يتم التحميل...

الحسد (2)

قيد الدراسة2

في الحديث القدسي: "إن الحسود يشيح بوجهه عما قسمته بين العباد، وهو ساخط على نعمي".هل يحقق الحسود أهدافه؟ يجب أن تعلم أن حسدك لا يضر المحسود، فلن تزول عنه النعمة لمجرد أنك تحسده، بل على العكس تماماً سيستفيد نتيجة حسدك في الدنيا والآخرة.

عدد الزوار: 79
في الحديث القدسي: "إن الحسود يشيح بوجهه عما قسمته بين العباد، وهو ساخط على نعمي".

هل يحقق الحسود أهدافه؟

يجب أن تعلم أن حسدك لا يضر المحسود، فلن تزول عنه النعمة لمجرد أنك تحسده، بل على العكس تماماً سيستفيد نتيجة حسدك في الدنيا والآخرة.

سيستفيد في الدنيا لأنك عدوه وحاسده، فشقاؤك وحزنك سيعد نفعاً له، فعذابك وأنت عدوه هو نعمة بالنسبة إليه، وإذا التفت إلى هذا الموضوع سيزداد عذابك وتألمك وفي ذلك نعمة جديدة له أيضا وهكذا... وعليه فإنك ستكون دائماً في عذاب وشقاء وتعاسة وغم، وهو في نعمة وسرور وانبساط.

وسيستفيد في الآخرة أيضاً، خصوصاً إذا كان الحسد قد دفع بك إلى الغيبة والافتراء وسائر الرذائل، مما يستوجب أخذ حسناتك وإعطائها له، فتصبح أنت مفلساً في الآخرة، ويزداد هو نعمة وعظمة.

لو أنك فكرت في هذه الأمور وعرفت عاقبة الحسد لأقدمت على تطهير نفسك من هذه الرذيلة وأنقذت نفسك من هذه الهلكة. وما دام الإنسان في هذا العالم فهو قادر على الإصلاح فلا تجعلك نفسك تيأس من الإصلاح وبادر إليه فهو اسهل مما تصوره لك هذه النفس الأمارة.

أسرع إلى الإصلاح فإن المنع من تسرب الأخلاق الفاسدة إلى نفسك أيسر من إخراجها منها، وإذا تسربت فإنك كلما أخرت التصدي لإخراجها ازدادت جذورها وازداد الجهد المطلوب منك للتطهير وضعفت قواك الداخلية، وعلى كل حال فعليك أن تبذل كل جهد لاقتلاع تلك الجذور قبل أن تصل إلى مرحلة اللاعودة في البرزخ والآخرة.

إن الصفات النفسية والأخلاقية في ذلك العالم تكون قوية إلى درجة أن زوالها إما أن يكون غير ممكن على الإطلاق، فيكون صاحبها مخلداً في النار، وإما إذا أمكن إزالتها بالمشاق والضغوطات والنيران فإن ذلك قد يحدث ولكن بعد قرون حسابها إلهي لا كحسابنا نحن!

فما دمت قادراً على الإصلاح في شهر أو سنة مع القليل من التعب الدنيوي لا تهمله وتؤجله لكيلا يوردك موارد الهلاك.

جذور الحسد:

إن العلم محله العقل، وأما الإيمان فمحله القلب، وجميع المفاسد الأخلاقية والعملية سببها أن العلم الذي أدركه العقل عن طريق الدليل والبرهان والأخبار لم يتجاوزه ليصل إلى القلب، فبقي القلب غافلاً عن الإيمان لا يعرف عنه شيئاً:

- الحسود لا يؤمن بالحكمة الإلهية: ومن بين المعارف التي يعتقد بها الحكماء والمتكلمون وعامة الناس الذين يتبعون الشرائع هو أن ما كتبه الحكيم المطلق جلت قدرته، من الوجود والكمال وبسط النعمة وتقسيم الآجال والأرزاق جاء على خير تقدير وأجمل نظام. وهو يناسب تماماً المصالح التامة ويعطي نظاماً مثالياً كاملاً. وكلُ فرد منهم يعبر عن هذه الحقيقة بتعبيراته الخاصة.

فالعارف يقول: ظل الجميل جميل على الإطلاق.

والفيلسوف يقول: إن هذا الوجود خال من النقص والشرور، وما نتصور نحن أنه شر هو في الحقيقة طريق يوصل الكائنات إلى الكمالات المناسبة لها.

والمتكلم وأهل الشرائع يقولون: أفعال الحكيم لا تكون إلا حكيمة وصالحة، والعقول المحدودة هي العاجزة والقاصرة عن إدراك المصلحة والحكمة.

وكل واحد منهم يستدل بالأدلة والبراهين التي تتناسب مع مدى سعة عقله وعلمه.

ولكن بما أن الأمر لم يتعد الأقوال والعقول إلى القلوب، فإن ألسنة الاعتراض على الله تعالى تبقى مطلقة وهذا القلب الذي لم يخالطه الإيمان بعد سيفند البرهان ويكذّب اللسان. وعلى هذا الأساس تكون المفاسد الأخلاقية.

إن الذي يحسد الناس ويحقد في قلبه على أصحاب النعم ويتمنى وزوال النعمة عنهم، مشكلته الأساسية أنه لم يصل إلى مرحلة الإيمان بأن الله يفعل الأصلح للعباد.

- الحسود لا يؤمن بالعدل الإلهي: إن من الفطرة الإلهية الكامنة في أعماق البشر حب العدل والرضى به، وكراهة الظلم وعدم الاستسلام له، فالقلب يخضع بالفطرة للقسمة العادلة وينفر بالفطرة من الجور، فإذا سخط على النعمة وأعرض عن القسمة فذلك لأنه لا يرى ذلك عدلاً، بل يراه والعياذ بالله جوراً، مع أنك في أصول العقائد تقول أن الله عادل. إن الحسد يناقض الإيمان بالعدل، فلو كنت ترى الله عادلاً لرأيت تقسيمه عادلاً أيضاً. وقد جاء في الحديث القدسي: "إن الحسود يشيح بوجهه عما قسمته بين العباد، وهو ساخط على نعمي".

ما هو العلاج العملي للحسد:

حتى تستطيع أن تواجه هذه الرذيلة وتعالج هذا المرض الذي ابتليت به، عليك أن لا تجاري هذه النفس ولا تتبع خطواتها، من إظهار البغض للمحسود، إن نفسك تدعوك لإيذائه واعتباره عدواً وتكشف لك عن مساوئه ومفاسده وتركز عليها.

يجب أن تقوم بعكس ذلك تماماً لكسر هذه النفس، فتظهر المحبة له وتترحم عليه وتجله وتحترمه، واحمل لسانك على أن يذكر محاسنه، واعرض أعماله الصالحة على نفسك وعلى الآخرين، وتذكر صفاته الجميلة.

صحيح أن هذا السلوك سيكون تكلفاً في بادئ الأمر ومن باب المجاز لا الحقيقة، ولكن بشكل تدريجي ستقترب نفسك من الحقيقة ويخف تكلفك شيئاً فشيئاً وترجع نفسك إلى حاله الطبيعي وتحقق هدفك في إصلاح النفس وإزالة هذه المنقصة والرذيلة.

وليعلم أنه إذا اتخذ طريق المحبة فإنه سرعان ما يكون موفقاً لأن نور المحبة قاهر للظلمة ومزيل للكدر.

قل لنفسك: على الأقل إن هذا الإنسان عبد من عباد الله، ولعل الله نظر إليه نظرة لطف فأنعم عليه بما أنعم، فخصه دون غيره بها.

خصوصاً إذا كان المحسود من رجال العلم والدين، وكان محسوداً على علمه ودينه، فإن هذا الحسد يكون أقبح، ومعاداة أمثال هؤلاء أسوء عاقبة، ولا بد من تفهيم النفس أن هؤلاء هم من عباد الله المخلصين الذي شملهم توفيق منه ووهبهم هذه النعم العظيمة، فهم أهل للمحبة والاحترام والخضوع لهم. فإذا رأى نفسه على خلاف ذلك فعليه أن يعلم أن الشقاء قد اكتنفه من كل جانب وأن الظلام قد أحاط بباطنه، فعليه أن يبادر إلى إصلاح نفسه.

الحسد الذي لم يظهر:

ورد في بعض الأحاديث الشريفة عن النبي صلى الله عليه وآله ما مضمونه: "إن الله رفع عن أمتي تسع... ومنها الحسد إذا لم يظهر من خلال يده أو لسانه".

قد يتصور القارئ في بداية الأمر أنه لا مشكلة ولا عيب من الحسد الذي لم يترتب عليه آثار عملية تظهر من خلال يد الإنسان أو لسانه، ولكن هذا التصور خاطئ.

لربما يرفع هذا الحديث العقاب المباشر على هذا الشعور، ولكنه لا يرفع آثار هذا الشعور داخل الإنسان، تلك الآثار الخطيرة جداً التي تحدثت عنها الروايات. فيكفي أن الحسد نار تحرق الإيمان، وأن الله تعالى برئ من الحسود وأنه مطرود من حضرته، وغيرها من المفاسد التي ذكرناها قبل ذلك.

فيجب أن لا يحول مثل هذا الحديث الشريف دون المساعي الجادة لقلع هذه الشجرة الخبيثة من النفس، ولا يمنع المبادرة لتطهير الروح من نيرانها، هذه النيران التي ستقضي عليه، لأنه يندر أن تدخل هذه الرذيلة المفسدة إلى نفس إنسان ولا تتسبب بالمفاسد المختلفة، أو أن تدخل ولا يظهر لها أثر باليد أو اللسان، ويبقى الإنسان محافظاً على إيمانه.

رواية أخرى: في رواية عن الإمام الصادق‏ عليه السلام: "ثلاثة لم ينجُ منها نبي فمن دونه: التفكر في الوسوسة في الخلق، والطيرة، والحسد إلا أن المؤمن لا يستعمل حسده".

فهذا الحديث يذكر أنه لم ينجُ أحد من الحسد في الباطن، والميزان فقط في استعماله أو عدم استعماله. فلربما يظن القارئ أنه لا مشكلة من وجوده في الباطن. ولكن هذا الفهم غير صحيح.

وهذا الحديث المقصود منه أحد الأمور التالية:

- إما أن يكون من باب المبالغة في التعبير ليشير إلى كثرة المبتلين بهذا المرض.

- أو من باب الكناية دون أن يكون المقصود مضمون الكلام بذاته.

- أو أنه أعطى للحسد معنى أوسع يشمل الغبطة أيضاً.

- أو أنه يقصد بالحسد تمني زوال بعض النعم المستعملة لدى الكفار في ترويج مذهبهم الباطل.

إن الأنبياء والأولياء مطهرون من الحسد بمعناه الحقيقي. والقلب الملوث بالمساوئ الأخلاقية والقذارات الباطنية لا يمكن أن يكون محل الوحي والإلهام. فلا بد أن يفسر هذا الحديث بحسب ما ذكر أو بتفسير آخر، أو يرد علمه إلى قائله صلوات الله عليه.
2009-08-19