يتم التحميل...

صدى الولاية - العدد 223 - ذو القعدة 1442 هـ

ذو القعدة

عدد الزوار: 43

 

1- اليوم، صارت الجمهوريّة الإسلاميّة أكثر تطوراً من الأول، قبل أربعين عاماً، وأكثر تقدّماً، وهي متقدمة من النواحي جميعاً، بفضل الله.
2- إذا كان المرء يؤمن بالإسلام، وإذا دقق في الأسس المعرفية للإسلام، عليه أيضاً أن يؤمن بحاكميّة الإسلام في المجتمع.
3- ذات يوم، كانت الجمهوريّة الإسلاميّة شجيرة نحيلة. اليوم هي شجرة طيبّة قويّة ومتينة ولا يمكن لأي عاصفة أن تهزّها.
4- الإسلام في رأي الإمام إسلامٌ يسعى إلى العدالة، وهو ضدّ الاستكبار ومكافحٌ للفساد.

 
 

خطاب القائد

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 الجمهوريّة الإسلاميّة ابتكار الإمام العظيم
كان للإمام (رضوان الله عليه) ابتكارات كثيرة، لكن أهمّ ابتكار له هو «الجمهوريّة الإسلاميّة». كان هذا ابتكار الإمام العظيم. هذه هي السيادة الدينيّة نفسها التي صارت رسميّة تحت اسم «الجمهوريّة الإسلاميّة»، وصارت عنوان النظام الناشئ عن فكر الشّعب الإيراني وإرادته، وقيادة الإمام العظيم.

صلابة الإمام وعزيمته وانتصارات الجمهوريّة الإسلاميّة المخرسة أعداءَ النّظام
بين أنظمة العالم -الأنظمة الثورية والأنظمة التي تشكلت في القرن أو القرنين الماضيين- لا أعرف أيّ نظام جرى التنبّؤ له بالزوال والدمار والانهيار بقدر الجمهوريّة الإسلاميّة.

منذ اليوم الأوّل لتشكيل الجمهوريّة الإسلاميّة، كان المغرضون والأعداء، وأولئك الذين لا يستطيعون هضم هذه الظاهرة العظيمة وتحمّلها -في الداخل والخارج- كانوا يقولون إنّ الجمهوريّة الإسلاميّة لن تدوم شهرين آخرين، ومرّة ستّة أشهر أخرى، وأحياناً عاماً آخر، وسوف تزول.

طبعاً، صلابة الإمام العظيم وعزيمته، ثمّ الانتصارات العظيمة للشعب الإيرانيّ في حرب السنوات الثماني وأحداث أخرى مختلفة، أخمدت هذه الضوضاء، ولكن بعد وفاة الإمام أخذ المغرضون نَفَساً، ووجدوا أملاً، وبدؤوا تكرار أمنيّاتهم بصورة تنبّؤات، وكرّروا تلك الكلمات نفسها.

وكان آخر تلك التنبّؤات قبل عامين، عندما تحدّث الأمريكيون «المُوَقّرون» بآخر كلمة في هذا الصدد! لقد صرّح مسؤول أمريكيّ رفيع المستوى على نحو قاطع بأنّ الجمهوريّة الإسلاميّة لن تشهد الذكرى الأربعين لتأسيسها.

لكن، بحمد الله، الثورة الإسلاميّة ونظام الإمام الخمينيّ لم ينهارا ولم يتوقّفا، بل صارا أقوى يوماً بعد يوم. لم يستسلم الإمام، ولم يتخلَّ، وأثبتَ استقلاله أكثر يوماً بعد يوم، وأظهر أنّه حقّق توفيقات كبيرة وتغلّبَ على الموانع. كم من عوائق جعلوها في طريق هذه الثورة الإسلاميّة وهذا النظام بصورة متواصلة! أنواعٌ وأقسامٌ: سياسيّة واقتصاديّة وأمنيّة... وغيرها. تغلّب عليها كلها ومضى قُدماً. اليوم، صارت الجمهوريّة الإسلاميّة أكثر تطوُّراً من الأوّل، قبل أربعين عاماً، وأكثر تقدّماً، وهي متقدِّمة من النواحي جميعاً، بفضل الله.

اجتماع الإسلام والنّاس سرٌّ لديمومة الجمهوريّة الإسلاميّة
إذا أردنا أن نجيب عن هذه الأسئلة: ما السرّ في هذه الديمومة، ما السرّ في هذا التقدّم؟ ولماذا لم تواجه الجمهوريّة الإسلاميّة على الرغم من هذا العداء كلّه مصيرَ الأنظمة والثورات الأخرى؟ ما السبب وما السرّ؟ أقول إنّ السرّ العظيم لهذا النظام وديمومته هما هاتان الكلمتان: «جمهوريّة» و«إسلاميّة». اجتماع هاتَين الكلمتَين معاً، والموجود الذي يتكوّن من هاتَين الكلمتَين يجب أن يظلّ ثابتاً أيضاً. جمهوريّة وإسلاميّة أيضاً. الناس والإسلام. الجمهوريّة تعني الناس، والإسلاميّة تعني الإسلام طبعاً. السيادة الشعبية الدينيّة.

خلق نظريّة الجمهوريّة الإسلاميّة وتحقيقها هما العمل العظيم للإمام الخمينيّ (رضوان الله عليه)
كان العمل العظيم لإمامنا العظيم هو خلق هذه الفكرة، هذه النظريّة، نظريّة الجمهوريّة الإسلاميّة، وإدخالها في ميدان النظريّات السياسيّة المتنوّعة -في تلك الفترة، كانت النظريات السياسية المختلفة، الشرقيّة والغربيّة، تتصادم مع بعضها في القضايا والذهنيات السياسية- ثم أضفى عليها التحقُّق، أضفى عليها العينيّة. لم يكن الأمر ابتكاراً صرفاً لنظريّة فحسب، بل حقّقها وأنشأ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة. هذا هو العمل العظيم للإمام.

معرفة الإمام العميقة بالإسلام وثقته العميقة بالنّاس ركيزتان لإنشاء نظريّة الجمهوريّة الإسلاميّة وتحقيقها
كان الإمام (رضوان الله عليه) إنساناً عظيماً من نواحٍ مختلفة بما في ذلك المعرفة الدينيّة. وكان الأساس لإنشاء هذه النظريّة وتحقيقها معرفته العميقة بالإسلام من جهة -كان يعرف الإسلام ويعرف أنّ الحاكميّة الإسلاميّة مرتبطة بالرسالة الرئيسة للإسلام-، وإيمانه العميق بالناس من جهة أخرى. كان الإمام العظيم يؤمن بالناس كثيراً وبقدراتهم وبعزمهم وبوفائهم.

نظريّة الجمهوريّة الإسلاميّة على أساسٍ من نصّ الإسلام
بالتوكل على الله، وبالإيمان بالناس، وبالاستناد إلى تلك المعرفة العميقة بالدين الموجودة لديه، وقف الإمام راسخاً، ومضى بهذه النظريّة، وأضفى التحقّق على هذا الابتكار العظيم في محيط المجتمع. طبعاً، يجب أن أقول ذلك باختصار حتماً: إنّ هذا استنباط نابع من علم وليس أمراً عاطفيّاً. يجب أن يحكم الدين، وفي هذه الحاكميّة لا بدّ أن يكون الناس حاضرين؛ أي السيادة الشعبية الدينية، وهذا كلّه ينبثق من نصّ الإسلام.

حاكميّة الدّين مأخوذة من «القرآن» والأحاديث
إنّ حاكميّة الدين منصوص عليها بوضوح في القرآن. الآية الشريفة من سورة «النساء»: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ (النساء، 64)، تبيّن أنّه تعالى أرسل الرُّسُل (عليهم السلام) ليُطيعَهم الناسُ. حسناً، في أيّ شيء يُطيعون؟ أيّ الأشياء هي الموضوع لطاعة الأنبياء (عليهم السلام)؟ المئات من آيات القرآن تبيّن ذلك: مثلاً آيات الجهاد، الآيات المرتبطة بإقامة القسط، الآيات ذات الصلة بالحدود والعقوبات، الآيات ذات الصلة بالمعاملات والعهود، الآيات المرتبطة بالاتفاقات الدولية - ﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ﴾ (التوبة، 12) - إلى آخرها. هذه [الأشياء] تعني الحكومة. تدلّ هذه الآيات على الوجوب لطاعة الرسول في هذه الموارد. وفي موضوع الدفاع عن الوطن، وفي إجراء الحدود، وفي المعاملات والعقود الاجتماعية، وفي مسألة العقود مع الدول الأخرى، وفي إقامة القسط والعدل، وإقامة العدل في المجتمع... في هذه كلها لا بدّ أن يُطاع النبي. هذا يعني الحكومة. معنى الحكومة لا شيء غير ذلك. حاكميّة الإسلام منعكسة بهذا الوضوح في القرآن وواضحة.

وفي السنّة والحديث وكلام الرسول (صلى الله عليه وآله) وكلام المعصومين (عليهم السلام) هي موجودة إلى ما شاء الله. وقد أخذ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) هذا العهد نفسه عندما جاء ممثلو أهل يثرب إلى مكّة لكي يدعوه (صلى الله عليه وآله) إلى يثرب التي صارت في ما بعد مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله)، وقد تحدّثوا مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) في عقبة مِنى. قال: سآتي، لكن يجب أن تدافعوا، يجب أن تساندوا حتّى بأرواحكم. وهم قَبِلوا ووعدوا. أيضاً بعدما دخل النبيّ (صلى الله عليه وآله) المدينة المنوّرة، أسّس الحكومة الإسلاميّة، وأقام الحاكميّة، وهذه الحاكميّة كانت مرتبطة بنبوته، أي لم تكن هناك مسألة أخرى. فلأنّه كان نبيّاً، ولأنّهم آمنوا به، أقام الحاكميّة.

بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) أيضاً، لا أحد من المسلمين ومن أولئك الذين اختلفوا في مسألة الخلافة لديه شكّ في أنّ أيّ حكومة ستتشكل يجب أن تكون على أساس الدين وعلى أساس القرآن.

لذلك إنّ قضية حاكميّة الدين، حاكميّة الإسلام، أمر واضح جدّاً، وهي لازمةُ الإيمان بالإسلام؛ أي إذا كان المرء يؤمن بالإسلام، وإذا دقق في الأسس المعرفية للإسلام، عليه أيضاً أن يؤمن بحاكميّة الإسلام في المجتمع.

مسؤوليّة الشّعب وواجبه في إقامة الحكومة الإسلاميّة وحقّ تقرير المصير
إنّ الجمهوريّة، والسيادة الشعبيّة، والاعتبار لرأي الناس قضيّة مهمّة جدّاً. يجب النظر إلى هذه المسألة من منظورين: الأول منظور دينيّ وعقديّ وفي إطار المسؤوليّة والحقّ، والآخر أنّ التحقّق العملي لحاكميّة الدين غير ممكن من دون الناس.

ذاك الجزء الأول، الذي هو حضور الناس، هو حضور قطعي في الحكومة الإسلاميّة. ويُفهم من مسؤولية البشر. في القرآن الكريم وفي رواياتنا كثير من المطالب الواضحة حول مسؤولية الناس تجاه مصير المجتمع: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ»؛ أي جميع الناس مسؤولون تجاه حالة المجتمع. «مَنْ أَصْبَحَ لا يَهْتَمُّ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ»؛ أمور المسلمين تعني أمور الأمّة الإسلاميّة، التي تشمل شؤون الجميع.

كذلك في «خطبة صفين» المعروفة التي تضمنت معلومات كثيرة في باب الحكم، فلأمير المؤمنين (عليه السلام) جملة مهمّة جدّاً: «لكنْ مِن واجِبِ حُقوقِ اللّه ِعلى عِبادِهِ النَّصيحَةُ بمَبْلَغِ جُهْدِهِم والتَّعاوُنُ على إقامَةِ الحقِّ بَينَهُم»، ومن أهم حقوق الله تعالى وأكثرها لزوماً ما يلي: «التَّعاوُنُ على إقامَةِ الحقِّ بَينَهُم». يجب أن يعملوا معاً لإقامة الحق في المجتمع؛ أي هي مسؤوليّة الناس. الناس مسؤولون، وعليهم أن يساعدوا في إقامة حكومة الحقّ في البلاد، وإقامة حكم الله.

واجب الأمر بالمعروف واجب عام، ومن أهم المعروف حكومة الحقّ والعدل. لا بدّ أن تكون هناك حكومة عادلة في المجتمع، حكومة حق. وعلى الناس أن يأمروا بهذا المعروف. هذا يظهر مسؤولية الشعب. أو مثلاً مواجهة انحرافات المجتمع، التي ذكرها أمير المؤمنين في «الشقشقية»؛ إذ رأى أن من الأسباب لقبول الحكم هو هذا: «وَمَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلَّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَلَا سَغَبِ مَظْلُومٍ»؛ أي أنّ الله تعالى أخذ هذا العهد من العلماء ألّا يقبلوا الانقسام الاجتماعي، وألّا يقبلوا الفروق الاجتماعية؛ إذ يُشرف أحدهم على الموت بسبب الشبع، والآخر بسبب الجوع! الآن، ذكر «العلماء»، إمّا لأنّ العلماء طبقة متميزة وهذا الحقّ يرتبط بهم أكثر وهذه المسؤولية تتعلق بهم أكثر، وإما ذكر العلماء بمعنى الحكماء؛ أي كل شخص صاحب دراية، فمن ليس صاحب دراية ليس بطبيعة الحال مسؤولاً. الشخص الذي يكون مطّلعاً هو المسؤول بطبيعة الحال. حسناً، هذه مسؤوليّة عامة. أما كيفية الممارسة لهذه المسؤولية، فهي متباينة في أوقات مختلفة. اليوم بالانتخابات، وقد تكون يوماً ما بأداة أخرى. [لذلك] هناك هذه المسؤولية. هذه «مسؤولية» من جهة، و«حقّ» من جهة أخرى، الحقّ في تقرير المصير. الناس أحرار. «لا تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَ قَدْ جَعَلَكَ اللَّهُ حُرّاً». هذا الكلام لأمير المؤمنين (عليه السلام). اختر بنفسك، وحدّد مصيرك بنفسك. هذا من مُسلّمات الإسلام.

لذلك، موضوع حاكميّة الناس والسيادة الشعبيّة يستند على هذه التعاليم الدينية. هذا موجود في القرآن، وفي نهج البلاغة أيضاً، وفي سلوك النبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وزمانهم؛ إذ يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في «خطبة صفّين» نفسها: «فَلاَ تَكُفُّوا عَنْ مَقَالٍ بِحَقّ، أَوْ مَشُورَةٍ بِعَدْل»؛ أي لا تنأَ، أخبرني، أبدِ رأيك في ممارستي وأسلوبي وطريقة عملي. هكذا. لذلك، تنبع مسؤولية الناس وحقوقهم من نص الإسلام على نحو مُسلّم به. هذا هو المنظور الأول.

حاجة الحكومات إلى الدّعم الشّعبيّ
المنظور الثاني هو منظور المساندة والحاجة إلى الدعم الشعبيّ. هذا واضح أيضاً. أي حكومة إن كانت بلا دعم شعبي ولا يدعمها الناس، فسيتعيّن عليها العيش بالسيف والسو؛، أي لا يمكن للحكومة أن تستمرّ. الآن، الحكومة الإسلاميّة والقرآنيّة ليست أهل الظلم والسيف والسوط العبثي على الناس. لذلك، لا يمكنها التحرّك بلا دعم الناس. إذاً، من غير الممكن للجمهوريّة الإسلاميّة أن تنشأ بلا دعم الناس، ولا يمكن أن تستمرّ بعد ظهورها دونه.

الجمهوريّة الإسلاميّة مخطّط دينيّ خالص وأصيل ولم يؤخذ من الغربيّين
السيادة الشعبية الدينية التي لاقت التطبيق الرسمي باسم «الجمهوريّة الإسلاميّة»، وطرحها الإمام الخمينيّ، هي مخطّط دينيّ خالص وأصيل، ولا ينبغي أن يكون هناك أيّ شك في ذلك. حقيقة أنّ بعض الناس يقولون إنّ الإمام أخذ الانتخابات والسيادة الشعبية وأمثالهما من الغربيّين بسبب المراعاة والإحراج وما شابه تصريحٌ لا أساس له أبداً. الإمام الذي عرفناه وتعاملنا معه سنوات عدّة، وقد رآه الناس، لم يكن شخصاً يتخلّى عن حكم الله بسبب الإحراج مع هذا وذاك فينصرف بهذه الكلمات عن حكم الله. لا! إن لم تكن هناك سيادة شعبية في الدين، ولم تكن من الدين ومن الله، فما كان الإمام قد سلّم بها. كان الإمام يقول رأيه بصورة قاطعة. لاحظتم في حياته، في اليوم الذي أثار فيه مسألة الحجاب -إلزام النساء ارتداء الحجاب في البيئة الاجتماعيّة- كيف عارضه كثيرون، حتّى المقربون من الإمام نفسه. جاءني أحد المقربين منه في ذلك اليوم وقال: يا سيّد! ما الذي يقولونه؟ ما هذا الذي يقوله الإمام؟ أنت، مثلاً، اذهب واطلب من الإمام أنْ يتراجع. بالطبع، كان رأيي موافقاً لرأي الإمام.
نعم، قد عارضه كثيرون، لكن كان هذا رأيه، وقد طرح مسألة الحجاب بحزم، وكان كلاماً صحيحاً.

استخدام الإمام قدرةَ الشّعب وإرادته، وزيادة اقتدار هذه الأمّة وعزّتها
لقد قام الإمام العظيم على هذا التفكّر الديني الجديد. قدّم هذه المدرسة التقدمية والجديدة، وهذا التصور الجميل والرائع للإسلام القائم على ذلك الفكر الواضح والمعرفة العميقة. وبهذه الخطة المُحكمة والمنطقية، استطاع إدخال الشعب الإيراني وسط الميدان بعدما تأقلم مع الاستبداد قروناً، بل جعله صاحب القرار في البلاد، وجعله مؤمناً بنفسه. من الصعب جداً عليكم، أيّها الشباب الأعزاء الذين لم تروا المرحلة ما قبل الثورة، أن تعرفوا كيف كانت. عشنا هناك، عشنا في ذلك الزمن. في ذلك الوقت، كان الناس لا دخل لهم أبداً. في الواقع، إن قال شخص للناس إنّ لديكم الحق أو يمكنكم التدخل في شؤون البلد، فلم يكن لذلك مصداقيّة بين الناس. فهم على الهامش تماماً. كانوا لا شيء خاصّةً في العصر المظلم للاستبداد البهلويّ، الذي أدركنا السنوات العشرين أو الثلاثين الأخيرة منه. هؤلاء الناس كانوا على هذا النحو، ولقد عاشوا تحت الاضطهاد. بحركة واحدة، جلب الإمام هذا الشعب وهؤلاء الناس إلى الميدان، فآمن الشباب بأنفسهم، وآمن الشعب بنفسه، واستخدم الإمام قدرة الشعب العظيمة وإرادته، وتمكّن بقيادته وهدايته من الوصول إلى مرحلة تمكّنهم من فعل أعمال عظيمة: الإطاحة بالنظام الملكي الذي دام آلافاً من السنين، وحضورهم وسط الميدان، وعمل نقلة في دين الناس ومعرفتهم وفهمهم لتمكّنهم من الوقوف والمقاومة وأن يصيروا أقوى يوماً بعد يوم.

ذات يوم، كانت الجمهوريّة الإسلاميّة شجيرة نحيلة. اليوم هي شجرة طيبّة قويّة ومتينة ولا يمكن لأي عاصفة أن تهزّها. أحداث رهيبة مرّت، استطاع هذا الشعب أن يحافظ على نفسه أمام هذه الأحداث الرهيبة، وأن يتقدّم، مثل حرب السنوات الثماني. وقفت القوى العظمى في العالم جميعاً وراء حكومة هاجمتنا ثماني سنوات. لقد زوّدوها بالمعدات والمعلومات والتكتيكات والمساعدات المالية -الجميع- حتى يتمكّنوا من تدمير الجمهوريّة الإسلاميّة. الشعب الإيراني وقف بقوّة وجعلهم يركعون. فليموتوا بغيظهم. لم يستسلم الشعب ولم يركع، بل طوّر نطاق اقتداره وعزّته.

المعالجة لقضايا النّاس في نظر الإمام: التوجّه الإسلاميّ، والحاكميّة لإرادة النّاس في إدارة شؤونهم
رأى الإمام في هاتين الكلمتين، «الجمهوريّة» و«الإسلاميّة»، علاجاً لمشكلات البلاد جميعاً. كان يعلم أن الحل لمشكلات البلاد جميعاً هو التزام الإسلام، وأن يكون الناس حاضرين في الساحة. كان هذا رأي الإمام. حينما قال: «لا كلمة أكثر، ولا كلمة أقلّ»، فـ«كلمة أقلّ» تعني «الجمهوريّة بلا الإسلاميّة»، أو «الإسلاميّة بلا الجمهوريّة»؛ أي لا معنى لهذه دون تلك؛ الإمام قال «الجمهوريّة الإسلاميّة»؛ أي حاكميّة الإسلام وحاكميّة الناس، فهما متداخلان بعضهما ببعض، ولا يتعارض أحدهما مع الآخر. حاكميّة الإسلام تعني أنّ المحتويات والقيم والتوجهات يحددها الإسلام، وحاكميّة الناس تعني الشكل لإدارة الحكومة التي يشكّلها الشعب.

حاكميّة الإسلام، وحاكميّة الناس. إرادة الشعب مؤثّرة، كما أنّ أحكام الإسلام لها تأثير. كان يرى الإمام في هذا حلّاً للمشكلات. حقيقة الأمر كذلك، وهي أنّ هذا مفتاحٌ لحلّ شؤون البلاد كلّها.

آراء الإمام في المضمون الإسلاميّ للنظام وخصائص الإسلام في آراء الإمام وأقواله
تصريحات الإمام مهمّة أيضاً. لديه أقوال عجيبة وقد دَوّنت هنا جملة قصيرة من كلامه لأقولها. للإمام تصريحات واضحة وحازمة وحاسمة حول الإسلام والسيادة الشعبيّة. بالنسبة إلى الإسلام، يرفض الإمام رفضاً قاطعاً إسلام المتحجرين والالتقاطيين. من ناحية، يرفض المتحجّرين، ومن ناحية أخرى، يرفض الالتقاطيين، أولئك الذين ينقلون كلام الآخرين إلى مستمعيهم والمجتمع باسم الإسلام. يرفضهم الإمام رفضاً قاطعاً. الإسلام في رأي الإمام إسلامٌ يسعى إلى العدالة، وهو ضدّ الاستكبار ومكافحٌ للفساد. هذا واضح في كلام الإمام، وأيضاً موجود في الوصية، وكذلك في هذه المجلدات العشرين من تصريحاته التي نُشرت. التفتوا! نحن قد سمعنا مباشرة من الإمام نفسه. أما أولئك الذين لم يكونوا ولم يروا، فليراجعوا بياناته. نصّ الإمام واضح.

الإسلام الذي يؤمن به الإمام هو ضدّ الاستكبار؛ أي ضدّ أمريكا، وضدّ هيمنة الأجانب، وضد تدخّل الغرباء والقوى الأجنبيّة في الشؤون الداخليّة للبلاد. إنه ضدّ الركوع أمام العدوّ. الإسلام ضدّ الفساد. الإسلام الذي يؤمن به الإمام مكافحٌ للفساد ومحارب للجشع. فهذه الأشياء التي تمّ تحديدها في سياق الفساد في بعض القطاعات، هي بالتأكيد في النقطة المقابلة للإسلام. الإسلام هو الإسلام الذي يكافح الفساد. الحكومة الإسلاميّة هي الحكومة التي تحارب الفساد. وهو ضدّ التحجر، وإدخال الأفكار القديمة المتخلّفة في مجال الحياة، والابتعاد عن الفكر الإسلاميّ الجديد والفكر الجديد للإمام العظيم. الإسلام مناهض للأرستقراطية. الإسلام إلى جانب المحرومين. الإسلام ضدّ الفروق الطبقيّة، وضد الفجوات بين الأغنياء والفقراء.

هكذا كتب الإمام في إحدى رسائله إلى أحد المسؤولين، وهي ترتبط بالمدة الأخيرة في حياة الإمام العظيم، قبل رحيله ببضعة أشهر: «يجب أن تُظهر أنّ شعبنا انتفض ضدّ الظلم والتحجّر والتخلّف، واستبدل فكرة الإسلام المحمّديّ الأصيل مكان الإسلام الملكيّ، والإسلام الرأسماليّ، والإسلام الالتقاطيّ، وفي كلمة واحدة: الإسلام الأمريكيّ». هذا مرتبط بيناير/كانون الثاني 1989، لا أنْ نقول إنّه يعود، مثلاً، إلى مرحلة الحماسة والنشاط الثوريّ بداية العمل. لا! لقد صرح الإمام بذلك قبل وفاته ببضعة أشهر. إذاً، هذا رأيُ الإمام حول الإسلام.

 
 

من ذاكرة القائد (دام ظله)

 

الإمام الخمينيّ (رضوان الله عليه) وإيمانه بالناس

في بداية النهضة (عام 1341)، وفي أحد الدروس، جرّ النقاش إلى القضايا السياسيّة، فأشار الإمام (رضوان الله عليه) إلى صحراء قم، وقال: لو دعونا الناس، فسيملؤون هذه الصحراء! عام 1341، حين لم يكن أحد يتخيّل أنّه بالإمكان إشراك الناس في مثل هذه الحركة. وكِلا الجزأين من هذه النظرية، نظرية الجمهوريّة الإسلاميّة، جزئها الإسلاميّ وجزئها الجمهوريّ، كان الإمام يرى أنّهما مرتبطان بالإسلام، وقد أخذهما من الإسلام. كما أنّ إحاطته بالمبادئ الإسلاميّة ومعرفته العميقة والشموليّة في فهم القضايا الإسلاميّة أنشأتا هذه النظريّة في ذهن ذلك الرجل العظيم.

 
 

من توجيهات القائد (دام ظلّه)

 

فليشارك الناس

نحن أينما وظّفنا الناس والتزمنا الإسلام نكون قد تقدّمنا، سواء في زمن الإمام أو هذه العقود بعد رحيله حتى اليوم. أقول هذا بصورة قاطعة وهناك أدلة كثيرة أمام أعين الناس يمكن تقديمها. أينما جلبنا الناس إلى الميدان، وحيثما جعلنا الإسلام المعيار والمقياس الرئيسي لعملنا، فإنّنا نمضي قدماً، وحيثما جرى تعطّل في أحدهما، لم نتقدّم. مثلاً لنفترض أنّنا أدخلنا الناس إلى ميدان القضايا الاقتصاديّة. لقد كنت أكرر منذ سنوات أنه علينا تطوير الورش الصناعية الصغيرة والمتوسطة ومساعدتها وتنميتها، ما يعني أن هذه الورش الصغيرة والمتوسطة تطعم وترتبط بالملايين -هذا هو حضور الناس- فلو عزّزنا هذا، لكان الاقتصاد اليوم أفضل من ذلك.

2021-06-15