يتم التحميل...

الحائر الحسيني في عهد الرشيد

مرقد الإمام الحسين(ع)

تمتعت الشيعة ببعض الهدوء النسبي في زمن الخليفة المهدي، فكانت سياسته تتسم باللين وحسن المعاملة، وكان يعطف على العلويين ويبرهم، وعلى الرغم من قصر مدة حكمه،

عدد الزوار: 116

تمتعت الشيعة ببعض الهدوء النسبي في زمن الخليفة المهدي، فكانت سياسته تتسم باللين وحسن المعاملة، وكان يعطف على العلويين ويبرهم، وعلى الرغم من قصر مدة حكمه، كانت الشيعة تختلف على زيارة الحائر الحسيني بحرية تامة، وكان هذا الحال حتى بعد وفاته واستلام الرشيد لمقاليد الخلافة سنة 170 ه‍، لكن سرعان ما تغيرت سياسة الرشيد، فأعاد سياسة جده المنصور بالتضييق واستعمال البطش، والقسوة ضد العلويين، فزج الإمام موسى بن جعفر عليه السلام في السجن، ثم تآمر على قتله وهو في السجن عام 183 ه‍، ثم نقض العهد الذي أعطاه ليحيى بن عبد الله بن الحسن (أخو محمد ذو النفس الزكية) حينما ظهر بالديلم وقويت شوكته نتيجة سياسة الاضطهاد التي اتبعها الرشيد مع العلويين، وفي المدة الأخيرة من حكمه أي في سنة 187 ه‍، بدأت تظهر نواياه الخبيثة تجاه القبر الشريف، فقد عمد على كرب القبر المطهر، وقطع السدرة التي كانت بجانب القبر.

ففي رواية يحيى بن المغيرة الرازي كما يرويها الشيخ الطوسي في أماليه، قال: " كنت عند جرير بن عبد الحميد إذ جاءه رجل من أهل العراق، فسأله جرير عن خبر الناس، فقال: تركت الرشيد وقد كرب قبر الحسين عليه السلام، وأمر أن تقطع السدرة التي فيه فقطعت، قال: فرفع جرير يديه، وقال: الله أكبر قد جاءنا فيه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لعن الله قاطع السدرة ثلاثا، فلم نقف على معناه حتى الآن، لأن القصد بقطعه تغيير مصرع الحسين عليه السلام حتى لا يقف الناس على قبره عليه السلام ".

لقد حاول الرشيد العباسي أن يطمس آثار القبر، ويمحو رسمه، فكربه وقطع السدرة التي يستظل بها زائري القبر الشريف، ثم هدم الأبنية التي كانت تحيط به، عندما رأى افتتان الناس بالقبر المقدس، وتهافتهم على زيارته، وهذا بالطبع كان يغيظ الرشيد ولا يروق له، ثم أخذ يتعقب العلويين تحت كل حجر ومدر، وكان يعترف بأعماله الشائنة هذه، فكان يقف على قبر أمير المؤمنين علي عليه السلام فيقول: " أنا والله أعرف فضلك وسابقتك، وبك والله جلست مجلسي الذي أنا فيه، وأنت أنت، ولكن ولدك يؤذونني ويخرجون علي ".

وفي رواية عبد الله بن حازم بن خزيمة، قال: خرجنا مع الرشيد من الكوفة نتصيد، فصرنا إلى ناحية الغريين والثوية وذكر نحو المتن، ثم قال: إن أمير المؤمنين خرج إلى الرقة وأنا معه، فقال ذات ليلة ونحن بالرقة بعد سنة: يا ياسر تذكر ليلة الغريين؟ قلت: نعم، يا أمير المؤمنين، قال: أتدري قبر من ذاك؟ قلت: لا، قال: قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فقلت: يا أمير المؤمنين تفعل هذا بقبره وتحبس أولاده! فقال: "ويلك، إنهم يؤذونني ويحوجوني إلى ما أفعل بهم ".

لقد كان العباسيون يعترفون بفضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وسابقته في الإسلام، وأن عرش الخلافة الذي تبوؤا مقعده لا يمكن أن يصير إليهم إلا من طريق علي وآل علي عليه السلام حيث استغلوا عواطف الشيعة تجاه البيت العلوي، فبثوا دعاتهم بين أوساطهم، بحجة إعادة الأمر إلى أصحابه الشرعيين، والدعوة إلى الرضا من آل محمد، ثم استحوذوا على مقاليد الحكم، وبعد ذلك عاثوا في الأرض فسادا، وكان للعلويين في عهدهم نصيب كبير من الاضطهاد والجور، حتى قبورهم لم تسلم من العبث والتخريب.

ففي بداية الأمر أراد الرشيد التنكيل بالخدم والسدنة القائمين بخدمة الحائر المقدس، فأمر بإحضار سادنه ابن أبي داود لينال العقاب لقاء قيامه بخدمة قبر الحسين عليه السلام، ولما أحضر ابن داود سأله الرشيد وهو يستشيط غيظا: ما الذي صيرك في الحير؟ فأجابه: إن الحسن بن راشد هو الذي وضعني في ذلك الموضع، فهز الرشيد رأسه من الغيظ وقال: ما أخلط أن يكون هذا من تخليط الحسن أحضروه! ولما أحضر الحسن قال له: ما حملك على أن صيرت هذا الرجل في الحير؟ فقال الحسن: رحم الله من صيره في الحير، أمرتني أم موسى أن أصيره فيه، وأن أجري عليه في كل شهر ثلاثين درهما.

فسكت الرشيد ولم يحر جوابا، ثم قال: ردوه إلى الحير، وأجروا عليه ما أجرته أم موسى.
لكن الرشيد آل على نفسه على أن يضع حدا لهذا القبر فأخذ بهدمه وتخريبه، ففي رواية محمد بن أبي طالب، حيث قال: " وكان قد بني على قبر الحسين عليه السلام مسجد، ولم يزل كذلك بعد بني أمية، وفي زمن بني العباس إلى زمن هارون الرشيد، فإنه خربه وقطع السدرة التي كانت نابتة عنده وكرب موضع القبر ".

فإذا كان بنو أمية تساهلوا بعض الشئ عن التعرض للقبر الشريف، فبني العباس ندموا على عدم مشاركتهم في تصفية الحسين جسديا، فتتبعوه وهو رميما، فلله در الشاعر حيث يقول:

أسفوا على أن لا يكونوا شايعوا * في قتله فتتبعوه رميما

ولم يقتصر هدم قبر الحسين عليه السلام على الرشيد فقط، بل تعدى إلى الولاة من آل بني العباس، فهذا موسى بن عيسى الهاشمي والي الكوفة للرشيد يأمر بهدم وتخريب القبر المطهر، ففي رواية يحيى بن عبد الحميد الحماني، قال: خرجت أيام ولاية موسى بن عيسى الهاشمي في الكوفة من منزلي فلقيني أبو بكر بن عياش، فقال لي: امض بنا يا يحيى إلى هذا، فلم أدر من يعني، وكنت أجل أبا بكر عن مراجعته، وكان راكبا حمارا، فجعل يسير عليه، وأنا أمشي مع ركابه.

فلما صرنا عند الدار المعروفة بدار عبد الله بن حازم، التفت إلي، وقال لي: يا بن الحماني جررتك معي وجشمتك معي أن تمشي خلفي لأسمعك ما أقول لهذا الطاغية، قال: فقلت: من هو يا أبا بكر؟ قال: هذا الفاجر الكافر موسى بن عيسى، فسكت عنه ومضى وأنا أتبعه حتى إذا صرنا إلى باب موسى بن عيسى، وبصر به الحاجب وتبينه، وكان الناس ينزلون عند الرحبة، فلم ينزل أبو بكر هناك، وكان عليه يومئذ قميص وإزار، وهو محلول الأزار.

قال: فدخل على حماره وناداني: تعال يا بن الحماني، فمنعني الحاجب فزجره أبو بكر وقال له: أتمنعه يا فاعل وهو معي؟ فتركني فما زال يسير على حماره حتى دخل الإيوان، فبصر بنا موسى وهو قاعد في صدر الإيوان على سريره بجنبي السرير رجال متسلحون.

فلما رآه موسى رحب به وقربه وأقعده على سريره، ومنعت أنا حين وصلت إلى الإيوان أن أتجاوزه، فلما استقر أبو بكر على السرير التفت إلي حيث أنا واقف فناداني وقال: ويحك، فصرت إليه ونعلي في رجلي وعلي قميص وإزار، فأجلسني بين يديه، فالتفت إليه موسى فقال: هذا رجل كلمنا فيه؟ قال: لا، ولكن جئت به شاهدا عليك، قال: في ماذا؟ قال: إني رأيتك وما صنعت بهذا القبر.

قال: أي قبر؟ قال:" قبر الحسين بن علي بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان موسى قد وجه إليه من كربه وكرب جميع أرض الحائر وحرثها وزرع الزرع فيها، فانتفخ موسى حتى كاد أن ينقد، ثم قال: ما أنت وذاك...إلى آخر الرواية ".

يتضح من رواية الحماني بأن القبر الشريف كان عرضة للعبث والتخريب على أيدي العباسيين خلفاء كانوا أم ولاة 1.


1-مرقد الامام الحسين عليه السلام تحسين آل شبيب.

2012-11-15