الحسد (1)
قيد الدراسة2
عن الإمام الصادق عليه السلام: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل لموسى بن عمران: يا ابن عمران لا تحسدن الناس على ما آتيتهم من فضلي ولا تمدن عينيك الى ذلك ولا تتبعه نفسك, فإن الحاسد ساخط لنعمي صاد لقسمي الذي قسمت بين عبادي ومن يك ذلك فلست منه وليس مني".
عدد الزوار: 112
عن الإمام الصادق عليه السلام:
"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل لموسى بن عمران: يا ابن عمران لا تحسدن الناس على ما آتيتهم من فضلي ولا تمدن عينيك الى ذلك ولا تتبعه نفسك, فإن الحاسد ساخط لنعمي صاد لقسمي الذي قسمت بين عبادي ومن يك ذلك فلست منه وليس مني".
معنى الحسد:
الحسد حالة نفسية يتمنى صاحبها سلب الكمال والنعمة التي يتصورهما عند الآخرين. سواء كان عنده مثلها أو لا, وسواء أرادها لنفسه أم لم يردها.
وإنما ذكرنا انها نعمة "يتصورها" عند الآخرين لأن الإنسان كثيرا ما يقع في الوهم ويظن النقمة نعمة والنقصان كمال. وكثيرا ما يتمنى أمرا يظنه نعمة وهو نقمة ويطلب أمرا يظنه كمال وهو نقص. بل إن بعض الخصل تعد نقصا للإنسان وكمالا للحيوان ويكون الحاسد في مرتبة الحيوانية فيراها كمالا ويتمنى زوالها, كفتك الدماء مثلا الذي تعتبره بعض الناس موهبة عظيمة! فإذا شاهدوا من هو كذلك حسدوه. أو قد يحسبون بذاءة اللسان من الكمالات فيحسدون صاحبها!
إذا فالذي يرى في الآخرين نعمة, حقيقة كانت أو موهومة, ويتمنى زوالها, يعد حسدا.
الفرق بين الحسد والغبطة:
الحسد هو ما ذكرناه من تمنى زوال النعم المتصورة عند الآخرين, وهو غير الغبطة, لأن الغبطة هي ان يتمنى الإنسان الحصول على هذه النعم التي رآها عند الغير ولكنه لا يتمنى زوالها عن الآخرين. فمجرد تمنى الحصول على النعم لا يعتبر حسدا على الإطلاق, ما لم يتضمن تمني زوال النعم عن الغير.
ما هي أسباب الحسد:
ذكر العلامة المجلسي قدس سره أسباب الحسد في سبعة أمور:
الأول - العداوة.
الثاني - التعزز: فهو يعتقد أن الآخرين سيتكبرون عليه من خلال النعم المتوفرة عندهم, وهو لا يطيق ذلك لعزة نفسه.
الثالث - الكبر: فهو بطبيعته يتكبر على الناس. وحصول النعم عند غيره سيحد من تكبره عليهم.
الرابع - التعجب: فيتعجب من فوز هؤلاء الناس بمثل هذه النعم التي يعتبرها عظيمة كما أخبر تعالى عن الأمم الماضية (ما أنتم إلا بشر مثلنا), فتعجبوا أن فاز الأنبياء برتبة الرسالة والوحي والقرب مع أنهم بشر مثلهم فحسدوهم.
الخامس - الخوف: فوجود النعم بيد غيره سيجعله خائفا على طموحاته الخاصة من هذا الشخص الذي قد يزاحمه بسبب ما بيده من نعم.
السادس - حب الرئاسة: هذه الرئاسة التي تنبني على امتيازات ونعم تتحقق عنده دون غيره.
السابع - خبث الطينة: فلا يكون هناك سبب من هذه الأسباب, ولكن لخبث النفس وشحها بالخير لعباد الله.
ما ذكره العلامة المجلسي صحيح ولكن كله يرجع الى سبب واحد هو الأساس لكل حسد يمكن أن يقع فيه الإنسان, وهو "رؤية ذل النفس" فإن الإنسان عندما يلاحظ وجود الكمال في غيره تنتابه حالة من الذل والانكسار, وسينتج عن هذه الحالة الحسد حتما إذا لم يكن قد أدب الإنسان نفسه أو لم يكن هناك موانع أخرى.
مفاسد الحسد:
إن الحسد بنفسه بصرف النظر عن آثاره ومفاسده الأخرى هو أحد الأمراض القلبية المهلكة, فكيف إذا لاحظنا آثاره ومفاسده الأخرى!
فهناك الكثير من الأمراض القلبية الأخرى التي تنتج عنه كالكبر وإحباط الأعمال, وكل واحد منها تكفي لهلاك الإنسان. وسنكتفي من المفاسد بذكر ما نقل عن الصادق المصدق عليه السلام: "آفة الدين الحسد والعجب والفخر".
وفي رواية عن أبي جعفر عليه السلام: "إن الرجل ليأتي بأي بادرة فيكفر, وإن الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب".
إن الإيمان هو نور إلهي إذا دخل قلب الإنسان جعله مكان تجليات وفيض الحق جل جلاله, كما جاء في الأحاديث القدسية: "لا يسعني أرضي ولا سمائي بل يسعني قلب عبدي المؤمن".
فهذا النور الإلهي الذي يجعل القلب أوسع الموجودات تأتي رذيلة الحسد لتجعل مكان الوسعة ضيقا ومكان النور ظلاما. ويؤثر ذلك على كل كيان الإنسان باطنه وظاهره, فتصيب القلب بالحزن والكدر. والصدر بالاختناق والضيق, والوجه بالعبوس والغضب. وكلما اشتدت ازداد ضعف الإيمان حتى تصل الى مرحلة تطفيء نور الإيمان وتميت قلب الإنسان, وسنذكر نبذة عن هذه المفاسد:
- لقد جاء في الحديث الشريف: " إن المؤمن لا يتمنى السوء للمؤمنين, بل هن أعزاء عنده. والحسود بعكس ذلك".
- المؤمن لا يغلبه حب الدنيا. والحسود إنما هو مبتلى بشدة حبه للدنيا.
- المؤمن لا يداخله خوف ولا حزن إلا من بارىء الخلق تعالى, إما الحسود فخوفه وحزنه يدوران حول المحسود.
- المؤمن طلق المحيّا, وبشراه في وجهه. والحسود مقطب الجبين عبوس الوجه.
- المؤمن متواضع والحسود متكبر في معظم الحالات.
- من المفاسد الكبيرة التي لا تنفك عن الحسد أن المؤمن يحسن الظن بالله تعالى. وهو راض بقسمه الذي يقسمه بين عباده. أما الحسود فساخط على الله تعالى ولي نعمته, يشيح بوجهه عن تقديراته.
فالحسد إذا هو آفة الإيمان التي تأكله كما تأكل النار الحطب!
آثار الحسد:
إن انشغالنا في هذه الدنيا قد أعمى أعيننا وأصم آذاننا فلا ندري أننا غاضبون تجاه خالق الخلق معرضون عنه, ولا نعمل هذا الغضب والإعراض بأي صورة سيظهر لنا في مسكننا الدائم في تلك الدار! إن ضيق القلب وكدره الذي سببه الحسد سيتسبب بضيق القبر وظلمته! فإن ضيق القبر أو اتساعه منوط بضيق الصدر أو انشراحه كما ذكر العلماء.
فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما خرج في جنازة سعد وقد شيعه سبعون ألف ملك, فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه الى السماء ثم قال: مثل سعد يضم؟ قال: قلت جعلت فداك أنا نحدث إنه كان يستخف بالبول. فقال صلى الله عليه وسلم: "معاذ الله, إنما كان من زعارة في خلقه على أهله".
إن الضيق والضغط والكدر والظلام الذي يحصل في القلب بسبب الحسد قلما يوجد في خلق فاسد آخر. فصاحب هذا الخلق يعيش في الدنيا معذبا مبتلى ويكون له في القبر ضيق وظلمة.
أما في الآخرة فسيحشر مسكينا متألما, يكفي الحديث القدسي المروي عن الإمام الصادق عليه السلام: "من يك كذلك فلست منه وليس مني", ولا نفهم ماذا يحمل لنا تبرؤ الحق تعالى منا وإعراضه عنا من مصائب عليه السلام أن من يخرج عن ولاية الله ويطرد من ظل رحمته لن يكون له أمل في النجاة, ولن تشمله شفاعة الشافعين ﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾(البقره:255) من سيتقدم ليشفع لمن يسخط عليه الله وخرج من حصن ولايته! لم يزل الأنبياء والأولياء يصرخرون في آذاننا ليوقظونا من النوم ولكننا نزداد غفلة وشقاء يوما بعد يوم!
هذه هي مفاسد الحسد نفسه دون المفاسد الخلقية الأخرى التي تترتب عليه, ودون الأعمال الباطلة التي يمكن أن يلجأ إليها الإنسان نتيجة الحسد.