تكوين الدولة الإسلامية
الإمام المهدي (عج)
وأعظم ما افترض سبحانه من الحقوق: حق الوالي على الرعية، وحق الرعية على الوالي، فريضة فرضها الله سبحانه لكل على كل، فجعلها نظاماً لا لفتهم، وعزاً لدينهم.
عدد الزوار: 85
وأعظم ما افترض سبحانه من الحقوق: حق الوالي على الرعية، وحق الرعية على الوالي، فريضة فرضها الله سبحانه لكل على كل، فجعلها نظاماً لا لفتهم، وعزاً لدينهم.
فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية، فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه، وأدى الوالي إليها حقها، عز الحق بينهم، وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، وجرت على إذلالها السنن، فصلح بذلك الزمان، وطمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الأعداء.
تشكيلات الحكومة في التشريع
إن الذي أعنيه - هنا - بكلمة (دولة) هو (الحكومة)، وهو الذي سيدور حوله الحديث عن (تكوين الدولة)..
والمعنى هذا هو أحد معنيي الكلمة.. وربما تطرقت عابراً في خاتمة الحديث إلى معناها الآخر، وهو (الأرض والأمة والحكومة):
ربما انتظرنا من التشريع الإسلامي - هنا - أن يزودنا بتفاصيل وافية عن تشكيلات الحكومة في عصر الغيبة..
إلا أننا حينما نفهم أن التشكيلات - هنا - تعني الوسائل والأساليب التي تتخذ وتتبع في إدارة ورعاية شؤون الأمة.. نفهم أنها موضوع وليست بحكم.
وذلك أن الأساليب أنواع من سلوك الإنسان وأعماله..
ومن الواضح: أن سلوك الإنسان وأعماله هي موضوعات تتوجه إليها الأحكام، لتوجيه السلوك الإنساني في الوجهة التي ينبغي أن يسير عليها..
وان الوسائل وسائط في تحقيق الامتثالات..
ومن الواضح أيضاً: أن الوسائط - هنا - موضوعات لا أحكام، لأنها لا تختلف في مجال تحقيق الامتثال عن الأساليب، إلا بما يتنوع به السلوك من صدوره عن الإنسان بلا مساعد ومباشرة، ومن صدوره بمساعد ومن غير مباشرة..
فهي - أعني الوسائل هنا - جزء متمم لما يتحقق الامتثال في المجال الذي يفتقر فيه إلى الواسطة.
وفي ضوئه:
لا ينتظر من التشريع أن يحدد لنا تشكيلات الحكومة، فيعين الوسائل والأساليب، وذلك أن تحديد الموضوعات لا يعود إليه - عادة-، وإنما وظيفته - بصفته تشريعاً - وضع الأحكام المناسبة للموضوعات بما يحقق المصلحة للناس، ويبعد المفسدة عنهم..
يضاف إليه:
إن خضوع الموضوعات للتغيرات الزمانية والمكانية، وللتطورات الحضارية والمدنية، مما يقف دون إعطاء تحديد ثابت لها.
الخط العام للحكومة
نعم.. هناك شيء ينتظر من التشريع أن يقوله، لأنه يتمشى مع طبيعة الموضوعات في مختلف تطوراتها وتغيراتها.. وهو: إعطاء حكم يحدد نوعية الوسائل والأساليب هنا..
وبعبارة ألصق بالحديث:
وضع خط عام للحكومة في تشكيلاتها.
وهذا اللون من الحكم لا نعدمه في التشريع الإسلامي، فقد فرض على المسلم - بصفته فرداً، وعلى المسلمين - بصفتهم مجتمعاً ودولة - أن يتخذوا الوسائل وينتهجوا الأساليب في إطار الأحكام الإسلامية العامة.
أعني: إنه فرض عليهم تحديد الموضوع أولاً - وسيلة كان أو أسلوباً - والتماس حكمه الشرعي ثانياً.
فمتى ما حدد موضوع والتمس حكمه المسوغ لاتخاذه أو اتباعه، عد وسيلة إسلامية أو أسلوباً إسلامياً..
ويعرف ذلك بالبداهة، العكس بالعكس من طبيعة التشريع الإسلامي.
وعلى هديه:
يلاحظ دائماً في وضع تشكيلات الحكومة متطلبات الظروف والملابسات المحيطة بالدولة - أمة وحكومة - في مجال ما يحقق لها المصلحة العامة، وفي إطار الأحكام الإسلامية العامة.
مستثنيات
فقط.. استثنى التشريع الإسلامي بعض الوسائل والأساليب فحددها بصورة خاصة.
أمثال:
1- تعيين المسؤول العام للدولة من قبل التشريع - كما لمسناه في موضوع رئيس الدولة - حيث أعطى التشريع الإسلامي كلمته فيه، وأناط به المسؤولية الكبرى في مجال الحكم.
2- تقييد الدولة بدستور موضوع.
3- تقييد تعيين الحكام بتوفر شروط معينة فيهم، أمثال: الكفاءة والعدالة1، وغيرهما من إمكانيات الحكم وضماناته.
وذلك لأن طبيعة الاحتياط فيما يجعل التشكيلات الحكومية تحقق للأمة والحكومة مصلحتهما العامة تفرض ذلك فرضاً.
ومنه نستطيع أن ندرك مدى اهتمام التشريع الإسلامي للمسألة، حيث حسب للتطور كل الحساب، وأخذه بنظر الاعتبار التام، فلم يضع التفاصيل لئلا تصطدم بالتطور، ولم يهمل وضع التعاميم احتياطاً عن انحراف القضية.
السلطات الثلاث
وفي ضوء ما انتهينا إليه من اعتبار الفقيه الأعلم حاكماً عاماً للمسلمين، ورئيساً أكبر للدولة الإسلامية.. ومن أن التشكيلات الحكومية تعود إلى طبيعة متطلبات الظروف ومقتضيات الأحوال المحيطة بالأمة والحكومة والملابسة لهما يكون توزيع السلطات الثلاث، بالشكل الذي يعطي المخطط العام للحكومة كما يلي:
أ- السلطة التشريعية:
تعود إلى الفقهاء العدول، تحت إشراف الفقيه الأعلم (رئيس الدولة)..
فتشكل اللجان والهيئات التشريعية منهم وبإشرافه..
ووظيفتها تتلخص بما يأتي:
1- بيان الأحكام..
والأحكام: هي التي شرعت بنص خاص من الكتاب والسنة أو ثبتت بالضرورة من الدين، أمثال: وجوب الزكاة والخمس وتعيين مصارفهما، وإعداد القوة قدر المستطاع لإرهاب عدو الله..
ونستطيع أن نصطلح عليها بـ (الدستور).
2- وضع التعاليم..
والتعاليم: هي الأحكام التي لم تشرع بنص خاص، وإنما أوكل أمر استنباطها إلى اجتهاد الفقهاء داخل إطار الأحكام الإسلامية العامة، نظراً لتطورها، تبعاً لتغير الظروف والأحوال، مثل: وجوب التدريب العسكري في هذا العصر، نظراً لتطور وسائله وأساليبه إلى ما يفرض ذلك من باب المقدمة للدفاع الواجب.. ومثل: تحديد مقدار ضريبة الخراج والجزية وما شاكل.
ونستطيع أن نصطلح عليها بـ(النظام).
ب - السلطة التنفيذية:
تعود إلى الأمناء من أبناء الأمة، ممن تتوفر فيهم إمكانيات القيام بمسؤولية التنفيذ وضماناته الشرعية.
ويرجع أمر تعيينهم إلى رئيس الدولة، واللجان التي أعدها وشكلها لذلك، ممن تتوفر فيهم الخبرة الكافية للقيام بمثل هذا العمل.
ووظيفتها تتلخص بما يأتي:
1- القيام بتطبيق الدستور والأنظمة.
2- تشكيل لجان وهيئات علمية، تختار أفرادها من مختلف الاختصاصيين: سياسيين واقتصاديين وعسكريين وتربويين واجتماعيين.. الخ.
ممن تتوفر فيهم الضمانات الشرعية..
توكل إليهم مهمة القيام بدراسة مجالات التطبيق، ومعرفتها معرفة كاملة بشتى ظروفها وملابساتها وأحوالها وجميع علاقاتها،.. وبتقديم نتائج الدراسة إلى السلطة التشريعية، لتقوم هي بدورها بتزويد السلطة التنفيذية بالأحكام الخاصة لهذه الموضوعات.
أمثال: تكوين علاقات سياسية مع دولة أخرى، أو عقد اتفاقية تجارية، أو فتح مشاريع زراعية وصناعية وثقافية وصحية واجتماعية وما شاكلها.
لتقوم هي - أعني السلطة التنفيذية - بعد أخذ أحكامها من السلطة التشريعية - بدورها في تطبيقها.
ج - السلطة القضائية:
وتعود إلى الفقهاء أيضاً.
ويرجع أمر تعيينهم إلى رئاسة الدولة.
ووظيفتها:
القضاء بين المواطنين، وحل الخصومات، سواء كانت قائمة في نطاق ما يسمي اليوم بـ(الأحوال الشخصية)، أو في غيره من نطاقات الحياة المختلفة..
وذلك لأن الإسلام لا يحتوي نوعين من القضاء: مدنياً وشرعياً، وإنما كل القضايا من وجهة نظره، سواء كانت من نوع ما يسمى _ اليوم - بالقضايا المدنية أو القضايا الشرعية، يعود أمر حلها إلى القانون الإسلامي ووفق أحكامه.
لأن القوانين المدنية من وجهة نظر الإسلام لا تعتبر قوانين للتطبيق، ولا يسوغ بحال من الأحوال الأخذ بها.
شكل الحكومة
ونستطيع بعده أن نخلص إلى أن شكل الحكومة الإسلامية زمن الغيبة هو أنها: حكومة دستورية، يرأسها الفقيه الأعلم العادل وتدار من قبل أجهزة كافية من الاختصاصيين العدول، وبإشراف الرئاسة العادلة.
مبدأ الحق الإلهي:
وهنا.. أود أن أشير إلى مفارقة وقع فيها بعض الكتاب حول الموضوع، وهي اعتبارهم أمثال هذا الحكم من نوع (الحق الإلهي)..
وفي عقيدتي: أن منشأ المفارقة هو عدم التفرقة بين الحق الإلهي، الفكرة المعروفة في التاريخ، والتي تمثلت في حكم الفراعنة بمصر القديمة، وفي حكم الملوك في القرنين السابع عشر والثامن عشر في أوربا، وخاصة في فرنسا2.. وبين الحق الإلهي الذي يتبناه التشريع الإسلامي.
ذلك أن الأولى تؤمن بالحق الإلهي تكويناً..
ومعناه: أن الحاكم إن لم يكن إلهاً كالفراعنة يتصرف بمربوبيه كيف يشاء.. فالله تعالى سلطه على الناس بالشكل الذي لا يسوغ لهم بحال من الأحوال محاسبته أو معارضته، لأن تسلطه شيء لابد وأن يقع،..ولعلنا ندرك ذلك أيضاً من تسميته بـ(التفويض الإلهي) أيضاً.
وإن الإسلام يؤمن بالحق الإلهي تشريعاً..
ومعناه: أن الله تعالى - بصفته مشرعاً للدستور - منح الحاكم نبياً أو إماماً أو غيرهما ممن تتوفر فيه شروط الحاكم المسلم حق الحكم بين الناس قانونياً (لتحكم بين الناس بما أراك الله)3.
ومن فرض التشريع الإسلامي على الأمة مراقبة الحاكم المراقبة التامة، ومحاسبته المحاسبة الشديدة، وعزله حين المخالفة والإصرار عليها، يفهم بذلك بوضوح. والتاريخ الإسلامي مملوء بوفرة من شواهد محاسبة الأمة للحكام المسلمين4.
دور الأمة في المراقبة
أما دور الأمة في مراقبة الحكومة ومحاسبتها وعزلها، فنستطيع أن نوجزه بما يأتي:
هو أن على الأمة - كل الأمة - ملاحظة الجهاز الحاكم في مجالات التشريع والتنفيذ والقضاء، الملاحظة المستوعبة والدقيقة، فمحاسبته عند وقوع أي خطأ تشريعياً كان أو تنفيذياً أو قضائياً.. (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)5.. (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)6.
والأسلوب الذي تتبعه الأمة في المحاسبة والعزل هو:
أولاً - أن تتبع الأساليب اللاعنفية، ومعالجة القضية بالطرق السلمية.
وثانياً - عند عدم الجدوى تتبع الأساليب العنفية، وتعالج القضية بالطرق الثورية.
ويراعى في اتباع الطرق الثورية الاحتياط التام في وقوع الضرر الأقل، وبمقدار ما تقتضيه الضرورة.
الدولة في مجالها الواسع
وفي ختام الحديث - هنا - أعود لأفي بما وعدته من التطرق عابراً إلى الدولة في مجالها الواسع، وهو:
1- الأرض، والتي تعني (الوطن).
2- والأمة، والتي يريدون بها (المواطنين).
3- والحكومة، والتي يقصدون منها (السلطة).
فالأرض أو الوطن الإسلامي - اليوم - هو: كل بقعة من الأرض كانت خاضعة سياسياً إلى حكم إسلامي، سواء بقيت بأيدي المسلمين، أو سلبت منهم كفلسطين وإسبانيا.
ويعني هذا: أن على الدولة الإسلامية - عند قيامها في أي بقعة من الأرض كانت - استرجاع ذلك الوطن الإسلامي، بقسميه: الباقي بأيدي المسلمين، والمسلوب منهم، وإخضاعه للنفوذ السياسي الإسلامي.
والمراد بالأمة أو المواطنين: كل من توفرت فيه شروط المواطنة، وفق تعليمات التشريع الإسلامي في المجال السياسي.
أما الحكومة أو السلطة.. فقد مر الحديث عنها7.
1- في حديث عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا تقبلن في استعمال عمالك وأمرائك شفاعة إلا شفاعة الكفاية والأمانة).
2- يقرأ: دكتور محمد طه بدوي ودكتور محمد طلعت الغنيمي، النظم السياسية والاجتماعية، ص 259.
3- الآية 105 من سورة النساء.
4- يقرأ للاطلاع على بعض الشواهد: الميرزا النائيني، تنبيه الأمة وتنزيه الملة.
5- حديث شريف.
6- الآية 72 من سورة التوبة.
7- دولة القائم المنتظر / العلامة عبد الهادي الفضلي.