الحديقة الخامسة عشر
الحدائق الرمضانية
ألحمد لله الذي هدانا لحمده وجعلنا من أهله لنكون لإحسانه من الشاكرين، وليجزينا على ذلك جزاء المحسنين، والحمد لله الذي حبانا بدينه واختصّنا بملّته وسبّلنا في سبل إحسانه لنسلكها بمنّه ورضوانه، حمداً يتقبله منا ويرضى به عنا.
عدد الزوار: 189
وفيها
* معرفة حرمة الشهر
* الصوم الحقيقي
*العمل الصالح بإخلاص
* دعاء اليوم الخامس عشر
* دعاء المجير
* صلاة الليلة السادسة عشر
ألحمد لله الذي هدانا لحمده وجعلنا من أهله لنكون لإحسانه من الشاكرين، وليجزينا على ذلك جزاء المحسنين، والحمد لله الذي حبانا بدينه واختصّنا بملّته وسبّلنا في سبل إحسانه لنسلكها بمنّه ورضوانه، حمداً يتقبله منا ويرضى به عنا.
للإمام السجاد عليه السلام عدة أدعية حول شهر رمضان المبارك، إثنان منها مذكوران في الصحيفة السجادية تحت الرقم الرابع والأربعين والخامس والأربعين،الأول منهما في استقبال الشهر، والثاني في وداعه، والفقرات التي تقدمت هي افتتاح الدعاء الرابع والأربعين.
بعد هذه الفقرات يبيّن الإمام السجاد عليه السلام أهمية هذا الشهر المبارك فيقول: " والحمد لله الذي جعل من تلك السبل شهره شهر رمضان شهر الصيام وشهر الإسلام وشهر الطهور وشهر التمحيص، وشهر القيام الذي أُنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان".
ترى أين تكمن فضيلة شهر رمضان المبارك، هل السبب في فضيلته وأهميته الصوم فيه؟ أم أن عظمته تنبع من شيء آخر والصيام فيه من أجل تلك الفضيلة؟
يقول عليه السلام: "فأبان فضيلته على سائر الشهور بما جعل له من الحرمات المفروضة والفضائل المشهورة، فحرّم فيه ما أحلّ في غيره إعظاماً وحجر فيه المطاعم والمشارب إكراما ً".
فالصيام ليس إذاً سبب فضيلة هذا الشهر المبارك وإنما كان الصيام فيه لمكانته قبل الصيام وهذه المكانة سببها نزول القرآن الكريم في هذا الشهر المبارك كما صرّح بذلك بعض العلماء وكما يُفهم من اختيار الله تعالى لهذا الوصف لشهره حيث قال عزّ إسمه "شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان.وهكذا نفهم استطراداً - ولو في حدودنا- ما معنى أن شهر رمضان ربيع القرآن، ونفهم أهمية الحث على تلاوة القرآن في هذا الشهر فإنه شهر القرآن الكريم، وليس عجباً أن يكون ثواب الآية الواحدة فيه ثواب ختمة من كتاب الله تعالى.ما هي واجباتنا في شهر الله تعالى كما يحددها الإمام السجاد عليه السلام في هذا الدعاء؟
* معرفة حرمة الشهر
الأول: يحثّنا عليه صلوات الرحمن على أن نعرف حرمة شهر رمضان المبارك، وليس المراد بذلك طبعاً هذه المعرفة العادية التي تتاح لكلٍ منا، وإنما المطلوب أن نعرف أهمية هذا الشهر وعظمته معرفة لا تنفك عن الإهتمام به وعن الحرص على استثمار كل أوقاته المباركة.
يقول عليه السلام: "أللهم صلّ على محمد وآله وألهمنا معرفة فضله وإجلال حرمته والتحفّظ مما حظرت فيه".إن مجرد المعرفة لا يكفي، بل المطلوب أن تقود هذه المعرفة إلى العمل الذي ينشأ بدوره من إجلال هذا الشهر ويتمثل بالتحفظ فيه مما حظر الله عز وجل علينا، ومنعنا منه.
ينبغي أن نشعر بوضوح أن المعصية في هذا الشهر أشد خطورة من غيره من الشهور، فلسنا في ضيافة الرحمن تقدّست أسماؤه في وقت كغيره، وليس الفارق بينه وبين غيره عادياً " وجعل له وقتاً بيناً لا يجيز - جل وعز- أن يقدم قبله، ولا يقبل أن يؤخر عنه، ثم فضَّل ليلة واحدة من لياليه على ليالي ألف شهر، وسماها ليلة القدر، تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر، سلام دائم البركة إلى طلوع الفجر على من يشاء من عباده بما أحكم من قضائه".
أيها العزيز: لنلقّنْ أنفسنا دائماً أهمية هذا الشهر حتى لا تخرجنا العادة والإلفة من أجواء الإهتمام به.
في اليوم الأول والثاني ربما نشعر بدرجة عالية من الإهتمام بشهر رمضان إلا أننا بتكرُّر أيامه ولياليه ربما نصبح نتعاطى معه باعتباره وقتاً من الوقت وزمناً من الزمن شأنه في ذلك شأن غيره من الشهور.وها نحن في اليوم الخامس عشر منه، فهل مازلنا نستشعر هيبته، ونرعى حرمته؟ إن أمامنا متسعاً للتعويض، أو للإستزادة.
* الصوم الحقيقي
يؤكد الإمام السجاد عليه السلام على أن يكون صومنا صوماً حقيقياً:"وأعنّا على صيامه بكفّ الجوارح عن معاصيك واستعمالها فيه بما يرضيك"والكفّ عن المعاصي مطلوب وهوشرط لقبول الصوم، فمن صام وعصى الله تعالى وامتنع عن المفطرات واغتاب أو كذب، فإن صومه في أفضل الحالات ليس من الدرجة الأولى، وإن كان يُسقط عنه واجب الصوم، وفي رأي وجيه أنه لا يُثاب على هذا الصوم، وهو مايُعبَّر عنه بعدم القبول.
فالمطلوب قبل كل شيء، الكف عن المعاصي، إلا أن ذلك ليس نهاية المطاف، بل المطلوب أيضاً أن ننتقل من الكفّ السلبي إلى استعمال الجوارح إيجاباً بما يرضي الله تعالى.من هنا لم يقتصر الإمام السجاد عليه السلام على قوله وأعنّا على صومه بكفّ الجوارح عن معاصيك وإنما أضاف: واستعمالها فيه بما يرضيك.و كيف يتحقق ذلك؟يبيّن لنا عليه السلام في الجواب على هذا السؤال ستة واجبات ثم يحدد لنا عنواناً عاماً شاملاً لأبواب البر.
أما الواجبات الستة فهي:
1-حتى لا نصغي بأسماعنا إلى لغو.
واللغو كل ما فيه ضرر أو ليس فيه نفع.فلا نصغي بأسماعنا إلى شيء فيه ضرر أو لا نفع فيه فيكون لغواً.
2- ولا نسرع بأبصارنا إلى لهو.
والمراد أن لا ننظر إلى شيء عبثي سواءً كان حراماً أو حلالاً فإن لشهر الله تعالى حرمته التي تفرض صرف الوقت في ما ينفع كما سيأتي.
3- وحتى لا نبسط أيدينا إلى محظور.
أي إلى ما نُهينا عنه.
4- ولا نخطو بأقدامنا إلى محجور.
أي إلى ما منعنا الله عز وجل منه وحجره علينا.
5- وحتى لا تعي بطوننا إلا ما أحللت.
وهو تأكيد على الدقة خصوصاً في المأكل والمشرب، وقد تقدم الحديث عن أهمية البحث والتدقيق في حلّية كل ما نتقلّب فيه في شهر رمضان المبارك.
1- ولا تنطق ألسنتنا إلا بما مثَّلت.
أي لا نقول إلا الحق.
هكذا نجد أنفسنا أمام أمور أساسية ينبغي أن يطول اهتمامنا بها في شهر الله تعالى.
لا يمكن للصائم أن يطلق العنان لجوارحه فإن ذلك ينافي نية الصوم، بل ينافي الهدف منه" لعلكم تتقون"، بل بما أن النية التي يلتزم الصائم بمراعاتها لاينبغي أن تنفصل في الحقيقة عن هذا الهدف، فهما وجهان لحقيقة واحدة.
والتقوى وإن كان مصبها القلب " تقوى القلوب" إلا أن الجوارح تعبر عما في القلب وتحكيه بأفصح لغة، فتُثبت صحة النية أو عدمها.
لا بد أن يصوم السمع في شهر الله تعالى، وصوم الأُذُن في عدم إصغائها للحرام وأكثر من ذلك في عدم إصغائها للهو.
وصوم العين في اهتمامها بما يُقرِّب من الله عز وجل، فضلاً عن الإهتمام بترك النظرة الحرام.
واللسان، وما أدراك ! وجراحاته أشد خطراً من جراحات السنان.
ينبغي أن يكون الصائم حذراً فلا يحرك لسانه في ما يسخط الله عز وجل بل أكثر من ذلك ينبغي أن يكون حذراً فلا يحركه إلا بما يُدنيه من الله وبقربه منه تقدّست أسماؤه.وتجدر الإشارة إلى أن هذه الفقرة مروية بصيغتين: " بما قلت" و " بما مثّلت".
وبناء على الأولى يكون المراد إشارة إلى قوله تعالى:﴿ قَوْلُهُ الْحَقُّ﴾.
وقد روي عن الإمام الحسين عليه السلام: إنا أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله والحق فينا، وبالحق تنطق ألسنتنا.
أما بناءً على الثاني فإن حصر الإمام الحديث بما مثّل الله تعالى، يلتقي مع ماورد الحث عليه في الروايات من حصر الكلام بما يعنينا، إذ يبدو أن مراده عليه السلام، أن تكون الأمثال الواردة في القرآن الكريم محاور الحديث. ولكل من الصيغتين مرجحاتها، والنتيجة واحدة وهي تشكل أساساً تربوياً شديد الأهمية هو اجتناب تحريك اللسان بالباطل وتعويده على النطق بالحق ومايعود على الإنسان بالنفع في دنياه وآخرته.
ومن الواضح أن ذلك ثمرة عقيدة صحيحة تنتج ثقافة ومسلكية سليمتين.
ولليد حصتها من الصوم فينبغي أن لا تمتد بأذى، ولا بسائر ما يسخط الله عز وجل.
والقدم كذلك له نصيبه من الصوم، فكيف يكون الشخص صائماً ويمشي إلى مجلس حرام.
واللقمة التي نأكل وتمد الجوارح بالقوة، ألا يجب أن نهتم بمعرفة أنها حلال، حتى لا تعي بطوننا إلا ما أحلّ الله عز وجل.
وقد تقدم الحديث عن الصوم الحقيقي في بداية هذه الأعمال فراجع.
صحيح أن هذه الأمور ينبغي الإهتمام بها في شهر الله تعالى وفي غيره من الشهور، إلا أنها في هذا الشهر العظيم، أشد تأكيداً، لأننا في ضيافة الله تعالى بمعنى أنه عز وجل رفع درجة العناية بنا والرعاية لنا فجعل نومنا عبادة وأنفاسنا تسبيحاً وعملنا مقبولاً ودعاءنا مستجاباً، فإذا واجهنا ذلك بقلة الحياء منه والجرأة عليه تقدّست أسماؤه فنحن كمن يأخذ مالاً من أبيه ويعطيه أمامه لعدوه.نعم إن استعمال جوارحنا - وهي نِعَم منّ الله علينا بها- في معصية الله تعالى يعني وضعها في تصرف الشيطان في محضر الله عز وجل وضيافته وفي ذلك من التجرؤ عليه تقدّست أسماؤه ما لا يحتاج إلى بيان.
*العمل الصالح بإخلاص
وأما العنوان العام الذي يحدده لنا الإمام السجاد عليه السلام فهو ما عبّر عنه بقوله:" ولانتكلف إلا ما يدني من ثوابك، ولا نتعاطى إلا الذي يقي من عقابك، ثم خلِّص ذلك كله من رياء المرائين وسمعة المسمعين، لا نشرك فيه أحداً دونك، ولا نبتغي فيه مراداً سواك".
إنه عليه صلوات الرحمن ينبهنا إلى أن نحصر كل عملٍ نعمله في شهر رمضان بالعمل الصالح الذي يقربنا من الله تعالى، وحيث أن النية السيئة تفسد العمل الصالح وتجعله عملاً سيئاً، فلا بد من التنبه إلى أن لايغزو الرياء قلوبنا فتفسد نوايانا ونقع في أسر حب السمعة ونخرج بذلك من عبادة الحق تعالى إلى عبادة الناس.
إننا لدى استقبال هذا الشهر المبارك أمام ثلاثين يوماً " أياماً معدودات " ونحن نعلم أنها فرصة إلهية فريدة ينتظرها أهلها العارفون بأهميتها المدركون لعظمتها طيلة أحد عشر شهراً ويحزنون لفراقها، فهل يصح لنا أن نبحث عن الوسيلة المسلّية التي نستعين بها على تمضية ساعات هذه الفرصة التي لا تفوَّت، فننشغل في شهر الله تعالى في مجالس السمر أو الألعاب العبثية؟
أوليست هذه الأمور شراكاً يصطادنا بها عدونا المبين ليحول بيننا وبين خير الزاد في خير الشهور؟
إن أمامنا بعد شهر الله تعالى متّسعاً كبيراً لهذه الأمور إذا كانت حلالاً ولم يشُبْها الحرام، فلماذا نصرّ على ترك ما لا يُعوَّض واستبداله بما هو أدنى، وبالإمكان تعويضه؟
إن العاقل المصدِّق بما أخبر به الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلّم هو من يفرّغ أيام شهر الله تعالى ولياليه لما يُدني من ثواب الله تعالى عز وجل ويؤجل كل عمل يمكن تأجيله إلى ما بعد هذا الشهر المبارك، لأن له من الإنشغال بما يقي من عقاب الله تعالى ما يصرفه عن كل شاغل سواه.
نعم، إن العاقل هو من يضع خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم.
وهذا الدعاء الرابع والأربعون من الصحيفة السجادية هو كالشرح لتلك الخطبة، أمام عيني القلب، وفي واجهة الإهتمام، ويلتزم بها منهجاً عملياً فيكثر من تلاوة كتاب الله تعالى والصلاة على النبي وآله والإستغفار وطول السجود وإكرام اليتيم وصلة الأرحام، وغير ذلك مما ورد الحث عليه في الخطبة النبوية الشريفة، يبتغي بذلك ما يطهره من الهفوات والآثام ويُقرِّبه من الله تعالى.
وللحديث حول هذا الدعاء المبارك تتمة.
* دعاء اليوم الخامس عشر
أللهم ارزقني فيه طاعة الخاشعين واشرح فيه صدري لإنابة المخبتين بأمانك يا أمان الخائفين.
يريد الدعاء لكلٍ منا أن يقول: إلهي أذقني حلاوة حبك، هب لي الخشوع لك، أزِل عن قلبي الأقفال واشرح صدري لأتوجه بفطرتي إليك، أعرف نفسي فأتواضع لك، ويحي إذا نظرت إلى الملائكة صفوفاً والأنبياء وقوفاً فمن عذابك غداً من يخلصني ومن أيدي الخصماء من يستنقذني، عصيت من ليس بأهل أن يُعصى عاهدت ربي مرة بعد أخرى فلم يجد عندي صدقاً ولا وفاءً، مَن غيرك يجبر كسري ويسكّن روعتي أدخلني في أمانك فقد فزعتُ إليك من نفسي يا أمان الخائفين.
* دعاء المجير
أذكّر هنا بدعاء المجير دعاء الذي تقدمت الإشارة إلى استحباب قراءته في الأيام البيض من شهر رمضان المبارك، وهو دعاء مهم جداً لقضاء الحوائج.
* صلاة الليلة السادسة عشر
1- حصة هذه الليلة من الألف ركعة، وهي عشرون،ثمان منها بين المغرب والعشاء، والباقي بعد العشاء بالترتيب المذكور في الليالي السابقة.
2- عن رسول الله صلى الله عليه وآله:" ومن صلى ليلة ست عشرة من شهر رمضان اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وألهيكم التكاثر اثنتي عشرة مرة خرج من قبره وهو ريان ينادي بشهادة أن لا إله إلا الله حتى يرد القيامة فيؤمر به إلى الجنة بغير حساب".
3- قال الكفعمي: "ويستحب أن يصلي في كل ليلة من شهر رمضان ركعتين بالحمد".." والتوحيد ثلاثا، فإذا سلَّم قال: سبحان من هو حفيظ لايغفل، سبحان من هو رحيم لايعجل، سبحان من هو قائم لايسهو، سبحان من هو دائم لايلهو. ثم يقول التسبيحات الأربع سبعاً، ثم يقول: سبحانك سبحانك ياعظيم. إغفر لي الذنب العظيم. ثم تصلي على النبي عشراً. من صلاها غفر الله له سبعين ألف ذنب. ".
أسأل الله عز وجل أن يوفقنا لمراضيه ويجعل عواقب أمورنا خيراً بالنبي وآله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
والحمد لله رب العالمين 1.
1-مناهل الرجاء / الشيخ حسين كوراني.
2012-07-19