|
بسم الله الرحمن الرحيم
* شهر رمضان: فرصةٌ للتعبّد والتقرّب
شهر رمضان فرصة مميّزة جدّاً، هو فرصة في غاية الأهميّة؛ هو فرصة للتبليغ، وفرصة للتبيين، وفرصة للأنس بالناس، وفرصة لمدّ يد العون للفقراء، لكن ما هو أسمى من هذا كلّه، أنّه فرصة للتعبّد، وفرصة للتقرّب، وفرصة الصوم الذي تصومونه، وفرصة الجلوس على مائدة الرحمة الإلهيّة، وعلى مائدة الضيافة الإلهيّة. مائدة الضيافة التي يتحدثون عنها، هذه الضيافة، هي صومكم، وهي نافلتكم، وهي هذه الصلاة التي تقيمونها.
* السَحَر: فرصةٌ لمناجاة الله
الجميع ينهضون عند السحر في شهر رمضان؛ ينبغي أن لا يُضيّع هذا السحر؛ فالسّحر فرصة مميّزة جدّاً؛ إذ لو لم نستغلّ هذا السَحر، في هذا العالم المزدحم، فلن يكون لدينا وقت آخر لنختلي بأنفسنا، بقلوبنا، مع إلهنا، فعلاً لن يكون هناك وقت؛ فإذا ما فقدنا السحر فسوف لن تبقى لنا فعلاً أيّ فرصة.
شهر رمضان: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
شهر رمضان شهر التقوى، وكلّنا جميعاً نحتاج إلى مراعاة التقوى. يقول تعالى في الآية الشريفة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: 183) هذه ال ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ هي بمعنى الأمل، بمعنى أن هناك أملاً بحدوث التقوى. حسناً، والأمل لا معنى له في خصوص الله تعالى، فالله عالم بالأسرار والخفايا وبكلّ شيء، فلا معنى للأمل بالنسبة إليه. إذاً، المراد إنّنا جعلنا شهر رمضان هذا، وهذا التشريع الإلهي ليكون أرضيّة ومجالاً لإشاعة التقوى، وهذا الخطاب هو لعموم الناس؛ أي من أجل إشاعة التقوى بينكم أيّها الناس؛ وعليه فشهر رمضان هو شهر إشاعة التقوى ورواجها.
ما معنى التقوى؟
التقوى كما شاع في التفاسير وهو صحيح بمعنى «الخشية والخوف» أو في تعابيرنا العادية «المراعاة» فيقولون مثلاً إنّ فلاناً يراعي فلاناً، أو إنّك تراعي فلاناً. هذا هو معنى الخوف والمراعاة والتقوى. ﴿اِتَّقُوا الله﴾ (البقرة: 178) بمعنى راعوا الله [في أعمالكم وأقوالكم]، وخافوا الله تعالى. لقد رسم لكم القرآن خطّاً مستقيماً في هذه الحركة العظيمة من الحياة البشريّة المحفوفة بالمشاكل. كالأرض المزروعة بالألغام التي يُفتح فيها طريق ويُقال: إنّ هذا الطريق هو طريق السلامة والأمن فسيروا في هذا الطريق. هذا هو الصراط المستقيم. مراعاةُ الله ﴿اِتَّقُوا الله﴾ بمعنى أن تتنبهوا لكي لا تنحرفوا عن هذا الطريق، ولا تميلوا ذات اليمين وذات الشمال، لكي لا تقعوا في الابتلاءات والمشكلات.
إذا سرتم في هذا الدرب فستحصلون على نتائج حسنة جيدة، وقد بيّن الله هذه النتائج مراراً في آيات عديدة من القرآن: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (الحجرات: 10)؛ الرحمة؛ ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (البقرة: 189). إذا كانت التقوى موجودة تحقّق الفلاح للإنسان. وحينما تنتهجون التقوى فسوف تزول المشكلات والعقد والعقبات من أمامكم، وسيتبيّن لكم الطريق الصحيح. وإذا تحلّيتم بالتقوى كان ذلك لكم فرقاناً ﴿يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانً﴾ (الأنفال: 29). ومعنى الفرقان هو القدرة على التفريق والتشخيص والتمييز، وهذا شيء على جانب كبير من الأهمية. إنّنا في قضايا الحياة وشؤونها كلّها نحتاج إلى قدرة تشخيص نميّز بها طريق الصواب من طريق الخطأ، والحقّ من الباطل. والتقوى توفّر لنا الفرقان؛ أي تخلق لنا قدرة على التشخيص. وشيء آخر: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجً﴾ (الطلاق: 2)، المخرج بمعنى تحطيم الطرق المسدودة. إذا كانت التقوى موجودة فلن يكون هناك طريق مسدود، لن يكون هناك طريق مسدود في أموركم وشؤونكم ومجالاتكم كلّها.
إذا كنتم تتحلّون بالتقوى وراعيتم التقوى وتحلّيتم بذلك الخوف والحذر وملاحظة الله تعالى، فلن يكون أمامكم طريق مسدود. والتقوى تمنح البصيرة أيضاً. هذه وعود القرآن فيما يخصّ التقوى ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثً﴾ (النساء: 87)، وما من أحد أصدق وأوفى وعداً من الله تعالى. عندما يعِدُ الله تعالى فإنّ وعده سيتحقّق، وهذا أمر قطعي مؤكّد ولا شكّ فيه.
* القرآن الكريم: اقرأوه بتدبُّر
ينبغي التوجّه والتنبّه إلى باطن القرآن. وما أقصده من باطن القرآن ليس تلك البطون التي لا يعلمها إلّا أهل الذكر وأئمّة الهدى (عليهم السلام)، فتلك ليست من مهمّتنا، ويجب أن نعمل لكسبها وتعلّمها من الروايات ومن كلمات الأئمّة (عليهم السلام) ونفهمها، بل المراد هو ظاهر العبارة. مثلاً يقول القرآن: ﴿وَالعاقِبَةُ لِلمُتَّقين﴾ (الأعراف: 128). حسناً، ما معنى العاقبة ونهاية الأمر؟ نهاية الأمر للمتّقين، نهاية الأمر في الدنيا لمصلحة المتّقين، ونهاية الأمر في الآخرة لمصلحة المتّقين. والكفاح إذا أريد الانتصار فيه، فستكون العاقبة للمتّقين، وفي ساحة الحرب أيضاً، إن أردتم الانتصار على العدوّ فيجب أن تكونوا متّقين. لاحظوا! إذا دقّقتم وجدتم أنّ العاقبة للمتّقين. لنتعمّق في هذا المعنى قليلاً وندقّق فيه، ولا نمرّ على العبارة مروراً سريعاً. أو يقول مثلاً: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: 155). ما هو هذا الخوف؟ وما هو الجوع؟ يجب على الإنسان أن يتأمّل في هذه الكلمات والمفاهيم، وهذا هو التدبّر في القرآن، وهكذا يكون. فلنبذل هذا الجهد، ولندقّق كي نفهم المعارف من القرآن. حين يقال: «لنتعلم من القرآن دروس الحياة»؛ فالقرآن يزيّن أذهاننا بالمعارف السامية، وحينما يسمو ذهن الإنسان بالمعارف السامية سيمكنه فهم أسرار العالم كلّها؛ إنّه يعلّم الحكمة.
القرآن الكريم: يَهْدِي لِلَّتي هِي أقوَم
يقول تعالى: ﴿إنَّ هذَا القُرءانَ يَهْدِي لِلَّتي هِي أقوَم﴾ (الإسراء: 9). هذا القرآن يبيّن لكم «الأقوم» -أي الأرسخ والأفضل والأقوى والأكثر قواماً-، ويهديكم للتي هي أقوم، «الأقوم» في أي شيء؟ «الأقوم» في حياتكم الدنيويّة، «الأقوم» في تحقيق عزّتكم، «الأقوم» في إقامة حكومتكم، «الأقوم» في حياتكم الحقيقيّة وحياتكم الأخرويّة التي هي الحياة الحقيقيّة - ﴿لَهِيَ الحَيَوان﴾- (العنكبوت: 64)، هذا ما سيحصل عندما تعمّ المعارف القرآنيّة.
القرآن الكريم: حاجة البشريّة اليوم
نحن بحاجة إلى القرآن، بل والمجتمع البشريّ بحاجة حقيقيّة إلى القرآن في الوقت الحاضر. فالقرآن هو الذي يعارض الاستكبار، والقرآن هو الذي يعارض الظلم بصراحة، والقرآن هو الذي يواجه الكفر بالله صراحة، والقرآن هو الذي يحارب الطغيان والطاغوت بقوّة: ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ﴾ (النساء: 76). كم هي قويّة نبرة القرآن هذه! هذه هي مشكلات البشريّة اليوم. هؤلاء الذين ترونهم يعربدون من موقع رئيس جمهوريّة البلد الفلانيّ، أو ملك البلد الفلانيّ، ضدّ الشعوب وضدّ الناس وضدّ السلام وضدّ الاستقرار وضدّ استقرار الحكومات والبلدان، هؤلاء هم أنفسهم الذين صرخ القرآن في وجوههم، وهذا ما ينبغي للناس أن يدركوه. حين يقول القرآن لنا: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ (هود: 113)، لا تثقوا بالظالمين، هذه هي مشكلة الناس في العالم اليوم. يثقون بهم فيذوقون الويلات. ولقد شاهدتم في بعض هذه البلدان العربيّة أنّ حراكاً جيّداً قد حصل، وانطلق كفاح جيّد، وقامت ملحمة وصحوة، لكنّها انطفأت كمشعل أُهيل عليه الرماد والتراب، لماذا؟ لأنّهم لم يعملوا بـ ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُو﴾. [بل] ركنوا إلى أمريكا وإلى الكيان الصهيونيّ، ولم يدركوا ماذا يجب أن يفعلوا، لذلك يحصل هذا معهم.
* إحياء يوم القدس دليل نفوذ الإمام (قدّس سرّه)
لقد شاهد العالم كلّه جاذبية الإمام الخمينيّ (قدّس سرّه) في مظاهرات يوم القدس [العام الفائت].
قبل أربعين سنة، ابتكر الإمام الخميني الجليل (قدّس سرّه) يوم القدس للدفاع عن قضيّة فلسطين المهمّة. وها قد مضى أربعون عاماً [على ذلك]، إلّا أنّ يوم القدس لا يزال جديداً لم يعتره القِدَم. وقد خرجت المظاهرات في أكثر من مائة بلد في يوم القدس على ذكرى الإمام الخمينيّ الجليل (قدّس سرّه). ففي الوقت الذي تنصبّ فيه مساعي السياسات الاستكباريّة لأمريكا وأذنابها وأتباعها على إيداع القضية الفلسطينيّة طيّ النسيان ومحوهاـ وأنتم تسمعون هذه الأخبار عن خبث الأمريكيين وخيانة بعض الرؤساء العرب في هذا الخصوص ـ وفي مثل هذه الظروف يؤدي عامل نفوذ إمامنا الكبير إلى طرح قضية القدس في أكثر من مائة بلد وإحيائها؛ لا من قبل الساسة والمتحدّثين السياسيّين الرسميّين، بل من قبل الجماهير الشعبيّة وعموم المسلمين. وهذا دليل على جاذبية الإمام الخمينيّ (قدّس سرّه) التي لا تزال قائمة حتى بعد ثلاثين عاماً من وفاته. ما من جاذبية في العالم يمكنها أن تضاهي هذه الجاذبيّة.