ملامح عصر الإمام الكاظم عليه السلام
شهادة الإمام الكاظم(ع)
لم يغيّر المنصور من سياسته ضد العلويين بعد قتله للإمام الصادق عليه السلام ، وبعد قضائه على الثورات العلوية في زمانه، بل بقي هاجس الخوف والقلق يلاحقه، ولم تهدأ ذاته المليئة بالحقد عليهم، فاستمر في اضطهادهم، فزجّ الابرياء في السجون المظلمة وهدمها
عدد الزوار: 220
لم يغيّر المنصور من سياسته ضد العلويين بعد قتله للإمام الصادق عليه السلام ،
وبعد قضائه على الثورات العلوية في زمانه، بل بقي هاجس الخوف والقلق يلاحقه،
ولم تهدأ ذاته المليئة بالحقد عليهم، فاستمر في اضطهادهم، فزجّ الابرياء في
السجون المظلمة وهدمها عليهم، ودفن البعض وهم أحياء في اسطوانات البناء، وبثّ
الجواسيس، لاجل أن يحيط علماً بكل نشاطهم، وأخذت عيونه ترصد كل حركة بعد
تحويرها وتحريفها بالكذب لتنسجم مع رغبات الخليفة فكانوا يرفعونها له مكتوبة
كما سمح للتيّارات الالحادية كالغلاة والزنادقة في أن تأخذ طريقها بين عامة
الناس لاضلالهم. كما استعمل بعض العلماء واستغلّهم لتأييد سياسته واسباغ الطابع
الشرعي على حكمه.
ويمكن استجلاء هذا الوضع ضمن عدة نقاط:
النقطة الأولى:
إنّ وصية الإمام الصادق عليه السلام التي عهد بها أمام الناس لخمسة أشخاص، هم
أبو جعفر المنصور، محمد بن سليمان، وعبدالله، وموسى، وحميدة، مع كتابة المنصور
لعامله في المدينة بأن يقتل وصيّ الإمام الصادق عليه السلام ان كان معيناً،
يتضح من هذه الوصية مع أوامر المنصور بقتل الوصيّ نوع الطريقة التي كان يتحرك
بها المنصور تجاه الإمام موسى عليه السلام ثم يتضح أيضاً حجم النشاط وحجم
الاهتمام الذي كان يعطيه المنصور للإمام عليه السلام لمراقبة حركته.
ولكن الإمام الصادق عليه السلام كان يستشف من وراء الغيب ما تحمله الأيّام
المقبلة من أخطار لابنه موسى عليه السلام ومن هنا فقد خاطب شيعته بلغة خاصة
ضمّنها الحقيقة التي اراد ايصالها اليهم وان كان ذلك يسلتزم الالتباس عند بعض ،
والتحيّر في معرفة ولي الأمر من بعده لفترة تقصر أو تطول ; لأن حفظ الوصي وولي
عهده والإمام المفترض الطاعة في تلك الظروف العصيبة كان أمراً ضرورياً بلا ريب
لأن استمرار الخط لا يمكن ضمانه إلاّ بحفظ الإمام المعصوم بما يتناسب مع طبيعة
تلك الظروف.
ولكن الواعين والنابهين من صحابة الإمام الصادق عليه السلام لم تلتبس عليهم
حقيقة وصية الإمام عليه السلام التي تضمّنت الوصية للإمام الكاظم عليه السلام.
قال داود بن كثير الرقي: وفد من خراسان وافد يكنّى أبا جعفر، اجتمع إليه جماعة
من أهل خراسان، فسألوه أن يحمل لهم أموالا ومتاعاً ومسائلهم في الفتاوى
والمشاورة، فورد الكوفة ونزل وزار قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، ورأى في
ناحية المسجد رجلا حوله جماعة.
فلما فرغ من زيارته قصدهم فوجدهم شيعة فقهاء يسمعون من الشيخ، فقالوا: هو أبو
حمزة الثمالي.
قال: فبينما نحن جلوس اذ أقبل اعرابي، فقال: جئت من المدينة، وقد مات جعفر بن
محمد عليه السلام فشهق أبو حمزة ثم ضرب بيده الارض، ثم سأل الاعرابي:
هل سمعت له بوصية ؟
قال: أوصى الى ابنه عبدالله والى ابنه موسى، والى المنصور.
فقال: الحمد لله الذي لم يُضلّنا، دلّ على الصغير وبيّن على الكبير، وستر الأمر
العظيم. ووثب الى قبر أمير المؤمنين عليه السلام فصلى وصلّينا.
ثم أقبلت عليه وقلت له: فسّر لي ما قلته ؟
قال: بيّن أن الكبير ذو عاهة ودلّ على الصغير أن أدخل يده مع الكبير، وستر
الأمر العظيم بالمنصور حتى إذا سأل المنصور: من وصيّه؟ قيل أنت.
قال الخراساني: فلم أفهم جواب ما قاله.
فذهب بعد ذلك الى المدينة ليطّلع بنفسه على الوصي من بعدالإمام جعفر بن محمد
عليه السلام.
النقطة الثانية:
لقد شدّدت السلطات في المراقبة على الشيعة بعد استشهادالإمام الصادق عليه
السلام وعمّ الارتباك أوساطهم وشحنت الأجواء بالحذر والتحسّب.
وعن هذه الفترة الزمنية المهمة في التاريخ الشيعي يحدّثنا هشام بن سالم أحد
رموز الشيعة قائلا:
كنا في المدينة بعد وفاة أبي عبد الله عليه السلام أنا ومؤمن الطاق ( أبو جعفر)
والناس مجتمعون على أنّ عبدالله (الافطح) صاحب (الامام) بعد أبيه، فدخلنا عليه
أنا وصاحب الطاق، والناس مجتمعون عند عبدالله وذلك انهم رووا عن أبي عبدالله
عليه السلام: أن الأمر في الكبير مالم يكن به عاهة فدخلنا نسأله عمّا كنا نسأل
عنه أباه، فسألناه عن الزكاة في كم تجب ؟ قال: في مائتين خمسة، قلنا: ففي مائة
؟ قال: درهمان ونصف درهم.
قلنا له: والله ما تقول المرجئة هذا. فرفع ( الافطح ) يده الى السماء، فقال: لا
، والله ما أدرى ما تقول المرجئة !
قال: فخرجنا من عنده ضُلاّلا، لا ندري الى أين نتوجه أنا وأبو جعفر الأحول
فقعدنا في بعض أزقّة المدينة باكين حيارى لا ندري الى من نقصد والى أين نتوجّه
؟!
نقول: (نذهب) الى المرجئة ؟ الى القدرية؟ الى الزيدية؟ الى المعتزلة؟ الى
الخوارج ؟
قال: فنحن كذلك اذ رأيت رجلا شيخاً لا أعرفه يومئ اليّ بيده، فخفت أن يكون
عيناً (جاسوساً) من عيون أبي جعفر (المنصور الدوانيقي). وذلك أنه كان له
بالمدينة جواسيس ينظرون على من اتفق شيعة جعفر (الصادق) فيضربون عنقه، فخفت أن
يكون (الرجل الشيخ) منهم.
فقلت لأبي جعفر (مؤمن الطاق): تنح فإني خائف على نفسي وعليك، وانما يريدني
(الشيخ) ليس يريدك، فتنحّ عنّي ، لا تهلك وتعين على نفسك.
فتنحّى غير بعيد، وتبعت الشيخ، وذلك اني ظننت أني لا أقدر على التخلص منه، فما
زلت أتبعه حتى ورد بي على باب أبي الحسن موسى (الكاظم) عليه السلام ثم خلاّني
ومضى، فاذا خادم بالباب فقال لي: اُدخل، رحمك الله. قال: فدخلت فاذا أبو الحسن
(الكاظم) عليه السلام فقال لي ابتداءً: لا الى المرجئة ، ولا الى القدرية، ولا
الى الزيدية، (ولا الى المعتزلة)، ولا الى الخوارج، اليّ اليّ اليّ.
قال (هشام): فقلت له: جعلت فداك مضى أبوك ؟ قال: نعم.
قلت: جعلت فداك مضى في موت؟ قال: نعم ، قلت: جعلت فداك فمن لنا بعده؟ فقال: ان
شاء الله يهديك هداك.
قلت: جعلت فداك، إنّ عبدالله ( الافطح ) يزعم أنه ( إمام ) من بعد أبيه فقال:
يريد عبدالله الافطح أن لا يعبد الله.
قال: قلت له: جعلت فداك، فمن لنا بعده؟ فقال: ان شاء الله أن يهديك هداك أيضاً.
قلت: جعلت فداك، أنت هو (الامام) ؟ قال: ما أقول ذلك
قلت في نفسي لم أُصب طريق المسألة (أي أخطأت في كيفية السؤال).
قال (هشام): قلت: جعلت فداك، عليك إمام ؟ قال: لا. فدخلني (دخل قلبي) شيء لا
يعلمه إلاّ الله اعظاماً له وهيبة، أكثر ما كان يحلّ بي من (هيبة) أبيه (الإمام
الصادق) إذا دخلت عليه.
قلت: جعلت فداك، أسألك عمّا كان يُسأل أبوك؟ قال: سل تُخبر، ولا تُذِع (اي لا
تنشر الخبر) فان أذعت فهو الذبح.
قال (هشام): فسألته فاذا هو بحر !
قال (هشام): قلت جعلت فداك، شيعتك وشيعة أبيك ضُلاّل، فالقي إليهم (اخبرهم)
وأدعوهم إليك؟ فقد أخذت عليّ بالكتمان.
فقال (الإمام): من آنست منهم رشداً، فألق عليهم أخبرهم وخذ عليهم بالكتمان، فان
اذاعوا فهو الذبح وأشار بيده الى حلقه ".
إنّ هذا الحديث الذي أدلى به هشام يكشف لنا عدة حقائق:
1 كثرة انتشار الجواسيس، وجو الرعب، والحذر، والخوف، وفقدان الأمن الذي عمّ
أبناء الاُمة واخيارها خصوصاً سكان المدينة.
2 كما يكشف لنا عن أنّ اعلان الإمامة لموسى عليه السلام وإخبار الشيعة بإمامته،
لم يكن ظاهراً لعامة الناس بل كان محدوداً ببعض الخواص من الشيعة بحيث تجد حتى
مثل هشام لا يعلم أن الأمر لمن، إلاّ بعد حين، وقد حصل عليه بالطرق الشرعية
والعقلية، وهذه الممارسات وغيرها جعلت الشيعة تتدرب وتتمرّس على الاساليب التي
تقيها من سيف الظالمين مثل السرّية والتقية، لذا نجد الرواة عند نقلهم لاخبار
الإمام موسى عليه السلام لا يصرّحون باسمه الصريح بل كانوا يقولون: "قال العبد
الصالح" ، أو "قال السيد"، أو "قال العالم" ونحو ذلك.
3 إنّ الخنق الظالم والممنوعات السلطانية والحبس الفكري وملاحقة من يخالف، وبثّ
الاشاعات المضادّة والكاذبة، كل هذه الاُمور خلقت مناخاً يتنفّس فيه الأدعياء
وهواة الرذيلة والذين زاد نشاطهم وشاع صيتهم وتعددت فرقهم في هذه الفترة فطرحوا
أنفسهم قادة للاُمة في الفكر والفقه والحديث بتشجيع من الخليفة. لذا نجد هشام
بن سالم في حديثه يعدد لنا الفرق في زمانه حيث يقول: نذهب الى المرجئة؟ الى
القدرية؟ الى الزيدية؟ الى المعتزلة؟ الى الخوارج؟
4 مارس الإمام موسى الكاظم عليه السلام اُسلوباً في هذا الحديث يُميزه عن غيره
من مدّعي الإمامة (مثل عبدالله الافطح) وذلك باخباره عن الكلام الذي دار بين
هشام ومؤمن الطاق في أحد أزقّة المدينة المنورة حيث قال الإمام لهما: "لا الى
المرجئة ولا الى القدرية.... اليّ اليّ اليّ".
النقطة الثالثة:
من الحقائق التأريخية التي تكشف سياسة المنصور القائمة على الخنق والإبادة
والقتل للعلويين هو حديث الخزانة.
حيث يكشف لنا هذا الحديث التاريخي عن سياسة المنصور الخشنة مع العلويين، والتي
أراد بها الايحاء لابنه المهدي بأن الخلافة لا تستقيم الاّ بهذه الطريقة، ثم
تكشف لنا هذه الرواية عن معاناة الإمام موسى الكاظم عليه السلام لانه كان
بالتأكيد على علم بهذه الاعداد المؤمنة الخيّرة من أبناء الشيعة وهي تساق الى
السجون لتقتل بعد ذلك صبراً، وهذا الحديث مليء بالشجون والأسى فقد ملأ خزانة
برؤوس العلويين شيوخاً وشباباً وأطفالا وأوصى ريطة زوج المهدي أن لا تفتحها
للمهدي ولا يطلع عليها إلاّ بعد هلاكه، وقد دوّنها الطبري في تاريخه وهذا نصها:
"لمّا عزم المنصور على الحج دعا ريطة بنت أبي العباس امرأة المهدي وكان
المهدي بالري قبل شخوص أبي جعفر فأوصاها بما أراد"، وعهد اليها ودفع اليها
مفاتيح الخزائن، وتقدّم اليها وأحلفها ووكّد الايمان أن لا تفتح بعض تلك
الخزائن، ولا تطلع عليها أحداً إلاّ المهدي، ولا هي إلاّ أن يصح عندها موته،
فاذا صح ذلك اجتمعت هي والمهدي وليس معهما ثالث حتى يفتحا الخزانة، فلمّا قدم
المهدي من الري الى مدينة السلام دفعت إليه المفاتيح وأخبرته أنه تقدم إليها أن
لا تفتحه ولا تُطلع عليه أحداً حتى يصح عندها موته فلما انتهى الى المهدي موت
المنصور وولي الخلافة فتح الباب ومعه ريطة، فاذا أزج كبير فيه جماعة من قتلى
الطالبيين، وفي آذانهم رقاع فيها أنسابهم وإذا فيهم أطفال، ورجال شباب، ومشايخ
عدة كثيرة، فلما رأى ذلك المهدي ارتاع لما رأى وأمر فحفرت لهم حفيرة فدفنوا
فيها، وعمل عليهم دكاناً".
النقطة الرابعة:
ومن المشاكل التي اثيرت في مطلع تسلّم الإمام موسى عليه السلام لمسؤولية
الإمامة ، والتي كانت تهدف لتمزيق الطائفة الشيعية وإثارة البلبلة والتخريب في
صفوفها، هي التشكيك في مسألة القيادة فانها لمن تكون بعد الإمام الصادق عليه
السلام بسبب ما ادّعاه (عبدالله الافطح) أخوالإمام موسى الاكبر بعد اسماعيل،
وهذا بطبيعة الحال يُضيف معاناة أُخرى للامام، لان أجهزة المنصور العدوانيّة
كانت تعدّ عليه الانفاس وتشك في أيّ حركة تصدر منه.
النقطة الخامسة:
ومن الاساليب التي استخدمتها السلطات العبّاسية عامة والمنصور بشكل خاص، سياسة
اتّخاذ (وعّاظ السلاطين) بعد أن غيّب الإمام موسى الكاظم عليه السلام عن المسرح
السياسي والفكري ، وظاهرة وعّاظ السلاطين هى بديل يرعاه الخليفة ويدعمه بما
أوتي من قوة ليغطّي له الفراغ من جانب وتؤيد له سياسته من جانب آخر اذ يوحي
للاُمة بأنه مع الخط الإسلامي السائر على نهج السنة النبويّة، ووجد من (مالك بن
أنس ) وأمثاله ممن تناغم معه في الاختيار العقائدي الذي لا يصطدم مع سياسته،
ووجد من تجاوب مع رغبته وكال له ولاسرته المديح والثناء، الأمر الذي دفع
بالمنصور أن يفرض (الموطأ) على الناس بالسيف ثم جعل لمالك السلطة في الحجاز على
الولاة وجميع موظّفي الدولة فازدحم الناس على بابه وهابته الولاة والحكّام
وحينما وفد الشافعي عليه فشفّع بالوالي لكي يسهّل له أمر الدخول عليه فقال له
الوالي: اني أمشي من المدينة الى مكة حافياً راجلا أهون عليّ من أن أمشي الى
باب مالك. ولست أرى الذل حتى أقف على باب داره.
النقطة السادسة:
انتشرت في هذه المرحلة عقائد خاطئة وتأسّست فرق منحرفة من الالحاد والزندقة
والغلوّ، والجبرية، والارجاء عقائد خاطئة ذات اصحاب تدافع عنها ولم تكن كل هذه
الإعتقادات وليدة هذاالظرف بالذات، وانما نشطت في هذا الجوّ المساعد لنموها،
حيث كان بعض الخلفاء يتبنى بعضاً منها ويسمح لانتشار البعض الآخر.
فالغلاة يعتقدون بنبوّة الأئمة، وبعده بالهية جعفر بن محمد الصادق والهية
آبائه، وهؤلاء قد تبرّأ منهم الإمام الصادق ولعنهم لعناً مشدداً.
لكن السلطات شجعت من جانب ، والصقت التهمة بهم من جانب آخر بهدف التشويه لحقيقة
الشيعة، كما استخدموا هذه التهمة فيما بعد ذريعة ومادّة حكم تبرر لهم اضطهاد
الشيعة تحت هذا الاسم فأطلقوا على الشيعة اسم زنادقة ويحق للدولة أن تطاردهم.
لقد عاصر الإمام الكاظم عليه السلام تيّاراً آخر كان خطيراً على الاُمة حاضراً
ومستقبلا وكان قد وقف بوجهه الإمام الصادق عليه السلام وحذّر منه الشباب خاصة
ألا وهم المرجئة الذين يقولون بتأخير وارجاء صاحب المعصية الكبيرة الى يوم
القيامة فلا يحكمون عليه بحكم ما في الدنيا من كونه من أهل الجنة أو من أهل
النار.
ويحاول أصحاب هذا الإعتقاد أن يخلطوا الأوراق ويدمجوا بين سلوك الخير وسلوك
الشر فلا يفرّق بين سلوك الإمام علي عليه السلام وسلوك معاوية ولا بين موقف
الحسين عليه السلام وموقف يزيد; لان الحكم عليهم في الدنيا ليس من شؤوننا وانما
يترك الأمر ليوم القيامة.
ثم تبنّت هذه الفرقة اعتقاداً آخر لا يقلّ خطورة عن سابقه اذ تكمن خطورته على
الشباب خاصة لان هذا الإعتقاد يفسّر معنى الايمان المراد عند الله بأنه الايمان
القلبي لا السلوك الخارجي، لان السلوك الخارجي قد يخادع به الانسان فالايمان
الذي ينظر إليه الله تعالى هو الايمان القلبي أمّا الممارسات الخارجية فلا
اعتبار لها، فإذا زنا الانسان أو شرب الخمر أو قتل نفساً فهذه تصرفات خارجية
والمهم أن الانسان يعتقد قلبياً بالله تعالى.
كما روّج في هذه الفترة لفكرة الجبر والتي نشأت في زمن معاوية واستفاد منها بنو
العبّاس حيث تقول بأنا لسنا مخيّرين في أفعالنا فإذا شاء الله أن نصلّي صلّينا
وإذا شاء أن نشرب الخمر شربنا وهكذا.
الملاحظ في كل هذه العقائد والافكار وأصحابها أنّها تخدم السلطة كل واحدة
بطريقتها حيث تبرّر للحكّام تصرفاتهم البعيدة عن الاسلام بأفكار وأحكام
اعتقادية وتهدّئ الجمهور الإسلامي حين توجّهه بهذه الافكار.
من هنا ندرك السبب الذي جعل من الحكام أن يسمحوا بالانتشار لهذه التيّارات
الناشئة من أفكار منحرفة جاء بها اليهود وغيرهم الى العالم الإسلامي.
هذا هو عرض مختصر للظواهر والاحداث السياسية والثقافية والفكرية، التي برزت في
عصر المنصور وكان الإمام موسى الكاظم عليه السلام معاصراً لها.
أمّا ما هو منهج الإمام وأساليبه ومواقفه في خضم هذه الاجواء المملؤة بالشبهات
والتهم والتضييق ؟ !.1
1- اعلام الهداية / سيرة الامام الكاظم عليه السلام.
2012-12-21