثانية: 7 - 14

متابعة للتقسيم النبويّ الشريف لعمر الولد "الولد سيّدٌ سبع سنين وعبد سبع سنين، ووزير سبع سنين"28 ، نتابع الحديث عن المرحلة الثانية التي هي مرحلة التأديب.

1- تعليم الأولاد.
2- العوامل الإنسانيّة المؤثّرة في التربية.
3- ضرب الأولاد.
والبداية مع تعليم الأولاد.

تعليم الأولاد

فقد أولى الإسلام اهتماماً كبيراً بتعليم الأولاد وحدَّث نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم عن أجر هذا العمل بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ المعلِّم إذا قال للصبيّ: "بسم الله" كتب الله له وللصبيّ ولوالديه براءة من النار"29.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "لئن يؤدّب الرجل ولده خير له من أن يتصدَّق كلّ يوم بنصف صاع"30.

وقد أرشدت روايات المعصومين إلى تعليم الأولاد ما يلي:

1- تعليم الكتابة:
فقد اعتبر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّ من حقّ الوالد على الولد أن يعلِّمه الكتاب وذلك في حديثه المعروف: "من حقّ الولد على والده ثلاثة، يحسن اسمه، ويعلِّمه الكتابة، ويزوّجه إذا بلغ"31.

ويبدو من بعض الروايات أنّ السّنة السادسة من عمر الولد هي السنّ المناسبة لتعليمه الكتابة، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "احمل صبيَّك تأتي عليه ست سنين، ثمّ أدِّبه في الكتَّاب ست سنين..."32.

2- تعليم القرآن:
وحثَّت أحاديث أهل البيت عليهم السلام على تعليم الأولاد القرآن الكريم، وبيّنت الثواب الجزيل للأبوين اللّذين كانا سبباً في تعليمه كتاب الله العزيز. فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "من قبَّل ولده كان له حسنة، ومن فرَّحه فرَّحه الله يوم القيامة، ومن علَّمه القرآن دعي الأبوان فكُسيا حُلّتين يضيء من نورهما وجوه أهل الجنّة".

ووجَّهت روايات أهل العصمة نحو تعليم الفتاة سورة النور لما تتضمَّن من معان جليلة في موضوع المرأة في الإسلام، كما نهت عن تعليمها سورة يوسف، ولعلّه من أجل أن لا يتفتَّح ذهن الفتاة على استماع أجواء المجتمع النسائي المنحرف الذي عانى منه نبيُّ الله يوسف عليه السلام ففي الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "حقّ الولد على والده... إذا كانت أنثى أن... يعلِّمها سورة النور ولا يعلمها سورة يوسف"33.

3- تعليم العقائد الحقّة:
أمر أئمّة أهل البيت عليهم السلام الآباء بالمبادرة إلى تعليم أولادهم عقائد الإسلام الصحيحة، وذلك قبل أن يسمعوا بعض الشبهات المضلَّة التي قد يكون لها مأخذ في أنفسهم حينما لا يعرفون جوابها، لا سيما في المجتمع الذي تثار حوله شبهات عقائديّة وأفكار منحرفة عن جادّة الحقّ، فلا بدّ من تحصين الأبناء قبل أن يواجهوه، وفي هذا الصدد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "علّموا صبيانكم من علمنا ما ينفعهم الله به لا تغلب عليهم المرجئة برأيها"34. وعن الإمام الصادق عليه السلام: "بادروا أحداثكم بالحديث قبل أن تسبقكم إليه المرجئة"35.

4- تعليم الأحكام الشرعيّة:
وإضافة إلى تحصين الولد عقائديّاً لا بدّ للوالدين من تعليمه أحكام الحلال والحرام ليصبح عاملاً بها، لا سيَّما قبيل بلوغه وتكليفه، فلا بد للوالد أن يعلِّم ولده علامات البلوغ الذي يتحقّق من خلاله تكليفه بأحكام الله، وأن يعلّمه الأحكام التي يُبتلي بها في حياته. وكذا بالنسبة إلى الأم فتعلّم ابنتها أحكام الإسلام الحنيف، وعندها يستقبل الولد بلوغه بوضوح وثبات ووعي ورشد.

ومع الأسف نجد أنّ تعليم الولد للحلال والحرام مفقود في كثير من أوساط مجتمعاتنا الإسلاميّة، إذ يلاحظ تركيز الناس على تعليم أولادهم علوم الدنيا فقط، بل قد يمنعونهم في بعض الحالات، من تعلُّم أحكام الإسلام، وهذا ما تنبّأ به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال: "ويل لأولاد آخر الزمان من آبائهم".

فقيل له: يا رسول الله من آبائهم المشركين؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "من آبائهم المؤمنين، لا يعلِّمونهم شيئاً من الفرائض، وإذا تعلّموا أولادهم منعوهم، ورضوا عنهم بعرض يسير من الدنيا، فأنا منهم بريء، وهم مني براء"36.

5- تعليم الصلاة:
وشدَّد أهل البيت عليهم السلام على تعليم الأولاد الصلاة، وفي بعض الروايات أنّ الصبيّ يؤمر بالصلاة ابن تسع سنين، ويؤخذ بها إذا بلغ الحلم.

فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "علِّموا صبيانكم الصلاة، وخذوهم بها إذا بلغوا الحلم"37.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "يُثْغَرُ38 الغلام لسبع سنين، ويُؤْمَرُ بالصلاة لتسع"39.

بل في بعض الروايات أنّ الأمر بالصلاة يبتدئ من السنّ السابعة من عمر الولد، فعن الإمام الكاظم عن آبائه أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "مُروا صبيانكم بالصلاة، إذا بلغوا سبع سنين..."40.

6- أمر الصبيان بالجمع بين الصلاتين:
وتخفيفاً عن الأولاد، وحتى لا يشعروا بثقل الصلاة عليهم أرشد الإمام الصادق عليه السلام إلى أمر الصبيان بالجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وبين صلاتي المغرب والعشاء، لأنّ الجمع بينهما جائز بنفسه من ناحية، ويخفِّف عنهم من ناحية أخرى، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّا نأمر الصبيان أن يجمعوا بين الصلاتين الأولى (أي الظهر) والعصر، وبين المغرب والعشاء الآخرة ما داموا على وضوء قبل أن يشتغلوا"41.

وهكذا كان يفعل الإمام زين العابدين الذي ورد أنّه عليه السلام كان يأخذ من عنده من الصبيان بأن يصلّوا الظهر والعصر في وقت واحد، والمغرب والعشاء في وقت واحد، فقيل له في ذلك، فقال عليه السلام: "هو أخفّ عليهم، وأجدر أن يسارعوا إليها، ولا يضيِّعوها، ولا يناموا عنها، ولا يشتغلوا"، وكان لا يأخذهم بغير الصلاة المكتوبة42 ، (أي لا يأخذهم بالصلاة المستحبّة).

7- تعليم شعر أبي طالب:
فقد كان أمير المؤمنين عليه السلام - في ما روي عنه - يعجبه أن يروي شعر أبيه أبي طالب وأن يدوَّن، وكان عليه السلام يقول: "تعلّموه وعلِّموه أولادكم، فإنّه على دين الله، وفيه علم كثير"43.

ونذكر هاهنا من شعر أبي طالب ما قاله لابن أخيه النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم44:
ودعوتني وعلمت أنّك ناصحي     ولقد صدقت وكنت ثمَ أميناً
ولقد علمتُ بأنّ دين محمّدٍ  من خير أديان البريَّةِ دينا


8- تعليم السباحة والرماية:
وبالإضافة إلى الحثّ على تعليم ما سبق أكَّد الإسلام على تعليم الأولاد السباحة وفنون القتال، بحيث يصبح الولد قادراً على الدفاع عن نفسه والذود عن دين الله الحنيف، وفي هذا ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "علِّموا أولادكم السباحة والرماية"45.

* إنّ أشرف عمل في العالم هو تربية الطفل، وتزويد المجتمع بإنسان حقيقيّ. الكلمات القصار، ص247.

* عليكم أن تنتبهوا إلى أنّ المرحلة المدرسيّة أهمّ من المرحلة الجامعيّة، وذلك لأنّ التكامل العقليّ للناشئة يتمّ في هذه المرحلة. المصدر السابق، ص247.

* إنّ في العلم الذي يبدأ باسم الخالق نور الهداية. المصدر السابق، ص249.

العوامل الإنسانيـّة في التربية

رغم ما لتعليم الأولاد من أثر في تركيز شخصيّاتهم وأدائهم السلوكيّ إلاّ أنّ البيئة الإنسانيّة المحيطة بالولد قد تلعب دوراً أهمّ من التعليم، ويمكن الحديث عن دور هذه البيئة ضمن العناوين التالية:

1-2 الأبوان
فإنّ الولد - إلى جانب تأثّره الوراثيّ بأبيه وأمّه، كما سبق - يُلاحِظ أنّ سلوكهما يلعب دوراً بالغاً في تكوين شخصيّته.

فإذا عرف الولد من والديه الكذب، فإنّه قد لا يتورَّع عن الكذب طالما أنّ القدوة في حياته تَكْذِبُ، وهكذا سائر الصفات.

من هنا نبَّهت أحاديث أهل البيت عليهم السلام على مسؤوليّة الوالدين في تصرّفاتهما عن تأثّر الولد، فمن باب المثال أمرت بالصدق في التعامل معه، كما ورد في خطاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم للآباء: "...وإذا وعدتموهم شيئاً ففوا لهم..."46.

وقد يكون تأثّر الولد بأبويه من دون أن يباشروه بالتربية، فحينما يرى الولد أبويه في حالة تشاجر دائم، فإنّ هذا سيكون له انعكاس سلبيّ على شخصيّة الطفل، بخلاف ما لو اعتاد عليهما في حالة ودّ و وفاق، خاصّة سيتعلّم منهما حبّ الآخرين، ولعلّه إلى هذا يشير أمير المؤمنين عليه السلام في قوله: "مودّة الآباء قرابة بين الأبناء".

3- المعلِّم
فلا يخفى ما للمعلِّم من أثر في تكوين شخصيّة الولد التلميذ لا سيَّما إذا لاحظنا نظرة الولد إلى معلِّمه التي تكون في كثير من الأحيان نظرة مقتدٍ بقدوته، ففي إحصائيّة من إحدى الدول أنّ 35% من الأطفال يرغبون أن يكونوا مثل معلّميهم وأن يقتدوا بهم بل قيل: إنّ سقوط الأندلس كان بسبب تربية الأطفال على أيدي مربّين مسيحيين.

وقد كان إمام الأمّة الراحل الخمينيّ العظيم قدس سره يركِّز كثيراً على دور المعلّمين وتأثيرهم في تلامذتهم، فكان يقول: "إن جميع أشكال السعادة والشقاء إنّما تنشأ من المدارس، ومفتاح ذلك بأيدي المعلِّمين"47. لذا لا بدَّ للآباء من أن ينتبهوا جيّداً إلى نوعيّة المدارس التي يتعلّم فيها أولادهم ونوعيّة المعلّمين فيها لما في ذلك من تأثير كبير في شخصيتهم.

4- الزملاء
والمقصود بهم رفقاء الولد سواء كانوا رفقاء المدرسة أو جيران منزل أو غيرهم، فكثيراً ما يلتقط الولد عادات زملائه وأخلاقهم، من هنا كان من حقّ الولد على أبيه أن يضعه في بيئة حسنة، كما ورد في قصّة ذلك الرجل الذي جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وقال له: ما حقّ ابني هذا؟ فأجاب صلى الله عليه وآله وسلم: "تحسن اسمه، وأدبه، وضعه موضعاً حسناً"48.

وهناك حالات تساهم بشكل كبير في تأثُّر الولد بزملائه:

الحالة الأولى: حالة التشتّت في الأسرة التي قد تنشأ من موت الأب أو الأمّ، أو الطلاق، أو النزاع الدائم بين الوالدين، فعندما يتحرّك الولد خارج البيت هارباً من حالة الاهتزاز النفسيّ التي يعاني منها، فيشعر بحاجته إلى الزملاء ممّا يزيد من تأثّره بهم.

الحالة الثانية: حينما تنتقل الأسرة إلى بيئة جديدة، كما يحصل من حال انتقال الأسرة إلى مدينة أخرى أو حيٍّ آخر وهكذا، فعندها سيبحث الولد عن رفقاء جدد وهو يشعر بالحاجة إلى زمالتهم ويكون هذا مدخلاً لتأثّره بهم. لذا لا بدّ للأبوين في هذه الحالة من دقّة الانتباه في علاقات الولد الجديدة.

الحالة الثالثة: مرحلة البلوغ والفتوّة، ففي هذه المرحلة يشعر الولد بالرغبة في الاستقلال عن والديه، ممّا يدفعه باتجاه تمتين العلاقة بزملائه.

5- الشخصيّات البارزة
ينظر الولد بإعجاب إلى الشخصيات البارزة في المجتمع كقادة المجتمع من رؤساء دول وعلماء دين أو رياضّيين أو فنّانين، بحيث يكوِّن ذلك طموحاً لديه أن يصبح مثل أحدهم.

وهنا يأتي دور الأبوين ليغرسوا في أذهان أولادهم الحبّ والتعلّق والاقتداء بالقادة الإلهيّين، فيعلمونهم سيرة الأنبياء عليهم السلام والأئمّة عليهم السلام ويغرسون حبّهم في قلوبهم.

وفي هذه الخانة يصب تركيز الله تعالى والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على حبّ أهل البيت عليهم السلام ليكونوا هم القدوة للمجتمع الإسلاميّ وتكون قلوب الأجيال متعلّقة بهم محبَّة لهم ساعية للاقتراب منهم.

من هنا ورد تحديد من نحبّ:
فأّول الأحبّاء محمّد صلى الله عليه وآله وسلم الذي ورد عنه قوله: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين"49.

ويلي حبّه حبّ أهل البيت الذي جعله الله تعالى أجر رسالة الإسلام حينما قال تعالى: ﴿قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّاَ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى50.

فجاء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قوم من المسلمين قالوا: يا رسول الله، من قرابتك هؤلاء الذين وجَبَتْ مودَّتُهم؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "عليّ وفاطمة وولداها"51.

* المعلِّم مؤتمَن، غير أنّ ما اؤتُمِنَ عليه يختلف عن كلِّ الأمانات، فما أؤتمن عليه هو الإنسان. الكلمات القصار، ص274.

* ليكن همّ كلّ المعلّمين تهذيب أنفسهم، حتى يؤثّر كلامهم في الآخرين. المصدر السابق، ص274.

ضرب الأولاد

الضرب نوعان: رفض الإسلام أن يكون الضرب هو الوسيلة الأولى والابتدائيّة في تربية الأولاد، لكنّه لم يرفضه بالمطلق، بل قَبِله كوسيلة وحيدة لحلِّ مشكلة فساد الولد بشروط خاصة تقلِّل من حجمه وتضعه في مسار التربية السليمة. من هنا كان الضرب في الإسلام على نوعين مرفوض ومقبول.

أسباب الضرب المرفوض

ينشأ ضرب الولد في غالب الأحيان من حالة عصبية يمرّ بها الأب أو الأمّ ناتجة من تصرِّف قام به الولد. هذا ما يظهر في المشهد العامّ، لكنّنا لو تعمَّقنا في الموضوع، فيمكن لنا أن نكتشف أسباباً تكون منشأ لضرب الأولاد منها:

1- الشعور بالتملك:
يشعر الوالدان في كثير من الأحيان بحقّ تملّك الولد، فيرى كلّ منهما أنَّه يستطيع أن يفعل به ما يشاء، ويكون هذا الشعور سبباً خلفيّاً لضرب الولد.

2- ضعف الولد:
فالوالدان يشعران بضعف الولد أمامهما، فقد يستغلّان هذه النقطة لممارسة سيادة وتسلّط عليه، وقد تكون هذه القسوة من الأبوين ردّة فعل لتسلّط يمارَسُ عليهما من الآخرين. فمثلاً قد يكون الأب ظالماً لزوجته، مؤذياً لها بالضرب وشبهه فتنفِّس الزوجة (الأمّ) غضبها من زوجها القويّ في ولدها الضعيف.

3- الجهل بمرحلة الطفولة:
فقد تنشأ القسوة على الأولاد وضربهم من جهل الأبوين بمرحلة الطفولة ومجرياتها، فقد تصدر عن الولد بعض التصرّفات الطفولية التي قد لا يتحمّلها الأب مثلاً، من دون أن يلتفت إلى أن صدورها عمّن هو في عمر ولده أمرٌ طبيعيّ، فينفعل ويقوم بضرب هذا الولد المسكين.

4- عدم مراعاة تغيُّر الزمن:
وقد تكون ممارسة العنف ضدّ الأولاد ناشئة من عدم الوعي لتغيِّر الزمان الذي يلقي بظلاله على البيئة الاجتماعيّة التي يتصرّف الولد بما يلائمها من دون أن يتفهّم الوالدان التغيُّر الحاصل.

مواجهة الإسلام لأسباب الضرب المرفوض

ونجد في تعاليم الإسلام أجوبة شافية لأسباب الضرب الآنفة:

فأوّلاً: لم يعطِ الإسلام حقّ تملك للآباء على الأولاد، بل لم يعطِ الإسلام حقّ تملك للإنسان على نفسه، فلا يجوز له شرعاً أن يتصرّف بجسده كما يشاء، كأن يمارس على نفسه بعض أنواع التعذيب، فكيف يكون له حقُّ تملُّك الآخرين؟!!.

وثانياً: دعا الإسلام إلى التعامل مع ضعف الأولاد برأفة ورحمة، فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "أحبّوا الصبيان وارحموهم" 52، وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "ليرأف كبيرهم بصغيرهم"53.

وثالثاً: أرشد الإسلام الأبوين إلى ضرورة تفهّم مرحلة الطفولة وأنّ على الأب - مثلاً - مهما كان شأنه ومقامه، أن ينزل إلى مستوى الولد في علاقته به، وهذا ما ورد عن نبيِّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: "من كان عنده صبيٌّ فليتصاب له"54.

ورابعاً: دعا الإسلام الوالدين إلى تفهّم تغير الزمان والظروف التي تحيط بالمجتمع ممّا يستدعي إعادة النظر في إجبار الولد أو منعه من بعض الأمور - طالما أنّ ما حصل ما زال تحت سقف الحلال الشرعيّ - وهذا ما كان يشير إليه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: "لا تَقْسِروا أولادَكم على آدابكم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم"56.

الضرب المقبول وشروطه

لم يقبل الإسلام الضرب كوسيلة أولى لعلاج مشكلة الأولاد، بل لا بدّ أن يمارس الأب أو الأمّ وسيلة أخفَّ منه قبل أن يُلْجأ إليه. والوسيلة هي أن نُشْعِرَه بنوع من الجفاف العاطفي، فإنّ الأمّ أو الأب الذي استطاع أن يملأ نفس طفله بالعاطفة والحنان يستطيع أن يراهن على تأثير هذه العاطفة حينما يُظهر انزعاجه من تصرُّف الولد، ويهجره قليلاً ليهتزّ الولد من داخل كيانه في عمق أحاسيسه فيرتدع عمّا يفعل، وهذه الوسيلة جاءت على لسان الإمام أبي الحسن عليه السلام حينما شكا أحدهم ابناً له، فقال عليه السلام: "لا تضربه واهجره... ولا تُطِلْ"57.

وتنبيه الإمام عليه السلام بعدم الإطالة في الهجران كي لا يُؤدِّي طول المدة إلى قسوة قلب الولد.

فإن لم ينفع هذا العلاج العاطفيّ، ولم ينجح إرشاد الولد بالكلام معه. هنا يأتي الضرب كوسيلة انحصر بها العلاج.

لكن مع مراعاة أمور بها يكون الضرب حسناً، وله فعاليّة في التأثير في الولد وبدونها يكون العكس.

شروط الضرب المؤثِّر

الشرط الأوّل: أن يكون الضرب بقصد التأديب، لا بسبب توتُّر نفسيّ يكون الولد فيها محلّاً لـ"فشة الخلق".

الشرط الثاني: أن يفهم الولد أنّ هذا الضرب والعقاب إنّما هو بسبب تصرَّفه الخاطئ الذي ارتكبه، ويسعى بذلك ليكون خوف الولد من ذنبه وربِّه المراقب له لا من والده أو والدته، فالخوف إن كان من الأب أو الأمّ دون الذنب فإنّ الولد سيكرِّر الذنب حينما يغيبان، بخلاف ما لو تربَّى على الخوف من ذنبه وأنّ الله يراقبه في ما يفعل، فإنّه سيكون رادعاً عن ارتكاب العمل القبيح حتى مع غياب الوالدين، إضافة إلى أنّ الخوف من الذنب والشعور بالمراقبة الإلهيّة يحافظان على صفة الشجاعة وعدم الخوف من الآخرين. وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى هذه الملاحظة التربويّة في قوله: "لا يرجُوَنّ أحدُكم إلاّ ربَّه ولا يخَفْ إلاّ ذنبه"58.

وأشار النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى ما قلناه - من أنَّ الخوف لا ينبغي أن يكون من الوالدين - بقوله صلى الله عليه وآله وسلم "ويل لمن أُطيعَ مخافةَ جوره، ويل لمن أُكرم مخافة شرِّه"59.

الشرط الثالث: أن لا يبالغ في ضربه بل يكون رفيقاً به، فالغرض تنبيهه إلى قبح ما فعل ليرتدع عنه، وهذا لا يتلاءم مع القسوة الشديدة، بل يتحقّق بالضرب برفق. وقد نبَّه الإمام الصادق عليه السلام إلى هذا حينما سئل عن أدب الصبيّ فقال: "خمسة أو ستة وارفق"60.
وفي رواية أخرى أنّ أحدهم قال للإمام الصادق عليه السلام: ربَّما ضربت الغلام في بعض ما يُجرم.

- قال عليه السلام: وكم تضربه؟
- قال الرجل: ربّما ضربته مائة.
- قال عليه السلام: مائة مائة؟!! أعاد ذلك مرتين، ثمّ قال: "حدُّ الزنا، اتق الله!".
- قال الرجل: فكم ينبغي لي أن اضربه؟
- فأجاب عليه السلام: واحداً.
- قال الرجل: والله لو علم أنّي لا أضربه إلّا واحداً ما ترك لي شيئاً إلّا أفسده.
- قال عليه السلام: فاثنين.
- قال الرجل: هذا هو هلاكي! فبقي يماكسه حتى بلغ خمسة، ثمّ غضب عليه السلام فقال: "يا إسحاق إن كنت تدري حدّ ما أجرم فأقم الحدّ فيه ولا تَعْدُ حدود الله"61.

ضريبة الضرب

وتأكيداً على عدم إيذاء الولد بضربه المبرّح فرض الإسلام ضريبة ماليّة يجب دفعها عند ضربه بقسوة تترك أثرها على الجسد. وفي ما يلي نعرض بعض أحكام الضرائب المتوجّبة بسبب ضرب الولد.

(أ) في الضرب على الوجه مع تغيُّر لون الوجه فقط دون جرح أو كسر أو ورم أو مرض نعرض الجدول التالي62:

التغيّر الحاصل في الوجه بسبب الضرب

الضريبة بالدينار

الضريبة بالذهب

إذا احمرَّ الوجه

دينار ونصف

5،4 غرام

إذا اخضرَّ الوجه

ثلاثة دنانير

10،8 غرام

ذا اسودَّ الوجه

ستة دنانير

21،6 غرام


(ب) في الضرب على البدن مع تغيُّر لونه فقط كما تقدّم نعرض الجدول التالي63:

التغير الحاصل في البدن بسبب الضرب

الضريبة بالدينار

الضريبة بالذهب

إذا احمرَّ البدن

ثلاثة أرباع الدينار

2،7 غرام

إذا اخضرَّ البدن

دينار ونصف

5،4 غرام

إذا اسودَّ البدن

ثلاثة دنانير

10،8 غرام


(ج) في جرح الرأس والوجه نعرض الجدول التالي64:

نوع الجرح في الرأس والوجه

الضريبة

إذا تقشَّر الجلد من دون إدماء

بعير

إذا دخل الجرح في اللّحم يسيراً وخرج الدم

بعيران

إذا دخل الجرح في اللّحم كثيراً ولم يبلغ الجلدة الرقيقة المغشية للعظم

ثلاثة أبعرة

إذا دخل الجرح في اللّحم كثيراً وقطَّعت اللحم الجلدة الرقيقة المغشية للعظم

أربعة أبعرة

 * كيف تجعل ولدك صالحاً، الشيخ أكرم بركات.


27- المصدر السابق، ص94.
28- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص195.
29- الطبرسي، مستدرك الوسائل، ج15، ص166.
30- المصدر السابق.
31- الطبرسي، مستدرك الوسائل، ج15، ص166.
32- المجلسي، بحار الأنوار، ج104، ص95.
33- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص199.
34- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص197.
35- المصدر السابق، ص196.
36- الطبرسي، مستدرك الوسائل، ج15، ص164.
37- المصدر السابق، ص169.
38- يُعلم الصبي ُّ الصلاة إذا اثَّغَرَ، أي نبتتْ أسنانُه بعد سقوط الرَّواضع.
39- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص183.
40- الطبرسي، مستدرك الوسائل، ج15، ص16.
41- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص183.
42- الطبرسي، مستدرك الوسائل، ج15، ص160.
43- المصدر السابق، ص166.
44- البغدادي، سيد البطحاء، منشورات الغدير، قم، ص120.
45- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص194.
46- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص201.
47- الإمام الخميني، الكلمات القصار، منشورات مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني، طهران، ص274.
48- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص198.
49- الريشهري، ميزان الحكمة، منشورات الدار الإسلاميّة، بيروت، ج2، ص237.
50- سورة الشورى، الآية 23.
51- الطباطبائي، تفسير الميزان، منشورات دار الأعلمي، بيروت، ج18، ص52، الرازي، التفسير الكبير، منشورات مكتب الإعلام الإسلامي، ط3، ص166.
52- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص201.
53- بيضون، تصنيف نهج البلاغة، ص745.
54- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص 203.
55- قَسَرَهُ على الأمر: مَهَرَهُ وأكرهَهُ عليه.
56- المجلسي، بحار الأنوار، ج104، ص99.
57- الفلسفي، الطفل بين الوراثة والتربية، ص393.
58- الفلسفي، الطفل، ص389.
59- المصدر السابق، ص384.
60- الخوئي، مباني تكملة المنهاج، منشورات دار الزهراء، بيروت ج1، ص340.
61- المصدر السابق، ص340 - 341.
62- انظر الإمام الخميني، تحرير الوسيلة، منشورات السفارة الجمهورية الإسلاميّة الإيرانية، بيروت، ج2، ص539 (كان الحساب على أساس أن الدينار = 3،6 غرام من الذهب). الخوئي، مباني تكملة منهاج الصالحين، ج2، ص394 - 395.
63- انظر الإمام الخميني، تحرير الوسيلة، منشورات السفارة الجمهورية الإسلاميّة الإيرانية، بيروت، ج2، ص539.
64- الإمام الخوئي، تحرير الوسيلة، ج2، ص538. الخوئي، مباني تكملة منهاج الصالحين، ج2، ص378 - 380.

2013-02-01