غزوةُ ذات الرقاع
غزوة ذات الرقاع
قيل إنما سُمّيت هذه الغزوة، وهذا الجهاد المقدس بالرقاع، لأنّ المسلمين مرّوا بأرض بقع سود، وبقع بيض كأنها مرقعة برقاع مختلفة. وربما قيل لأن الحجارة أوهنت أقدام المجاهدين فكانوا يلفّون على أرجلهم الخرق والرقاع، فسُمِيت هذه الغزوة بذات الرقاع.
عدد الزوار: 206
قيل إنما سُمّيت هذه الغزوة، وهذا الجهاد المقدس بالرقاع، لأنّ المسلمين مرّوا بأرض بقع سود، وبقع بيض كأنها مرقعة برقاع مختلفة.
وربما قيل لأن الحجارة أوهنت أقدام المجاهدين فكانوا يلفّون على أرجلهم الخرق والرقاع، فسُمِيت هذه الغزوة بذات الرقاع.
وعلى كل حال، فإن هذه الغزوة لم تكن ابتدائية تماماً مثل بقية الغزوات، بل كانت لإطفاء شرارة كانت على شرف الاشتعال والانفجار، وبالضبط جاءت لتقضي على تحركات واستعدادات عدائية كان يقوم بها بنو محارب وبنو ثعلبة وكلاهما من قبائل غطفان.
وقد كان من دأب النبيّ صلى الله عليه وآله وسياسته أن يبُثّ أشخاصاً أذكياء إلى المناطق المختلفة ليأتوا له بالأخبار عن كل ما يستجدّ على ساحة الجزيرة العربية، وفي أوساط القبائل.
فأتاه الخبر ذات مرة أن القبيلتين المذكورتين تنويان جمع الأسلحة والرجال لاجتياح المدينة وغزوها، فسار إليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله على رأس مجموعة من رجاله وأصحابه حتى نزل نخلاً بنجد قريبة من مكان العدو.
فدفعت سوابق المسلمين الجهادية، وما سطروه في المعارك والمواقف من قصص المقاومة والصمود والبسالة والاستقامة، وما حققوه من انتصارات ساحقة حيّرت سكّان الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها.
لقد دفعت كل هذا العدوّ إلى الانسحاب، واللجوء إلى رؤوس الجبال، وقد خافوا ألا يبرح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله حتى يستأصلهم.
وقد صلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بالمسلمين في هذه الغزوة صلاة الخوف، التي بيّن اللّه تعالى كيفيتها في سورة النساء الآية 102 قائلاً: ﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا﴾.
وأغلب الظن أن العدوّ كان في هذه الغزوة قوياً في تجهيزاته وقواه، وأن الأوضاع العسكرية قد وصلت إلى مرحلة خطيرة مما سبّب الخوف، ولكن الانتصار كان في المآل من نصيب المسلمين.
مواقف خالدة في هذه الغزوة:
يروي المؤرخون والمفسرون المسلمون كابن هشام وأمين الإسلام الطبرسي قصصاً عجيبة، وحوادث مثيرة للإعجاب وقعت في هذه الغزوة، ورعايةً للاختصار نلفت نظر القارئ الكريم إلى القصة الآتية التي تكشف عن صمود المسلمين وإخلاصهم لدينهم.
الحُرّاس الصامدون:
مع أن جيش الإسلام قد عاد إلى المدينة من هذه الغزوة من دون قِتال، ولكنّه أصاب مع ذلك بعض الغنائم، واستراح في شِعبٍ في أثناء الطريق، وبات ليلته هناك، ثم كلّف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله رجلين بحراسة الجيش ليلاً يدعيان: "عبّاد" و"عمّار"، فقسم الرجلان الليل بينهما، فنام أحدهما وسهر الآخر يحرس الجيش، وكان الذي سهر أول الليل هو "عباد".
ثم إن رجلاً من العدوّ خرج في أثر المسلمين، وكان يقصد أن يريق دماً أو يصيب شيئاً ويعود إلى محله.
وقام "عباد" يصلّي، وأقبل ذلك الرجل يطلب غِرّةً، فلما رأى "عباد" سواده من قريب قال ذلك الرجل في نفسه: نعلم اللّه أنّ هذا لطليعة القوم وحرسهم، ففوّق له سهماً ورماه به فأصاب عبادا،ً ولكن عبّاداً نزع السهم ووضعه، وثبت قائماً يصلّي فرماه العدوّ بسهم آخر فأصابه، فانتزعه وثبت قائماً، فرماه بثالثٍ فنزعه، فلما غلب عليه الدم ركع وسجد ثم قال لصاحبه: اجلس فقد أُُصبتُ، فجلس عمّار، فلمّا رأى الأعرابي أن عماراً قد قام علم أنهما قد علما به، فقال عمّار: أي أخي ما منعك أن توقظني به في أول سهم رمى به ؟!
قال: كنتُ في سورة أقرأُها وهي سورة الكهف، فكرهتُ أن أقطعها حتى أفرغ منها، ولولا أني خشيتُ أن أضيّع ثغراً أمرني به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ما انصرفت ولو أتى على نفسي.
وهكذا صمد هذا المسلم واستمر في صلاته غير مبال بما أصابه من السهام.
* سيرة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله، الشيخ جعفر السبحاني، ج2، ص 226-228.