يتم التحميل...

المهدىّ عليه السلام فى الكتاب و السنّة موجزاً

الإمام المهدي (عج)

ولعلّ من ضرورة المذهب الاسلامى الحنيف، والتى وردت فى الكتاب العزيز فى عدّة آيات، و جاءت فى السنة الشريفة فى متواتر الروايات، هى: مسألةالمهدىّ الموعود.

عدد الزوار: 86

المقدمة
ولعلّ من ضرورة المذهب الاسلامى الحنيف، والتى وردت فى الكتاب العزيز فى عدّة آيات، و جاءت فى السنة الشريفة فى متواتر الروايات، هى: مسألة "المهدىّ الموعود"عجل الله تعالى فرجه الشريف و بذلك اتفقت كلمة الأمّة على مختلف المذاهب والآراء فى الاعتقاد بظهور المهدى ّعجل الله تعالى فرجه الشريف من آل محمّد صلى الله عليه واله فى آخر الزمان، ليملأ الارض قسطاً وعداً بعد ما ملئت ظلماً و جوراً.

الأمر الذى يبدو ضروريّاً فى عامة معتقدات أهل الملّة، لم يشذّ منها إلاّ مكابر أو معاند.

والمصنَّفات و التآليف فى اثبات ظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف وانه من ولد فاطمة عليها السلام كثيرة ومتنوّعة، جادت بها قرائح ارباب القلم النزيه من علماء الفريقين.

المهدىّ فى القرآن
جلّ ما ورد بشأن المهدىّ عجل الله تعالى فرجه الشريف فى القرآن الكريم، هى من دلالة باطن الآية الذى هو تأويلها دون تنزيلها.
قال رسول الله صلى الله عليه واله: "ما فى القرآن آية إلاّ و لها ظهر و بطن"
سُئل الإمام ابوجعفر محمد بن على الباقر عليه السلام عن ذلك، فقال: "ظهرُها تنزيلها وبطنها تأويلها".
والبطن و التأويل، عبارة عن المفهوم العام المنتزع عن الآية، بعد إلغاء الخصوصيّات المكتنفة، لتصبح الآية صالحة للإنطباق على موارد مشابهة لمورد النزول، على مرّ الأيّام. الأمر الذى ضمن للقرآن بقاءه و شموله مع الخلود.

نعم ان للقرآن دلالة بحسب ظاهره، مما يرتبط وشأن نزول الآية. ودلالة اخرى عامة صالحة للانطباق على الموارد المشابهة حسبما يأتى من زمان. وبذلك أصبح القرآن حيّاً مع الأبد، و كان شفاء للناس و دواءً لأدوائهم فى مختلف الازمان و العصور.

فمن الآيات التى ورد تأويلا بشأن المهدى ـ عجل الله تعالى فرجه الشريف ـ قوله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ
هذه الآية نزلت بشأن قصّة فرعون و موسى و بنى اسرائيل.

ولكنّها عامة، إنها سنة الله جرت فى الخلق، أنّ الله تعالى سوف يأخذ بيد المستضعفين ليرفعهم على المستكبرين، و يورثهم ارضهم و ديارهم.

ففى حديث مفضَّل بن عُمَر، قال: سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول: انّ رسول الله صلى الله عليه واله نظر الى علىّ و الحسن و الحسين عليه السلام فبكى، و قال: أنتم المستضعفون بعدى.
قال المفضَّل: قلت: ما معنى ذلك؟ قال: معناه أنكم الأئمة بعدى ، انّ الله عزّوجلّ يقول: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ قال عليه السلام: فهذه الآية جارية فينا الى يوم القيامة.

وفى نهج البلاغة: "لتعطفنّ الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها.

و تلا عقيب ذلك: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ

الشماس: مصدر شمس الفرس، اذا منع من ظهره.

والضروس: الناقة السيّئة الخلق تعضّ حالبها، عطفا على ولدها.

قال ابن ابى الحديد: و الأمامية تزعم أن ذلك وعد منه بالإمام الغائب الذى يملك الارض فى آخر الزمان. و اصحابنا يقولون: إنه وعد بإمام يملك الأرض و يستولى على الممالك، و لا يلزم ان يكون موجوداً. بل يكفى فى صحة هذا الكلام أنه يخلق فى آخر الوقت.

قلت، فقد اتفقت الكلمة بأن فى الآية وعداً بإمام يملك الارض و يستولى على البلاد، قبل ان تقوم الساعة. إنما الإختلاف فى أنه موجود الآن أم سوف يولد لوقته. لكنه من ولد على عليه السلام على أىّ حال.
وفى سورة الأنبياء (21: 105): ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ

والمراد من الزبور: زبور داود، جاء فى سورة النساء (4: 163) و الإسراء (17: 55):  ﴿وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا .

وهو: كتاب المزامير، الوارد ضمن كتاب العهد القديم. جاء فيه: "كُفّ عن الغضب و اترك السُّخط، و لا تَفَرْ لفعل الشّر، لان عاملى الشرّ يُقطعون".
"و الذين ينتظرون الربّ هم يرثون الأرض".
"اما الوُدَعاء فيرثون الأرض ويتلذّذون فى كثرة السلامة".
"لان المباركين منه يرثون الارض، والملعونين منه يُقطعون".
"الصدّيقون يرثون الأرض ويسكنونها الى الأبد".

و هكذا جاء فى سورة النور (24: 55): ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وهذا الوعد بالتمكين فى الأرض بصورة مستوعبة ومستمرة مع الأبد، لم يتحقق للامّة المسلمة فى اى وقت، سوى أنه وعد حتم يتحقق بظهور المهدى المنتظرعجل الله تعالى فرجه الشريف.

وجاء بشأن عيسى بن مريم و رجوعه الى الدنيا فى آخر الزمان و اتباعه للامام المهدىعجل الله تعالى فرجه الشريف قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ.

﴿إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ـ الى قوله: ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ قال ابن حجر الهيثمى: قال مقاتل بن سليمان ومن تبعه من المفسّرين: انّ هذه الآية نزلت فى المهدى عجل الله تعالى فرجه الشريف.

قال: وستأتى الأحاديث المصرّحة بأنه من اهل بيت النبوى. ففى الآية دلالة على البركة فى نسل فاطمة وعلى عليه السلام و ان الله ليخرج منهما كثيراً طيّباً، وان يجعل نسلهما مفاتيح الحكمة ومعادن الرحمة. وسرّ ذلك انه صلى الله عليه واله اعاذها و ذرّيتها من الشيطان الرجيم، و دعا لعلى بمثل ذلك...

قال رسول الله صلى الله عليه واله: "كيف أنتم إذا نزل ابن مريم و امامكم منكم" قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ.. اى من علائم الساعة، حيث نزوله فى آخرالزمان.

المهدىّ فى الحديث
جاء فى مسند الامام احمد بن حنبل (ج 1، ص 376) بالاسناد الى الصحابى الكبير عبدالله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه واله قال: "لا تقوم الساعة حتى يلى رجل من اهل بيتى، يواطئ إسمه إسمى".

وهكذا رواه ابو داود فى السنن (كتاب المهدى، ج 4، ص 106) برقم (4282).
والترمذى فى جامعه (ج 4، ص 505) برقم (2231).
وروى ابوداود فى السنن (ج 4، ص 106) عن امّ المؤمنين امّ سلمة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه واله: "المهدىّ من عترتى من ولد فاطمة".
و روى ابن ماجه فى سننه (ج 2، ص 519): قال رسول الله صلى الله عليه واله: "المهدى منّا اهل البيت".
وقال: "المهدى من ولد فاطمة".

وهكذا روى الحاكم فى المستدرك (ج 4، ص 557) و قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. و حديث "من اهل بيتى" صحيح على شرط الشيخين. قال: و روى: "رجل من عترتى" ص 558.

واخرج ابو نعيم الأصبهانى ـ فى صفة المهدىعجل الله تعالى فرجه الشريف ـ باسناده الى حذيفة بن اليمان، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه واله بما هو كائن، ثم قال، "لو لم يبق من الدنيا الايوم واحد لطوّل الله ـ عزوجل ـ ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من ولدى اسمه اسمى. فقام سلمان الفارسى، فقال: يا رسول الله، من اى ولدك؟ قال: هو من وَلَدى هذا، و ضرب بيده على الحسين عليه السلام ".

روى الصدوق ـ فى عيون اخبار الرضا ـ بإسناده الى التميمى عن الإمام على بن موسى الرضا عليه السلام عن آبائه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: "لا تقوم السّاعة حتى يقوم القائم الحق منّا، و ذلك حين يأذن الله ـ عزّوجل ـ له.. و من تبعه نجا، و من تخلّف عنه هلك.. أللهَ اللهَ عبادَ الله، فأتوه و لو على الثلج، فانه خليفة الله عزوجل و خليفتى".

وايضاً بنفس الإسناد عن الرضا عن آبائه عن على عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: "لاتذهب الدنيا حتى يقوم بأمر أمتى رجل من ولد الحسين، يملأها عدلاً كما ملئت ظلماً و جوراً"
وروى فى الإكمال باسناده الى هشام بن سالم عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه اله قال: "القائم من ولدى اسمه اسمى، و كنيته كنيتى، و شمائله شمائلى، وسنته سنتى، يقيم الناس على ملّتى و شريعتى، و يدعوهم الى كتاب الله ـ عزّوجلّ. من أطاعه أطاعنى، و من عصاه عصانى، و من أنكره فى غيبته فقد أنكرنى، ومن كذّبه فقد كذّبنى، و من صدّقه فقد صدّقنى".

المهدى عجل الله تعالى فرجه الشريف هو الإمام الثانى عشر

قد ورد متواتراً عن النبى صلى الله عليه واله: "انّ الأئمة اثنا عشر على عدد نقباء بنى اسرائيل كلهم من قريش".
فقد أخرج الترمذى فى جامعه (ج 4، ص 501) و ابوداود فى سننه (ج 4 ، ص 106) عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يزال هذا الدين قائماً ـ او عزيزاً ـ حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش"

وفى صحيح البخارى ـ كتاب الاحكام ـ (ج 9، ص 101)، باسناده الى جابر بن سَمُرَة قال: سمعت النبى يقول: "يكون اثنا عشر اميراً... فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبى: انه قال، كلهم من قريش".
وفى صحيح مسلم ـ كتاب الامارة ـ (ج 6، ص 3) باسناده الى جابر بن سمرة، قال: دخلت مع ابى على النبى صلى الله عليه واله فسمعته يقول: "إنّ هذا الأمر لا ينقضى حتى يمضى فيهم اثنا عشر خليفة. ثم تكلم بكلام خَفِى عَلىَّ، فقلت لابى، ما قال؟ قال: قال: كلهم من قريش".

وهكذا رواه احمد فى سنده (ج 5، ص 90 و 92) و (ص 89)، و (ص 94) و (ص 99 و 108) و الترمذى فى صحيحه (ج 2، ص 35) و فى الصواعق المحرقة لابن حجر، (ص 113).
وفى المستدرك على الصحيحين (ج 4، ص 501) باسناده الى مسروق بن الأجدع قال: كنا جلوساً ليلة عند عبدالله بن مسعود يقرئنا القرآن، فسأله رجل، فقال: يا اباعبد الرحمن، هل سألتم رسول الله كم يملك هذه الأمّة من خليفة؟

فقال عبدالله: ما سألنى عن هذا أحد منذ قدمت العراق قبلك. قال: سألناه فقال صلى الله عليه واله: اثناعشر، عدّة نقباء بنى اسرائيل.
ورواه احمد فى المسند (ج 1، ص 389 و 406) و مثله المتقى الهندى فى كنز العمال (ج 3، ص 205).

ثم، من هؤلاء الأئمة الاثنا عشر، الذين هم خلفاء الرسول مَن بعده؟
وللاجابة على هذا السؤال، نجد حديثاً رواه ابو نعيم فى حليته، يوضّح انهم من عترته: روى باسناده الى ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: "من سرّه ان يحيى حياتى، و يموت مماتى، و يسكن جنّة عدن غرسها ربى، فليوال عليّاً من بعدى وليوال وليّه، و ليقتد بالأئمّة من بعدى، فإنّهم عترتى، خلقوا من طينتى، رزقوا فهماً و علماً، و ويل للمكذّبين بفضلهم من أمّتى، القاطعين فيهم صلتى، لا أنا لهم الله شفاعتى" قال ابونعيم ـ تعقيباً على ذلك: "فالمحققون بموالاة العترة الطيّبة، هم الذبل الشفاه، المفترشو الجباه، الأذلاّء فى نفوسهم الفُناة، المفارقون لمؤثرى الدنيا من الطغاة، هم الذين خلعوا الراحات، و زهدوا فى لذيد الشهوات، انواع الأطعمه و الوان الأشربه، فدرجوا على منهاج المرسلين و الأولياء من الصّديقين، و رفضوا الزائل الفانى، ورغبوا فى الزائد الباقى، فى جوار المنعم المفضال، و مولى الأيادى و النوال".

وروى باسناده الى مجاهد قال: "شيعة علىّ الحُلَماء العُلَماء الذبل الشفاه الأخيار الذين يعرفون بالرهبانية من اثر العبادة".
وعن على بن الحسين عليه السلام قال: "شيعتنا الزبل الشفاه، و الإمام منا من دعا الى طاعة الله".
واذا كانت الأئمة من بعده صلى الله عليه واله من عترته، فهم الأئمة من ولد فاطمة الذين اعترفت الأمة بامامتهم، وعلمهم و فضلهم.
اولهم بعد الامام اميرالمؤمنين عليه السلام الامام الحسن ثم الامام الحسين، ثم على بن الحسين، ثم محمد بن على الباقر، ثم جعفر بن محمد الصادق، ثم موسى بن جعفر الكاظم، ثم على بن موسى الرضا، ثم محمد بن على الجواد، ثم على بن محمد الهادى ثم الحسن بن على العسكرى. و آخرهم. و هو الامام المنتظر، هو المهدى القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف. و التعبير بالعترة، تغليب، حيث احد عشر منهم من ذرية رسول الله صلى الله عليه واله و كلهم من ولد علي عليه السلام فكان هو اولهم و آخرهم المهدى المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.
ولا سبيل الى معرفة الأئمة الاثنى عشر، الذين نوّه عنهم الرسول الاعظم، سوى الأئمة الذين انتسبت اليهم الأمامية الإثنا عشرية.
فلا تزال هذه العقيدة (الاعتقاد بالائمة الاثنى عشر) هى العقيدة الثابتة، المعتمدة على نصّ الرسول الكريم صلى الله عليه واله.
ولولا أنّ المهدى هو الامام الثانى عشر، لم يكن للأحاديث المأثورة بهذا الشأن مفهوم معقول.
فالعقيدة التى رسمتها الشيعة الاثنا عشرية ـ نظراً لوجود المهدىعجل الله تعالى فرجه الشريف و بقائه طول الغيبة ـ هى العقيدة المنطبقة على صحيح الروايات المأثورة عن الرسول الاكرم صلى الله عليه واله.

وهكذا ذكر الامام محيى الدين ابن العربى نسب الامام المهدىعجل الله تعالى فرجه الشريف و انه ابن الامام الحسن العسكرى و ذكر آباءه الى على و فاطمة واحداً بعد واحد.
قال الشيخ العارف عبدالوهاب الشعرانى: "انّ المهدىعجل الله تعالى فرجه الشريف من اولاد الامام الحسن العسكرى عليه السلام، و مولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس و خمسين و مأتين ـ و هو باق الى ان يجتمع بعيسى بن مريم عليه السلام فيكون عمره الى وقتنا هذا ـ (و هو سنة 958)، 706 سنين".

قال: هكذا اخبرنى الشيخ حسن العراقى المدفون فوق كدم الريش المطلّ على بِركة الرطل بمصر المحروسة على الامام المهدىعجل الله تعالى فرجه الشريف، حين اجتمع به. و وافقه على ذلك شيخنا سيدى على الخواص ـ رحمهما الله تعالى.

قال: وعبارة الشيخ محيى الدين: "واعلموا انه لابدّ من خروج المهدى عليه السلام لكن لايخرج حتى تمتلئ الأرض جوراً و ظلماً، فيملؤها قسطاً وعدلاً، و لو لم يكن من الدنيا الا يوم واحد لطوّل الله تعالى ذلك اليوم حتى يلى ذلك لخليفة، وهو من عترة رسول الله صلى الله عليه واله من ولد فاطمة، جدّه الحسين بن على بن ابى طالب، و والده الحسن العسكرى ابن الامام على النقى ابن الامام محمد التقى ابن الامام على الرضا ابن الامام موسى الكاظم ابن الامام جعفر الصادق ابن الامام محمد الباقر ابن الامام زين العابدين على ابن الامام الحسين ابن الامام على بن ابى طالب عليه السلام يواطئ اسمه اسم رسول الله يبايعه المسلمون بين الركن و المقام يشبه رسول الله صلى الله عليه واله فى الخَلْق وينزل عنه فى الخُلق. ثم يذكر او صافه و عدله بين الناس" هذا. ولكن يد الخيانة حرفت من نصّ الفتوحات هنا فشوهت الكلام أردأ تشويه. فراجع.

والمتلخص من هذه الاحاديث: أن الأئمة الذين يحكمون الأمة بإمامتهم العادله، سواء أكانوا ظاهرين ام مستورين، اثنا عشر إماماً من ولد على و فاطمة، هم عترة رسول الله صلى الله عليه واله ، واذ قد عرفنا احد عشر منهم، باعيانهم واشخاصهم كانوا بين اظهر المسلمين، سادة علماء يأتم بهم المسلمون عبر حياتهم المجيدة. وقد تواصلت حياتهم لمدة قرنين ونصفاً.
اذن بقى علينا ان نعرف الامام الثانى عشر، الذى هو آخر الائمة الاثنى عشر.

وليس سوى المهدى المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، ولابدّ أن تستمر إمامته منذ فارق الإمام الحادى عشر الحياة، و هو سنة (260 هـ) الى ما بقى من الزمان.
"اذ لا تخلو الأرض من حجّة".
وقد صرّح النبى الكريم، بان الائمة اثنا عشر، فلابد من طول امامة الامام الثانى عشر. و قد قال صلى الله عليه واله: "بنا فتح الله دينه وبنا يختم".
اخرج ابونعيم و غيره من الحفاظ باسنادهم الى الامام اميرالمؤمنين عليه السلام قال: قلت يا رسول الله صلى الله عليه واله ، أمنّا المهدىّ أم من غيرنا؟

فقال صلى الله عليه واله: "بل منّا، يختم الله به الدين، كما فتحه بنا"
وقد ولد عجل الله تعالى فرجه الشريف: عام 255، و هو حى لايزال فى ستار الغيب.
فقد تحصّل من مقدمات ثلاث:
الاولى: أنّ الأئمة من عترة النبى صلى الله عليه واله اثنا عشر اماماً.
الثانية: أنّ امامتهم متواصلة، حسب ظاهر التعبير.
الثالثة: أنّ البدء بالنبى صلى الله عليه واله و الختم بالمهدىعجل الله تعالى فرجه الشريف.

تحصّل من هذه المقدمات الثلاث، انه لابدّ من وجود الامام الثانى عشر حين وفاة الامام الحادى عشر، ولابدّ من بقائه و استمرار وجوده عبر الزمان، لئلا تبقى الأرض بلاحجة.
إذن فوجودهعجل الله تعالى فرجه الشريف فى هذا الزمان، و بقاؤه مع طول العهد مما دلّت عليه الاثار النبويّة، واقتضته ضرورة الدين.

ولادة المهدى عجل الله تعالى فرجه الشريف ومبدأ إمامته
ولد المهدى الحجة من الحسن العسكرى بسامراء ـ العراق ـ ليلة الجمعة، الخامس عشر من شهر شعبان المعظم سنة ماتين و خمسة و خمسين من الهجرة. و هو حىّ لا يزال. فكان عمره الشريف لحد الآن (وهو سنة 1421 هـ.ق) قد بلغ الفاً و مائة و اثنين و تسعين عاماً.

أما إمامته فكانت بعد وفاة ابيه عام 260 هـ حيث بلغ عمره الشريف خمس سنين.

وللامام محيى الدين ابن العربى، بشأن ولادة المهدىعجل الله تعالى فرجه الشريف، كلام غريب: قال: "وللولاية المحمديّة المخصوصة بهذا الشرع المنزل على محمد صلى الله عليه واله ختم خاص... و قد ولد فى زماننا و رأيته ايضاً و اجتمعت به، و رايت العلامة الختميّة التى فيه، فلا ولىّ بعده الاّ و هو راجع اليه، كما لا نبىّ بعد محمد صلى الله عليه واله الا و هو راجع اليه".
قال: "وأما ختم الولاية المحمديّة فهى لرجل من العرب من أكرمها أصلاً ويداً، وهو فى زماننا اليوم موجود عرّفت به سنة خمس و تسعين و خمسمأة. ورأيت العلامة التى له، قد اخفاها الحقّ فيه عن عيون عباده و كشفها لى بمدينه "فاس" حتى رأيت خاتم الولاية منه، وهو خاتم النبوّة المطلقة لا يسلمها كثير من الناس".

ابن العربى يرى عصمة المهدى عجل الله تعالى فرجه الشريف
يقول: المهدى حجة الله على اهل زمانه، و هى درجة الأنبياء، التى تقع بها المشاركة، قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي اخبر بذلك عن نبيّه صلى الله عليه واله.
فالمهدى ممّن اتبعه، و هو صلى الله عليه واله لا يُخطئ فى دعائه، فمتّبعه لا يُخطئ، فانه يقفو اثره، كما قال صلى الله عليه واله: من يقفو اثرى لا يُخطئ. و هذه هى العصمة فى الدعاء الى الله.
قال: المهدي رحمة، كما كان رسول الله صلى الله عليه واله رحمة. قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ـ

قال: و انه صلى الله عليه ما نصّ على امام من أئمة الدين يكون بعده و يقفو اثره لا يخطئ، إلاّ المهدى خاصّة، فقد شهد بعصمته فى احكامه، كما شهد الدليل العقلى بعصمة رسول الله فيما يبلّغه عن ربّه.
وروى الصدوق فى اكمال الدين باسناده الى جابر عن الامام ابى جعفر الباقر عليه السلام قال: "إنّ العلم بكتاب الله ـ عزوجل ـ وسنة نبيّه صلى الله عليه واله ينبت فى قلب مهديّنا كما ينبت الزرع عن احسن نباته، فمن بقى منكم حتى يلقاه فليقل حين يراه: السلام عليكم يا اهل بيت الرحمة و النبوّة و معدن العلم و موضع الرسالة".

هنا سؤالان، اعترض بهما المخالفون
السؤال الاول: كيف يستطيع الانسان أن يُعمَّر فى هذا الطول من العمر؟
السؤال الثانى: كيف تصّح إمامة الصّبى و هو طفل لم يبلغ اشدّه؟
أما طول العمر: فهو امر ممكن الوقوع، حسبما جاء فى القرآن الكريم بشأن نوح عليه السلام و فى الناس من المعمَّرين كثير.

قال تعالى: ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَوقد عاش بعد ذلك سنين طويلة.
وكان بامكان الإنسان اذا كان عايشاً بعيداً عن ضوضاء البلاد، مجتنباً غوغاءها، ان يعمّر مآت من السنين قويّاً سليماً عن الأمراض و الأدواء الموجبة لقصر العمر. فان النوع الانسانى اذا لم يحمل هموماً و لم تعتوره الأمراض المختلفة و لم تنهك قواه الأطعمة التى لا يقدر على هضمها، فكان من المعقول ان يعيش طويلاً.
وعند العلماء بالطب و الأحوال الإحتماعية أنّ الإنسان قواه محدودة، و الحياة العريضة نستنفدها بسرعة، بخلاف الحياة الساذجة و لا سيما البدائية البسيطة، فانها تكون طويلة، لقلة ما يستنفد من قوى الأجسام بتلك الحياة.

يقول الأطباء: سبب تعجيل الموت فى الانسان العائش وسط الاجتماعات المتحضّرة، هو عروض امراض طارئة مفاجئة، ولا سيّما الباطنة، ولا يحسّ بها الانسان الابعد فترة طويلة، اوجبت رسوخ المرض ورسوب جذوره بما لم يدع مجالاً للعلاج.

ومن ثم فلو عاش انسان فى مراقبة تامة عن احواله و المواظبة على طوارئ الجسد و لا سيّما الداخلية ـ الامر الذى عجزت عنه الوقاية العامة ـ لامكنه ان يعيش مآت من السنين.
وان ظاهرة الإحراق والتعويض، فى خلايا جسد الانسان، لتومنّ عليه امكان تداوم حياته قوياً منيعاً احقاباً من الزمان، لولا عروض طوارئ وهجوم الأمراض التى يجلب الانسان على نفسه على اثر سوء تصرّفه فى الحياة.

أمّا النابهون، المنعمون بعناية الله، والذين حرستهم رعايته الكريمة، فبامكانهم التعيش الى آماد طويلة.
وهذا يونس النبى عليه السلام جاء بشأنه: ﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ *  فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ *  فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ

وهكذا ورد بشأن عيسى المسيح عليه السلام ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ً* وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا

قوله: ﴿لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِه. يدل على انه لم يمت موته الطبيعى. وانما يموت بعد نزوله من السماء عند ظهور المهدى الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف.
وعن النبى صلى الله عليه واله: "ان عيسى بن مريم لم يمت وانه راجع اليكم قبل يوم القيامة".
قال الطبرسى: و قد صحّ عن النبى صلى الله عليه واله انه قال: "كيف انتم اذا نزل ابن مريم فيكم و امامكم منكم ـ يعنى المهدى عجل الله تعالى فرجه الشريف ـ"
قال، رواه النجارى و مسلم فى الصحيح.
وأمّا الإمامة قبل بلوغ الأشدّ. فلا غرو بعد وقوع مثله فى انبياء عظام: متمثلا بقولة الشاعر ـ متّبعاً غوايته: ما آن للسرداب ان يلد الذى كلمتموه بجهلكم ما آنا فعلى عقولكم العفاءُ فإنّكم ثلثتم الضقاء و الغيلانا
(الصواعق المحرقة لابن حجر، ص 100)
قال تعالى بشأن يحيى عليه السلام: ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا وقال بشأن عيسى بن مريم عليهما السلام: ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا, ﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُون.

هنا نكتة دقيقة لابدّ من التنبّه لها: هى ضرورة وجود الحجة فى الأرض ليكون إماماً للناس و اسوة فى كافّة شؤونهم. "من مات و لم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهليّة".
او"من مات و لا إمام له مات ميتة جاهليّة". او "من مات و ليس عليه طاعة امام فميتته ميتة جاهلية". وامثالها من تعابير، صحت عن رسول الله صلى الله عليه واله، فيجب على مسلم صالح أن يعتقد بطاعة امام زمانه اماماً معصوماً من الخطأ والخطل، كما كان رسول الله معصوماً. لانه اسوة، ولا ينبغى للأسوة أن يخطأ او يزلّ.

وهذا ما ذهب اليه الإمامية فى معتقدهم بضرورة وجود الامام المنتظرعجل الله تعالى فرجه الشريف.
ونكتة أدقّ: هى ضرورة وجود واسطة الفيض، وإلاّ لساخت الارض بأهلها, انهم عليهم السلام ابواب رحمته تعالى ومنابع بركاته الى الخلايق.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ
﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ

روى الصدوق باسناده الى سليمان بن جعفر قال: سألت الرضا عليه السلام فقلت: تخلو الارض من حجة؟ فقال: "لو خلت الارض طرفة عين من حجة لساخت بأهلها".
وعن الامام ابى جعفر الباقرعليه السلام: "لو بقيت الأرض يوماً بلا إمام منّا لساخت باهلها، ولعذبهم الله بأشد عذابه. ان الله تبارك وتعالى جعلنا حجة فى أرضه، وأماناً فى الأرض لاهلها، لن يزالوا فى أمان من ان تسيخ بهم الارض مادمنا بين أظهرهم".
اذن فكما أنهم عليهم السلام وسائط رحمته تعالى فى إفاضة شريعة الحق، كذلك هم وسائط بركات السماء والأرض.
وهذا باب عريض لا يدخله الا ذو حظّ عظيم1.
هذا، و الحمد لله رب العالمين و صلى الله على سيدنا محمد و على آله الطيّبين2.


 1- العلامة هادي معرفت
2- المصادر

ـ القرآن الكريم.
ـ نهج البلاغةـ بحارالانوار للمجلسى.
ـ تفسير العياشى.
ـ حلية الاولياء لابى نعيم الاصبهانى.
ـ ذخائر العقبى للفيروز آبادى.
ـ سنن البيهقى.
ـ شرح نهج البلاغه لابن أبى الحديد.
ـ صحيح البخارى.
ـ صحيح مسلم.
ـ الصواعق المحرّقة لابن حجر.
ـ عقد الدرر فى أخبار المنتظر، المقدس الشافعى.
ـ علل الشرايع.
ـ عيون الاخبار.
ـ الغدير للامينى.
ـ الفتوحات المكيّة لابن العربى.
ـ فضائل الخمسة.
ـ قصص الانبياء، عبدالوهاب النجار.

2012-07-02