النبي أيوب(ع)
النبي أيوب(ع)
واذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وعَذابٍ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وشَرابٌ ووَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ ومِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّ وذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ وخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ ولا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ
عدد الزوار: 536
قال الله تعالى في سورة الأنبياء: ﴿ وأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وآتَيْناهُ أَهْلَهُ ومِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِن وذِكْرى لِلْعابِدِينَ﴾. وقال في سورة (ص) ﴿واذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وعَذابٍ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وشَرابٌ ووَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ ومِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّ وذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ وخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ ولا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾.
قال أمين الإسلام الطبرسي طاب ثراه أي واذكر أيوب حين دعا ربه لما اشتدت المحنة به ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ﴾ أي نالني وأصابني الجهد ﴿ وأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾.
و هذا تعريض منه بالدعاء لإزالة ما به من البلاء بِنُصْبٍ وعَذابٍ أي تعب ومكروه ومشقة وقيل بوسوسة فيقول له طال من ضرك ولا يرحمك ربك.
و قيل: بأن يذكره ما كان فيه من نعم الله تعالى وكيف زال ذلك كله طمعا أن يزله بذلك فوجده صابرا مسلما لأمر الله.
و قيل: إنه اشتد مرضه حتى تجنبه الناس فوسوس الشيطان إلى الناس أن يستقذروه ويخرجوه من بينهم ولا يتركوا امرأته التي تخدمه أن تدخل عليهم فكان أيوب يتأذى بذلك ويتألم منه ولم يشك الألم الذي كان من أمر الله.
قال قتادة دام ذلك سبع سنين وروي ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام.
ارْكُضْ بِرِجْلِكَ أي ادفع برجلك الأرض هذا ﴿مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وشَرابٌ﴾ و في الكلام حذف أي فركض برجله فنبعت بركضته عين ماء.
﴿وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً﴾ و هو ملء الكف من الشماريخ وما أشبه ذلك أي وقلنا له ذلك وذلك أنه حلف على امرأته لأمر أنكره من قولها إن عوفي ليضربنها مائة جلدة فقيل له خذ ضغثا بعدد ما حلفت فاضربها به دفعة واحدة فإنك إذا قلعت برت يمينك ﴿وَ لا تَحْنَثًْ﴾ أي يمينك.
و روي عن ابن عباس أنه قال: كان السبب في ذلك أن إبليس لقيها في صورة طبيب فدعته إلى مداواة أيوب فقال أداويه على أنه إذا برأ يقول أنت شفيتني ولا أريد جزاء سواه فقالت نعم فأشارت إلى أيوب بذلك فحلف ليضربنها.
إِنَّهُ أَوَّاب أي راجع إلى الله منقطع إليه.
روى العياشي بإسناده أن عباد المكي قال: قال لي سفيان الثوري إني أرى لك من أبي عبد الله منزلة فاسأله عن رجل زنى وهو مريض فإن أقيم عليه الحد خافوا أن يموت ما يقول فيه فسألته فقال لي هذه المسألة من تلقاء نفسك وأمرك بها إنسان فقلت إن سفيان الثوري أمرني أن أسألك عنها فقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتي برجل أحبن يعني به الاستسقاء قد استسقى وبدت عروقه وقد زنى بامرأة مريضة فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتي بعرجون فيه شمراخ فضرب به ضربة وخلى سبيله رواه الصدوق في الفقيه بسند صحيح.
الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله عز وجل يبتلي المؤمن بكل بلية ويميته بكل ميتة ولا يبتليه بذهاب عقله أ ما ترى أيوب كيف تسلط إبليس على ماله وعلى ولده وعلى أهله وعلى كل شيء منه ولم يسلط على عقله ترك له ليوحد الله به.
و عنه عليه السلام: قال يؤتى بالمرأة الحسناء يوم القيامة التي قد افتتنت في حسنها فتقول يا رب حسنت وجهي حتى لقيت ما لقيت فيجاء بمريم عليه السلام فيقال أنت أحسن وهذه قد حسناها فلم تفتتن ويجاء بالرجل الحسن الذي قد افتتن في حسنه فيقول يا رب قد حسنت خلقي حتى لقيت من النساء ما لقيت فيجاء بيوسف صلى الله عليه وآله وسلم فيقال أنت أحسن وهذا قد حسناه فلم يفتتن ويجاء بصاحب البلاء الذي قد أصابته الفتنة في بلائه فيقول يا رب شددت علي البلاء حتى افتتنت فيؤتى بأيوب عليه السلام فيقال أ بليتك أشد أم بلية هذا فقد ابتلي ولم يفتتن.
تفسير علي بن إبراهيم بإسناده إلى الصادق عليه السلام قال: أبو بصير سألته عن بلية أيوب عليه السلام التي ابتلي بها في الدنيا لأي علة كانت قال لنعمة أنعم الله عليه بها في الدني وأدى شكره وكان في ذلك الزمان لا يحجب إبليس من دون العرش فلما صعد ورأى شكر نعمة أيوب حسده إبليس فقال يا رب إن أيوب لم يؤد إليك شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته من الدني ولو حرمته دنياه ما أدى إليك شكر نعمة أبدا فقيل له قد سلطتك على ماله وولده قال فانحدر مسرعا خشية أن تدركه رحمة الله عز وجل فلم يبق له مال وولدا إلا أعطاه فازداد أيوب لله شكر وحمدا قال فسلطني على زرعه قال قد فعلت فجاء مع شياطينه فنفخ فيه فاحترق فازداد أيوب لله شكر وحمدا فقال يا رب سلطني على بدنه فسلطه على بدنه ما خلا عقله وعينيه ولسانه وسمعه فنفخ فيه إبليس فصار قرحة واحدة من قرنه إلى قدمه فبقي في ذلك دهرا يحمد الله ويشكره حتى وقع في بدنه الدود وكانت تخرج من بدنه فيرده ويقول لها ارجعي إلى موضعك الذي خلقك الله منه فنتن حتى أخرجه أهل القرية من القرية وألقوه في المزبلة خارج القرية وكانت امرأته رحمة بنت يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلوات الله عليهم وعليها تتصدق من الناس بما تجده فلما طال عليه البلاء ورأى إبليس صبره أتى أصحابا له كانوا في الجبال رهبان وقال لهم مروا بنا إلى هذا العبد المبتلى فنسأله عن بليته فركبوا بغالا شهبان وجاءوا فلما دنوا منه نفرت بغالهم من نتن ريحه فقرنوا بعضها إلى بعض ثم مشوا إليه وكان فيهم شاب حدث السن فقعدوا إليه فقالوا يا أيوب لو أخبرتنا بذنبك وما ترى ابتلاءك بهذا البلاء الذي لم يبتل به أحد إلا من أمر كنت تسره فقال أيوب وعزة ربي إنه ليعلم أني ما أكلت طعاما إل وعلى خواني يتيم وضعيف يأكل معي وما عرض لي أمران كليهما طاعة إلا أخذت بأشدهما على بدني فقال الشاب سوءة لكم عمدتم إلى نبي الله فعيرتموه حتى أظهر من عبادة ربه ما كان يسرها فقال أيوب لو جلست مجلس الخصم منك لأدليت بحجتي فبعث الله إليه غمامة فنطق فيها ناطق بعشرة آلاف لسان وستة آلاف لغة يا أيوب أدل بحجتك فإني منك قريب ولم أزل قريبا قال فشد عليه مئزره وجثا على ركبتيه وقال ابتليتني بهذه البلية وأنت تعلم أنه لم يعرض لي أمران قط إلا لزمت بأحسنهما على بدني ولم آكل أكلة من طعام إل وعلى خواني يتيم قال فقيل له يا أيوب من حبب إليك الطاعة ومن صيرك تعبد الله والناس عنه غافلون وتحمده وتسبحه وتكبره والناس عنه غافلون أ تمن على الله بما لله المن فيه عليك فأخذ التراب ووضعه في فيه ثم قال أنت يا رب فعلت ذلك بي فأنزل الله عليه ملكا فركض برجله فخرج الماء فغسله بذلك الماء فعاد أحسن ما كان فأنبت الله عليه روضة خضراء ورد عليه أهله وماله وولده وزرعه وقعد معه الملك يحدثه فأقبلت امرأته معها الخبز اليابس فلما انتهت إلى الموضع إذا الموضع متغير وإذا رجلان جالسان فبكت وصاحت وقالت يا أيوب ما دهاك فناداها أيوب فأقبلت فلما رأته وقد رد الله عليه بدنه ونعمته سجدت لله شكرا فرأى ذؤابتها مقطوعة وذلك أنها سألت قوما أن يعطوها ما تحمله إلى أيوب من طعام وكانت حسنة الذؤابة فقالوا لها تبيعينا ذؤابتك هذه حتى نعطيك فقطعته ودفعتها إليهم وأخذت منهم طعاما لأيوب فلما رآها مقطوعة الشعر غضب وحلف عليها أن يضربها مائة فأخبرته أنه كان سببه كيت وكيت فاغتم أيوب من ذلك فأوحى الله إليه ﴿وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ ولا تَحْنَثْ﴾ فأخذ مائة شمراخ فضربها ضربة واحدة فخرج من يمينه ثم قال ﴿وَ وَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ ومِثْلَهُمْ مَعَهُمْ﴾ قال فرد الله عليه أهله الذين ماتوا بعد ما أصابهم البلاء كلهم أحياهم الله فعاشوا معه وسئل أيوب عليه السلام بعد ما عافاه الله أي شيء كان أشد عليك مما مر عليك قال شماتة الأعداء قال فأمطر الله عليه في داره فراش الذهب وكان يجمعه فإذا ذهب الريح بشيء عدا خلفه فرده فقال له جبرائيل أ ما تشبع يا أيوب قال ومن يشبع من رزق ربه.
و عن ابن عباس: أن الله رد على المرأة شبابها حتى ولدت له ستة وعشرين ذكر وكان له سبعة بنين وسبع بنات أحياهم الله له بأعيانهم.
و عن أبي عبد الله عليه السلام: قال ابتلي أيوب سبع سنين بلا ذنب.
و عنه عليه السلام: أن الله تبارك وتعالى ابتلى أيوب عليه السلام بلا ذنب فصبر حتى عير وأن الأنبياء لا يصبرون على التعيير.
الأمالي بإسناده إلى الصادق عليه السلام: أن أيوب عليه السلام مع جميع ما ابتلي به لم تنتن له رائحة ولا قبحت له صورة ولا خرجت منه مدة ولا دم ولا قيح ولا استقذره أحد رآه ولا استوحش منه أحد شاهده ولا تدود شيء من جسده.
و هكذا يصنع الله عز وجل من يبتليه من أنبيائه وأوليائه المكرمين عليه وإنما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر أمره لجهلهم بما له عند ربه تعالى ذكره من التأييد والفرج.
و قد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أعظم الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل.
و إنما ابتلاه الله عز وجل بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس لكيلا يدعوا له الربوبية إذا شاهدوا ما أراد الله أن يوصله إليه من عظائم نعمه تعالى متى شاهدوه وليستدلوا بذلك على أن الثواب من الله تعالى على ضربين استحقاق واختصاص ولئلا يحتقروا ضعيفا لضعفه ولا فقيرا لفقره ولا مريضا لمرضه وليعلموا أنه يسقم من يشاء ويشفي من يشاء كيف يشاء بأي سبب شاء ويجعل ذلك عبرة لمن شاء وشقاوة لمن شاء وسعادة لمن شاء وهو عز وجل في جميع ذلك عدل في قضائه وحكيم في أفعاله لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم ولا قوة إلا به.
أقول هذا الحديث كما قاله شيخنا المحدث أبقاه الله تعالى أوفق بأصول متكلمي الإمامية من كونهم عليه السلام منزهين عما يوجب تنفر الطبائع عنهم فتكون الأخبار الأخر محمولة على التقية لموافقتها روايات العامة لكن إقامة الدليل على نفي ذلك عنهم ولو بعد ثبوت نبوتهم وحجتهم لا يخلو من إشكال مع أن الأخبار الدالة على ثبوتها أكثر وأصح وبالجملة للتوقف فيه مجال.
و قال السيد الأجل علم الهدى قدس الله ضريحه فإن قيل أ فتصححون ما روي من أن الجذام أصابه حتى تساقطت أعضاؤه.
قلنا أما العلل المستقذرة التي تنفر من رآه وتوحشه كالبرص والجذام فلا يجوز شيء منها على الأنبياء عليهم السلام لما تقدم ذكره لأن النفور ليس يوافق على الأمور القبيحة بل قد يكون من الحسن والقبيح مع وليس ينكر أن تكون أمراض أيوب عليه السلام وأوجاعه ومحنه في جسمه ثم في أهله وماله بلغت مبلغا عظيما تزيد في الغم والألم على ما ينال المجذوم وليس ينكر تزايد الألم فيه عليه السلام وإنما ينكر ما اقتضى التنفير.
الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله عز وجل لما عافى أيوب نظر إلى بني إسرائيل قد ازدرعت فرفع طرفه إلى السماء فقال إلهي وسيدي عبدك أيوب المبتلى عافيته ولم يزدرع شيئ وهذا لبني إسرائيل زرع فأوحى الله عز وجل إليه يا أيوب خذ من سبحتك كفا فابذره وكانت سبحته فيها ملح فأخذ أيوب كفا فبذره فخرج هذا العدس وأنتم تسمونه الحمص ونحن نسميه العدس.
معاني الأخبار معنى أيوب من آب يئوب وهو أنه يرجع إلى العافية والنعم والأهل والمال والولد بعد البلاء.
و قال الصادق عليه السلام: ما سأل أيوب العافية في شيء من بلائه.
أقول: رد السيد الأخبار الواردة بأن الشيطان تسلط على أيوب وأهلك ماله وغنمه وأولاده ونفخ في بدنه وجعله قرحة واحدة وقال إن إبليس لا يقدر على أن يقرح الأجساد ولا يفعل الأمراض وإنما الله سبحانه هو الذي أوجد المرض في بدن أيوب عليه السلام امتحانا له وتعريضا بالثواب من حيث الصبر على الأوجاع والأسقام.
و لا يخفى ما يرد على هذا الكلام ولا نرى فرقا بين ما صدر من الأشقياء بالنسبة إلى الأنبياء والأئمة عليهم السلام حيث خلاهم الله تعالى وأنفسهم نظرا إلى مصلحة التكليف ففعلوا ما فعلوا من قتلهم وإيصال الأوجاع إلى أبدانهم وبين ما أتاه الشيطان بالنسبة إلى أيوب وأولاده وأمواله.
و أما التسلط المنفي في الآية فهو إنما يكون بالنسبة إلى الأديان لا الأبدان.
قال الثعلبي في العرائس قال وهب وكعب وغيرهما من أهل الكتاب كان أيوب عليه السلام رجلا من الروم وكان مكتوبا على جبهته المبتلى الصابر وهو أيوب بن أموص بن دارح بن روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام وكانت أمه من ولد لوط بن هاران عليه السلام وكانت له البثنة بلدة من بلاد الشام وكان له فيها من أصناف المال من الإبل والبقر والخيل والغنم وكان برا تقيا رحيم وكان يحترز من الشيطان وكيده وكان معه ثلاثة قد آمنوا به وصدقوه رجل من أهل اليمن يقال له اليفن ورجلان من أهل بلاده بلدد وصافن.
قال وهب إن لجبرئيل عليه السلام بين يدي الله مقاما ليس لأحد من الملائكة في القربة والفضيلة وإن جبرائيل عليه السلام هو الذي يتلقى الكلام فإذا ذكر الله تعالى عبدا بخير
تلقاه جبرائيل عليه السلام ثم لقاه ميكائيل وحوله الملائكة المقربون حافين من حول العرش فإذا شاع ذلك في الملائكة المقربين شاعت الصلوات على ذلك العبد من أهل السماوات فإذا صلت عليه ملائكة السماوات هبطت عليه بالصلاة إلى ملائكة الأرض.
و كان إبليس لعنه الله لا يحجب عن شيء من السماوات وكان يقف فيهن حيث ما أراد ووصل إلى آدم حين أخرجه من الجنة فلم يزل على ذلك يصعد حتى رفع الله تعالى عيسى فحجب من أربع وكان يصعد في ثلاث.
فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم حجب الثلاثة الباقية فهو وجنوده محجوبون من جميع السماوات إلى يوم القيامة ﴿ إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ﴾.
فلما سمع إبليس تجاوب الملائكة بالصلاة على أيوب عليه السلام وذلك حين ذكره الله تعالى وأثنى عليه فأدركه البغي والحسد فصعد سريعا حتى وقف من السماء موقفا كان يقفه فقال يا إلهي نظرت في أمر عبدك أيوب فوجدته عبدا أنعمت عليه فشكرك فعافيته فحمدك ثم لم تجربه بشده وبلاء وأنا لك زعيم لئن ضربته ببلاء ليكفرن بك ولينسينك فقال الله تعالى انطلق فقد سلطتك على ماله فانقض عدو الله حتى وقع إلى الأرض ثم جمع عفاريت الشياطين وعظماءهم فقال ما ذا عندكم من القوة والمعرفة فإني سلطت على مال أيوب وهي المصيبة الفادحة والفتنة التي لا يصبر عليها الرجال فقال عفريت من الشياطين أعطيت من القوة إذا شئت تحولت إعصارا من نار وأحرقت كل شيء آتي عليه قال له إبليس فأت الإبل ورعاتها فانطلق يؤم الإبل وذلك حين وضعت رءوسها في مراعيها فلم يشعر الناس حتى فار من تحت الأرض إعصار من نار تنفخ منه أرواح السموم لا يدنو منها شيء إلا احترق فلم يزل يحرقه ورعاتها حتى أتى على آخرها فلما أتى على آخرها تمثل إبليس براعيها ثم انطلق يؤم أيوب حتى وجده قائما يصلي فقال يا أيوب قال لبيك قال هل تدري ما الذي صنع ربك الذي اخترته وعبدته بإبلك ورعاتها قال أيوب إنها ماله أعارنيه وهو أولى به إذا شاء تركه وإن شاء نزعه وقديما ما وطنت نفسي ومالي على الفناء فقال إبليس وإن ربك أرسل عليها نارا من السماء فاحترقت كلها فترك الناس مبهوتون وقوفا عليها متعجبون منها منهم من يقول ما كان أيوب يعبد شيئ وما كان إلا في غرور ومنهم من يقول لو كان إله أيوب يقدر على أن يصنع شيئا لمنع وليه ومنهم من يقول بل هو الذي فعل ما فعل يشمت به عدوه ويفجع به صديقه.
قال أيوب الحمد لله حين أعطاني وحين نزع مني عريانا خرجت من بطن أمي وعريانا أعود في التراب وعريانا أحشر إلى الله تعالى. ليس ينبغي لك أن تفرح حين أعارك الله وتجزع حين قبض عاريته.
الله أولى بك وبما أعطاك ولو علم الله فيك أيها العبد خيرا لقبض روحك مع الأرواح فأجرني فيك وصرت شهيد ولكنه علم منك شرا فخلصك من البلاء.
فرجع إبليس إلى أصحابه خاسئا ذليلا فقال لهم ما ذا عندكم من القوة فإني لم أكلم قلبه قال عفريت من عظمائهم عندي من القوة ما إذا شئت صحت صوتا لا يسمعه ذو روح إلا خرجت نفسه قال له إبليس فأت الغنم ورعاتها فانطلق حتى إذا توسطها صاح صوتا فماتت من عند آخره ومات رعاتها ثم خرج متمثلا بقهرمان الرعاة حتى إذا جاء أيوب وهو قائم يصلي فقال له القول الأول ورد عليه أيوب الرد الأول.
ثم إن إبليس رجع إلى أصحابه فقال لهم ما ذا عندكم من القوة فإني لم أكلم قلب أيوب فقال عفريت من عظمائهم عندي من القوة ما إذا شئت تحولت ريحا عاصفا تنسف كل شيء فآتي عليه حتى لا أبقي شيئا قال له إبليس فأت الفدادين والحرث فانطلق يؤمهم وذلك حين قرنوا الفدادين وأنشئوا في الحرث وأولادها وقوع فلم يشعروا حتى هبت ريح عاصف فنسفت كل شيء من ذلك حتى كأنه لم يكن ثم خرج إبليس متمثلا بقهرمان الحرث حتى جاء أيوب وهو قائم يصلي فقال له مثل القول الأول ورد عليه أيوب مثل رده الأول.
فجعل إبليس يصيب ما له مالا مالا حتى مر على آخره بالهلاك وهو يحمد الله ويشكره على البلاء فلما رأى إبليس أنه لم ينجح منه بشيء صعد سريعا إلى موقفه فقال إلهي إن أيوب يرى أنك ما متعته بنفسه وولده فأنت معطيه المال فهل أنت مسلطي على ولده فإنها الفتنة المضلة والمصيبة التي لا يقوى عليها صبر الرجال فقال انطلق فقد سلطتك على ولده فانقض حتى جاء بني أيوب في قصرهم فلم يزل يزلزل بهم حتى تهدم قواعده ثم جعل يناطح جداره بعضها ببعض ويرميهم بالحجارة حتى إذا مثل بهم كل مثلة رفع بهم القصر وقلبه فصاروا منكبين وانطلق إلى أيوب متمثلا بالمعلم الذي كان يعلمهم الحكمة وهو جريح يسيل دمه وقال يا أيوب لو رأيت بنيك كيف عذبو وكيف قلبوا على رءوسهم تسيل دماؤهم ودماغهم من أنوفهم ولو رأيت كيف شقت بطونهم وتناثرت أمعاؤهم لتقطع قلبك فلم يزل يقول هذا حتى رق أيوب وأخذ.
قبضة من التراب فوضعها على رأسه فاغتنم إبليس ذلك فصعد سريعا بالذي كان من جزع أيوب مسرورا.
ثم لم يلبث به أيوب أن رجع إلى ربه فتاب واستغفر وصعد قرناؤه من الملائكة بتوبته فبدروا إبليس إلى الله تعالى فوقف إبليس خاسئا ذليلا فقال يا إلهي إنما هون على أيوب ما ذهب منه أنك متعته بنفسه فهل أنت مسلطني على جسده فإنك إن ابتليته في جسده كفر بك فقال الله عز وجل انطلق فقد سلطتك على جسده ولكن ليس لك سلطان على لسانه ولا على قلبه ولا على عقله.
و لم يسلطه سبحانه عليه إلا ليعظم له الثواب وجعله عبرة للصابرين وذكرى للعابدين في كل بلاء نزل ليأنسوا به بالصبر ورجاء الثواب.
فانقض عدو الله سريعا فوجد أيوب عليه السلام ساجدا فأتاه في موضع في وجهه فنفخ في منخره نفخة اشتعل منها جسده وصار قرحة واحدة ووقعت فيه حكة لا يملكها فحك بدنه بالفخار والحجارة فلم يزل يحك بدنه حتى تقطع لحمه وتغير وأنتن فأخرجه أهل القرية فجعلوه على كناسة وجعلوا له عريش ورفضه خلق الله كلهم غير امرأته رحمة بنت إفرائيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ص وكانت تختلف إليه بما يصلحه وكان له أصحاب ثلاثة فاتهموه ورفضوه من غير أن يفارقوا دينه وأخذوا في لومه وتعنيفه وكان من بينهم شاب فلامهم على ما كان منهم وما عيروا به أيوب حتى قال لهم إنكم أشد علي من مصيبتي ثم أعرض عنهم وقال يا رب لأي شيء خلقتني يا ليتني عرفت الذنب الذي أذنبت والعمل الذي عملت فصرفت وجهك الكريم عني لو كنت أمتني فألحقتني بآبائي فالموت كان أجمل بي ألما للغريب دار وللمسكين قرار ولليتيم ولي وللأرملة قيما إلهي أنا عبد ذليل إن أحسنت فالمن لك وإن أسأت فبيدك عقوبتي جعلتني للبلاء غرض ولو وقع علي بلاء لو وقع على جبل ضعف عن حمله فكيف يحمله ضعفي إلهي تقطعت أصابعي فإني لأرفع اللقمة من الطعام بيدي معا فما تبلغان فمي إلا على الجهد مني تساقطت لهواتي ولحم رأسي وإن دماغي ليسيل من فمي تساقط شعر عيني فكأنما أحرق بالنار وجهي وحدقتاي متدليان على خدي وورم لساني حتى ملأ فمي فما أدخل منه طعاما إلا غصني وورمت شفتاي حتى غطت العليا أنفي والسفلى ذقني وتقطعت أمعائي في بطني فإني لأدخلها الطعام فيخرج كما ذهب المال فصرت.
أسأل بكفي فيطعمني من كنت أعوله اللقمة الواحدة فيمنها علي ويعيرني هلك أولادي فلو بقي أحد منهم أعانني على بلائي ملني أهلي وعقني أرحامي وتنكرت معارفي وإن سلطانك هو الذي أسقمني وأنحل جسمي ولو أن ربي نزع الهيبة من صدري وأطلق لساني حتى أتكلم بملء فمي بمكان ينبغي للعبد أن يحاج عن نفسه لرجوت أن يعافيني عند ذلك مما بي ولكنه ألقاني وتعالى عني فهو يراني ولا أراه ولا نظر إلي فرحمني ولا دنا مني ولا أدناني فأتكلم ببراءتي وأخاصم عن نفسي فلما قال ذلك أيوب عليه السلام وأصحابه عنده أظلته غمام ثم نودي يا أيوب إن الله عز وجل يقول لك ها أنا قد دنوت منك ولم أزل منك قريبا فقم فأدل بعذرك وتكلم ببراءتك وخاصم نفسك واشدد إزارك وقم مقام جبار فإنه لا ينبغي أن يخاصمني إلا جبار مثلي ولا يمكن أن يخاصمني إلا من يجعل الزيار في فم الأسد والسخال في فم العنقاء واللجام في فم التنين ويكيل مكيالا من النور ويزن مثقالا من الريح ويصر صرة من الشمس ويرد أمس لقد منتك نفسك أمرا ما تبلغ بمثل قوتك أردت أن تخاصمني بعيك أم أردت أن تكابرني بضعفك أين أنت مني يوم خلقت الأرض فوضعتها على أساسها هل علمت بأي مقدار قدرتها أم كنت معي أم كنت تمتد بأطرافها أم تعلم ما بعد زواياها أم على أي شيء وضعت أكنافها أ بطاعتك حمل الماء الأرض أم بحكمك كانت الأرض للماء غطاء أين كنت مني يوم رفعت السماء سقفا في الهواء لا بعلائق ولا تحملها دعم من تحتها يبلغ من حكمك أن تجري نوره وتسير نجومه ويختلف بأمرك ليله ونهارها أين كنت مني يوم سخرت البحار وانبعت الأنهار أ قدرتك حبست أمواج البحار على حدودها أم قدرتك فتحت الأرحام حين بلغت مدتها أين أنت مني يوم صببت الماء على التراب ونصبت شوامخ الجبال هل لك من ذراع تطيق حملها أم هل تدري كم مثقال فيها أين الماء الذي أنزل من السماء أ حكمتك أحصت القطر وقسمت الأرزاق أم قدرتك تثير السحاب وتجري الماء هل تدري ما أصوات الرعود أم من أي شيء لهب البرق وهل رأيت عمق البحر هل تدري ما بعد الهواء هل تدري أين خزانة الثلج وأين خزانة البرد أم أين جبال البرد أم هل تدري أين خزانة الليل والنهار وأين طريق النور وبأي لغة تتكلم الأحجار وأين خزانة الريح وكيف نحبسه ومن جعل العقول في أجواف الرجال ومن شق الأسماع والأبصار.
فقال أيوب عليه السلام قصرت عن هذا الأمر الذي تعرض علي ليت الأرض انشقت لي فذهبت فيه ولم أتكلم بشيء يسخط ربي اجتمع علي البلاء.
إلهي قد جعلتني لك مثل العدو وقد كنت تكرمني وتعرف نصحي وقد علمت أن كل الذي ذكرت صنع يدك وتدبير حكمتك وإنما تكلمت لتعذرني وسكت حين سكت لترحمني كلمة زلت عن لساني فلن أعود وقد وضعت يدي في فمي وعضضت لساني وألصقت بالتراب خدي فاغفر لي ما قلت فلن أعود لشيء تكرهه مني.
فقال الله تعالى يا أيوب نفذ فيك علمي وسبقت رحمتي غضبي إذا أخطأت فقد غفرت لك ورددت عليك أهلك ومالك ﴿وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُم﴾ْ لتكون لمن خلفك آية وتكون عبرة لأهل البلاء وعزا للصابرين ﴿ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وشَرابٌ﴾ فركض برجله فانفجرت له عين فدخل فيه واغتسل فأذهب الله تعالى كل ما كان فيه من البلاء ثم خرج وجلس فأقبلت امرأته فقامت تلمسه في مضجعه فلم تجده فقامت مترددة كالوالهة ثم قالت يا عبد الله هل لك علم بالرجل المبتلى الذي كان هاهنا فقال لها هل تعرفينه إذا رأيتيه قالت نعم وما لي لا أعرفه فتبسم وقال أنا هو فعرفته بمضحكه فاعتنقته.
فذلك قوله وأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ واختلف العلماء في وقت ندائه ومدة بلائه والسبب الذي قال من أجله ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ﴾.
فعن أنس بن مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن أيوب نبي الله لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه وكان يخرج لحاجته فإذا قضى حاجته أمسك امرأته بيده حتى يبلغ فلما كان ذات يوم أبطأ عليه وأوحي إلى أيوب في مكانه ارْكُضْ بِرِجْلِكَ.
و قال الحسن مكث أيوب عليه السلام مطروحا على كناسة في مزبلة لبني إسرائيل سبع سنين وأشهر تختلف فيه الدواب ولم يبق له مال ولا ولد ولا صديق غير رحمة وهي زوجته صبرت معه وأيوب لا يفتر من ذكر الله والثناء عليه.
فصرخ إبليس صرخة جمع فيها جنوده من أقطار الأرض جزعا من صبر أيوب عليه السلام فلما اجتمعوا إليه قالوا ما حزنك قال أعياني هذا العبد الذي سألت الله أن يسلطني عليه وعلى ماله فلم يزد بذلك إلا صبر وثناء على الله تعالى فقد افتضحت بربي فاستغثت لتغيثوني عليه فقالوا له أين مكرك أين علمك الذي أهلكت به من مضى قال بطل ذلك كله في أمر أيوب عليه السلام فأشيروا علي قالوا نشير عليك أ رأيت آدم حين أخرجته من الجنة من أين أتيته قال من قبل امرأته قالوا فإنه من قبل امرأته فإنه لا يستطيع أن يعصيه وليس أحد يقربه غيرها قال أصبتم فانطلق حتى أتى امرأته وهي تصدق فتمثل لها في صورة رجل فقال أين بعلك يا أمة الله قالت هو ذلك يحك قروحه ويتردد الدواب في جسده فلما سمعها طمع أن تكون كلمة جزع فوسوس إليها فذكرها ما كانت فيه من النعيم والمال وذكرها جمال أيوب وشبابه وما هو فيه من الضر وأن ذلك لا ينقطع عنهم أبدا.
قال الحسن فصرخت فلما صرخت علم أنها قد جزعت فأتاها بسخلة فقال لتذبح هذه إلى أيوب ولا يذكر عليه اسم الله عز وجل فإنه يبرأ.
قال فجاءت تصرخ يا أيوب حتى متى يعذبك ربك أ لا يرحمك أين المال أين الولد أين لونك الحسن قد تغير وقد صار مثل الرماد اذبح هذه السخلة واسترح قال أيوب أتاك عدو الله فنفخ فيك وأجبتيه ويلك أ رأيت ما كنا فيه من المال والولد والصحة من أعطانيه قالت الله قال فكم متعنا به قالت ثمانون سنة قال فمذ كم ابتلاني الله تعالى بهذا البلاء قالت منذ سبع سنين وأشهر قال ويلك ما عدلت وما أنصفت ربك أ لا صبرت في البلاء الذي ابتلانا الله به ثمانين سنة كما كنا في الرخاء ثمانين سنة والله لئن شفاني الله عز وجل لأجلدنك مائة جلدة حين أمرتني أن أذبح لغير الله طعامك وشرابك الذي أتيتني به علي حرام أن أذوق مما تأتيني بعد إذ قلت لي هذا فاعزبي عني فلا أراك فطردها فذهبت.
فلما نظر أيوب عليه السلام إلى امرأته قد طرده وليس عنده طعام ولا شراب خر ساجد وقال ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ ثم ردد ذلك إلى ربه فقال وأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ فقيل له ارفع رأسك فقد استجيب لك ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ﴾ فركض برجله فنبعت عين فاغتسل منها فأذهب الله تعالى عنه كل ألم وعاد إليه شبابه وجماله أحسن ما كان ثم ضرب برجله فنبعت عين أخرى فشرب منها فلم يبق في جوفه داء إلا خرج فقام صحيح وكسي حلة فجعل يلتفت فلا يرى شيئا مما كان له من أهل ومال إل وقد أضعفه الله تعالى فجلس على مكان مشرف.
ثم إن امرأته قالت أ رأيت إن كان طردني إلى من أكله أدعه يموت جزع ويضيع فتأكله السباع فرجعت فلا كناسة ترى ولا تلك الحالة التي كانت فجعلت تبكي على أيوب وهابت صاحب الحلة أن تأتيه فتسأله عنه فدعاها أيوب فقال ما تريدين يا أمة الله فبكت وقالت أردت ذلك المبتلى الذي كان منبوذا على الكناسة لا أدري أ ضاع أم ما فعل قال لها فهل تعرفينه إذا رأيتيه فقالت أما أنه كان أشبه خلق الله بك إذا كان صحيحا قال فإني أيوب الذي أمرتني أن أذبح لإبليس وإني أطعت الله تعالى وعصيت الشيطان ودعوت الله تعالى فرد علي ما ترين.
و قيل: إن إبليس تعرض لرحمة وقال لو أن أيوب سجد لي سجدة واحدة لرددت عليه كلما أخذت منه وأنا إله الأرض وأنا الذي صنعت بأيوب ما صنعت وأراها أولاده والمال في بطن الوادي.
و قال وهب إن إبليس قال لرحمة لو أن صاحبك أكل طعام ولم يسم عليه لعوفي مما به من البلاء.
و رأيت في بعض الكتب أن إبليس لعنه الله قال لرحمة وإن شئت فاسجدي لي سجدة واحدة حتى أرد عليك المال والأولاد وأعافي زوجك فرجعت إلى أيوب فأخبرته بما قال لها قال لقد أتاك عدو الله ليفتنك عن دينك ثم أقسم إن عافاه الله تعالى ليضربها مائة جلدة وقال عند ذلك مَسَّنِيَ الضُّرُّ في طمع إبليس في سجود رحمة له ودعائه إياها.
و قيل: إنما قال ذلك حين قصدت الدودة قلبه ولسانه فخشي أن يبقى خاليا من الذكر والفكر.
و قيل: إنما قال ذلك حين وقعت الدودة من فخذه فرفعه وردها إلى موضعها فقال لها قد جعلني الله طعامك فعضته عضة زاد ألمها على جميع ما قاسى من عض الديدان وقيل إنما قال ذلك عند شماتة الأعداء فقال رب إني مسني الضر يعني شماتة الأعداء.
و يدل عليه ما روي أنه قيل له بعد ما عوفي ما كان أشد عليك في بلائك قال شماتة الأعداء.
أقول شماتة الأعداء أعظم المصائب والمحن لأنه عذاب روحاني وغيره عذاب جسماني والروح ألطف الأعضاء وأرقها.
و قد ورد في الحديث: أن أهل جهنم يكتمون عذاب النار حذرا من شماتة أهل الجنة1.
1 _النور المبين / المحدّث العلامة الجليل نعمة الله الجزائري.
2012-11-28