يتم التحميل...

الحديقة الثانية والعشرون

الحدائق الرمضانية

أللهم افتح لي فيه أبواب فضلك وأنزل عليّ فيه أبواب بركاتك ووفقني فيه لموجبات مرضاتك وأسكني فيه بحبوحات جناتك يا مجيب دعوة المضطرين...

عدد الزوار: 200

وفيها
* دعاء اليوم الثاني والعشرين
* ليلة الجهني
* الروايات ورأي العلماء
* معنى القـدر
* وما أدراك ما ليلة القدر
* ليلـة صـاحب الأمـر
* علامات ليلة القدر
* أعمال الليلة الثالثة والعشرين

* دعاء اليوم الثاني والعشرين
أللهم افتح لي فيه أبواب فضلك وأنزل عليّ فيه أبواب بركاتك ووفقني فيه لموجبات مرضاتك وأسكني فيه بحبوحات جناتك يا مجيب دعوة المضطرين.
بديهي أن يكون من مهام هذا الدعاء الإعداد لليلة القدر، وفي ظلاله يقرأ القلب:إلهي إذا أسفر الصبح من ليلة القدر ولم يكن اسمي في ديوان السعداء فأي باب أطرق وإلى من أتوجه. ما أظنك يا أرحم الراحمين تردّني في حاجة أفنيت عمري في طلبها. ما هكذا الظن بك ولا المعروف من فضلك. لا أسألك اتكالاً على عملي وإنما أقف بأبواب فضلك اتكالاً عليك. وحق لمن أحسن بك ظناً أن يطمع بعلّيّين ومرافقة النبيين إنك نِعمَ المولى وإن كنت بئس العبد.
من لي غيرك أسأله كشف ضري والنظر في أمري يا مجيب دعوة المضطرين.

* ليلة الجهني
هانحن على مشارف الليلة الثالثة والعشرين.
إنها أفضل ليالي القدر على الإطلاق.
و يجد المتأمل في الروايات أنها تقرن الحديث عن الليلتين السابقتين بالحديث عن امتياز هذه الليلة، فهناك حرمة وفضيلة لليلة التاسعة عشر إلا أن حرمة الليلة الواحدة والعشرين أكبر وفضيلتها أكثر، ولكنها رغم ذلك دون فضيلة الليلة الثالثة والعشرين، التي تقع في المرتبة الأولى بل هي ليلة القدر على الإطلاق وإن كان لسابقتيها ولليلة النصف من شعبان مدخلية في التقدير، فذلك مرتبط بهذه الليلة ومتفرع عليها.

وقد حظيت هذه الليلة من رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام بعناية لم تحظ بها أي ليلة على الإطلاق، فقد روي عن أمير المؤمنين " صلوات الله عليه" أن رسول الله صلى الله عليه وآله، كان ".." يوقظ أهله ليلة ثلاث وعشرين، وكان يرش وجوه النيام بالماء، في تلك الليلة، وكانت فاطمة عليها السلام، لا تدع أحداً من أهلها ينام تلك الليلة، وتداويهم بقلة الطعام، وتتأهب لها من النهار، وتقول: محروم من حرم خيرها ".
إنها ليلة الجُهَني. بهذا الإسم عرفت عبر القرون وما تزال، تمييزاً لها عما سواها، وشداً للإنتباه لاستثمار كل لحظة من لحظاتها العظيمة.

ما المراد بالجُهَني؟
كان بالقرب من المدينة مؤمن من قبيلة جُهَينة، و كانت له إبلٌ وأغنام لا يستطيع أن يتركها ليدخل إلى المدينة المنورة ثلاث مرات لإحياء ليالي القدر، فسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في محضر من المسلمين أن يحدد له ليلة يدخل المدينة فيها لإحيائها بالتهجد والعبادة، فأسرّ إليه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلّم الجواب. و النتيجة أن الحاضرين قد سمعوا السؤال ولم يسمعوا الجواب، إلا أن هذا الجُهني – وهي النسبة إلى قبيلته جهينة- كان يشاهَد في ما بعد يدخل إلى المدينة في الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان المبارك، وقد ربط المسلمون بين السؤال وما التزم به الجهني، فسُمّيت هذه الليلة بليلة الجُهَني.

ولابد من ملاحظة أمور:
1- اسم الجهني: "عبد الرحمن بن أنيس الأنصاري".

2- خبر الجهني مروي عن الإمام الباقر عليه السلام، قال الراوي:" سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن الجهني أتى إلى رسول صلى الله عليه وآله فقال له: يا رسول الله إن لي إبلاً وغنما وغلمة، فاحب أن تأمرني ليلة أدخل فيها فأشهد الصلاة و ذلك في شهر رمضان، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وآله فساره في أذنه. قال: فكان الجهني إذا كانت ليلة ثلاث وعشرين دخل بإبله وغنمه وأهله وولده وغلمته، فكان تلك الليلة ليلة ثلاث وعشرين بالمدينة، فإذا أصبح خرج بأهله وغنمه وإبله إلى مكانه".

3- قال الشيخ الطوسي: " وإنما لم تعين هذه الليلة ليتوفر العباد على العمل في سائر الليالي".
ولدى الرجوع إلى روايات ليلة القدر يتضح أن هدف المعصوم عليه السلام، التوجيه إلى الإهتمام بليالي القدرالثلاث، كل منها بما يناسبها، وهو يستدعي عدم التصريح بما يؤدي إلى ترك الإهتمام بليلتين والتركيز على ليلة واحدة، لأن ذلك يحرم الأمة من خير كثير، كما يستدعي بيان الفضيلة الخاصة جداً لليلة الثالثة والعشرين بما يحفظ فضيلة الليلتين التاسعة عشر والحادية والعشرين، ويمكن تحقيق ذلك بطريقين: النصوص التي تتكفل بذلك، والتي تتراوح بين التصريح والإجمال، وتقديم نموذج عملي هوعادة أبلغ أثراً من النصوص في إيصال الفكرة.

وفي هذا السياق ينبغي أن يفهم جواب المصطفى للجهني سراً، فهو صلى الله عليه وآله يعلم أنه سيدخل المدينة في الليلة الثالثة والعشرين وأن المسلمين سيربطون بين ذلك وما ساره به رسول الله صلى الله عليه وآله، وأن النتيجة مزيد اهتمام بهذه الليلة دون التفريط بالليلتين السابقتين.
فلنغتنم أيها العزيز كل لحظة يمكننا استثمارها من ليلة الجهني.

* الروايات ورأي العلماء
قال الشيخ المفيد:"وفي ليلة ثلاث وعشرين منه أنزل الله عز وجل على نبيه الذكر، وفيها ترجى ليلة القدر.".."وهي ليلة عظيمة الشرف، كثيرة البركات ".
قال الشيخ الطوسي:" وليلةالقدر في العشر الأواخر من شهر رمضان بلا خلاف، وهي ليلة الأفراد بلا خلاف وقال أصحابنا هي احدى الليلتين إما ليلة احدى وعشرين أو ثلاث وعشرين ".

ويرجع هذا الترديد - في كلام العلمين- إلى ماورد في روايات تصرح بعدم التعيين، من ذلك قول الراوي: قلت لأبي جعفر عليه السلام: أخبرني عن ليلة القدر، قال: التمسها في ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين، فقلت: أفردها لي، فقال: وما عليك أن تجتهد في ليلتين.وقال السيد ابن طاوس:" إعلم أن هذه الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان، وردت أخبار صريحة بأنها ليلة القدر على الكشف والبيان.

ثم ذكرالروايات التالية:
1- قال (الراوي): قلت لأبي عبد الله عليه السلام أفرد لي ليلة القدر، قال: ليلة ثلاث وعشرين.

2- ".. سألت أبا جعفر عليه السلام عن ليلة القدر، فقال: أخبرك والله ثم لا أعمي عليك، هي أول ليلة من السبع (الأواخر).
أضاف السيد: لعله قد أخبر عن شهر كان تسعاً وعشرين يوماً، ".." ووجدت بعد هذه التأويل ".." عن زرارة قال: كان ذلك الشهر تسعة وعشرين يوماً.

3- ومن ذلك بأسنادنا إلى ضمرة الأنصاري، عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله يقول: ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرون".
ولايختلف رأي السيد عن رأي المفيد والطوسي، إلا أنه هنا بصدد التأكيد على أهمية الليلة الثالثة والعشرين، وقد مر في الحديث عن الليلة الواحدة والعشرين تصريح السيد بضرورة الإهتمام بالليالي الثلاث، وأعيد كلامه هنا مع إضافات، لارتباطه بالموردين على حد سواء.

قال رحمه الله: " وقد كنت أجد الروايات متظاهرات بتعظيم هذه الثلاث ليال المفردات: ليلة تسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين، فربما اعتقدت أن تعظيمها لمجرد احتمال أن تكون واحدة منها ليلة القدر، ثم وجدت في الأخبار أن كل ليلة من هذه الثلاث ليال المذكورة فيها أسرار لله جل جلاله وفوائده لعباده مذخورة. فمن ذلك ما رويته".." عن زرارة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: التقدير في ليلة تسع عشرة، والإبرام في ليلة احدى وعشرين، والإمضاء في ليلة ثلاث وعشرين.".." وقال الصادق عليه السلام: في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان التقدير، وفي ليلة إحدى وعشرين القضاء، وفي ليلة ثلاث وعشرين إبرام ما يكون في السنة إلى مثلها، ولله عز وجل أن يفعل ما يشاء في خلقه".

ولا يختلف رأي سائر العلماء عما ذكره الأعلام الثلاثة قدس الله تعالى أسرارهم، لتكون النتيجة الإجماع على فضيلة الليالي الثلاث مع امتياز خاص ونوعي لليلة الثالثة والعشرين، ليلة الجهني.عن أبي عبد الله (الصادق) عليه السلام قال: "إن ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان هي ليلة الجهني. فيها يفرق كل أمر حكيم. وفيها تثبت البلايا والمنايا والآجال والأرزاق والقضايا وجميع ما يحدث الله فيها إلى مثلها من الحول..".

* معنى القـدر
قال الشيخ الطوسي: والقدر كون الشئ على مساواة غيره من غير زيادة ولا نقصان، وليلة القدر هي:
1- الليلة التي يحكم الله فيها ويقضي بما يكون في السنة بأجمعها من كل أمر..يقال: قدر الله هذا الأمر يقدره قدرا إذا جعله على مقدار ما تدعو إليه الحكمة.

2- وقيل: فسر الله تعالى ليلة القدر بقوله: فيها يفرق كل أمر حكيم.

3- وقيل: سميت ليلة القدر لعظم شأنها وجلالة موقعها من قولهم: فلان له قدر والأول أظهر.
ففي ليلة القدر تحدد الأمور على مقاديرها(التي) جعلهاالله في الآجال والأرزاق والمواهب التي يجعلها الله للعباد. ويقع فيها غفران السيئات ويعظم منزلة الحسنات على ما لا يقع في ليلة من الليالي".

ومن الواضح أن مراد الشيخ رضوان الله تعالى عليه من "المساواة" مافسره بقوله: "ماتدعو إليه الحكمة" وهو يعني أن التساوي يقع بين المقدمات والنتائج وفق موازين الرحمة والعدل، فيعطى كل شخص وكل جماعة وكل مخلوق عموماً، ما ينسجم مع هذه الموازين الإلهية، حتى إذا لم تتحقق به المساواة بين الناس أو بين المخلوقات، بمعنى أن يأخذ الجميع حصة واحدة متساوية.
ليلة القدر إذاً، هي ليلة القانون الإلهي الذي يحكم الوجود كله، على قاعدة الإمهال.

* وما أدراك ما ليلة القدر
ليلة القدر كما تقدم هي ليلة إصدار الأحكام الإلهية في حق الناس وسائر المخلوقات، وتعرف قوانين البشر إتاحة الفرصة لمن سيصدرالحكم في حقه ليحسِّن من موقعه فيسمح له بالدفاع عن نفسه، إلا أن هذه القوانين لاتتيح هذه الفرصة لمن صدر الحكم النهائي حوله بعد الإستئناف.

وحكم الله تعالى نهائي أبداً لأنه يلحظ من مصلحة المحكوم عليه ما لايفكر هو به ولا يطمع بالوصول إليه لو خلي ونفسه، ومع ذلك فإنه سبحانه بالإضافة إلى إتاحة فرصة الدفاع عن النفس بالمباشرة أو من خلال الموكلين وغير الموكلين من المؤمنين الذين يدعون لغيرهم، قد أتاح فرصة إلهية يعجز كل البشر عن تأمين أدنى مستوياتها، تمكِّن من ستصدر الأحكام في حقهم من النقلة النوعية من أسفل سافلين إلى أعلى عليين.

لقد رفع الله تعالى من خصائص الزمان والمكان والإنسان وعمله ونيته ورفع من خصائص كل خطوط دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب، بل لغير المؤمن أيضاً من الأموات والأحياء، وجعل كل النبيين والأولياء والملائكة شركاء مؤسسين في الدعاء للمؤمنين وجعل لذلك من الثواب والنتائج ما لم يخطر على قلب بشر، وعبر عن ذلك كله – وعن غيره مما لاندري- بقوله سبحانه: وما أدراك ما ليلة القدر؟!

قال الشيخ الطوسي:
والأوقات إنما يفضل بعضها على بعض بما يكون من الخير الجزيل والنفع الكثير فيها دون غيرها فلما جعل الله تعالى الخير الكثير يقسم في ليلة القدر بما جعله الله فيها من هذا المعنى، ولذلك قال: وما أدراك ما ليلة القدر، تعظيماً لشأنها وتفخيماً، وأنك يا محمد (صلى الله عليه وآله) لا تعلم حقيقة ذلك. ثم بين تعالى ذلك فقال:ليلة القدر خير من الف شهر. والمعنى أن الثواب على الطاعة فيها خير يفضل على ثواب كل طاعة تفعل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر. وقيل إن الله يتفضل على خلقه في هذه الليلة وينعم عليهم بما لا يفعل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر"." ويقع فيها غفران السيئات ويعظم منزلة الحسنات على ما لا يقع في ليلة من الليالي، فينبغي للعاقل أن يرغب فيما رغبه الله بالمبادرة إلى ما أمر به على ما شرط فيه.

* ليلـة صـاحب الأمـر
الحقيقة الصراح التي يجب عقد القلب عليها أن شهر رمضان هو شهر القرآن الكريم، وليلة القدر ليلة نزول القرآن، وليلة حاكمية الرحمن، ولذلك فهي ليلة رسول الله صلى الله عليه وآله بما هو سيد الرسل والمهيمن على كل ماجاؤوا به، وصاحب الأمر ورائد مشروع هداية البشرية إلى الحق وإنقاذها من براثن الجهل والشرك، وبما هو صلى الله عليه وآله مركز كل أمر نزل من الله تعالى وينزل من بدء الخلق إلى مابعد الجنة ونعيمها من رضوان الله تعالى، وبعد النار وجحيمها من عذاب الله تعالى للمستحقين.وحيث أن المصطفى صلى الله عليه وآله قطب رحى ذلك كله، فليلة القدر ليلته وليلة وصيه الذي هو استمراره صلى الله عليه وآله.

ومن غرائب الغفلة، أننا نعرف أن ليلة القدر" تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر" ونعرف أن إمام زماننا بل إمام كل زمان يطلق عليه اسم" صاحب الأمر" ولا نربط بين المعلومتين اللتين هما وجهان لحقيقة واحدة، فالأمر الذي ينزل هو نفسه الأمر الذي يعتبر إمام الزمان صاحبه بإذن الله تعالى. والروايات المصرحة بذلك كثيرة منها:
1- عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ليس شئ يخرج من عند الله عز وجل حتى يبدأ برسول الله صلى الله عليه وآله ثم بعلي عليه السلام ثم بواحد واحد لكيلا يكون آخرنا أعلم من أولنا.

2- سألت أبا عبد الله عليه السلام فقلت له: سمعتك وأنت تقول غير مرة: لولا أنا نزداد لأنفدنا، فقال: أما الحلال والحرام فقد أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وآله بكماله وما يزاد الإمام في حلال ولا حرام، قلت له: فما هذه الزيادة؟ فقال: في سائر الأشياء سوى الحلال والحرام،قلت: تزدادون شيئا " يخفى على رسول الله صلى الله عليه وآله ولا يعلمه؟ فقال: لا إنما يخرج العلم من عند الله فيأتي به الملك رسول الله صلى الله عليه وآله فيقول: يا محمد ربك يأمرك بكذا وكذا فيقول: انطلق به إلى علي فيأتي به علياً عليه السلام فيقول: انطلق به إلى الحسن فلا يزال هكذا ينطلق به إلى واحد بعد واحد حتى يخرج إلينا، ومحال أن يعلم الإمام شيئا لم يعلمه رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام من قبله.

3- عن أبي جعفر عليه السلام "..": إنما يأتي الأمر من الله في ليال القدر إلى النبي صلى الله عليه وآله، وإلى الأوصياء عليهم السلام: افعل كذا وكذا. وقد عقب السيد على هذه الروايات بقوله: واعلم أن إلقاء هذه الأسرار في السنة إلى ولي الأمر ما هو من الوحي، لأن الوحي انقطع بوفاة النبي صلى الله عليه وآله، إنما هو بوجه من وجوه التعريف يعرفه من يلقى إليه صلوات الله عليه، وقد قال جل جلاله: وإذ أوحيت إلى الحواريين، وقال تعالى: وأوحينا الى أم موسى، وقال جل جلاله: وإذ أوحى ربك إلى النحل، ولكل منها تأويل غير الوحي النبوي.

وهكذا يتضح أن ليلة القدر هي ليلة صاحب الأمر الذي نص عليه رسول الله صلى الله عليه وآله، وإليه ينزل الأمر الذي قد قضي وأُمضي من الله تعالى.
والروايات كذلك صريحة في الحث على إدراك هذه الحقيقة بالتفصيل، لذلك فهي لاتكتفي بالعموميات المتقدمة رغم وضوحها، بل تريدنا أن نعرف أن المحور في سورة القدر وليلة القدر والأمر الحكيم والأمر الذي ينزل هو " صاحب الأمر".

عن داود بن فرقد قال:سألته عن قول الله عز وجل: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر  *  وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْر . قال: ينزل فيها ما يكون من السنة من موت أو مولود.
قلت له: إلى من؟ فقال: إلى من عسى أن يكون: إن الناس في تلك الليلة في صلاة ودعاء ومسألة وصاحب هذا الأمر في شغل تنزل الملائكة إليه بأمور السنة من غروب الشمس إلى طلوعها من كل أمر.[ سلام ] هي له إلى أن يطلع الفجر.

وعن أبي عبد الله ( الإمام الصادق) عليه السلام قال:إن ليلة القدر يكتب ما يكون منها في السنة إلى مثلها من خير أو شر، أو موت أو حياة أو مطر. ويكتب فيها وفد الحاج. ثم يفضي ذلك إلى أهل الأرض.فقلت: إلى من من أهل الأرض؟ فقال: إلى من ترى.

* علامات ليلة القدر
هل هناك علامة تعرف بها ليلة القدر؟
ورد في الروايات ذكر عدة علامات هي:
1- أن يطيب ريحها.
2- وتكون في البرد ليلة دافئة، وفي الحر باردة.
3- ليلة مضيئة ترى نجومها بوضوح.
وهناك بعض العلامات عن غير طريق أهل البيت عليهم السلام.

وقد تحدث السيد عن العلامات، فقال: " فصل في ما نذكره من الرواية بعلامات ليلة القدر إعلم اننا لما رأينا الروايات بذلك منقولة، وأن إمكان الظفر بليلة القدر من الأمور المعقولة، اقتضى ذلك ذكر طرف من الروايات ببعض علامات ليلة القدر، والتنبيه على وقت ما يرجى لها من السعادات".

ثم أورد الروايات التالية:
1- فمن ذلك: ما ذكره ".." الكليني ".." عن أحدهما عليهما السلام قال (محمد بن مسلم): سألته عن علامة ليلة القدر، فقال: علامتها أن تطيب ريحها، وإن كانت في برد دفئت، وإن كانت في حر بردت وطابت. وقد روى هذا الحديث "." في كتاب من لا يحضره الفقيه.

2- ومن ذلك: ".." قال (الراوي): قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنهم يقولون إنها لا ينبح فيها كلب، فبأي شئ تعرف؟ قال: إن كانت في حر كانت باردة طيبة، وإن كانت في شتاء كانت دفيئة لينة.

3- ومن ذلك ايضا ما ".." عن أبي عبد الله عليه السلام: ".." في الشتاء تكون دفيئة، وفي الصيف تكون ريِّحه طيبة.

4- ومن ذلك ما".." عن اسماعيل بن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام قال: ليلة القدر ليلة بلجة، لا حارة ولا باردة، ونجومها كالشمس الضاحية.

5- أقول: ورأيت من غير طريق أهل البيت علامات أيضاً وأمارات لليلة القدر: فمن ذلك ما".." عن ابن عباس فقال: ليلة القدر ليلة طلقة، لا حارة ولا باردة، يصبح الشمس من يومها حمراء ضعيفة.ثم ختم السيد بقوله:" فهذا ما أردنا الإقتصار عليه من علامات ليلة القدر، كما دلت الرواية عليه، وهذه الإشارات إلى العلامات تدلك على الإذن في تحصيل ليلة القدر وطلبها، وتقوي عزم الرجاء في الظفر بها".

* أعمال الليلة الثالثة والعشرين
تقدم ذكر الأعمال العامة التي يؤتى بها في كل ليلة من ليالي القدر، وفي مايلي بيان الأعمال الخاصة مع التأكيد على بعض الأعمال العامة لمزيد الحث عليها في هذه الليلة مما يجعلها كالخاصة، وهي كما يلي:

1- الغسل
تكرر ذكر استحباب الغسل في هذه الليلة في سياق تعداد الأغسال المستحبة في شهررمضان، أو لدى ذكر رواية تقرن بينه وبين غيره.
وفي حديث عن الإمام الرضا يذكر فيه جانباً من سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله في عمل شهر الله تعالى، ورد قوله عليه السلام: " فلما كان ليلة ثلاث وعشرين اغتسل ايضا كما اغتسل في ليلة تسع عشرة، وكما اغتسل في ليلة احدى وعشرين ".

ويقول أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام: رأيته اغتسل في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان مرة في أول الليل، ومرة في آخره.
وقد ورد التأكيد على أن يتزامن الغسل مع مغيب الشمس. قال الشيخ المفيد: "وفيها غسل عند وجوب الشمس ".أي مغيبها.
ولا يفوتنك الغسل الآخر المستحب في آخر هذه الليلة. ومن المناسب هنا التذكير بما تقدم.
قال السيد اليزدي: "ويستحب في ليلة الثالث والعشرين غسل آخر في آخر الليل".
وقال: " وقد مر أن الغسل الثاني في الليلة الثالثة والعشرين في آخره. "و" إذا ترك الغسل الأول في الليلة الثالثة والعشرين في أول الليل لا يبعد كفاية الغسل الثاني عنه،وإن كان الأولى الإتيان بهما آخر الليل برجاء المطلوبية، خصوصاً مع الفصل بينهما، ويجوز الإتيان(في حال ترك الأول) بغسل واحد بعنوان التداخل وقصد الأمرين".

2- الإحياء
قال الشيخ المفيد: " وتحيى هذه الليلة بالصلاة والدعاء والاستغفار".
وقال السيد: "وأن تحيى بالعبادة كما قدمناه. ومما رويناه في تعظيم فضلها وإحيائها أيضا ما رواه ابن أبي عمير" مرض أبو عبد الله عليه السلام مرضاً شديداً، فلما كان ليلة ثلاث وعشرين أمر مواليه فحملوه إلى المسجد، فكان فيه ليلته.
ويأتي في صلاة المائة ركعة الحث على إحياء هذه الليلة بالخصوص، وقد تقدم المزيد.

3- زيارة سيد الشهداء عليه السلام
وهو أفضل أعمال هذه الليلة على الإطلاق، والمراد بزيارته عليه السلام التواجد في كربلاء، كما سيأتي التصريح بذلك، إلا أن للزيارة من بُعد أيضاً ثواباً عظيماً فلا ينبغي تركها. ومن الروايات في زيارته عليه السلام في هذه الليلة:

أ‌- عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام في هذه الآية: فيها يفرق كل أمر حكيم، قال: هي ليلة القدر، يقضي فيها أمر السنة من حج وعمرة أو رزق أو أجل أو أمر أو سفر أو نكاح أو ولد، إلى سائر ما يلاقي ابن آدم مما يكتب له أو عليه في بقية ذلك الحول من تلك الليلة إلى مثلها من عام قابل، وهي في العشر الأواخر من شهر رمضان، فمن أدركها - أو قال: شهدها - عند قبر الحسين عليه السلام يصلي عنده ركعتين أو ما تيسر له، وسأل الله تعالى الجنة، واستعاذ به من النار، آتاه الله تعالى ما سأل، وأعاذه مما استعاذ منه، وكذلك إن سأل الله تعالى أن يؤتيه من خير ما فرق وقضى في تلك الليلة، وأن يقيه من شر ما كتب فيها، أو دعا الله وسأله تبارك وتعالى في أمر لا إثم فيه رجوت أن يؤتى سؤله، ويوقى محاذيره ويشفع في عشرة من أهل بيته، كلهم قد استوجبوا العذاب، والله إلى سائله وعبده بالخير أسرع.

ب‌- عن عبد العظيم الحسني، عن أبي جعفر الثاني في حديث قال: من زار الحسين عليه السلام ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، وهي الليلة التي يرجى أن تكون ليلة القدر وفيها يفرق كل أمر حكيم، صافحه روح أربعة وعشرين ألف ملك ونبي، كلهم يستأذن الله في زيارة الحسين عليه السلام في تلك الليلة.

4- السوَر
ومن الأعمال الخاصة بهذه الليلة قراءة أربع سور اثنتين منها من الأعمال الخاصة وهما العنكبوت والروم،واثنتين من الأعمال العامة وهما الدخان والقدر، وعليه فإن من لايذكر الدخان والقدر ضمن الأعمال الخاصة لاينفي استحباب قراءتهما، فلاحظ.

أ- العنكبوت والروم.
قال الشيخ المفيد: ويستحب أن يقرأ في هذه الليلة خاصة سورتي العنكبوت والروم، فإن في ذلك ثوابا عظيما.
وقال السيد ابن طاوس: ومن زيادات ليلة ثلاث وعشرين القراءة فيها لسورة العنكبوت، وسورة الروم. نروي ذلك بعدة طرق عن الصادق عليه السلام أنه قال: من قرأ سورة العنكبوت والروم في ليلة ثلاث وعشرين فهو والله يا أبا محمد من أهل الجنة لا أستثني فيه أبداً، ولا أخاف أن يكتب الله تعالى علي في يميني إثماً، وإن لهاتين السورتين من الله تعالى مكاناً.

ب- الدخان.
قال السيد: ومن الزيادات ليلة ثلاث وعشرين قراءة سورة الدخان فيها، وفي كل ليلة، وقد قدمنا الرواية بذلك في أول ليلة.

ت‌- القدر
قال السيد: ومن القرائة فيها سورة إنا أنزلناه في ليلة القدر، ألف مرة، وقد تقدمت رواية لذلك في الليلة الأولى عموما في الشهر كله. وروينا تخصيص قراءتها في هذه الليلة بعدة طرق إلى مولانا أبي عبد الله عليه السلام قال: لو قرأ رجل ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان إنا أنزلناه في ليلة القدر ألف مرة، لأصبح وهو شديد اليقين بالإعتراف بما يختص فينا، وما ذاك إلا لشئ عاينه في نومه.

5-الأدعية
أ- الدعاء لصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف، وقد ورد التأكيد على الإكثار من قراءته في مختلف الحالات في كل ليلة من شهر الله تعالى وفي هذه الليلة المباركة بشكل خاص، ويعتبر هذا التأكيد نحو تنبيه إلى ضرورة الربط بين الليلة وبين وصي رسول الله صلى الله عليه وآله الذي هو باب الله الذي منه يؤتى.
قال السيد:عن الصالحين عليهم السلام"..": وكرر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان قائماً وقاعداً وعلى كل حال، والشهر كله، وكيف أمكنك، ومتى حضرك في دهرك، تقول بعد تمجيد الله تعالى والصلاة على النبي وآله عليهم السلام: أللهم كن لوليك الخ.
والدعاء هو نفسه الذي تقدم ذكره في عمل اليوم الأول، وله صيغتان إحداهما المعروفة المشهورة والثانية أطول منها وقد مر توضيح ذلك فراجع.

ب- دعاء يارب ليلة القدر وهو: يا رب ليلة القدر وجاعلها خيراً من ألف شهر، ورب الليل والنهار، والجبال والبحار، والظُّلَم والأنوار، والأرض والسماء، يا بارئ يا مصور، يا حنّان يا منّان، يا ألله يا رحمان، يا حيُّ يا قيوم، يا بدئ يا بديع السماوات والأرض. يا ألله يا ألله، يا ألله يا ألله، يا ألله يا ألله، يا ألله، لك الأسماء الحسنى، والأمثال العليا، والكبرياء والآلاء والنَّعماء، أسألك باسمك بسم الله الرحمن الرحيم، إن كنت قضيت في هذه الليلة تنزل الملائكة والروح من كل أمر حكيم. فصل على محمد وآله، واجعل اسمي في هذه الليلة في السعداء، وروحي مع الشهداء، وإحساني في عليين وإساءتي مغفورة، وأن تهب لي يقينا تباشر به قلبي، وإيماناً يذهب الشك عني، وترضيني بما قسَمت لي، وآتني في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقني عذاب النار. وارزقني يا رب فيها(الليلة) ذكرك و شكرك، والرغبة والإنابة اليك، والتوبة والتوفيق لما وفقت له شيعة آل محمد يا أرحم الراحمين، ولا تفتنِّي بطلب ما زويت عني بحولك وقوتك، وأغنني يا رب برزق منك واسع(و) بحلالك عن حرامك. وارزقني العفة في بطني وفرجي، وفرج عني كل هم وغم، ولا تشمت بي عدوي( ووفقني لليلة) القدر على أفضل ما رآها أحد، ووفقني لما وفقت له محمداً وآل محمد عليه وعليهم السلام.(و) افعل بي كذا وكذا، الليلة الليلة الساعة الساعة - حتى ينقطع النفس.

ت- أللهم امدد لي في عمري، وأوسع لي في رزقي، وأصح جسمي، وبلِّغني أملي، وإن كنت من الأشقياء فامحني من الأشقياء واكتبني من السعداء، فانك قلت في كتابك المنزل، على نبيك المرسل صلواتك عليه وآله: يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب.

ث- أللهم إياك تعمدت الليلة بحاجتي، وبك أنزلت فقري ومسألتي، (فلتسعني) الليلة رحمتك وعفوك، فأنا لرحمتك (أرجى) مني لعملي، ورحمتك ومغفرتك أوسع من ذنوبي، واقض لي كل حاجة هي لي، بقدرتك على ذلك، وتيسيره عليك. فإني لم أُصِب خيراً إلا منك، ولم يصرف عني أحد سوءاً قَطُّ غيرك، وليس لي رجاء لديني دنياي، ولا لآخرتي، ولا ليوم فقري، يوم أُدلّى في حفرتي، ويفردني الناس بعملي غيرك، يا رب العالمين

ج- ومن دعاء ليلة ثلاث وعشرين: أللهم اجعلني من أوفر عبادك نصيباً من كل خير أنزلته في هذه الليلة، أو أنت منزله، من نور تهدي به، أو رحمة تنشرها، أو رزق تقسمه، أو بلاء تدفعه، أو ضر تكشفه، واكتب لي ما كتبت لأوليائك الصالحين، الذين استوجبوا منك الثواب، وأمِنوا برضاك عنهم منك العقاب، يا كريم يا كريم، صل على محمد وآل محمد، وافعل بي ذلك. برحمتك يا أرحم الراحمين.

ح- ومن الدعاء في هذه الليلة: أسألك مسألة المسكين المستكين، وأبتهل إليك ابتهال المذنب البائس الذليل مسألة من خضعت لك ناصيته، واعترف بخطيئته، ففاضت لك عبرته، وهملت لك دموعه، وضَلَّت حيلته، وانقطعت حجته، أن تعطيني في ليلتي هذه مغفرة ما مضى من ذنوبي، واعصمني فيما بقي من عمري، وارزقني الحج والعمرة في عامي هذا، واجعلها حجة مبرورة خالصة لوجهك، وارزقنيه أبداً ما أبقيتني، ولا تخلني(من) زيار(ة بيتك) وزيارة قبر نبيك محمد صلواتك عليه وآله. إلهي وأسألك أن تكفيني مؤونة خلقك من الجن والانس، والعرب والعجم، ومن كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إنك على صراط مستقيم. أللهم اجعل فيما تقضي وتقدر من الأمر المحتوم ومما تفرق من الأمر الحكيم في هذه الليلة، في القضاء الذي لا يرد ولا يبدل، أن تكتبني من حجاج بيتك الحرام، في عامي هذا، المبرور حجهم، المشكور سعيهم، المغفور ذنوبهم، المكفر عنهم سيئاتهم، وأن تطيل عمري، وتوسع لي في رزقي، وارزقني ولداً باراً، إنك على كل شئ قدير، وبكل شئ محيط.

خ- ومن دعاء ليلة ثلاث وعشرين: أللهم إني أسألك سؤال المسكين المستكين، وأبتغي إليك ابتغاء البائس الفقير، وأتضرع إليك تضرع الضعيف الضرير، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأسألك مسألة من خضعت لك نفسه، ورغم لك أنفه، وعفَّر لك وجهه، وخضعت لك ناصيته، واعترف بخطيئته، وفاضت لك عبرته، وانهملت لك دموعه، وضلت عنه حيلته، وانقطعت عنه حجته، بحق محمد وآل محمد عليك، وبحقك العظيم عليهم، أن تصلي عليهم كما أنت أهله، وأن تصلي على نبيك وآل نبيك، وأن تعطيني أفضل ما أعطيت السائلين من عبادك الماضين من المؤمنين، وأفضل ما تعطي الباقين من المؤمنين، وأفضل ما تعطي من تخلقه من أوليائك إلى يوم الدين، ممن جعلت له خير الدنيا وخير الآخرة، يا كريم يا كريم يا كريم. وأعطني في مجلسي هذا مغفرة ما مضى من ذنوبي، واعصمني فيما بقي من عمري، وارزقني الحج والعمرة في عامي هذا، متقبلاً مبروراً خالصاً لوجهك يا كريم، وارزقنيه أبدا ما أبقيتني، يا كريم يا كريم يا كريم، واكفني مؤونة نفسي، واكفني مؤنة عيالي، واكفني مؤنة خلقك، واكفني شر فسقة العرب والعجم، واكفني شر فسقة الجن والإنس، واكفني شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم.

د‌- ومن دعاء ليلة ثلاث وعشرين - وقد تقدم نحوه في ليلة تسع عشرة عن مولانا الكاظم عليه السلام - وهذا رويناه".."عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يقول: اللهم اجعل فيما تقضي وفيما تقدر من الأمر المحتوم، وفيما تفرق من الأمر الحكيم في ليلة القدر، من القضاء الذي لا يرد ولا يبدل، أن تكتبني من حجاج بيتك الحرام في عامي هذا، المبرور حجهم، المشكور سعيهم، المغفور ذنوبهم، المكفر عنهم سيئاتهم، واجعل فيما تقضي وفيما تقدر أن تطيل عمري، وتوسع لي في رزقي.

ذ‌- دعاء الإمام الحسن بن علي عليهما السلام في ليلة القدر: يا باطناً في ظهوره، ويا ظاهراً في بطونه، يا باطناً ليس( يخفى) ويا ظاهراً ليس يرى، يا موصوفاً لا يبلغ بكينونته موصوف، ولا حد محدود، يا غائباً غير مفقود، ويا شاهداً غير مشهود، يطلب فيصاب، ولم يَخْلُ منه السماوات والأرض وما بينهما طرفة عين، لا يدرك بكيف، ولا يؤيَّن بأين ولا بحيث. أنت نور النور، ورب الأرباب، أحطت بجميع الأمور، سبحان من ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره ثم تدعو بما تريد.

* ويلحق بالدعاء في هذه الليلة: الدعاء للمؤمنين والكافرين
قال السيد: " ولا يمتنع الإنسان في هذه الليلة من دعوات بظهر الغيب لأهل الحق، وقد قدمنا في عمل اليوم والليلة فضائل الدعاء للإخوان".
لايحسن إسلام المسلم ولا يستقيم إيمانه إذا فهم التدين انغلاقاً على النفس وتقوقعاً في قمقم الذات.
التدين كالشمس الساطعة تبدد الظلمات وتخترق الحجب، وكالهواء الطلق لايقف في طريقه سد، وهو حركة القلب المنطلقة أبداً في خط بياني تصاعدي في التحلل من قيود الأنا البغيضة.

لايعرف التدين التعالي فهو من شجرة الإنغلاق البغيضة.
ولا ينسجم مع الحسد الشيطاني والحقد الممعن في الشيطنة.
التدين فيض حب ونبع حنان ومعين إيثار.
وبمقدار الإهتمام بالآخر يكون.
وليس مجرد توصية عابرة أن يحمل المؤمن في ليلة القدر هم غيره، فيدعو للمؤمنين بظهر الغيب.
إنه مؤشرمدماك في الرؤية التوحيدية، وقاعدة للفكر الإسلامي، ومنهج في بناء الشخصية الإسلامية.

" كان عيسى بن أعين إذا حج فصار إلى الموقف ( في عرفة) أقبل على الدعاء لاخوانه حتى يفيض الناس فقيل له: تنفق مالك وتتعب بدنك حتى إذا صرت إلى الموضع الذي يبث فيه الحوائج إلى الله أقبلت على الدعاء لاخوانك وتترك نفسك؟ فقال: إني على يقين من دعاء الملك لي وفي شك من الدعاء لنفسي".

ونجد توضيح مراده في نموذج مماثل، وتلميذٍ أخر من مدرسة الإسلام المحمدي كما قدمه أهل البيت عليهم السلام:عن عبد الله بن جندب قال: كنت في الموقف فلما أفضت لقيت إبراهيم بن شعيب، فسلمت عليه وكان مصاباً بإحدى عينيه وإذا عينه الصحيحة حمراء كأنها علقة دم فقلت له: قد أصبت بإحدى عينيك وأنا مشفق لك على الأخرى فلو قصرت من البكاء قليلاً.

قال: لا والله يا با محمد، ما دعوت لنفسي اليوم بدعوة فقلت: فلمن دعوت؟
قال: دعوت لإ خواني. سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من دعا لأخيه بظهر الغيب
وكل الله به ملكاً يقول: ولك مثلاه فأردت أن أكون إنما أدعو لإخواني ويكون الملك يدعو لي لأني في شك من دعائي لنفسي ولست في شك من دعاء الملك لي".
ولا تكتمل صورة روعة الحب في التدين عند هذا الحد بل لم يتجاوز الحديث عن الصورة الإطار!
ليست غاية الحب أن تحب إخوانك المؤمنين فتؤثرهم على نفسك في الدعاء إيثار تجارة تبغي بها مصلحتك، ولا هي غاية الحب أن تدعو لهم حباً منزهاً عن المردود الربحي مهما كان وجيهاً، بل غايته أن تحب الخير للكافرين وتؤثرهم على نفسك وتمضي شطراً من ليلة القدر بالدعاء لهم.
ولا تحرك بالإنكارلسانك لتعجل به، فسيأتي مايبدد كل غموض.

وتعال معي لنصغي بأذن القلب إلى تلميذ مدرسة أهل البيت المحمدي السيد ابن طاوس قدس الله تعالى نفسه الزاكية حيث يقول:"وكنت في ليلة جليلة من شهر رمضان بعد تصنيف هذا الكتاب بزمان، وانا أدعو في السحر لمن يجب أو يحسن تقديم الدعاء له، ولي ولمن يليق بالتوفيق أن أدعو له، فورد على خاطري أن الجاحدين لله جل جلاله ولنعمه والمستخفين بحرمته، والمبدلين لحكمه في عباده وخليقته، ينبغي أن يبدأ بالدعاء لهم بالهداية من ضلالتهم، فإن جنايتهم على الربوبية، والحكمة الإلهية، والجلالة النبوية أشد من جناية العارفين بالله وبالرسول صلوات الله عليه وآله. فيقتضي تعظيم الله وتعظيم جلاله وتعظيم رسوله صلى الله عليه وآله وحقوق هدايته بمقاله وفعاله، أن يقدم الدعاء بهداية من هو أعظم ضررا وأشد خطراً، حيث لم يُقدر أن يزال ذلك بالجهاد، ومنعهم من الإلحاد والفساد.".." فدعوت لكل ضالٍ عن الله بالهداية إليه، ولكل ضالٍ عن الرسول بالرجوع إليه، ولكل ضالٍ عن الحق بالإعتراف به والإعتماد عليه. ثم دعوت لأهل التوفيق والتحقيق بالثبوت على توفيقهم، والزيادة في تحقيقهم، ودعوت لنفسي ومن يعنيني أمره بحسب ما رجوته من الترتيب الذي يكون أقرب إلى من أتضرع إليه، وإلى مراد رسوله صلى الله عليه وآله، وقد قدمت مهمات الحاجات بحسب ما رجوت أن يكون أقرب إلى الإجابات.

ونتابع الإصغاء إلى بيان الحيثيات،التي يشرحها بقوله:" أفلا ترى ما تضمنه مقدس القرآن من شفاعة إبراهيم عليه السلام في أهل الكفران، فقال الله جل جلاله: يجادلنا في قوم لوط إن إبراهيم لحليم أواه منيب. فمدحه جل جلاله على حلمه وشفاعته ومجادلته في قوم لوط، الذين قد بلغ كفرهم إلى تعجيل نقمته. ".." أما رأيت ما تضمنته أخبار صاحب الرسالة، وهو قدوة أهل الجلالة، كيف كان كلما آذاه قومه الكفار، وبالغوا فيما يفعلون، قال صلوات الله عليه وآله: أللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. ".." أما رأيت الحديث عن عيسى عليه السلام: كن كالشمس تطلع على البر والفاجر، وقول نبينا صلوات الله عليه وآله: إصنع الخير إلى أهله وإلى غير أهله، فإن لم يكن أهله فكن أنت أهله، وقد تضمن ترجيح مقام المحسنين إلى المسيئين، قوله جل جلاله: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. ويكفي أن محمداً صلى الله عليه وآله بعث رحمة للعالمين ".

ومن الواضح أن السيد قدس سره قد راعى الثوابت التالية:
1- أن الدعاء للكافرين "الذين لم يقاتلوكم في الدين".
2- أنه لم يحبهم على كفرهم، بل دعا لهم بالهداية.
3- أن الأصل في الدعاء لهم هو حب الله تعالى وحب نبيه صلى الله عليه وآله الذي يحتم حب وضع الحد للتمرد على طاعة الله عز وجل ومخالفة سيد أنبيائه عليه وآله وعليهم الصلاة والسلام.
4- أن مبالغة الكفار في الأذى مالم يصل إلى الحرب، لاتمنع من الدعاء لهم بالهداية.
5- أن المؤمن خير كله، لايصدر منه إلا الخير. إن الله يحب المقسطين.
بهذا الفهم وهذه الروح ينبغي أن نستقبل ليلة القدر، موقنين بأنه لاحول لنا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
6- الصلوات
7‌- صلاة مائة ركعة بالحمد مرة والتوحيد عشراً، وقيل بالقدر عشراً، والأول أرجح، وهي من الأعمال العامة لليالي القدر، ولكن ورد الحث عليها في هذه الليلة بشكل خاص.

1- عن أبي بصير قال قال أبو عبد الله عليه السلام:صلِّ في العشرين من شهر رمضان ثمانياً بعد المغرب، واثنتي عشرة ركعة بعد العتمة،فإذا كانت الليلة التي يرجى فيها ما يرجى فصلِّ مائة ركعة، تقرأ في كل ركعة قل هو الله أحد عشر مرات، قال قلت: جعلت فداك فإن لم أَقْوَ قائماً؟ قال: فجالساً، قلت: فإن لم أقو جالساً؟ قال: فصل وأنت مستلق على فراشك.

2- عن ( الإمام) أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام، قال: من أحيا ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان وصلى فيها مائة ركعة وسع الله عليه معيشته في الدنيا وكفاه أمر من يعاديه، وأعاذه من الغرق والهدم والسرق ومن شر السباع، ودفع عنه هول منكر ونكير، وخرج من قبره نور يتلألأ لأهل الجمع، ويعطى كتابه بيمينه، ويكتب له براءة من النار، وجواز على الصراط، وأمان من العذاب ويدخل الجنة بغير حساب، ويجعل فيها من رفقاء النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.

وقال الشيخ المفيد في المقنعة: فإذا كانت ليلة ثلاث وعشرين اغتسلت عند مغيب الشمس، وصليت بعد العشاء الاخرة مائة ركعة، تقرأ في كل ركعة منها " فاتحة الكتاب " و " إنا أنزلناه في ليلة القدر".

وقال في مسارِّ الشيعة:" وصلاة مائة ركعة، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وعشر مرات إنا انزلناه في ليلة القدر".
وقال السيد: "واعلم أن ليلة تسع عشرة أولى الثلاث الليالي الأفراد، وهذه الليالي محل الزيادة في الاجتهاد".. وقد روي أن هذه المائة ركعة تصلي في كل ليلة من المفردات كل ركعة بالحمد مرة، و قل هو الله أحد عشر مرات وقد تقدم أن قراءة التوحيد فيها أرجح.

وتجدر الإشارة إلى الطريقتين الواردتين في الروايات لنوافل شهر رمضان، فمن أخذ برواية توزيع الثمانين على الأيام التي خصصت لها، فلا يصلي غير المائة ركعة من الألف شيئاً، أما من أخذ بالطريقة الثانية، فينبغي أن يصلي في الليالي الثلاث – وهذه الليلة منها – ثلا ثين ركعة، وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل في عمل اليوم الأول.

2- عن رسول الله صلى الله عليه وآله:ومن صلى ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان ثماني ركعات (بما تيسر) فتحت له أبواب السماوات السبع واستجيب دعاؤه.

3- قال الكفعمي: "ويستحب أن يصلي في كل ليلة من شهر رمضان ركعتين بالحمد".. والتوحيد ثلاثا، فإذا سلَّم قال: سبحان من هو حفيظ لايغفل، سبحان من هو رحيم لايعجل، سبحان من هو قائم لايسهو، سبحان من هو دائم لايلهو. ثم يقول التسبيحات الأربع سبعاً، ثم يقول: سبحانك سبحانك ياعظيم. إغفر لي الذنب العظيم. ثم تصلي على النبي عشراً. من صلاها غفر الله له سبعين ألف ذنب..

أللهم عاملنا بما أنت أهله ووفقنا لما تحب وترضى، برحمتك ياأرحم الراحمين.
والحمد لله رب العالمين 1.


1-مناهل الرجاء / الشيخ حسين كوراني.

2012-07-19