يتم التحميل...

التخلّص من أغلال الشهوات

تزكية النفس

إن الإنسان العاقل الروؤف بنفسه لا بد له من السعي واللجوء إلى كل سبيل لإنقاذ نفسه من الأسر، والنهوض أمام النفس الأمارة والشيطان الباطني، ما دامت الفرصة سانحة وقواه الجسدية سالمة وما دام أنه على قيد الحياة وفي صحة موفورة وفتوّة موجودة وأن قواه لم تتسخر كلياً،

عدد الزوار: 855

من مواعظ الإمام الخميني في كتاب "الأربعون حديثاً":

إن الإنسان العاقل الروؤف بنفسه لا بد له من السعي واللجوء إلى كل سبيل لإنقاذ نفسه من الأسر، والنهوض أمام النفس الأمارة والشيطان الباطني، ما دامت الفرصة سانحة وقواه الجسدية سالمة وما دام أنه على قيد الحياة وفي صحة موفورة وفتوّة موجودة وأن قواه لم تتسخر كلياً، ثم يراقب حياته فترة من الوقت، ويتأمل في أحوال نفسه وأحوال الماضين، ويتمعن في سوء عاقبة بعضهم ويُفهم نفسه أن هذه الأيام القليلة تبلى، ويوقظ قلبه ويفهمه الحقيقة التالية المنقولة عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله حيث خاطبنا قائلاً: "الدُّنْيَا مَزْرَعَةُ الاخِرَةِ" فلو إننا لم نزرع في هذه الأيام المعدودة، ولم نعمل عملاً صالحاً، لفاتتنا الفرصة، وإذا غشينا الموت، وحلّ العالم الأخر، لانقطعت أعمالنا جميعاً وذهبت امالنا نهائياً وإذا جاء ملك الموت ونحن لا نزال عبيد الشهوات وأسارى قيود أهواء النفس المتشعبة والعياذ بالله لكان من الممكن للشيطان أن يسرق إيماننا الذي هو غايته القصوى وأن يحتال ويتراءى أمام قلبنا بصورة نخرج من الدنيا ونحن أعداء الحق المتعالي والأنبياء والأولياء والله سبحانه أعلم ماذا وراء هذا الحجاب من الشقاوات والظلمات والوحشة؟.

فيا أيتها النفس الدنيئة ويا أيها القلب الساهي استيقظا وأنهضا أمام هذا العدو الذي ألجمكما منذ سنين وربطكما بأغلال الأسر وقادكما إلى كل جهة حيث يريد، ودفع بكما إلى كل عمل قبيح وسلوك بشع وأجبركما عليه وحطّما هذه القيود، وكسَّرا هذه السلاسل.

وكن أيها الإنسان حراً، وادفع عن نفسك الذل والهوان، وضع في رقبتك طوق العبودية للحق جلّ جلاله حتى تتحرر من كل عبودية وترقى إلى السلطة الإلهية في العالمين.

أيها العزيز على الرغم من أن هذا العالم ليس بدار الجزاء والمكافأة وليس بمحل لظهور سلطة الحق المتعالي، وإنما هو سجن المؤمن، فلو تحررت من أسر النفس، وأصبحت عبداً للحق المتعالي، وجعلت القلب موحداً وأجليت مراة روحك من غبار النفاق والإثنينيّة، وأرسلت قلبك إلى النقطة المركزية للكمال المطلق لشاهدت بعينك اثار ذلك في هذا العالم ولتوسع قلبك بقدر يغدو محلاً لظهور السلطنة التامة الإلهية حيث تصير مساحتها أوسع من جميع العوالم "لا يَسعُني أَرْضِي وَلاَ سَمَائِي وَلكِنْ يَسَعُنِي قَلْبُ عَبْدِي المُؤْمِن" ولشعرت غنى واضحاً في النفس، حيث لم تعبأ بكل العوالم الغيبية والمادية، ولأصبحت إرادتك قوية حيث لم تفكر في عالمي المُلك والملكوت ولم تجد لهما اللياقة لاحتضانك، بيت شعر:

هل رأيت تحليق الطير؟
انسلخ من أغلال الشهوة حتى ترى تحليق الإنسان!


* جهاد النفس، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

2024-03-07