يتم التحميل...

ضمير الأمة يرفض التجزئة

الوحدة الإسلامية

حينما ألغيت الخلافة الإسلامية وهي تمثل رمز الوحدة السياسية للأمة، من قبل الجمعية الوطنية التركية الكبرى سنة 1342هـ / 1924م...

عدد الزوار: 111

حينما ألغيت الخلافة الإسلامية وهي تمثل رمز الوحدة السياسية للأمة، من قبل الجمعية الوطنية التركية الكبرى سنة 1342هـ / 1924م، كانت تواكب ذلك القرار أوضاع مساعدة على تمريره في العالم الإسلامي، وعلى فرض التجزئة كأمر واقع.

فأولاً: كان هناك استياء من قبل العديد من شعوب الأمة وجماهيرها، تجاه ممارسات السلطات العثمانية في عهودها الأخيرة، حيث اعتراها الضعف والوهن، وأصيبت أجهزتها بالخلل والفساد.

وثانياً: تغلغلت في أوساط الأمة تيارات قومية وعلمانية، مرتبطة أو متأثرة بالقوى والأفكار الأجنبية، فكانت تعبئ جماهيرها ضد الخلافة وضد الرابطة الدينية، وتبشِّرها بمستقبل وطني حرّ متقدم.

وثالثاً: كانت الدول الأوربية قد اقتطعت أجزاءً كبيرة من العالم الإسلامي، كمستعمرات لها، وبالتالي فإن حركة تلك الشعوب المستعمرة مشلولة وخاضعة للهيمنة الأجنبية.

ومع كل ذلك فإن رجالات الأمة الواعين، والجمهور اليقظ، وقفوا أمام خطط التجزئة المشبوهة وأعلنوا رفضهم لها واعتراضهم عليها. فقد تداعى علماء الأمة ومفكروها المخلصون لعقد عدة مؤتمرات ولقاءات على مستوى العالم الإسلامي، للتفكير فيما آلت إليه أوضاع الأمة بعد سقوط الخلافة، ولقرع جرس الإنذار، واستنهاض الأمة لمواجهة التحدي الخطير، ولتدارس مشروع أو برنامج بديل لجمع شمل الأمة وتوحيد صفوفها.
وانعقد المؤتمر الأول في القاهرة في شوال 1344هـ/ مايو 1926م، بحضور ممثلين عن الشعوب الإسلامية في كل من مصر وليبيا وتونس والمغرب وجنوب أفريقيا وأندونيسيا وولاية جوهور المالاوية والهند واليمن والحجاز وفلسطين والعراق وبولندا، وقد تم الاتفاق في هذا المؤتمر على: "أنه من الضروري أن تمثل كل الشعوب الإسلامية بصورة ملائمة، في جمعية تعقد في بلد يختاره ممثلو الشعوب الإسلامية، يجتمع فيها ممثلو الشعوب الإسلامية، لمناقشة الإجراءات التي ستتخذ بهدف إنشاء الخلافة لإتمام كل الشروط التي أوجبتها الشريعة".

كما انعقد مؤتمر ثانٍ في مكة المكرمة في ذي الحجة 1344هـ/ يونيو 1926م، ضم مجموعة من القادة والزعماء المسلمين، لكن ضغوط السلطات التركية منعت من بحث موضوع الخلافة في هذا اللقاء.

ثم عقد مؤتمر إسلامي في القدس سنة 1350هـ/ 1931م، بدعوة من مفتي القدس الحاج أمين الحسيني توفي 1395هـ/ 1975م، وعدد من القادة المسلمين الهنود المتصدين لموضوع إعادة الخلافة الإسلامية، وحضره حشد من علماء المسلمين وشخصياتهم من مختلف القوميات والمذاهب والبلدان الإسلامية، ورغم الضغوط الاستعمارية والصهيونية والعلمانية ضد المؤتمر، فقد نجح في الانعقاد، وانتخب منه مجلس تنفيذي يتكون من 25 عضواً، ثلاثة منهم مصريون، وأربعة هنود، وأربعة من شمال غرب أفريقيا، وفارسي، وجاوي، وتركي من وارسو، وبوسنيا، وعشرة من فلسطين وسوريا والعراق والجزيرة العربية، كما انتخب إيراني كأمين للمكتب المركزي، وكان من أبرز نجاحات المؤتمر، إنهاؤه الحرب بين السعودية واليمن في 1353هـ/ 1934م، كما كان للمؤتمر مكتب دائم في القدس استمر في العمل حتى توقف خلال سنوات الحرب العالمية الثانية.

وقد أفتى بعض العلماء والفقهاء بحرمة رسم الحدود بين الدول الإسلامية، وحتى استخدام جوازات السفر في التنقل بين البلدان الإسلامية، بل لو استلزم الذهاب إلى الحج استخراج جواز السفر واستعماله بما يعنيه من قبول للتجزئة وترسيم الحدود، فإن الحج يكون ساقطاً مادامت وسيلته محرَّمة.

ويؤكد زعيم سياسي إسلامي هو: شودري خليق الزمان، أحد قادة الحركة الباكستانية على ضرورة رفض التجزئة، وأن لا تعترف الدول الإسلامية ببعضها البعض كدول قومية إسلامية فيقول: "إذا بدأ المسلمون في الاعتراف بباكستان ومصر والمملكة العربية السعودية وسوريا والعراق وإيران وتركيا وأفغانستان، وهي دول مسلمة، كدول إسلامية، فإنهم سيكونون مذنبين في تقسيم الأمة الإسلامية في الزمن القادم، ويجعلون أي تقدم في اتجاه توحيد الدول الإسلامية في أي شكل كجمعية أو اتحاد فيدرالي أو غيرها مستحيل. وأنه واجب على المسلمين في كل أنحاء العالم أن يعملوا لإنشاء الدولة القرآنية عبر التجمعات السياسية والاتصالات الاجتماعية والتعاون الاقتصادي والتغير اللغوي، من أجل أن يتمكن النبوغ الإسلامي في فن الحكم من استنباط سلطة مركزية للعالم الإسلامي عبر اتحاد ديمقراطي أو غيره".

ويلاحظ باحثون قوميون، أن المفكرين العرب من أبناء الأمة الإسلامية كانوا متحفظين ومخالفين لظاهرة نشوء الدول القطرية لما تعنيه من تجزئة وتمزق. فالاهتمام بمطلب الوحدة العربية منذ أواخر القرن التاسع عشر، قد استحوذ على القدر الأكبر من الفكر السياسي، على حساب الاهتمام بظاهرة الدولة القومية المنشودة، من حيث طبيعتها، وتكويناتها الاجتماعية-الاقتصادية، ومؤسساتها، وكذلك على حساب الاهتمام بظاهرة الدولة - القطرية - الوطنية التي نشأت بالفعل في مرحلة ما بين الحربين، أو بعد الحرب العالمية الثانية. ونكاد نقول أنه كان هناك حياء أو جفاء أو عداء بين جمهرة المفكرين العرب، وبين ظاهرة الدولة القطرية. وهنا لابد من التنويه بأهمية التمييز المفهومي بين الموقف السياسي من مثل هذه الدولة، وبين ضرورة الدراسة العلمية الموضوعية لها كظاهرة. ولكن يبدو أن معظم المفكرين والعلماء الاجتماعيين العرب، لم يمارسوا هذا التمييز، ومن ثم اختاروا ألا يكتبوا عن "الدولة القطرية" بهذا المعنى الصريح، ظناً منهم أن مجرد الكتابة عنها، قد يضفي عليها "شرعية معنويةلا يرغب الكثيرون منهم فيها"1.


1- الشيخ حسن الصفار.

2013-01-24