يتم التحميل...

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

دروس من نهج البلاغة

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الفرائض الإسلامية، حيث يهدف إلى التخلية والتحلية، فالنهي عن المنكر يخلِّي الفرد والمجتمع والأمة من الانحرافات السلوكية والروحية، والأمر بالمعروف يحلِّي الفرد والمجتمع والأمة بالفضائل السلوكية والروحية.

عدد الزوار: 607

يقول الإمام عليه السلام: "إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لخلقان من خلق اللّه سبحانه"1.

مقدّمة
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الفرائض الإسلامية، حيث يهدف إلى التخلية والتحلية، فالنهي عن المنكر يخلِّي الفرد والمجتمع والأمة من الانحرافات السلوكية والروحية، والأمر بالمعروف يحلِّي الفرد والمجتمع والأمة بالفضائل السلوكية والروحية.

وهو ضمانة بقاء تعاليم الدين وقيمه حيّة، فبه انتشر الدِّين الإسلامي في أصقاع الأرض، وبه أقيمت أركان الدين وفروعه.

وهذا ما يؤكده قول أمير المؤمنين عليه السلام: "قوام الشريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود"2.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلق اللّه
وقد اهتم القرآن الكريم بهذه الفريضة قال تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(آل عمران:104).

وقال سبحان:﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ(التوبة:71).

وقد جعله أمير المؤمنين عليه السلام خلقاً من أخلاق اللّه سبحانه حيث يقول:"إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لخلقان من خلق اللّه سبحانه"3.

كما ورد.

وماذا يعني أمير المؤمنين بهذا القول؟

يعني ما أشار إليه اللّه تعالى في كتابه الكريم حيث يقول سبحانه:﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(النحل:90).

﴿وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ء قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ...(الأعراف:28-29).

وفي المقابل خلق الشيطان هو عكس خلق اللّه تعالى حيث أن الشيطان يأمر بالفحشاء وفعل السيئات ويوسوس في صدور الناس لترك ما فيه خير ومصلحة ويعد الناس دائماً بالفقر.

كما يقول تعالى:﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء ...(البقرة:268).

﴿... وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ء إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ(البقرة،:168-169).

فإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلقاً من أخلاق اللّه، وعكسه خلقاً من أخلاق عدو اللّه والإنسانية الشيطان، فحر بنا أن نكون متخلقين بأخلاق خالقنا وبارئنا "تخلقوا بأخلاق اللّه" كما ورد في الحديث، وتاركين لأخلاق عدو اللّه وعدونا الشيطان الرجيم.

دور الأنبياء والأئمة والصالحين
والأنبياء العظام والأئمة عليه السلام والصالحون، قد تخلَّقوا بأخلاق اللّه فكانوا المصلحين الآمرين بالمعروف والعدل والناهين عن المنكر والظلم.

يقول أمير المؤمنين عليه السلام في خصوص دور الأنبياء عليهم السلام: "واصطفى سبحانه من ولده (آدم) أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم"4.

"ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكروهم منسي نعمته ويحتجوا عليهم بالتبليغ"5.

وفي خصوص الرسول ‏صلى الله عليه وآله يقول الإمام علي‏ عليه السلام: "بلغ عن ربه معذراً ونصح لأمته منذراً"6.

"فبلغ رسالات ربه غير وانٍ ولا مقصِّر"7.

وفي خصوص نفسه عليه السلام يقول: "اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شي‏ء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونُظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتُقام المعطّلة من حدودك..."8.

"وما أردت إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللّه عليه توكلت وإليه أنيب"9.

وكذلك أبناء أمير المؤمنين المعصومين عليه السلام كانوا حاملين للواء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمثال الأوضح الحسين الشهيد ملهم الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر. حيث أن مقولته المشهورة ما تزال تصدح إلى يومنا الحاضر: "إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر...".

أما الصالحون فالتاريخ ببابك يحدثك عن بطولاتهم في هذا الميدان.

يقول الأمير عليه السلام في وصفهم: "أهل الذكر" ويأمرون بالقسط ويأتمرون به وينهون عن المنكر ويتناهون عنه"10.

أما أهل الضلال: "المعروف فيهم ما عرفوا والمنكر عندهم ما أنكروا"11.

فوظيفتنا إذن أن نتخلّق بأخلاق اللّه والأنبياء والأئمة لنكن من الصالحين المصلحين، ولا نكن من أهل الضلال الفاسدين المفسدين.

انتشار المنكر والفساد
ولقد حذر الإمام علي‏ عليه السلام من انتشار المنكر والفساد وعدم ردِّه، لما يحمل ذلك أي عدم النهي من تبعات خطيره على الأمة في الدنيا والآخرة.

فقال عليه السلام من قلب متوجِّع: "فإنا للّه وإنا إليه راجعون، ظهر الفساد، فلا منكر مغيِّر، ولا زاجر مزدجر، أفبهذا تريدون أن تجاوروا اللّه في دار قدسه، وتكونوا أعز أوليائه عنده؟ هيهات! لا يخدع اللّه عن جنتّه..."12.

ولفت الإمام عليه السلام إلى أنه سينتشر من بعده المنكر والفساد، فقال عليه السلام: "وإنه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شي‏ء أخفى من الحق، ولا أظهر من الباطل، ولا أكثر من الكذب على اللّه ورسوله، وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حقّ‏َ تلاوته، ولا أنفق منه إذا حرِّف عن مواضعه، ولا في البلاد شي‏ء أنكر من المعروف، ولا أعرف من المنكر..."13.

وعلينا أن نعرف كيف نأمر بالمعروف وكيف ننهى عن المنكر بتفكر وتعقِّل وتخطيط، وها نحن نقف من خلال كلام الأمير عليه السلام على بعض معالم وفنّ‏ِ هذه الفريضة.

1- النهي عن المنكر بعد التناهي

من أخلاق الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، أن يكون مأتمراً بما يأمر منتهياً عما ينهى حتى يؤثر كلامه في الآخرين.

يقول الإمام عليه السلام: "وانهوا عن المنكر وتناهوا عنه، فإنما أمرتم بالنهي بعد التناهي"14.

بل لعن الأمير عليه السلام من يأمر بالمعروف ولا يعمل به، وينهى عن المنكر ويفعله، فقال: "لعن اللّه الأمرين بالمعروف التاركين له والناهين عن المنكر العاملين به"15.

أما الأمير عليه السلام فقد كان نموذجاً للتحلي بصفة النهي بعد التناهي فيقول عليه السلام:"أيها الناس إني، واللّه، ما أحثكم على طاعة إلا وأسبقكم إليها، ولا أنهاكم عن معصية إلا وأتناهى قبلكم عنها"16.

بعد أن تتخلّق بهذه الصفة حينئذ يمكن لكلامك أن يكون مؤثراً يدخل إلى القلب ويفعل فعله.

2- الرفق هو الأساس الأول

إن توجيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى الآخرين ثقيل جداً عليهم، لأن ذلك يجعل المأمور والمنهي في موقع التخطئة والتقريع، الأمر الذي يخدش الكبرياء ويؤذي النفس.

من هنا علينا أن يكون هدفنا هداية المدعو ونصحه، لا تقريعه وإحراجه، وتنفيس غيظنا منه:﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنٍُ...(النحل:125).

فلتختر الكلمة الطيبة الرفيقة ما وسعك ذلك، كما يقول الأمير عليه السلام:"وارفق ما كان الرفق أرفق"17.

وعليك بالتودّد:

"فالتودد نصف العقل"18.

وذلك بالبشاشة:"والبشاشة حبالة المودّة"19.

إذا لم تنفع هذه الوسيلة نأتي إلى خطوات أخرى ذكرت في الكتب الفقهية.

وأخيراً
إن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم اللّه، فكن ممن رحمه اللّه تعالى فانهَ عن السوء وأمر بالمعروف.

"ولا يكون المحسن والمسي‏ء عندك بمنزلة سواء فإن في ذلك... تدريباً لأهل الإساءة على الإساءة"20.

"فإن اللّه سبحانه لم يلعن القرن الماضي بين أيديكم إلا لتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلعن اللّه السفهاء لركوب المعاصي والحلماء لترك التناهي"21.

واعلم أن من عواقب ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يتولاّها الظالمون.

"لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولّى عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم"22.

للمطالعة
الإمام علي عليه السلام والأطفال‏

يروي الكاتب المسيحي جورج جرداق القصة التالية عن مناقب أمير المؤمنين علي‏ عليه السلام ويقول معلقاً: وأنا أكتب هذه القصة عن محبة علي عليه السلام وحنوه على الأطفال والأيتام انهمرت عيناي بالدموع، فابتلت الأوراق التي بين يدي وتبلل ما كنت كتبته.

والقصة كما يلي:
ذات ليلة جاء علي عليه السلام بالطعام إلى أسرة فقدت معيلها وفيها أيتام، فوجد بين الأيتام طفلاً لا يهدأ، فسأله الإمام عليه السلام عن سبب ذلك.

فقال الطفل:

إن الأطفال يقولون لي أن لا أب لك.

فقال له الإمام عليه السلام:

قل لهم إن علياً هو أبي.

فلم يهدأ الطفل، وقال:

إن أطفال جيراننا لهم حصان خشبي وأنا ليس عندي مثله.

فجاءه الإمام عليه السلام به ليفرح ويلعب به.

ولكن الطفل لم يهدأ وبدأ يتذرع بالذرائع الواحدة تلو الأخرى، وقال للإمام عليه السلام:

أريد حصاناً أركبه ويسير بي!

وفي ذلك الليل انحنى أمير المؤمنين وخليفة الرسول صلى الله عليه وآله على المسلمين ليركب الولد على ظهره وقال:

ها أنا قد صرت حصاناً لك.

فاستمر الإمام عليه السلام بإركاب الطفل على ظهره والسير به حتى استحوذ التعب على الطفل وغفا فوق ظهر الإمام عليه السلام فوضعه في سريره وغادر الدار.

*قبسات من نهج البلاغة، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، كانون الاول 2004م، ص93-101.


1- نهج البلاغة، خطبة 156.
2- ميزان الحكمة، ج 6، ص 255.
3- نهج البلاغة، خطبة 156.
4- نهج البلاغة، خطبة 1.
5- نهج البلاغة، خطبة 1.
6- نهج البلاغة، خطبة 109.
7- نهج البلاغة، خطبة 116.
8- نهج البلاغة، خطبة 131.
9- نهج البلاغة، كتاب 28.
10- نهج البلاغة، خطبة 222.
11- نهج البلاغة، خطبة 88.
12- نهج البلاغة، خطبة 129.
13- نهج البلاغة، خطبة 147.
14- نهج البلاغة، خطبة 105.
15- نهج البلاغة، خطبة 129.
16- نهج البلاغة، خطبة 175.
17- نهج البلاغة، كتاب 46.
18- نهج البلاغة، قصار الكلمات 142.
19- نهج البلاغة، قصار الكلمات 6.
20- نهج البلاغة، كتاب 53.
21- نهج البلاغة، خطبة 192.
22- نهج البلاغة، كتاب 47.
2009-08-18